إذا أدرك الغذاء، لم يفد فائدة ما لم تكن شهوة له وميل وشوق اليه. إذ لولا الميل اليه لكان إدراكه بأي حس وقوة فرضاً معطلاً. ألا ترى أن المريض يرى الطعام ويدرك ،نه أنفع الأشياء له، وقد سقطت شهوته، فلا يتناوله، فيبقى البصر والادراك معطلاً في حقه؟ فيتوقف الأكل على ميل إلى الموافق، ويسمى شهوة، ونفرة عن المخالف، ويسمى كراهة. فخلق الله شهوة الطعام وسلطها على الإنسان كالمتقاضي الذي يضطره إلى التناول، وهذه الشهوة لو لم تسكن بعد أخذ قدر الحاجة لأسرفت وأهلكت نفسه، فخلق الله الكراهة عند الشبع لترك الأكل بها، ولم يجعلها كالزرع الذي لا يزال يجتذب الماء إذا انصب في اسفله حتى يفسد، ولذلك يحتاج إلى آدمي يقدر غذاءه بقدر الحاجة، فيسقيه مرة ويقطع عنه الماء اخرى، ثم مجرد الميل والشهوة لا يكفي،ما لم تنبعث الداعية إلى تناول الغذاء. فخلق الله ـ تعالى ـ له الارادة ـ أعني انبعاث النفس إلى تناوله. وربما حصل الاحتياج إلى قوة الغضب ـ أيضاً ـ ليدفع عن نفسه المؤذي وما يضاده ويخالفه، ومن اراد ان يأخذ منه ما حصله من الغذاء. ثم لكل واحد من الشهوة، والكراهة، والارادة، والغضب، أسباب لا يمكن احصاؤها، ثم بعد ادراك الغذاء وميله وشهوته وارادته، لا يفيد شيئاً من ذلك ما لم يتحقق الطلب والأخذ بالفعل بآلاتهما. فكم من زمن شائق إلى شيء بعيد منه مدرك له مائل إليه مريد له، لا يمكنه أن يمشي إليه لفقد رجله، أو لا يمكنه أن يتناوله لفقد يدهه أو لفلج أو عذر فيهما. فلا بد من آلات للحركة، وقدرة في تلك الآلات على الحركة، لتكون حركتها بمقتضى الشهوة طلباً. فلذلك خلق الله ـ تعالى ـ لك الأعضاء التي تنظر إلى ظاهرها ولا تعرف اسرارها. فمنها ما هو آلة للطلب، كالرجل للإنسان، والجناح للطير، والقوائم للدواب. ومنها ما هو آلة لدفع المؤذي والمانع من طلب الغذاء، القرن لبعض الحيوانات، والانياب لبعض أخر منها، والمخلب لبعض آخر منها، والاسلحة للإنسان القائمة مقام هذه الآلة. ومنها ما هو آلة للأخذ والتناول كاليدين للإنسان. ثم لهذه الاعضاء أسباب وحكم خارجة عن الحد والحصر .
منــــــــــــــــقول
تعليق