((حواريّةٌ عقَديَّة حول توحيد الله تعالى))
==================================
التوحيد
=======
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُو بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُو خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُو عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُو يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُو اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الأنعام: 101 - 103].
التوحيد،
هو الأصل الأول من أصول الدين, ومعناه الإيمان بالرب الواحد الأحد, الذي لا معبود سواه. ولكي نؤمن بالتوحيد,
لا بد لنا أن نعرف أمرين:
أ- أن الله سبحانه وتعالى موجود.
ب- أنه جلا وعلا واحدٌ لا شريك له.
أ- أن الله سبحانه وتعالى موجود
{وَهُو اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام: 3].
إذا نظرنا إلى المنظومةِ التي تشمل الشمس, والقمر, والأرض, والكواكب الأخرى التابعة لها, وما يتولد عن حركاتها, من الفصول الأربعة, والليل والنهار, ونسبة درجة الحرارة في كل فصل, والسرعة الهائلة لهذه الكواكب (تقدّر سرعة الشمس بما يقرب من 75000 كم/ ساعة)،
والوضعِ الدقيق لتلك الكواكب, بحيث لا يؤدي إلى اصطدام بعضها بالآخر, على الرغم من التداخل الذي يحصل بينها نتيجة مرور أحدها بالأخر. من كل ذلك وغيره,
سنتيقن أن هنالك مدبراً, وخالقاً عظيماً لهذا الكون
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [يس: 38].
وهكذا الحال لبقية المخلوقات, من نباتات وحيوانات، معقدة الخلايا, وذات الخلية الواحدة
(الخلية: هي أصغر وحدة في بناء جسم الحيوان والنبات) كالأميبا, والتي تتصرف وتتحرك بشكل عجيب، إذ أنها تتنفس وتأكل وتتكاثر, على الرغم من أنها لا تُرى بالعين المجرّدة... .
وإذا تدرجنا ووصلنا إلى الإنسان, وهو أعجب الكائنات, وأكثرها إثارة للدهشة،
ففيه من الأجهزة والأعضاء ما يقف عنده المتأمل بِحَيرة. فالخلايا الهائلة العدد, التي تشكل جسم الإنسان, تقوم كل مجموعة منها بوظيفة خاصة بها, ودورٍ معين لا تتجاوزه، فالخلايا الموجودة في الفم لها وظيفة,
ودورها يختلف عن دور خلايا المعِدة ووظيفتها، وهكذا خلايا الجهاز التنفسي، والدم وحركته
ووظيفته ودوره، والمخ الذي ترجع إليه إدارة سائر ما يفعله الإنسان, بطريق الأعصاب, ضمن جهاز في غاية من التعقيد،
وهكذا الحال في العين, والأذن, والأنف وغيرها مما يظهر من جوارح الإنسان,
ومما لا يظهر للعيان كالقلب, والرئة, ونحوهما من أعضاء وأجهزة أخرى. والملفت للنظر,
أن كل هذه الأجهزة المعقدة, تعمل في وضع من
الانسجام الكامل, والتوازن الدقيق, فلا يؤثّر أحدها على الآخر, أو يعارض وجوده،
ومن غير المعقول أبداً, أن يكون وجودُ هذا المخلوق العجيب عبثاً، ولم تكن وراء هذه الخِلقة العظيمة يدٌ حكيمة!
وليس هي إلاّ الخالق البارئ المصور
{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ}
[النمل: 88]،
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].
وهنالك طرق أخرى للاستدلال على وجوده تعالى منها:
الدليل الفطري
إن أي شخص مهما كان أصله وطبقته، إذا تُرك وشأنَه من دون تعليم أو إرشاد، ومن دون أن يسمع آراءَ المؤمنين والملحدين،
فإنه يتجه بذاته نحو قوة قادرة قاهرة، ترتفع فوق عالم المادة, وتحكم الكون بأسره.
إن هذا الإنسان يشعر في أعماق قلبه وزوايا نفسه، نداءً لطيفا مفعما بالمحبة والرحمة, وفي الوقت نفسه مكيناً
وثابتاً, يدعوه إلى المُبدئ العظيم, والقادر العليم الذي ندعوه: الله,
وذلك نداء الفطرة السليمة الطاهرة. ونسوق هنا لتقريب الفكرة مثالاً، فلو أن شخصا بعيداً عن الدين, ولم تصله أية معلومات عنه, لا من أبويه، ولا من مجتمعه أو أصدقائه،
وقد سافر هذا الشخص بالطائرة, وحلّقت به على ارتفاع عشرات الكيلومترات, فلو نظر من خلال
النافذة لا يرى تحتَه سوى قمم الجبال الشاهقة,
والوديان المنخفضة، وفجأة يعلن قائد
الطائرة أن أحد محركاتها قد أصيب بعطل,
وتبدأ الطائرة بالاضطراب في حركتها وميلانها
نحو اليمين ونحو الشمال، والركاب في داخلها
علت صرخاتهم,
وأخذ بعضهم يموج على بعض، وفي هذه اللحظات -وإذ لم يصل للطائرة أي عون مادي خصوصا-
سوف يقوى عند ذلك الشخص, نداءٌ من داخله, ويحس في كيانه أن هناك قوة تجذبه نحوها, وهي قادرة على إنقاذه من موقفه العصيب,
ألا وهي القوة الخالقة,
قوة الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى, والمودَعة في داخل الاحساس الإنساني،
{قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 63 - 64].
وقد قال رسول الله’:
>كل مولود يولد على الفطرة, وإنما أبواه يهوّدانه، وينصّرانه، ويمجّسانه<
أي أن كل مولود يولد وهو يحمل في داخله الاعتراف والإقرار بالربوبية والوحدانية، ما لم يؤثر عليه أبواه أو مجتمعه, ويفسِدان عليه تلك الفطرة.
ب- أنه جل وعلا واحدٌ لا شريك له
كيف نعرف أن الله تعالى واحد, لا شريكَ له؟
والجواب بسيط جداً،
فلو فرضنا وجودَ رئيسين, أو حاكمين لدولة واحدة، فالحاكم الأول يصدر أوامره وتعليماتِه
, بينما الحاكم الآخر يصدر أوامره
وتعليماتِه، التي يراها أفضل أو أصلح، وهي
مختلفة عن أوامر الحاكم الأول، ونتيجة الاختلاف والتعارض في الأوامر والتعليمات, فسوف يؤدي ذلك إلى التناحر والصراع,
وتعمّ الفوضى, والنتيجة تكون إلى الهلاك والفناء،
وهذا ما يُقر به العقل ويعترف به. والشيء نفسه لو فرضناه, على تعدد الآلهة،
إذ أن كل إله يصدِر أوامره وتشريعاته التي يراها صالحة، وفي حال تعدد الأوامر والتشريعات,
واختلافها نتيجة تعدد الآلهة, واختلاف وجهات نظرهم, يحصل الدمار والفناء، أضف إلى ذلك أن كل إله, يحب أن يتغلب ويعلو على الإله الآخر، إلاّ أننا لم نسمع ولو لمرة واحدة,
أن قوانين الكون منذ نشأتها, أنها تغيرت، أو تبدلت, أو اختلفت، فدوران الأرض وطلوع الشمس وغروبها،
والقوانين التي تحكم هذه الكواكب, من قانون الجذب وغيره، لم تتغير تبعاً لتغير الأوامر الصادرة من الأرباب, -في حال فرض تعددهم- وإن دل هذا على شيء, فإنما يدل على أن المدبّر,
والخالق الذي يُصدر الأوامر, هو واحد لا شريك له.
وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك, في عدة مواضع,
منها قوله تعالى {لَو كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 22]،
وقوله تعالى
{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91].
من هنا نعرف, أن دعوة الأنبياء والرسل جميعهم, كانت على أساس من التوحيد, ونفي
الشريك عنه جل وعلا، حيث كانت عقيدة
المشركين قائمة, على أساس من أن هناك
أرباباً متعددون, وكل واحد منهم يقوم على
تدبير جزء من هذا العالم،
فقام الأنبياء والرسل بحركة نضال شاقة, قاسَوا فيها الكثير من العذاب والأذى, وقدموا التضحيات الجمة,
من أجل تصحيح ذلك التصور الخاطئ, وإرجاع الناس إلى فطرة التوحيد, وتوكيد أنه لا يوجد إلاّ اله واحد.
وهناك مسألة أخرى مهمة,
وهي أنه لو كانت هنالك آلهة أخرى غيرَ الله؛ لأتتنا رسلهم, ولرأينا آثارهم ومخلوقاتهم،
وقد أشار إلى ذلك سيد الموحدين, وإمام المتقين علي بن أبي طالب×,
بقوله في وصيته لابنه الحسن×:
>واعلم يا بني, أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله, ولرأيت آثار ملكه وسلطانه, ولعرفت أفعاله وصفاته, ولكنه إله واحد كما وصف نفسه, لا يضادّه في ملكه أحد<.
أقسام التوحيد
1- التوحيد في الذات،
وهو أن نعتقد بأن الله جل وعلا واحد في ذاته، لا شبيه له، ولا نظير أبداً،
وهذا هو معنى قوله تعالى
{قُلْ هُو اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص].
2- التوحيد في الصفات،
ومعناه أن نعتقد بأن صفاته جل وعلا, ومنها العلم, والقدرة, والإرادة, والحياة, وديمومة وجوده,
وغيرها كلها صفات غير زائدة على ذاته المقدسة، بل هي عين ذاته. ولتوضيح الفكرة،
فنحن البشر مثلاً, صفاتنا اكتسابية وليست ذاتية، أي أن العالِم منا, اكتسب علمه
بالتدريج, ثم أصبح عالماً، وهكذا الصفات
الأخرى،
أما الذات الإلهية، فالأمر يختلف تماماً,
فالله عالم بذاته ابتداءً, دون كسب وتحصيل لهذه الصفة، أي أنه لم يكن جاهلاًً -والعياذ بالله- ثم أصبح عالماً,
وكذا صفة القدرة والحياة وو... .
وهناك صفات يطلق عليها بالصفات السلبية، أي الصفات التي تسلب النقص عنه وتنـزّهه تعالى
عنها، لأنها من الصفات التي تختص بها المخلوقات، ومن هذه الصفات, أنه ليس بجسم,
وليس له مكان, وليس له شريك, وهو غير محتاج, ولا يمكن رؤيته, وليس مركّباً -أي لا يتألف من أجزاء تركيبية-
وإنّ ما يعتقد به بعض الناس, من إمكانية رؤيته جل وعلا, سواءً في الدنيا أو الآخرة، وأن له جوارحَ كاليد, والرجل, والوجه, وغيرَ ذلك
اعتماداً على الروايات التي يرويها بعض الجاهلين,
مثل أبي هريرة, و كعب الأحبار, وغيرهم... كل ذلك لا دليل عليه, من القرآن والسنة المطهرة, المروية عن أهل البيت^، ويصطدم مع العقل والفطرة السليمة.
نعم, إعتمد أمثال هؤلاء الرواة, ومن نهج طريقهم, على الوقوف عند ظواهر بعض الآيات, دون التبحّر بها, والرجوع في فهمها إلى أهل العلم, وأهل الذكر, وهم عترة النبي وآله’.
فمثلا, فسّروا قوله تعالى {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10]،
باليد المادية, أي مثل يد الإنسان,
وقوله تعالى {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} [القلم:
42]، بأن له -جلت قدرته- ساقاً وهكذا. بينما المراد من اليد هو, قوة الله وقدرته فوق قوتهم وقدرتهم,
وهو تعبير مجازي؛ لأن في لغة العرب, أفضل مصداق للتعبير عن القوة هو اليد وهكذا للساق،
فهي ساق العرش يكشف عنها يوم القيامة،
وتشع نورا فتسجد لها الخلائق... .
3- التوحيد بالعبادة والطاعة،
ومعناه أن نعتقد أن لا عبودية إلا لله, ولا يحق لنا عبادة غيره من المخلوقات الأخرى, من جن, وأنس, وهوىً, وغير ذلك،
وهذا معنى قوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5].
وأن حق الطاعة, منحصر له سبحانه وتعالى, وبمن أمر بطاعتهم, كالأنبياء, والأئمة, والمراجع, والوالدين
{أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59].
4- التوحيد في الأفعال،
وهو أن نعتقد أنه لا مؤثر في الوجود إلا الله سبحانه, فهو بيده سلطة السماوات والأرض، وبيده أسباب كل شيء، فالمخلوقات كلها لا يمكنها الاستغناء عنه, في نشأتها وحركتها وبقائها.
تحقيق/مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف.
تعليق