بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
اللهم صل على محمد وال محمد
مؤامرة فاشلة على أمير الكلام
رُوِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ قَالَ لِمُعَاوِيَةَ ابْعَثْ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام ) فَمُرْهُ أَنْ يَصْعَدَ الْمِنْبَرَ يَخْطُبُ النَّاسَ ، لَعَلَّهُ يَحْصَرُ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِمَّا نُعَيِّرُهُ بِهِ فِي كُلِّ مَحْفِلٍ !
فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ ، فَأَصْعَدَهُ الْمِنْبَرَ ، وَ قَدْ جَمَعَ لَهُ النَّاسَ وَرُؤَسَاءَ أَهْلِ الشَّامِ .
فَحَمِدَ اللَّهَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ .
ثُمَّ قَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عَرَفَنِي فَأَنَا الَّذِي يُعْرَفُ ، وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ أَوَّلِ الْمُسْلِمِينَ إِسْلَاماً ، وَ أُمِّي فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) ، وَ جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ نَبِيُّ الرَّحْمَةِ، أَنَا ابْنُ الْبَشِيرِ ، أَنَا ابْنُ النَّذِيرِ ، أَنَا ابْنُ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، أَنَا ابْنُ مَنْ بُعِثَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، أَنَا ابْنُ مَنْ بُعِثَ إِلَى الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَجْمَعِينَ " .
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : يَابَا مُحَمَّدٍ ، خُذْ بِنَا فِي نَعْتِ الرُّطَبِ ، ـ أَرَادَ تَخْجِيلَهُ ـ .
فَقَالَ الْحَسَنُ : " الرِّيحُ تُنَفِّخُهُ ، وَ الْحَرُّ يُنْضِجُهُ ، وَاللَّيْلُ يُبَرِّدُهُ وَ يُطَيِّبُهُ " .
ثُمَّ أَقْبَلَ الْحَسَنُ ( عليه السَّلام ) فَرَجَعَ فِي كَلَامِهِ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ : " أَنَا ابْنُ مُسْتَجَابِ الدَّعْوَةِ ، أَنَا ابْنُ الشَّفِيعِ الْمُطَاعِ ، أَنَا ابْنُ أَوَّلِ مَنْ يَنْفُضُ عَنِ الرَّأْسِ التُّرَابَ ، أَنَا ابْنُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ فَيُفْتَحُ لَهُ ، أَنَا ابْنُ مَنْ قَاتَلَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ ، وَ أُحِلَّ لَهُ الْمَغْنَمُ ، وَ نُصِرَ بِالرُّعْبِ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ " .
فَأَكْثَرَ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْكَلَامِ وَ لَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَظْلَمَتِ الدُّنْيَا عَلَى مُعَاوِيَةَ ، وَ عَرَفَ الْحَسَنَ ( عليه السَّلام ) مَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ نَزَلَ .
فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ : أَمَا إِنَّكَ يَا حَسَنُ قَدْكُنْتَ تَرْجُو أَنْ تَكُونَ خَلِيفَةً وَ لَسْتَ هُنَاكَ !
فَقَالَ الْحَسَنُ ( عليه السَّلام ) : " أَمَّا الْخَلِيفَةُ فَمَنْ سَارَ بِسِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) ، وَ عَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، لَيْسَ الْخَلِيفَةُ مَنْ سَارَ بِالْجَوْرِ ، وَ عَطَّلَ السُّنَنَ ، وَ اتَّخَذَ الدُّنْيَا أُمّاً وَ أَباً ، وَ لَكِنَّ ذَلِكَ مَلِكٌ أَصَابَ مُلْكاً ،فَتَمَتَّعَ مِنْهُ قَلِيلًا ، وَ كَانَ قَدِ انْقَطَعَ عَنْهُ ، فَاتَّخَمَ لَذَّتَهُ وَ بَقِيَتْ عَلَيْهِ تَبِعَتُهُ ، وَ كَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى : ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾[1] " ، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ ، ثُمَّ قَامَ فَانْصَرَفَ .
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِعَمْرٍو : وَ اللَّهِ مَا أَرَدْتَ إِلَّا شَيْنِي حِينَ أَمَرْتَنِي بِمَا أَمَرْتَنِي ، وَ اللَّهِ مَا كَانَ يَرَى أَهْلُ الشَّامِ أَنَّ أَحَداً مِثْلِي فِي حَسَبٍ وَ لَا غَيْرِهِ حَتَّى قَالَ الْحَسَنُ مَا قَالَ !
قَالَ عَمْرٌو : هَذَا شَيْءٌ لَا يُسْتَطَاعُ دَفْنُهُ وَ لَا تَغْيِيرُهُ لِشُهْرَتِهِ فِي النَّاسِ وَ اتِّضَاحِهِ ، فَسَكَتَ مُعَاوِيَةُ . [2] .
[2]بحار الأنوار ( الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ( عليهم السلام ) ) : 43 / 353 ، للعلامةالشيخ محمد باقر المجلسي
تعليق