بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف
من هي فاطمة الزهراء ؟
( إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهّركم تَطهيراً )
[الأحزاب/33]
إنَّ الحديث عن الزهراء عليها السلام إنّما هو حديث عمّا سوى الله سبحانه ، فهي الكون الجامع بل الحديث عنها حديث عن الله سبحانه لوحدة الرضا والغضب بينهما ، فإنّه سبحانه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، ومن الواضح أنّ المعرفة الكاملة والتامّة لا تكون إلاّ بعد الإحاطة بالشيء ، ومن يقدر على أن يحيط بفاطمة الزهراء عليها السلام إلاّ من كان خالقها ومن كان كفواً لها ، فلا يعرفها ويعرف أسرارها إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ورسول الله محمد صلى الله عليه وآله ، فإنّ الخلق كلّهم حتّى الأنبياء والملائكة والجن والإنس فطموا وقطعوا عن كنه معرفتها والإحاطة بها ، فلا يعرفها حقّاً إلاّ الله ورسوله ووصيّه عليهما السلام
ففاطمة الزهراء وديعة المصطفى وحليلة المرتضى مظهر النفس الكلّية على أتمّ الوجوه الممكنة فهي الحوراء بتعيّن إنسي ، مطلع الأنوار البهيّة ، وضياء المشكاة النبويّة ، صندوق الأسرار الإلهيّة ، ورعاء المعارف الربّانيّة ، عصمة الله الكبرى ، وآية الله العظمى
فمن يقدر على الإحاطة بمعرفة فاطمة الزهراء عليها السلام بما هي هي ، وبما تحمل في ذاتها وصفاتها من الأسرار وسرّ السرّ ، هيهات هيهات ، لا يعرفها حقيقة إلاّ مصوّرها وبارئها وأبوها وبعلها عليهما السلام ، ولمثلها يقوم خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله إجلالاً ويقبّل صدرها ويدها ، ويشمّ منها رائحة الجنّة ، ولا يخرج من المدينة حتّى يودّعها ولا يدخل حتّى يسلّم عليها أوّلاً
وليس كلّ هذا باعتبار العاطفة الأبويّة ، بل لما تحمل من الفضائل النبويّة والأسرار العلويّة.
فمن هي؟
هي التي كانت مفروضة الطاعة على جميع الخلق من الجنّ والإنس والطير والوحوش.
هي التي لا يذكر الله الحور العين في كتابه وفي سورة الدهر عندما يذكر منقبة من مناقبها إجلالاً وتكريماً وتعظيماً لها.
هي الكوثر التي خصّها الله بالخلق النوري من بين النساء ، وبالمهدي من آل محمد صلى عليهم السلام ، وبالذرّية المباركة الطاهرة ، بالحسن والحسين و الأئمة المعصومين عليهم السلام.
هي التي اشتقّ اسمها من اسم الله فكان فاطراً وكانت فاطمة ، وإنّها صاحبة السرّ المستودع ، ولها من المناقب والفضائل ما لا يمكن للبشر أن يحصيها ، وإذا كانت ضربة عليّ عليه السلام يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين أو أفضل ، فمن يقدر أن يعدّ عبادتهم ؟ وفاطمة كفؤ لعليّ عليهما السلام ، فلها ما لعليّ في كلّ شيء إلاّ الإمامة ، كما كان لعليّ ما لرسول الله إلاّ النبوّة.
و هي بضعة المصطفى وبهجة قلبه، من سرّها فقد سرّ رسول الله ، ومن آذاها فقد آذى رسول الله ، ومن آذى رسول الله فقد آذى الله ، ومن آذى الله ورسوله ، فعليه لعنة الله أبد الآبدين ، وكذلك لمن أغضبها وغضبت عليه ، فارجع إلى التأريخ لتعرف على من غضبت فاطمة ؟ وماتت وكانت واجدة عليهم ؟
اصطفاها الله وطهّرها تطهيراً، فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وإنّها أوّل من تدخل الجنّة، وتمرّ على الصراط، ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين
هي زينة العرش الإلهي كزوجها الوليّ والوصيّ ، وهي أعبد الناس ، حبّها ينفع في مئة موطن من المواطن ، أيسرها الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة ، ومن أحبّها فهو في الجنّة ، ومن أبغضها وآذاها فهو في النار
لنقتدي بأخلاق الزهراء(ع) من أيام ذكراها
1- مكارم أخلاقها :
كانت فاطمة(ع): «كريمة الخليقة، شريفة الملكة، نبيلة النفس، جليلة الحس، سريعة الفهم، مرهفة الذهن، جزلة المروءة، غرّاء المكارم، فيّاحة نفّاحة، جريئة الصدر، رابطة الجأش، حميّة الأنف، نائية عن مذاهب العجب، لا يحدّدها ماديّ الخيلاء، ولا يثني أعطافها الزهوو الكبرياء».
لقد كانت سبطة الخليقة في سماحة وهوادة إلى رحابة صدر وسعة أناة في وقار وسكينة ورفق ورزانة وركانة ورصانة وعفة وصيانة
عاشت قبل وفاة أبيها متهلّلة العزة وضّاحة المحيّا حسنة البشر باسمة الثغر، ولم تغرب بسمتها إلاّ منذ وفاة أبيها (ص)
كانت لا يجري لسانها بغير الحقّ ولا تنطق إلاّ بالصدق، لا تذكر أحداً بسوء، فلا غيبة ولا نميمة، ولا همز ولا لمز، تحفظ السرّ وتفي بالوعد، وتصدق النصح وتقبل العذر وتتجاوز عن الإساءة، فكثيراً ما أقالت العثرة وتلقّت الإساءة بالحلم والصفح
لقد كانت عزوفة عن الشرّ، ميّالة إلى الخير، أمينة، صدوقة في قولها، صادقة في نيّتها ووفائها، وكانت في الذروة العالية من العفاف، طاهرة الذيل عفيفة الطرف، لا يميل بها هواها، إذ هي من آل بيت النبيّ الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً
وكانت إذا ما كلّمت إنساناً أو خطبت في الرجال يكون بينها وبينهم ستر يحجبها عنهم عفةً وصيانة.
ومن عجيب صونها أنّها استقبحت بعد الوفاة ما يصنع بالنساء من أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها
وكانت الزهراء(ع) زاهدةً قنوعة، موقنة بأنّ الحرص يفرّق القلب ويشتّت الأمر، مستمسكة بما قاله لها أبوها: «يا فاطمة! اصبري على مرارة الدنيا لتفوزي بنعيم الأبد» فكانت راضية باليسير من العيش، صابرة على شظف الحياة، قانعة بالقليل من الحلال، راضيةً مرضيّة، لا تطمح إلى ما لغيرها، ولا تستشرف ببصرها إلى ما ليس من حقّها، وما كانت تتنزّل إلى سؤال غير الله تعالى، فهي رمز لغنى النفس ، كما قال أبوها(ص):
«إنّما الغنى غنى النفس»
إنّها السيّدة البتول التي انقطعت إلى الله تعالى عن دنياها وعزفت عن زخارفها وصدفت عن غرورها وعرفت آفاتها، وصبرت على أداء مسؤولياتها وهي تعاني شظف العيش ولسانها رطب بذكر مولاها.
لقد كان همّ الزهراء(ع) الآخرة، فلم تحفل بمباهج الدنيا وهي ترى إعراض أبيها(ص) عن الدنيا وما فيها من متع ولذائذ وشهوات
وعرف عنها صبرها على البلاء وشكرها عند الرخاء ورضاها بواقع القضاء، وقد روت عن أبيها(ص):
«إنّ الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه، فإن صبر اجتباه وإن رضي اصطفاه»
2- حنُوّها وشفقتها :
« لمست الزهراء(ع) من أبيها حبّه ومودّته وحنوّه وشفقته فكانت نعم البرّة به(ص) ، أخلصت له في حبّها وولائها وحنوّها ووفائها له ، فآثرته على نفسها ، وكانت تتولّى تدبير بيت أبيها(ص) وتقوم بإدارته ، فتنجز ما يصلحه وتبعث فيه الهدوء والراحة له ، وكانت تسارع إلى كلّ ما يرضي أباها رسول الله(ص)، تسكب له الماء ليغتسل وتهيّئ له طعامه وتغسل ثيابه ، فضلاً عن اشتراكها مع النساء في الغزو لحمل الطعام والشراب وسقاية الجرحى ومداواتهم، وفي غزوة اُحد هي التي داوت جراح أبيها حينما رأت أنّ الدم لا ينقطع، فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ثم ذرّته على الجرح فاستمسك الدم .. وجاءته في حفر الخندق بكسرة من خبز فرفعتها اليه فقال: ما هذه يا فاطمة ؟ قالت : من قرص اختبزته لابنيّ جئتك منه بهذه الكسرة ، فقال:
«يا بُنيّة : أما إنّها لأوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيّام »
وقد استطاعت الزهراء(ع) أن تسدّ الفراغ العاطفي الذي كان يعيشه الرسول(ص) بعد أن فقد أبويه في أول حياته وفقد زوجته الكريمة خديجة الكبرى في أقسى ظروف الدعوة والجهاد في سبيل الله .
إنّ مواقف الاُمومة التي صدرت عن الزهراء(ع) بالنسبة لأبيها وحدّثنا التاريخ عن نتف منها تؤكّد نجاح فاطمة(ع) في هذه المحاولة التي أعادت إلى النبي (ص) المصدر العاطفي الذي ساعده دون شك في تحمّل الأعباء الرسالية الكبرى ، ومن هنا قد نفهم السرّ في ما تكرّر على لسانه(ص) من أنّ
« فاطمة اُم أبيها »
إذ نرى أنّه كان يعاملها معاملة الاُم فيقبّل يدها ، ويبدأ بزيارتها عند عودته إلى المدينة ، كما يودّعها وينطلق من عندها في كلّ رحلاته وغزواته، كان يتزوّد من هذا المنبع الصافي عاطفةً لسفره ورحلته ، كما نلاحظ في سيرته(ص) كثرة دخوله عليها في حالات تعبه وآلامه أو حال جوعه أو حال دخول ضيف عليه ، ثم تقابله فاطمة(ع) كما تقابل الاُم ولدها فترعاه وتحتضنه وتخفّف آلامه كما تخدمه وتطيعه
المصدر: كتاب (سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام )
إعداد المجمع العالمي لأهل البيت(ع)
نسأاالكم الدعاء
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف
من هي فاطمة الزهراء ؟
( إنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنْكُمُ الرِّجسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهّركم تَطهيراً )
[الأحزاب/33]
إنَّ الحديث عن الزهراء عليها السلام إنّما هو حديث عمّا سوى الله سبحانه ، فهي الكون الجامع بل الحديث عنها حديث عن الله سبحانه لوحدة الرضا والغضب بينهما ، فإنّه سبحانه يرضى لرضاها ويغضب لغضبها ، ومن الواضح أنّ المعرفة الكاملة والتامّة لا تكون إلاّ بعد الإحاطة بالشيء ، ومن يقدر على أن يحيط بفاطمة الزهراء عليها السلام إلاّ من كان خالقها ومن كان كفواً لها ، فلا يعرفها ويعرف أسرارها إلاّ أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ورسول الله محمد صلى الله عليه وآله ، فإنّ الخلق كلّهم حتّى الأنبياء والملائكة والجن والإنس فطموا وقطعوا عن كنه معرفتها والإحاطة بها ، فلا يعرفها حقّاً إلاّ الله ورسوله ووصيّه عليهما السلام
ففاطمة الزهراء وديعة المصطفى وحليلة المرتضى مظهر النفس الكلّية على أتمّ الوجوه الممكنة فهي الحوراء بتعيّن إنسي ، مطلع الأنوار البهيّة ، وضياء المشكاة النبويّة ، صندوق الأسرار الإلهيّة ، ورعاء المعارف الربّانيّة ، عصمة الله الكبرى ، وآية الله العظمى
فمن يقدر على الإحاطة بمعرفة فاطمة الزهراء عليها السلام بما هي هي ، وبما تحمل في ذاتها وصفاتها من الأسرار وسرّ السرّ ، هيهات هيهات ، لا يعرفها حقيقة إلاّ مصوّرها وبارئها وأبوها وبعلها عليهما السلام ، ولمثلها يقوم خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله إجلالاً ويقبّل صدرها ويدها ، ويشمّ منها رائحة الجنّة ، ولا يخرج من المدينة حتّى يودّعها ولا يدخل حتّى يسلّم عليها أوّلاً
وليس كلّ هذا باعتبار العاطفة الأبويّة ، بل لما تحمل من الفضائل النبويّة والأسرار العلويّة.
فمن هي؟
هي التي كانت مفروضة الطاعة على جميع الخلق من الجنّ والإنس والطير والوحوش.
هي التي لا يذكر الله الحور العين في كتابه وفي سورة الدهر عندما يذكر منقبة من مناقبها إجلالاً وتكريماً وتعظيماً لها.
هي الكوثر التي خصّها الله بالخلق النوري من بين النساء ، وبالمهدي من آل محمد صلى عليهم السلام ، وبالذرّية المباركة الطاهرة ، بالحسن والحسين و الأئمة المعصومين عليهم السلام.
هي التي اشتقّ اسمها من اسم الله فكان فاطراً وكانت فاطمة ، وإنّها صاحبة السرّ المستودع ، ولها من المناقب والفضائل ما لا يمكن للبشر أن يحصيها ، وإذا كانت ضربة عليّ عليه السلام يوم الخندق تعدل عبادة الثقلين أو أفضل ، فمن يقدر أن يعدّ عبادتهم ؟ وفاطمة كفؤ لعليّ عليهما السلام ، فلها ما لعليّ في كلّ شيء إلاّ الإمامة ، كما كان لعليّ ما لرسول الله إلاّ النبوّة.
و هي بضعة المصطفى وبهجة قلبه، من سرّها فقد سرّ رسول الله ، ومن آذاها فقد آذى رسول الله ، ومن آذى رسول الله فقد آذى الله ، ومن آذى الله ورسوله ، فعليه لعنة الله أبد الآبدين ، وكذلك لمن أغضبها وغضبت عليه ، فارجع إلى التأريخ لتعرف على من غضبت فاطمة ؟ وماتت وكانت واجدة عليهم ؟
اصطفاها الله وطهّرها تطهيراً، فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين، وإنّها أوّل من تدخل الجنّة، وتمرّ على الصراط، ومعها سبعون ألف جارية من الحور العين
هي زينة العرش الإلهي كزوجها الوليّ والوصيّ ، وهي أعبد الناس ، حبّها ينفع في مئة موطن من المواطن ، أيسرها الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة ، ومن أحبّها فهو في الجنّة ، ومن أبغضها وآذاها فهو في النار
لنقتدي بأخلاق الزهراء(ع) من أيام ذكراها
1- مكارم أخلاقها :
كانت فاطمة(ع): «كريمة الخليقة، شريفة الملكة، نبيلة النفس، جليلة الحس، سريعة الفهم، مرهفة الذهن، جزلة المروءة، غرّاء المكارم، فيّاحة نفّاحة، جريئة الصدر، رابطة الجأش، حميّة الأنف، نائية عن مذاهب العجب، لا يحدّدها ماديّ الخيلاء، ولا يثني أعطافها الزهوو الكبرياء».
لقد كانت سبطة الخليقة في سماحة وهوادة إلى رحابة صدر وسعة أناة في وقار وسكينة ورفق ورزانة وركانة ورصانة وعفة وصيانة
عاشت قبل وفاة أبيها متهلّلة العزة وضّاحة المحيّا حسنة البشر باسمة الثغر، ولم تغرب بسمتها إلاّ منذ وفاة أبيها (ص)
كانت لا يجري لسانها بغير الحقّ ولا تنطق إلاّ بالصدق، لا تذكر أحداً بسوء، فلا غيبة ولا نميمة، ولا همز ولا لمز، تحفظ السرّ وتفي بالوعد، وتصدق النصح وتقبل العذر وتتجاوز عن الإساءة، فكثيراً ما أقالت العثرة وتلقّت الإساءة بالحلم والصفح
لقد كانت عزوفة عن الشرّ، ميّالة إلى الخير، أمينة، صدوقة في قولها، صادقة في نيّتها ووفائها، وكانت في الذروة العالية من العفاف، طاهرة الذيل عفيفة الطرف، لا يميل بها هواها، إذ هي من آل بيت النبيّ الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً
وكانت إذا ما كلّمت إنساناً أو خطبت في الرجال يكون بينها وبينهم ستر يحجبها عنهم عفةً وصيانة.
ومن عجيب صونها أنّها استقبحت بعد الوفاة ما يصنع بالنساء من أن يطرح على المرأة الثوب فيصفها
وكانت الزهراء(ع) زاهدةً قنوعة، موقنة بأنّ الحرص يفرّق القلب ويشتّت الأمر، مستمسكة بما قاله لها أبوها: «يا فاطمة! اصبري على مرارة الدنيا لتفوزي بنعيم الأبد» فكانت راضية باليسير من العيش، صابرة على شظف الحياة، قانعة بالقليل من الحلال، راضيةً مرضيّة، لا تطمح إلى ما لغيرها، ولا تستشرف ببصرها إلى ما ليس من حقّها، وما كانت تتنزّل إلى سؤال غير الله تعالى، فهي رمز لغنى النفس ، كما قال أبوها(ص):
«إنّما الغنى غنى النفس»
إنّها السيّدة البتول التي انقطعت إلى الله تعالى عن دنياها وعزفت عن زخارفها وصدفت عن غرورها وعرفت آفاتها، وصبرت على أداء مسؤولياتها وهي تعاني شظف العيش ولسانها رطب بذكر مولاها.
لقد كان همّ الزهراء(ع) الآخرة، فلم تحفل بمباهج الدنيا وهي ترى إعراض أبيها(ص) عن الدنيا وما فيها من متع ولذائذ وشهوات
وعرف عنها صبرها على البلاء وشكرها عند الرخاء ورضاها بواقع القضاء، وقد روت عن أبيها(ص):
«إنّ الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه، فإن صبر اجتباه وإن رضي اصطفاه»
2- حنُوّها وشفقتها :
« لمست الزهراء(ع) من أبيها حبّه ومودّته وحنوّه وشفقته فكانت نعم البرّة به(ص) ، أخلصت له في حبّها وولائها وحنوّها ووفائها له ، فآثرته على نفسها ، وكانت تتولّى تدبير بيت أبيها(ص) وتقوم بإدارته ، فتنجز ما يصلحه وتبعث فيه الهدوء والراحة له ، وكانت تسارع إلى كلّ ما يرضي أباها رسول الله(ص)، تسكب له الماء ليغتسل وتهيّئ له طعامه وتغسل ثيابه ، فضلاً عن اشتراكها مع النساء في الغزو لحمل الطعام والشراب وسقاية الجرحى ومداواتهم، وفي غزوة اُحد هي التي داوت جراح أبيها حينما رأت أنّ الدم لا ينقطع، فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً ثم ذرّته على الجرح فاستمسك الدم .. وجاءته في حفر الخندق بكسرة من خبز فرفعتها اليه فقال: ما هذه يا فاطمة ؟ قالت : من قرص اختبزته لابنيّ جئتك منه بهذه الكسرة ، فقال:
«يا بُنيّة : أما إنّها لأوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيّام »
وقد استطاعت الزهراء(ع) أن تسدّ الفراغ العاطفي الذي كان يعيشه الرسول(ص) بعد أن فقد أبويه في أول حياته وفقد زوجته الكريمة خديجة الكبرى في أقسى ظروف الدعوة والجهاد في سبيل الله .
إنّ مواقف الاُمومة التي صدرت عن الزهراء(ع) بالنسبة لأبيها وحدّثنا التاريخ عن نتف منها تؤكّد نجاح فاطمة(ع) في هذه المحاولة التي أعادت إلى النبي (ص) المصدر العاطفي الذي ساعده دون شك في تحمّل الأعباء الرسالية الكبرى ، ومن هنا قد نفهم السرّ في ما تكرّر على لسانه(ص) من أنّ
« فاطمة اُم أبيها »
إذ نرى أنّه كان يعاملها معاملة الاُم فيقبّل يدها ، ويبدأ بزيارتها عند عودته إلى المدينة ، كما يودّعها وينطلق من عندها في كلّ رحلاته وغزواته، كان يتزوّد من هذا المنبع الصافي عاطفةً لسفره ورحلته ، كما نلاحظ في سيرته(ص) كثرة دخوله عليها في حالات تعبه وآلامه أو حال جوعه أو حال دخول ضيف عليه ، ثم تقابله فاطمة(ع) كما تقابل الاُم ولدها فترعاه وتحتضنه وتخفّف آلامه كما تخدمه وتطيعه
المصدر: كتاب (سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام )
إعداد المجمع العالمي لأهل البيت(ع)
نسأاالكم الدعاء
تعليق