احتجم الحجـّاج ذات يوم ، فلما ركـّب المحاجم على رقبته قال له : أُحبّ أيها الأمير ! أن تخبرني بخبرك مع ابن الأشعث وكيف عصا عليك فقال له : لهذا الحديث وقت آخر ، وإذا فرغتَ من شأنك حدَّثتك . فأعاد الحجـّام مسألته وكرّرها ، والحجـّاج يدفعه ويعده ويحلف له على الوفاء له . فلما فرغ ونزع المحاجم عنه وغسل الدم ، أحضر الحجـّام وقال له . إنـّا وعدناك بأن نحدّثك حديث ابن الأشعث معنا ، وحلفنا لك ، ونحن محدِّثوك . ثم نادى : يا غلام ، السِّياط ! فأُتي بها . فأمر الحجاج بالحجام فجـُرِّد ، وعـَلـَتـْه السياط ، وأقبل الحجاج يقصّ عليه قصة ابن الأشعث بأطول حديث . فلما فرغ استوفى الحجامُ خمسمائة سوط ، فكاد يتلف . ثم رفع الضرب وقال له : قد وفـَّينا لك بالوعد ، وأيّ وقت أحببت أن تسأل خبرنا مع غير ابن الأشعث على هذا الشرط أجبناك !
أحمد بن طولون والصيّاد
ركب أحمد بن طولون فاجتاز بشاطئ النيل فوجد عنده شيخًا صيادًا عليه ثوب خلق لا يواريه ، ومعه صبي في مثل حاله من العُرْي وقد رمى الشبكة في البحر . فرثى لهما أحمد بن طولون ، وقال لنسيم الخادم : يا نسيم ، ادفع إلى هذا الصياد عشرين دينارًا . ثم رجع ابن طولون عن الجهة التي كان قصدها واجتاز بموضع الصياد فوجده ملقى على الأرض وقد فارق الدنيا والصبي يبكي ويصيح . فظن ابن طولون أن شخصًا قتله وأخذ الدنانير منه . فوقف بنفسه عليه وسأل الصبي عن خبره فقال الصبي : هذا الرجل ـ وأشار إلى نسيم الخادم ـ وضع في يد أبي شيئا ومضى ، فلم يزل أبي يقلبه من يمينه إلى شماله ومن شماله إلى يمينه حتى سقط ميتًا . فقال ابن طولون لغلمانه : فتشوا الشيخ . ففتشوه فوجدوا الدنانير معه . وأراد ابن طولون الصبي على أن يقبض دنانير أبيه إليه فأبى ، وقال : أخاف أن تقتلني كما قتلت أبي . فقال أحمد بن طولون لمن معه : الحق معه ، فالغِنَى يحتاج إلى تدريج وإلا قَتَل صاحبَه .
تعليق