المرأة و العلوم الدينية
كانت المرأة سبّاقة إلى التعرف على الرسالة ، و إلى الاطّلاع على الآيات القرآنية الأولى ، التي نزل بها الوحي على
رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ، حيث كانت أم المؤمنين ، خديجة بنت خويلد أول من أطلع على خبر البعثة النبوية ، فحينما نزل الوحي للمرة الأولى في غار حراء ، و عاد الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) بعدها إلى بيته ، حدّث زوجته خديجة بما رأى و سمع ، فقالت: ( أبشر يا بن عم و اثبت، فوالذي نفس خديجة بيده ، إني لأرجو ، أن تكون نبي هذه الأمة ).و اهتمت المرأة المسلمة بكسب المعارف الإسلامية ، عبر تواجدها في المسجد ، و استماعها للخطب النبوية الشريفة ، و حضورها في مختلف المناسبات العسكرية و السياسية و الاجتماعية ، و مشاركتها في معظم الأحداث و القضايا ، التي واكبت بناء المجتمع الإسلامي الأول ، و مسيرة الأمة .
و كمصداق لرغبة المرأة المسلمة في تحصيل علوم الشريعة ، فقد تقدمت مجموعة من النساء ، تطلب من رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) درساً خاصاً بهنّ ، كما ورد عن
أبي سعيد الخدري أنه : « قالت النساء للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، غلبنا عليك الرجال ، فاجعل لنا يوماً من نفسك ، فوعدهن يوماً لقيهنَّ فيه فوعظهن ، و أمرهن ».و كان رسول الله (صلّى الله عليه و آله و سلم) ، يهتمُّ بإيصال حديثه و توجيهه للنساء ، حتى إنه ربما كرَّر خطبته للنساء بعد أن يخطب الرجال ، إذا ظن أنهن لم يسمعن صوته ، كما
حدّث ابن جُرَيج قال: « أخبرني عطاء، عن جابر بن عبد الله قال ، سمعته يقول ، قام النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) يوم الفطر فصلَّى ، فبدأ بالصلاة ، ثم خطب ، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكّرهن ، و هو يتوكأ على يد بلال ، و بلال باسط ثوبه ، يلقي فيه النساء الصدقة ، قلت لعطاء ، أترى حقاً على الإمام ذلك ، و يذكرهن؟ ، قال ، إنه لحق عليهم ، و ما لهم لا يفعلونه ». فتربت المرأة المسلمة على الاهتمام بدينها ، و الحرص على معرفته ، و التفقّه فيه ، و ما كانت تتردّد في الذهاب إلى الرسول ( و سؤاله عما تحتاجه من الأحكام الشرعية ، حتى في المسائل الخاصة بها ، حتى قالت عائشة ، نعم النساء نساء الأنصار! ، لم يكن يمنعهن الحياء ، أن يتفقّهن في الدين ) .مصدر للسنّة النبويّة
و بذلك أصبحت المرأة مصدراً للأحاديث النبوية الشريفة ، و مرجعاً لنشر رواياتها و نصوصها، تماماً كالرجال من الصحابة الراوين لأحاديث السنة الشريفة ، و كتب الحديث مليئة بالأحاديث الواردة عن طريق زوجات رسول الله (صلى الله عليه وآله و سلم)، و ابنته
فاطمة الزهراء (عليها السلام)، و سائر الصحابيات الراويات. فهي كالرجل طريق لسنّة رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم)، و مصدر لمعرفة أحكام التشريع، لذا أجمع علماء المسلمين على الأخذ بروايات النساء، حينما تتوفر في تلك الروايات شروط القبول و الصحة. يقول الشيخ المامقاني: (تقبل رواية الأنثى و الخنثى ، إذا جمعت الشروط المذكورة ، يعني الإيمان، البلوغ، العقل، العدالة، الضبط ، حرة كانت أو مملوكة. كما صرح بذلك كله الفاضلان و غيرهما ) ، بل نفى العلامة في النهاية الخلاف فيه، و ادّعى في البداية: إطباق السلف و الخلف على الرواية عن المرأة ، و قال الشوكاني: ( لم ينقل عن أحد من العلماء ب، أنه ردَّ خبر امرأة لكونها امرأة ، فكم من سنّة تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة ، و هذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنّة). و قد أثبت الإمام الخوئي في موسوعته ( معجم رجال الحديث) ، (باب النساء) أسماء 134 راوية روين الأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، و عن الأئمة من آله.و قد صدر مؤخراً كتاب بعنوان (
عناية النساء بالحديث النبوي ) لمؤلفه مشهور بن حسن آل سلمان ، ترجم فيه لنحو 354 امرأة ، كان لهنَّ دور في هذا الإطار . ففي حدود القرن الأول الهجري ، وجد عدد كبير من الراويات للأحاديث النبوية ، لا سيما في طبقة الصحابيات. فقد بلغ عدد من لهن رواية من الصحابيات في الكتب الستة لأهل السنة 132 امرأة . و يقول أحد الباحثين ، و كان للنساء الراويات ( في القرون السابقة ) منقبة وم فخرة ، انفردن بها عن الرواة ، هي أنه لم يكن منهنَّ امرأة اتهمت بالكذب ، أو الوضع ، أو ترك حديثها . بينما وصف المئات من الرجال بهذه الأوصاف . قال الذهبي في أواخر كتابه ميزان الاعتدال: ( و ما علمت في النساء من اتهمت ، و لا من تركوها) . و عقد ابن عرّاق الكناني فصلاً سرد فيه أسماء الوضّاعين و الكذّابين ، فبلغوا المئات، لم توجد فيهم امرأة واحدة ، فحسب النساء بذلك فخرا ً ).و قد بلغ عدد المحدّثات اللاتي اهتممن برواية الحديث النبوي ، و عرفن بذلك ، في القرن الثامن الهجري فقط ، 232 امرأة . هذا ما نقلته كتب التراجم ، و لعلَّهن أكثر من هذا العدد.
هذا ولم يقف مستوى المرأة في العلوم الدينية عند مستوى حفظ الحديث و نقل الرواية، بل نافست الرجل في الوصول إلى مستوى الفقاهة و الاجتهاد، و إبداء الرأي و النظر باستنباط الحكم الشرعي من مصادره المقرَّرة.
الشيخ حسن الصفار
كانت المرأة سبّاقة إلى التعرف على الرسالة ، و إلى الاطّلاع على الآيات القرآنية الأولى ، التي نزل بها الوحي على
رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) ، حيث كانت أم المؤمنين ، خديجة بنت خويلد أول من أطلع على خبر البعثة النبوية ، فحينما نزل الوحي للمرة الأولى في غار حراء ، و عاد الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) بعدها إلى بيته ، حدّث زوجته خديجة بما رأى و سمع ، فقالت: ( أبشر يا بن عم و اثبت، فوالذي نفس خديجة بيده ، إني لأرجو ، أن تكون نبي هذه الأمة ).و اهتمت المرأة المسلمة بكسب المعارف الإسلامية ، عبر تواجدها في المسجد ، و استماعها للخطب النبوية الشريفة ، و حضورها في مختلف المناسبات العسكرية و السياسية و الاجتماعية ، و مشاركتها في معظم الأحداث و القضايا ، التي واكبت بناء المجتمع الإسلامي الأول ، و مسيرة الأمة .
و كمصداق لرغبة المرأة المسلمة في تحصيل علوم الشريعة ، فقد تقدمت مجموعة من النساء ، تطلب من رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) درساً خاصاً بهنّ ، كما ورد عن
أبي سعيد الخدري أنه : « قالت النساء للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، غلبنا عليك الرجال ، فاجعل لنا يوماً من نفسك ، فوعدهن يوماً لقيهنَّ فيه فوعظهن ، و أمرهن ».و كان رسول الله (صلّى الله عليه و آله و سلم) ، يهتمُّ بإيصال حديثه و توجيهه للنساء ، حتى إنه ربما كرَّر خطبته للنساء بعد أن يخطب الرجال ، إذا ظن أنهن لم يسمعن صوته ، كما
حدّث ابن جُرَيج قال: « أخبرني عطاء، عن جابر بن عبد الله قال ، سمعته يقول ، قام النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) يوم الفطر فصلَّى ، فبدأ بالصلاة ، ثم خطب ، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكّرهن ، و هو يتوكأ على يد بلال ، و بلال باسط ثوبه ، يلقي فيه النساء الصدقة ، قلت لعطاء ، أترى حقاً على الإمام ذلك ، و يذكرهن؟ ، قال ، إنه لحق عليهم ، و ما لهم لا يفعلونه ». فتربت المرأة المسلمة على الاهتمام بدينها ، و الحرص على معرفته ، و التفقّه فيه ، و ما كانت تتردّد في الذهاب إلى الرسول ( و سؤاله عما تحتاجه من الأحكام الشرعية ، حتى في المسائل الخاصة بها ، حتى قالت عائشة ، نعم النساء نساء الأنصار! ، لم يكن يمنعهن الحياء ، أن يتفقّهن في الدين ) .مصدر للسنّة النبويّة
و بذلك أصبحت المرأة مصدراً للأحاديث النبوية الشريفة ، و مرجعاً لنشر رواياتها و نصوصها، تماماً كالرجال من الصحابة الراوين لأحاديث السنة الشريفة ، و كتب الحديث مليئة بالأحاديث الواردة عن طريق زوجات رسول الله (صلى الله عليه وآله و سلم)، و ابنته
فاطمة الزهراء (عليها السلام)، و سائر الصحابيات الراويات. فهي كالرجل طريق لسنّة رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم)، و مصدر لمعرفة أحكام التشريع، لذا أجمع علماء المسلمين على الأخذ بروايات النساء، حينما تتوفر في تلك الروايات شروط القبول و الصحة. يقول الشيخ المامقاني: (تقبل رواية الأنثى و الخنثى ، إذا جمعت الشروط المذكورة ، يعني الإيمان، البلوغ، العقل، العدالة، الضبط ، حرة كانت أو مملوكة. كما صرح بذلك كله الفاضلان و غيرهما ) ، بل نفى العلامة في النهاية الخلاف فيه، و ادّعى في البداية: إطباق السلف و الخلف على الرواية عن المرأة ، و قال الشوكاني: ( لم ينقل عن أحد من العلماء ب، أنه ردَّ خبر امرأة لكونها امرأة ، فكم من سنّة تلقتها الأمة بالقبول من امرأة واحدة من الصحابة ، و هذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنّة). و قد أثبت الإمام الخوئي في موسوعته ( معجم رجال الحديث) ، (باب النساء) أسماء 134 راوية روين الأحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، و عن الأئمة من آله.و قد صدر مؤخراً كتاب بعنوان (
عناية النساء بالحديث النبوي ) لمؤلفه مشهور بن حسن آل سلمان ، ترجم فيه لنحو 354 امرأة ، كان لهنَّ دور في هذا الإطار . ففي حدود القرن الأول الهجري ، وجد عدد كبير من الراويات للأحاديث النبوية ، لا سيما في طبقة الصحابيات. فقد بلغ عدد من لهن رواية من الصحابيات في الكتب الستة لأهل السنة 132 امرأة . و يقول أحد الباحثين ، و كان للنساء الراويات ( في القرون السابقة ) منقبة وم فخرة ، انفردن بها عن الرواة ، هي أنه لم يكن منهنَّ امرأة اتهمت بالكذب ، أو الوضع ، أو ترك حديثها . بينما وصف المئات من الرجال بهذه الأوصاف . قال الذهبي في أواخر كتابه ميزان الاعتدال: ( و ما علمت في النساء من اتهمت ، و لا من تركوها) . و عقد ابن عرّاق الكناني فصلاً سرد فيه أسماء الوضّاعين و الكذّابين ، فبلغوا المئات، لم توجد فيهم امرأة واحدة ، فحسب النساء بذلك فخرا ً ).و قد بلغ عدد المحدّثات اللاتي اهتممن برواية الحديث النبوي ، و عرفن بذلك ، في القرن الثامن الهجري فقط ، 232 امرأة . هذا ما نقلته كتب التراجم ، و لعلَّهن أكثر من هذا العدد.
هذا ولم يقف مستوى المرأة في العلوم الدينية عند مستوى حفظ الحديث و نقل الرواية، بل نافست الرجل في الوصول إلى مستوى الفقاهة و الاجتهاد، و إبداء الرأي و النظر باستنباط الحكم الشرعي من مصادره المقرَّرة.
الشيخ حسن الصفار
تعليق