كيف يرى الإنسان عمله؟
عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "إذا كان يوم القيامة دُفع إلى الإنسان كتابه، ثمّ قيل له: اقرأه. قيل: فيعرف ما فيه؟، فقال عليه السلام: إنََّه يذكره، فما من لحظة ولا كلمة ولا نقلِِ قدم ولا شيء فعله إلا ذكره، كأنَّه فعله تلك الساعة، فلذلك قالوا: "يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا"(الكهف:49)1.
أخذ الكتب باليمين أو بالشمال
أشار القرآن الكريم إلى أنَّ الناس يأخذون كتبهم التي هي صحائف أعمالهم يوم القيامة، فبين آخذ كتابه باليمين، وآخذ كتابه بالشمال من وراء ظهره. قال الله تعالى: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيه * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه * يَالَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ" إلى قوله تعالى: "إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ"(الحاقة:19-33).
وقال تعالى: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ"(الانشقاق:7- 14).
فإذا أخذ الإنسان كتابه بيمينه، فإنَّه يكون من الفالحين، وفي هذه اللحظة يبلغ أعلى درجات السعادة، وكأنَّه يريد أن يعلم كلُّ الحاضرين في الموقف بهذا الفوز، ويصف لنا القرآن الكريم هذه الحالة: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ"(الحاقة:19-22).
وأما من يأخذه بشماله فهو من الخاسرين، ويكون في هذه اللحظة أسوء لحظة يمر بها، ويتمنى أن لا يعطَ الكتاب ليصاب بهذا الخزي الكبير، يقول تعالى في محكم آياته واصفاً حالته: "وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـاَبُه وبِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَـا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَـابِيَهْ * ولَمْ اَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَـا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَآ أَغْنَي عَنِّي مَالِيَه * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَـانِيَه"(الحاقّة:25-29).
وبما أنَّ اليمين تعني في العربيّة التفاؤل بأُمور الخير والسعادة والعافية والرحمة والبركة، وأنَّ الشمال تعني التشاؤم بالمصائب والذلِّ والهوان، فقد كُنِّي عن السعادة والشقاء بجهتَي اليمين والشمال، فصارت كتبهم تصلهم من جهة السعادة والرحمة والعافية والسلامة، أو من جهة الشقاء والذلِّ والنكبة.
وقد اعتبرت طائفة كبيرة من المحدِّثين والمفسِّرين اليمين والشمال في هذه الآيات بمعني اليد اليمني واليد اليسري، وقالوا بأنَّ المراد هو أنَّ أهل الجنّة يُعطون كتبهم في أيمانهم، وأهل النَّار يُعطَوْن كتبهم في شمائلهم.
أخذ الكتب وراء الظهر
قال تعالى مبينا ذلك "وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا"(الإنشقاق:10-13).
فإنَّ المجرمين عندما يُعطَوْن كتبهم بشمائلهم، فإنَّهم ولشدة حيائهم من أنفسهم ومما في هذه الكتب من قبيح الأعمال، يجعلون أيديهم وراء ظهورهم حتى تقلَّ رؤية الجمع لهذا السند، سند الجريمة والفضيحة، أو لأنَّ أيدي الشمال مـغـلـولـة وراء ظهورهم فكما أنَّهم جعلوا كتاب اللّه وراء ظهورهم في الحياة الدنيا فهنا تجعل كتب أعمالهم وراء ظهورهم...
كتب في عليِّين وأخرى في سجِّين
ذكرت الآيات في سورة المطففين كتاب أعمال الفجار: "كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ"(المطففين:7-9).
وبعد عدة آيات من نفس السورة ذكرت كتاب أعمال الأبرار: "كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ"(المطففين:18-21).
والمقصود بـ سِجِّين: كـتاب جامع تجمع فيه كتب أعمال جميعِ الفجَّار، فإنَّ هذا الكتاب كمثل السجلِِّ العام الذي يسجَّل فيه حساب جميع الدائنين والمدينين.
أمـا (عِلِّيِّين) فبحسب قول بعض المفسِّرين إنَّ المراد بعليِّين أعلى أماكن الجنة أو أعلى مكان في السماء، والمعنى أنَّ عليِّين كذلك يعني: السجل الكبير الذي تجمع فيه كـتـب أعمال الأبرار والـصَّالحين وهو سجل عالي المرتبة والمقام.
هو موقف لا يذكر فيه أحدٌ أحداً
فهو موقف لشدَّة وقعه على النفوس، وما يصاب به المرء من الإنشغال بنفسه وعمله، وما سيئول إليه أمره، ينسى كلَّ من كان يهتمُّ لأمره في الدنيا، جاء في النبوي: "أمَّا في ثلاثة مواطن فلا يذكرُ أحدٌ أحداً: عند الميزان، حتى يعلم أيخفُّ ميزانه أم يثقل؟، وعند الكتاب حين يقال: "...هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ"(الحاقة:19)، حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم، حافتاه كلاليب كثيرة وحسك كثيرة، يحبس الله بها من يشاء من خلقه حتى يعلم أينجو أم لا"2.
-----------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- المجلسي محمد باقر بحار الأنوار مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة ج7، ص315.
2- المتقي الهندي كنز العمال مؤسسة الرسالة بيروت لبنان ج14، ص382.
عن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "إذا كان يوم القيامة دُفع إلى الإنسان كتابه، ثمّ قيل له: اقرأه. قيل: فيعرف ما فيه؟، فقال عليه السلام: إنََّه يذكره، فما من لحظة ولا كلمة ولا نقلِِ قدم ولا شيء فعله إلا ذكره، كأنَّه فعله تلك الساعة، فلذلك قالوا: "يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا"(الكهف:49)1.
أخذ الكتب باليمين أو بالشمال
أشار القرآن الكريم إلى أنَّ الناس يأخذون كتبهم التي هي صحائف أعمالهم يوم القيامة، فبين آخذ كتابه باليمين، وآخذ كتابه بالشمال من وراء ظهره. قال الله تعالى: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيه * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيه * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه * يَالَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ" إلى قوله تعالى: "إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ"(الحاقة:19-33).
وقال تعالى: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ"(الانشقاق:7- 14).
فإذا أخذ الإنسان كتابه بيمينه، فإنَّه يكون من الفالحين، وفي هذه اللحظة يبلغ أعلى درجات السعادة، وكأنَّه يريد أن يعلم كلُّ الحاضرين في الموقف بهذا الفوز، ويصف لنا القرآن الكريم هذه الحالة: "فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ"(الحاقة:19-22).
وأما من يأخذه بشماله فهو من الخاسرين، ويكون في هذه اللحظة أسوء لحظة يمر بها، ويتمنى أن لا يعطَ الكتاب ليصاب بهذا الخزي الكبير، يقول تعالى في محكم آياته واصفاً حالته: "وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَـاَبُه وبِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَـا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَـابِيَهْ * ولَمْ اَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَـا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَآ أَغْنَي عَنِّي مَالِيَه * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَـانِيَه"(الحاقّة:25-29).
وبما أنَّ اليمين تعني في العربيّة التفاؤل بأُمور الخير والسعادة والعافية والرحمة والبركة، وأنَّ الشمال تعني التشاؤم بالمصائب والذلِّ والهوان، فقد كُنِّي عن السعادة والشقاء بجهتَي اليمين والشمال، فصارت كتبهم تصلهم من جهة السعادة والرحمة والعافية والسلامة، أو من جهة الشقاء والذلِّ والنكبة.
وقد اعتبرت طائفة كبيرة من المحدِّثين والمفسِّرين اليمين والشمال في هذه الآيات بمعني اليد اليمني واليد اليسري، وقالوا بأنَّ المراد هو أنَّ أهل الجنّة يُعطون كتبهم في أيمانهم، وأهل النَّار يُعطَوْن كتبهم في شمائلهم.
أخذ الكتب وراء الظهر
قال تعالى مبينا ذلك "وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا"(الإنشقاق:10-13).
فإنَّ المجرمين عندما يُعطَوْن كتبهم بشمائلهم، فإنَّهم ولشدة حيائهم من أنفسهم ومما في هذه الكتب من قبيح الأعمال، يجعلون أيديهم وراء ظهورهم حتى تقلَّ رؤية الجمع لهذا السند، سند الجريمة والفضيحة، أو لأنَّ أيدي الشمال مـغـلـولـة وراء ظهورهم فكما أنَّهم جعلوا كتاب اللّه وراء ظهورهم في الحياة الدنيا فهنا تجعل كتب أعمالهم وراء ظهورهم...
كتب في عليِّين وأخرى في سجِّين
ذكرت الآيات في سورة المطففين كتاب أعمال الفجار: "كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ"(المطففين:7-9).
وبعد عدة آيات من نفس السورة ذكرت كتاب أعمال الأبرار: "كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَّرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ"(المطففين:18-21).
والمقصود بـ سِجِّين: كـتاب جامع تجمع فيه كتب أعمال جميعِ الفجَّار، فإنَّ هذا الكتاب كمثل السجلِِّ العام الذي يسجَّل فيه حساب جميع الدائنين والمدينين.
أمـا (عِلِّيِّين) فبحسب قول بعض المفسِّرين إنَّ المراد بعليِّين أعلى أماكن الجنة أو أعلى مكان في السماء، والمعنى أنَّ عليِّين كذلك يعني: السجل الكبير الذي تجمع فيه كـتـب أعمال الأبرار والـصَّالحين وهو سجل عالي المرتبة والمقام.
هو موقف لا يذكر فيه أحدٌ أحداً
فهو موقف لشدَّة وقعه على النفوس، وما يصاب به المرء من الإنشغال بنفسه وعمله، وما سيئول إليه أمره، ينسى كلَّ من كان يهتمُّ لأمره في الدنيا، جاء في النبوي: "أمَّا في ثلاثة مواطن فلا يذكرُ أحدٌ أحداً: عند الميزان، حتى يعلم أيخفُّ ميزانه أم يثقل؟، وعند الكتاب حين يقال: "...هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ"(الحاقة:19)، حتى يعلم أين يقع كتابه أفي يمينه أم في شماله أم من وراء ظهره؟ وعند الصراط إذا وضع بين ظهراني جهنم، حافتاه كلاليب كثيرة وحسك كثيرة، يحبس الله بها من يشاء من خلقه حتى يعلم أينجو أم لا"2.
-----------------------------------------------------------------
الهوامش:
1- المجلسي محمد باقر بحار الأنوار مؤسسة الوفاء، الطبعة الثانية المصححة ج7، ص315.
2- المتقي الهندي كنز العمال مؤسسة الرسالة بيروت لبنان ج14، ص382.
تعليق