بحث مختصر جدا في اصل الشيعة والتشيع من مصادر اهل السنة منقول من كتاب هوية التشيع للشيخ الجليل احمد الوائلي رضوان الله عليه
إن المؤرخين والباحثين عندما يحددون فترة نشوء التشيع يتوزعون على مدى يبتدئ من أيام النبي ونهاياته بعد مقتل الامام الحسين عليه السلام .
وسأستعرض لك نماذج من آرائهم في ذلك وأترك ما أذهب إليه إلى آخر الفصل .
أ - رأي يرى أنهم تكونوا بعد وفاة النبي صل الله عليه واله. وممن يذهب لهذا :
أولا : ابن خلدون : فقد قال : إن الشيعة ظهرت لما توفي الرسول وكان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر وأن الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش ولما كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعلي ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك ( تاريخ ابن خلدون ج 3 ص 364) الخ .
ثانيا : الدكتور أحمد أمين فقد قال : . وكانت البذرة الأولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي أن أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه ( فجر الإسلام ص 266) " .
ثالثا : الدكتور حسن إبراهيم فقد قال : ولا غرو فقد اختلف المسلمون أثر وفاة النبي ( صل الله عليه واله ) فيمن يولونه الخلافة وانتهى الأمر بتولية أبي بكر وأدى ذلك إلى انقسام الأمة العربية إلى فريقين جماعية وشيعية ( تاريخ الإسلام ج 1 ص 371).
رابعا : اليعقوبي قال : ويعد جماعة من المتخلفين عن بيعة أبي بكر هم النواة الأولى للتشيع ومن أشهرهم سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود والعباس بن عبد المطلب ( تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 104) .
وتعقيبا على ذكر المتخلفين عن بيعة الخليفة أبي بكر قال الدكتور أحمد محمود صبحي : إن بواعث هؤلاء مختلفة في التخلف فلا يستدل منها على أنهم كلهم من الشيعة : وقد يكون ما قاله صحيحا غير أن المتخلفين الذين ذكرهم المؤرخون أكدت كتب التراجم على أنهم شيعة وستأتي الإشارة لذلك في محلها من الكتاب ( نظرية الإمامة ص 33) .
خامسا : المستشرق جولد تسيهر قال : إن التشيع نشأ بعد وفاة النبي ( صل الله عليه واله) وبالضبط بعد حادثة السقيفة ( العقيدة والشريعة ص 174 ) .
ب - : الرأي الذي يذهب إلى أن التشيع نشأ أيام عثمان ومن الذاهبين لذلك : جماعة من المؤرخين والباحثين منهم : ابن حزم وجماعة آخرون ذكرهم بالتفصيل يحيى هاشم فرغل في كتابه ( عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ج 1 ص 105) وقد استند إلى مبررات شرحها .
ج - : الرأي الذي يذهب إلى تكون الشيعة أيام خلافة الإمام علي ( عليه الصلاة والسلام ) ، ومن الذاهبين إلى هذا الرأي النوبختي في كتابه فرق الشيعة ( فرق الشيعة ص 16) .
وابن النديم في الفهرست حيث حدده بفترة واقعة البصرة وما سبقها من مقدمات كان لها الأثر المباشر في تبلور فرقة الشيعة وتكوينها ( الفهرست لابن النديم ص 175) .
د - : الرأي الذي يذهب إني أن ظهور التشيع كان بعد واقعة الطف على اختلاف في الكيفية بين الذاهبين لهذا الرأي حيث يرى بعضهم أن بوادر التشيع التي سبقت واقعة الطف لم تصل إلى حد تكوين مذهب متميز له طابعه وخواصه وإنما حدث ذلك بعد واقعة الطف بينما يذهب ( الصلة بين التصوف والتشيع ص 23) آخرون إلى أن وجود المذهب قبل واقعة الطف كان لا يعدو النزعة الروحية ولكن بعد واقعة الطف أخذ طابعا سياسيا وعمق جذوره في النفوس وتحددت أبعاده إلى كثير من المضامين ، وكثير من المستشرقين يذهبون لهذا الرأي وأغلب المحدثين من الكتاب .
يقول الدكتور كامل مصطفى إن استقلال الاصطلاح الدال على التشيع إنما كان بعد مقتل الحسين ( عليه الصلاة والسلام) حيث أصبح التشيع كيانا مميزا له طابعه الخاص .
في حين يذهب الدكتور عبد العزيز الدوري إلى أن التشيع تميز سياسيا ابتداء من مقتل أمير المؤمنين علي ( عليه الصلاة والسلام) ويتضمن ذلك فترة قتل الحسين ( عليه الصلاة والسلام) حيث يعتبرها امتدادا للفترة السابقة ( مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص 72) .
وإلى هذا الرأي يذهب بروكلمان في تاريخ الشعوب الإسلامية حيث يقول : والحق أن ميتة الشهداء الذي ماتها الحسين ولم يكن لها أي أثر سياسي هذا على زعمه - قد عملت في التطور الديني للشيعة حزب علي الذي أصبح بعد ملتقى جميع النزعات المناوئة للعرب - وهو زعم باطل - واليوم لا يزال ضريح الحسين ( عليه الصلاة والسلام) في كربلاء أقدس محجة عند الشيعة وبخاصة الفرس الذين ما فتئوا يعتبرون الثواء الأخير في جواره غاية ما يطمعون فيه ( تاريخ الشعوب الإسلامية ص 128) .
إن رأي بروكلمان بالإضافة لما فيه من دس يخالف ما عليه معظم من ربط ظهور التشيع بمقتل الحسين حيث يذهبون إلى أن التميز السياسي للمذهب ولدته واقعة الطف ، بينما يرى بروكلمان أن لا أثر سياسي للواقعة فهو من قبيل إنكار البدهيات وإنما يقصر أثر الواقعة على تعميق المذهب دينيا فقط .
وقد شايع بروكلمان في هذا الرأي جماعة آخرون ذكرهم يحيى فرغل مفصلا في كتابه ( عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ج 1 ص 106) إن هذه الآراء الأربعة في نشأة التشيع لا تصمد أمام المناقشة ولا أريد أن أتعجل الرد عليها فسأذكر الرأي الخامس ومنه يتضح تماما أن هذه الآراء تستند إلى أحداث أو مض فيها التشيع نتيجة احتكاكه بمؤثر من المؤثرات في تلك الفترة التي أرخت بها تلك الآراء ظهور التشيع فظنوه ولد آنذاك بينما هو موجود بكيانه الكامل منذ الصدر الأول . وقد آن الأوان لأعرض لك رأي جمهور الشيعة وخاصة المحققين منهم .
هـ - رأي الشيعة وغيرهم من المحققين من المذاهب الأخرى . حيث ذهب هؤلاء إلى أن التشيع ولد أيام النبي ( صل الله عليه واله ) وأن النبي نفسه هو الذي غرسه في النفوس عن طريق الأحاديث التي وردت على لسان النبي ( صل الله عليه واله ) وكشفت عما لعلي ( عليه الصلاة والسلام) من مكانة في مواقع متعددة رواها إضافة إلى الشيعة ثقاة أهل السنة ومنها : ما رواه السيوطي عن ابن عساكر عند تفسير الآيتين السادسة والسابعة من سورة النبي بسنده عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي ( صل الله عليه واله ) فأقبل علي ( عليه الصلاة والسلام)
فقال النبي ( صل الله عليه واله) : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة : فنزل قوله تعالى : * ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) * .
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزل قوله تعالى : * ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) * قال النبي ( صل الله عليه واله ) لعلي ( عليه الصلاة والسلام ) هم أنت وشيعتك .
وأخرج ابن مردويه عن علي ( عليه الصلاة والسلام) قال : قال لي رسول الله ( صل الله عليه واله ) : ألم تسمع قوله تعالى : * ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) * إلخ هم أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين ( الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 376) ومن هنا ذهب أبو حاتم الرازي إلى أن أول اسم لمذهب ظهر في الإسلام هو الشيعة وكان هذا لقب أربعة من الصحابة أبو ذر وعمار ومقداد وسلمان الفارسي وبعد صفين اشتهر موالي علي بهذا اللقب ( روضان الجنات للخونساري ص 88) .
النصوص التاريخية على وصف جماعة بالتشيع أيام النبي ( صل الله عليه واله) وقد مرت الإشارة لذلك ، ولهذا يقول الحسن بن موسى النوبختي عند تحديده للشيعة : فالشيعة فرقة علي بن أبي طالب المسمون بشيعة علي في زمن النبي - ثم عدد جماعة منهم وقال : - وهم أول من سمي باسم التشيع لأن اسم التشيع كان قديما لشيعة إبراهيم ( الفرق والمقالات للنوبختي باب تعريف الشيعة ) .
إن هذه الأحاديث التي مرت والتي أخرجها كل من ابن عساكر وابن عدي وابن مردويه يعقب عليها أحمد محمود صبحي في كتابه نظرية الإمامة فيقول : ولا تفيد الأحاديث الواردة على لسان النبي ( صل الله عليه واله) في حق علي ( عليه الصلاة والسلام) أن لعلي شيعة في زمان النبي فقد تنبأ النبي بظهور بعض الفرق كإشارته إلى الخوارج والمارقين كما ينسب إليه أنه قال لعلي إنك تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين .
ولا يدل ذلك على وجود جماعة مستقلة لها عقائد متمايزة أو تصورات خاصة ( نظرية الإمامة ص 31) وأنا ألفت نظر الدكتور أحمد محمود إلى أن الشيعة لا يستدلون على ظهور التشيع أيام النبي ( صل الله عليه واله) بما ورد على لسانه من أحاديث ، فالمسألة كما يسميها الأصوليون على نحو القضية الحقيقية لا الخارجية ، أي لا يلزم وجودهم بالفعل كما استظهر الدكتور وإنما هي صفات ذكرها النبي ( صل الله عليه واله) للشيعة متى وجدوا وأينما وجدوا ، أما الاستدلال على ظهور الشيعة أيام النبي فمن روايات وقرائن كثيرة يوردونها في هذا المقام ، أورد قسما منها الدكتور عبد العزيز الدوري واستعرض مصادرها ( مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص 72)
مع ملاحظة أنه قيد التشيع بأنه تشيع روحي كما نص على قسم من أدلتهم على ذلك يحيى هاشم فرغل في كتابه ( عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ج 1 ص 105 ) .
إن بعض هذه الآراء يرجع بالبداية الزمنية في ظهور الشيعة إلى وقت مبكر في حياة النبي ( صل الله عليه واله) حيث التأمت جماعة من الصحابة تفضل عليا ( عليه الصلاة والسلام) على غيره من الصحابة وتتخذه رئيسا ومن هؤلاء عمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري وبنو هاشم الخ ( المصدر السابق ص 106) .
ولهذا ذهب الباحثون إلى تخطئة من يؤرخ للتشيع وظهوره بعصور متأخرة مع أن الأدلة التاريخية متوفرة على وجودهم أيام الرسول صلوات الله عليه وآله : يقول محمد عبد الله عنان في كتابه تاريخ الجمعيات السرية عند تعليقه على الحادثة التي روتها كتب السيرة ( حياة محمد لهيكل ط مصر الطبعة المؤرخة 1354 ص 104) حين جمع النبي عشيرته عند نزول قوله تعالى : * ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) * 214 / الشعراء ، ودعاهم إلى اتباعه فلم يجبه إلا علي بن أبي طالب فأخذ النبي برقبته وقال : هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا الخ .
علق محمد عبد الله بقوله : من الخطأ أن يقال : إن الشيعة إنما ظهروا لأول مرة عند انشقاق الخوارج بل كان بدء الشيعة وظهورهم في عصر الرسول حين أمر بإنذار عشيرته بهذه الآية .
إن المؤرخين والباحثين عندما يحددون فترة نشوء التشيع يتوزعون على مدى يبتدئ من أيام النبي ونهاياته بعد مقتل الامام الحسين عليه السلام .
وسأستعرض لك نماذج من آرائهم في ذلك وأترك ما أذهب إليه إلى آخر الفصل .
أ - رأي يرى أنهم تكونوا بعد وفاة النبي صل الله عليه واله. وممن يذهب لهذا :
أولا : ابن خلدون : فقد قال : إن الشيعة ظهرت لما توفي الرسول وكان أهل البيت يرون أنفسهم أحق بالأمر وأن الخلافة لرجالهم دون سواهم من قريش ولما كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعلي ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك ( تاريخ ابن خلدون ج 3 ص 364) الخ .
ثانيا : الدكتور أحمد أمين فقد قال : . وكانت البذرة الأولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي أن أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه ( فجر الإسلام ص 266) " .
ثالثا : الدكتور حسن إبراهيم فقد قال : ولا غرو فقد اختلف المسلمون أثر وفاة النبي ( صل الله عليه واله ) فيمن يولونه الخلافة وانتهى الأمر بتولية أبي بكر وأدى ذلك إلى انقسام الأمة العربية إلى فريقين جماعية وشيعية ( تاريخ الإسلام ج 1 ص 371).
رابعا : اليعقوبي قال : ويعد جماعة من المتخلفين عن بيعة أبي بكر هم النواة الأولى للتشيع ومن أشهرهم سلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والمقداد بن الأسود والعباس بن عبد المطلب ( تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 104) .
وتعقيبا على ذكر المتخلفين عن بيعة الخليفة أبي بكر قال الدكتور أحمد محمود صبحي : إن بواعث هؤلاء مختلفة في التخلف فلا يستدل منها على أنهم كلهم من الشيعة : وقد يكون ما قاله صحيحا غير أن المتخلفين الذين ذكرهم المؤرخون أكدت كتب التراجم على أنهم شيعة وستأتي الإشارة لذلك في محلها من الكتاب ( نظرية الإمامة ص 33) .
خامسا : المستشرق جولد تسيهر قال : إن التشيع نشأ بعد وفاة النبي ( صل الله عليه واله) وبالضبط بعد حادثة السقيفة ( العقيدة والشريعة ص 174 ) .
ب - : الرأي الذي يذهب إلى أن التشيع نشأ أيام عثمان ومن الذاهبين لذلك : جماعة من المؤرخين والباحثين منهم : ابن حزم وجماعة آخرون ذكرهم بالتفصيل يحيى هاشم فرغل في كتابه ( عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ج 1 ص 105) وقد استند إلى مبررات شرحها .
ج - : الرأي الذي يذهب إلى تكون الشيعة أيام خلافة الإمام علي ( عليه الصلاة والسلام ) ، ومن الذاهبين إلى هذا الرأي النوبختي في كتابه فرق الشيعة ( فرق الشيعة ص 16) .
وابن النديم في الفهرست حيث حدده بفترة واقعة البصرة وما سبقها من مقدمات كان لها الأثر المباشر في تبلور فرقة الشيعة وتكوينها ( الفهرست لابن النديم ص 175) .
د - : الرأي الذي يذهب إني أن ظهور التشيع كان بعد واقعة الطف على اختلاف في الكيفية بين الذاهبين لهذا الرأي حيث يرى بعضهم أن بوادر التشيع التي سبقت واقعة الطف لم تصل إلى حد تكوين مذهب متميز له طابعه وخواصه وإنما حدث ذلك بعد واقعة الطف بينما يذهب ( الصلة بين التصوف والتشيع ص 23) آخرون إلى أن وجود المذهب قبل واقعة الطف كان لا يعدو النزعة الروحية ولكن بعد واقعة الطف أخذ طابعا سياسيا وعمق جذوره في النفوس وتحددت أبعاده إلى كثير من المضامين ، وكثير من المستشرقين يذهبون لهذا الرأي وأغلب المحدثين من الكتاب .
يقول الدكتور كامل مصطفى إن استقلال الاصطلاح الدال على التشيع إنما كان بعد مقتل الحسين ( عليه الصلاة والسلام) حيث أصبح التشيع كيانا مميزا له طابعه الخاص .
في حين يذهب الدكتور عبد العزيز الدوري إلى أن التشيع تميز سياسيا ابتداء من مقتل أمير المؤمنين علي ( عليه الصلاة والسلام) ويتضمن ذلك فترة قتل الحسين ( عليه الصلاة والسلام) حيث يعتبرها امتدادا للفترة السابقة ( مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص 72) .
وإلى هذا الرأي يذهب بروكلمان في تاريخ الشعوب الإسلامية حيث يقول : والحق أن ميتة الشهداء الذي ماتها الحسين ولم يكن لها أي أثر سياسي هذا على زعمه - قد عملت في التطور الديني للشيعة حزب علي الذي أصبح بعد ملتقى جميع النزعات المناوئة للعرب - وهو زعم باطل - واليوم لا يزال ضريح الحسين ( عليه الصلاة والسلام) في كربلاء أقدس محجة عند الشيعة وبخاصة الفرس الذين ما فتئوا يعتبرون الثواء الأخير في جواره غاية ما يطمعون فيه ( تاريخ الشعوب الإسلامية ص 128) .
إن رأي بروكلمان بالإضافة لما فيه من دس يخالف ما عليه معظم من ربط ظهور التشيع بمقتل الحسين حيث يذهبون إلى أن التميز السياسي للمذهب ولدته واقعة الطف ، بينما يرى بروكلمان أن لا أثر سياسي للواقعة فهو من قبيل إنكار البدهيات وإنما يقصر أثر الواقعة على تعميق المذهب دينيا فقط .
وقد شايع بروكلمان في هذا الرأي جماعة آخرون ذكرهم يحيى فرغل مفصلا في كتابه ( عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ج 1 ص 106) إن هذه الآراء الأربعة في نشأة التشيع لا تصمد أمام المناقشة ولا أريد أن أتعجل الرد عليها فسأذكر الرأي الخامس ومنه يتضح تماما أن هذه الآراء تستند إلى أحداث أو مض فيها التشيع نتيجة احتكاكه بمؤثر من المؤثرات في تلك الفترة التي أرخت بها تلك الآراء ظهور التشيع فظنوه ولد آنذاك بينما هو موجود بكيانه الكامل منذ الصدر الأول . وقد آن الأوان لأعرض لك رأي جمهور الشيعة وخاصة المحققين منهم .
هـ - رأي الشيعة وغيرهم من المحققين من المذاهب الأخرى . حيث ذهب هؤلاء إلى أن التشيع ولد أيام النبي ( صل الله عليه واله ) وأن النبي نفسه هو الذي غرسه في النفوس عن طريق الأحاديث التي وردت على لسان النبي ( صل الله عليه واله ) وكشفت عما لعلي ( عليه الصلاة والسلام) من مكانة في مواقع متعددة رواها إضافة إلى الشيعة ثقاة أهل السنة ومنها : ما رواه السيوطي عن ابن عساكر عند تفسير الآيتين السادسة والسابعة من سورة النبي بسنده عن جابر بن عبد الله قال كنا عند النبي ( صل الله عليه واله ) فأقبل علي ( عليه الصلاة والسلام)
فقال النبي ( صل الله عليه واله) : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة : فنزل قوله تعالى : * ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) * .
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزل قوله تعالى : * ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) * قال النبي ( صل الله عليه واله ) لعلي ( عليه الصلاة والسلام ) هم أنت وشيعتك .
وأخرج ابن مردويه عن علي ( عليه الصلاة والسلام) قال : قال لي رسول الله ( صل الله عليه واله ) : ألم تسمع قوله تعالى : * ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) * إلخ هم أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين ( الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 376) ومن هنا ذهب أبو حاتم الرازي إلى أن أول اسم لمذهب ظهر في الإسلام هو الشيعة وكان هذا لقب أربعة من الصحابة أبو ذر وعمار ومقداد وسلمان الفارسي وبعد صفين اشتهر موالي علي بهذا اللقب ( روضان الجنات للخونساري ص 88) .
النصوص التاريخية على وصف جماعة بالتشيع أيام النبي ( صل الله عليه واله) وقد مرت الإشارة لذلك ، ولهذا يقول الحسن بن موسى النوبختي عند تحديده للشيعة : فالشيعة فرقة علي بن أبي طالب المسمون بشيعة علي في زمن النبي - ثم عدد جماعة منهم وقال : - وهم أول من سمي باسم التشيع لأن اسم التشيع كان قديما لشيعة إبراهيم ( الفرق والمقالات للنوبختي باب تعريف الشيعة ) .
إن هذه الأحاديث التي مرت والتي أخرجها كل من ابن عساكر وابن عدي وابن مردويه يعقب عليها أحمد محمود صبحي في كتابه نظرية الإمامة فيقول : ولا تفيد الأحاديث الواردة على لسان النبي ( صل الله عليه واله) في حق علي ( عليه الصلاة والسلام) أن لعلي شيعة في زمان النبي فقد تنبأ النبي بظهور بعض الفرق كإشارته إلى الخوارج والمارقين كما ينسب إليه أنه قال لعلي إنك تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين .
ولا يدل ذلك على وجود جماعة مستقلة لها عقائد متمايزة أو تصورات خاصة ( نظرية الإمامة ص 31) وأنا ألفت نظر الدكتور أحمد محمود إلى أن الشيعة لا يستدلون على ظهور التشيع أيام النبي ( صل الله عليه واله) بما ورد على لسانه من أحاديث ، فالمسألة كما يسميها الأصوليون على نحو القضية الحقيقية لا الخارجية ، أي لا يلزم وجودهم بالفعل كما استظهر الدكتور وإنما هي صفات ذكرها النبي ( صل الله عليه واله) للشيعة متى وجدوا وأينما وجدوا ، أما الاستدلال على ظهور الشيعة أيام النبي فمن روايات وقرائن كثيرة يوردونها في هذا المقام ، أورد قسما منها الدكتور عبد العزيز الدوري واستعرض مصادرها ( مقدمة في تاريخ صدر الإسلام ص 72)
مع ملاحظة أنه قيد التشيع بأنه تشيع روحي كما نص على قسم من أدلتهم على ذلك يحيى هاشم فرغل في كتابه ( عوامل وأهداف نشأة علم الكلام ج 1 ص 105 ) .
إن بعض هذه الآراء يرجع بالبداية الزمنية في ظهور الشيعة إلى وقت مبكر في حياة النبي ( صل الله عليه واله) حيث التأمت جماعة من الصحابة تفضل عليا ( عليه الصلاة والسلام) على غيره من الصحابة وتتخذه رئيسا ومن هؤلاء عمار بن ياسر وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد بن الأسود وجابر بن عبد الله وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري وبنو هاشم الخ ( المصدر السابق ص 106) .
ولهذا ذهب الباحثون إلى تخطئة من يؤرخ للتشيع وظهوره بعصور متأخرة مع أن الأدلة التاريخية متوفرة على وجودهم أيام الرسول صلوات الله عليه وآله : يقول محمد عبد الله عنان في كتابه تاريخ الجمعيات السرية عند تعليقه على الحادثة التي روتها كتب السيرة ( حياة محمد لهيكل ط مصر الطبعة المؤرخة 1354 ص 104) حين جمع النبي عشيرته عند نزول قوله تعالى : * ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) * 214 / الشعراء ، ودعاهم إلى اتباعه فلم يجبه إلا علي بن أبي طالب فأخذ النبي برقبته وقال : هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا الخ .
علق محمد عبد الله بقوله : من الخطأ أن يقال : إن الشيعة إنما ظهروا لأول مرة عند انشقاق الخوارج بل كان بدء الشيعة وظهورهم في عصر الرسول حين أمر بإنذار عشيرته بهذه الآية .