السيد الحبوبي في الناصرية
الحبوبي شخصية ذات تأريخ واسع وحياة مليئة بالصور والخواطر والبطولات، فقد كان إنساناً لم يفهم غير الحق هدفاً أسمى، ولا غير الدين ناموساً أعلى، ولا غير الفضيلة نهجاً صحيحاً، فشب على ذلك واستمر حتّى شاب وحتى ارتحل إلى الفردوس الأعلى. إن تاريخ الحرب العالمية الأولى خصص صفحة مشرقة لجهاد السيّد الحبوبي، وأفرد فصلاً لبطولته وعزمه الملتهب في حفظ كيان الإسلام والمسلمين.. وكانت الليلة التي أعلن فيها جهاده ضد الإستعمار الإنكليزي هي السادسة عشر من المحرم من عام 1333هـ، وما أن انتشر خروجه حتّى لحقت به الجموع المحتشدة من الذين نذروا أنفسهم لصون كرامتهم ودينهم، يتبعونه، وقد قصد الناصرية فاطمأن بها حتّى تكامل العدد، والتحق به معظم عشائر الجنوب العراقي وسار بهم إلى الشعيبة المنطقة التي رسخت فيها أول قدم انكليزية، ولكن روح الأطماع والخذلان عصفت بتلك الجموع فتشتتوا ورجع السيّد مع فريق من المخلصين إلى الناصرية وقد غمرته موجة من الألم على تطور نفوذ العدو، وما أن لبث أياماً حتّى فارقته الحياة بها. كان خلال سيره بالجموع ينفق عليهم من ماله الخاص، وقد قدمت له الحكومة العثمانية خمسة آلاف ليرة ذهباً كمساعدة له على مواصلة جهاده ولكنه أبى قائلاً: (ما زلت أملك المال فلا حاجة لي به، وإذا ما نفذ فشأني شأن الناس آكل مما يأكلون وأشرب مما يشربون). هكذا كان الحبوبي الإنسانَ الذي علّم النفوس كيف تصل إلى الحق والإخلاص عن طريق التورع والزهد في حطام الدنيا، وأنّ الخلود لا يصاب إلاّ عن طريق الإيمان بالله وبالدين وبالدفاع عن وطن المسلمين. فارق الدنيا وهو لا يأسف على شيء كأسفه أنه سمع ورأى كافراً يدوس أرض وطنه بصورة فاتح، وهو الذي يأنف من السماع فضلاً عن الرؤيا. مات وهو مرتاح من ضميره بكونه خرج من الدنيا وقد أدى ما عليه فلاقى الجزاء الأوفى والجنات الواسعة، وكان ذلك عشية الأربعاء ثاني شعبان من عام 1333هـ الموافق 1915م في الناصرية. وحُمل جثمانه الطاهر إلى النجف الأشرف، فكان موته كالصاعقة ذُهِل منها كل مخلص ومتدين واستقبلته النجف وهي تبكي عنواناً لها ضاع منها، ودُفن في مقبرة خاصة له في الإيوان الكبير في مقام أمير المؤمنين علي : عن يسار الداخل من الباب القبلي. ورثاه الشعراء، وأرخ وفاته فريق من أعلام المؤرخين وقد كتب بعضهم على قبره هذا التأريخ:
مع تحيات اخوكم الشرطي
منقول
تعليق