((حواريّةٌ عقَديِّةٌ حول المعاد الجسماني والروحاني للإنسان))
===================================
{قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 26].
سجاد: ما المعاد؟
الأب: المعاد هو الأصل الخامس من أصول الدين، ومعناه أن يعتقد الإنسان المسلم في يوم ما , يبعث الله الناس فيه بعد موتهم لعالَم آخر, وحياة أخرى للحساب.
وفيه تعود الروح إلى الجسد, بعد أن فارقته بسبب من الموت،
ولا بد لك أن تعتقد أن ليس معنى الموت, الفناءَ والعدم،
بل هو فراقٌ بين الروح وبين الجسد, والانتقال من الدار الدنيا إلى الدار الآخرة.
سجاد: هل لك أن تصوّر لي يوم القيامة, ولو بإيجاز؟
الأب: الأمر سهلٌ يا عزيزي. لو تصورت وضع الجنين وهو في بطن أمه، من حيث الحيز المُعد لنموه, وهو الرحِم الضيق, وطبيعة الأكل له ونوعيته, والشراب الذي يتناوله, و...
وحاولت أن تُفهِمهُ أنه سيخرج, وينتقل إلى مكان آخر, يتسع لملايين من أمثاله,
وأنه سيرى جسماً كبيراً ملتهباً, معلقاً في السماء, يسمى الشمس، وآخرَ مضيئاً يسمى القمر, وسيشاهد فاكهةً وأطعمةً وأشربة, كلٌ له لونه وطعمه الخاص به, من الحلاوة والحموضة, و...
وغير ذلك، لكان ذلك عنده, شيء عجيب! فنحن يا عزيزي, أشبه بالجنين في بطن أمه, في هذه الحياة الدنيا, بالنسبة إلى الآخرة.
سجاد: هل لك أن تذكر لي, بعض الأدلة على المعاد؟
الأب: نعم يا ولدي، المعاد كالأصول التي سبقته, فهناك الكثير من الأدلة التي صرّحت بها الآيات الكريمة، وقبل أن أذكر لك بعض هذه الآيات,
أود الإشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى, أمرنا أن نصلي ونصوم, ونحج ونجاهد في سبيله, وغير ذلك، ونهانا عن الغيبة, والشرك بالله, والكذب, والتجسس, وسماع الغناء, وغير ذلك،
وكل هذه الأوامر والنواهي إلزامية وواجبة, لا يجوز مخالفتها والتمرد عليها,
فهل يترتب على مخالفتها شيء من العقوبة والتعذيب؟
نعم, تترتب العقوبات البدنية على كل مخالِف للأوامر والنواهي الإلهية،
قال تعالى {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدّثر: 42- 43]
وسقر أحد أسماء جهنم، فتارك الصلاة عمداً ومُنكرها، لا يستحق غير النار،
وقوله تعالى {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُّكْراً} [الطلاق: 8]،
وعتت أي: جاوز وتعدّى أهلُها الحد في العصيان.
فإذا كان الله تعالى, قد أمر ونهى، وكانت أوامره ونواهيه إلزامية,
وأن مخالفة هذه الأوامر توجب العقوبة المادية، وفي الوقت نفسه فإن من يطيع الأوامر, وينـزجر عن النواهي, يُجازى بالجنة، والنعيم الدائم, والرضوان من الله.
{أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 19]،
{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُو الْفَوْزُ الْمُبِينُ} [الجاثية: 30]
{يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الحديد: 12]
فالمقصود من كلمة (يوم)، يومُ القيامة, أو المعاد.
{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} [الروم: 14- 16]،
إذن فلا بد من المعاد, والإيمان بضرورته, وقطعيةِ وقوعه.
وإليك بعض الآيات الكريمة التي تدل على المعاد:
قوله تعالى {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]،
فالله سبحانه وتعالى يريد أن يبيّن لنا في هذه الآية, أن الذي يبدأ خلق الشيء, من السهل عليه أن يعيده،
وهذا الأمر -أي إعادة أجزاء الخلق- وعدٌ على الله سبحانه وتعالى أن يفعله.
وقوله تعالى
{ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 15- 16].
وهذه الآية هي الأخرى تؤكد, مسألةَ البعث والرجوع يوم القيامة, بعد الموت.
وقوله تعالى {وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [النحل: 38]،
فالذين لا يؤمنون بيوم القيامة, يحلفون أن لا بعث بعد الموت, فيرد عليهم الباري جل وعلا، بأن ذلك وعداً عليه سبحانه وتعالى,
وهذا الوعد حقاً عليه أن يفي به جلّت قدرته.
سجاد: ما آثار الاعتقاد بالمعاد, أو اليومِ الآخِر؟
الأب: إن الإيمان والاعتقاد بيوم القيامة, يقوّي الإنسان على أداء الواجبات, وترك المحرمات؛ لأنه يعلم أن أي عمل لن يضيع،
وأن الله سبحانه وتعالى دقيق الحساب وعادل، وهو يعلم جميع الأعمال, سواءً أكانت هذه الأعمال ظاهرةً, أم مخفية،
لذلك نرى الإنسان المؤمن بالمعاد, يواصل أعمال الخير, ويسعى للإصلاح بكل أمل ويقين -فهو وان لم يكافئه أحد في الدنيا-
فإن الله سوف يجزيه الجزاء الحسن, والجزاء الأوفى عندما يقف بين يدي الباري جلا وعلا, يوم الحساب.
سجاد: لماذا يُنكر بعضهم مسألة المعاد, ولا يؤمن بها؟
الأب: حين نرجع يا ولدي, إلى تاريخ المجتمعات البشرية, نجد وبالفعل, أن هُناك طائفة من الناس أنكروا المعاد،
وسبب ذلك إلى جهل هؤلاء الناس, بقدرة الله العظيمة، فهُم حينما يرون أجسام الموتى, تَتَحول إلى عظام، ثم إلى رُفات، فلا يمكنهم أن يتصوروا,
إعادة هذه الأجسام إلى طبيعتها بعد تفرق أجزاءها،
من هنا, جاءت دعوة الأنبياء والكتب السماوية, من أجل رفع هذا الجهل, وتعليم الناس قدرةَ الله وعظمته.
جاء أحد الكفار وهو أُبي بن خلف إلى النبي’ ذات يوم, وهو يحمل معه عظماً بالياً استخرجه من إحدى المقابر, وكسره وفتّه أمام النبي’ وأصحابه،
وقال: كيف يستطيع الله أن يعيد هذا العظم إلى حالته الطبيعية بعد تفتته؟! فأجابه النبي’، إن الذي أوجد هذا العظم في البدء, لقادر على إعادته، فسكت ذلك الكافر،
ونزلت الآية الكريمة
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 79].
وقبل أن أختم كلامي عن مسألة المعاد،
أود أن أذكرك بالمدة التي تمر على الإنسان، بين الموت وبين يوم الحساب, أو يوم القيامة، وهي تسمّى البرزخ، أي أن الناس بعد الموت, يمكثون في قبورهم إلى حين يبعثون,
وهذه فترة الانتظار والمكوث في القبور, لا يعلم مقدارها إلاّ الله,
وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك
{وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100]
وقد وردت الروايات بطريق أهل البيت^,
أن الإنسان المؤمن تنفتح له باب من أبواب الجنة, ويرى أعماله الصالحة،
أما الكافر والمعاند، فتنفتح له باب من أبواب النار والعذاب.
أعاذنا الله وإياك, من كل عمل لا يرضي الله سبحانه وتعالى, ونسأله أن يوفقنا جميعاً, لكل ما فيه صلاح الدنيا والآخرة, وأن يختم لنا بالعاقبة الحسنة, إنه نعم المولى, ونعم النصير.
/تحقيق/ مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف:
تعليق