بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم ينصف التاريخ زينب بنت الإمام علي (عليهما السلام) ويستوعب موقفها البطولي في كربلاء، فقد مر المؤرخون عرضاً على دورها العظيم الذي شكل منعطفاً مصيريا في مسيرة الأمة الإسلامية، إذ حصروا دورها في سياق البكائيات والعاطفة، في حين كان لها موقفاً جهادياً استثنائياً بعد أن حطًمت السقف الأعلى لطاقة الاحتمال البشري في تلقيها الفجائع الدامية بصبر وإباء فكل رجالها نحروا على أرض كربلاء وتوسدت أجسادهم الطاهرة تراب ألطف، ناهيك عن حرق الخيام وفرار النسوة والأطفال في البيداء الحارقة ظهراً و وثبتها الشجاعة في احتواء جراح الثكالى واليتامى برغم سياط الجند اللاهبة فوق الظهور.
فمن أين تتأتى هذه القوة ومن أي منهل ترفد زينب (ع) صبرها الأشم ورباطة جأشها؟
حتما وعيها السياسي المتوائم وعقيدتها الصلبة والذي جعلها في موقع تكليف ومسؤولية أمام واقع أمة تتردى في الحضيض، فكان خروجها مع الحسين مخططا ضمن إستراتيجيته الإصلاحية التي ارتكزت على بعدين، البعد الأول المواجهة العسكرية، والبعد الثاني (الإعلام)، وهذا هو الدور الذي قامت به زينب (ع) مستنفرة كل أدواتها الإعلامية لضخ أهداف الثورة في قلب الأمة بقوة وحرارة، فكانت لسان المحنة وفجائع المصاب الذي سوط الضمائر الميتة كي تنتفض، ولهذا ففي رحيل موكب السبايا إلى الكوفة منعت السلطة تجمع الناس في الطرقات وامتلأت الشوارع بالجند المسلحين استعداداً لوصول الرؤوس (المنحورة في كربلاء) وركب السبايا بعد أن تفشى خبر مقتل الحسين وتضارب الشائعات فكانت صدمة عنيفة لأهل الكوفة حينما ارتفع صوت زينب (ع) بنت علي في ميدان الكوفة حيث الحشود المتراصة في ذهول مؤنبة:
((ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم، لقد جئتم شيئاً إدا، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا)).
ثم اتجه الموكب الحزين حيث قصر الإمارة ومعقل السلطة الظالمة، تدخل زينب (ع) قصر بن زياد شامخة أبية فقد تعبأت بقوة جبارة قادرة على نسف الحكم وفضح المؤامرة وكشف التعتيم الإعلامي الذي غيب وعي الناس، فجاءت متربصة لابن زياد، متحفزة لقلب الرأي العام ضد الحاكم مستثمرة كل معطيات الثورة الكربلائية لتفجر الموقف وتقلب المعادلة لصالح الحسين فأججت انتفاضة جماهيرية على جميع المستويات، حيث كان مجلس بن زياد مكتظاً بالوجهاء وكبار الدولة و وفود القبائل ورؤساء العشائر وقواد الجيش يترنح ابن زياد مبتهجاً ببطولة ادعائية أمام الناس مستعرضا عظمة موقفه وقد وضع رأس الحسين بين يديه، وهنا اشتعلت المواجهة الساخنة بين زينب (ع) بطلة كربلاء والحاكم الباطش بن زياد إذ خاطبها بغرور وعنجهية جاهلية قائلاً: ((الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم))
فردت عليه زينب (ع) بكل إباء:
((الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا)).
ثم توجه ركب السبي إلى الشام حيث قصر يزيد الذي ازدان بالأعلام الملونة واكتظ بالوفود المهنئة بالظفر، وكان مبعث الزهو والفرح عند يزيد لظنه أنه خلد سلطة آل أبي سفيان، وقد أشاعت أجهزة إعلام الدولة في خضم هذه الاضطرابات السياسية أن السبايا ما هم إلا خوارج خرجوا على الأمير، لكن زينب (ع) أظهرت الحق وأزهقت الباطل حينما وقفت بكل شموخ تنظر إلى يزيد نظرة احتقار واستخفاف رغم أنها أسيرة أرهقتها المحنة تلقي بتصريحاتها النارية التي قوضت عرشه قائلة:
((فكد كيدك ، واسع سعيك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا فحسبنا الله ونعم الوكيل)).
وكان خطابها يتضمن أهداف ثورة الحسين ومظلومية أهل بيته والأخطاء السياسية التي دلت على حماقة يزيد فاستنكرت الجماهير المحتشدة الجريمة البشعة التي اقترفها هذا النظام الجائر وذلك بعد أن زالت الغشاوة عن أبصارهم متأثرين ببيانها البليغ الذي شف عن قوة إيمان وثبات جنان.
وهكذا مضت تتابع ثورتها الإعلامية عبر مجالسها التثقيفية والفكرية وبناء ركائز مجتمع حر فعّل أهداف ثورة الحسين المباركة على واقع حياته وبذلك سقط مشروع يزيد الانتقامي وافتضحت مؤامرته الدنيئة.
وهذا هو النصر الحقيقي لثورة الحسين.
فالسلام على زينب (ع) أم المصائب ودرة المناقب ورحمة الله وبركاته.
الأديبـة القديـرة خولة القزويني
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم ينصف التاريخ زينب بنت الإمام علي (عليهما السلام) ويستوعب موقفها البطولي في كربلاء، فقد مر المؤرخون عرضاً على دورها العظيم الذي شكل منعطفاً مصيريا في مسيرة الأمة الإسلامية، إذ حصروا دورها في سياق البكائيات والعاطفة، في حين كان لها موقفاً جهادياً استثنائياً بعد أن حطًمت السقف الأعلى لطاقة الاحتمال البشري في تلقيها الفجائع الدامية بصبر وإباء فكل رجالها نحروا على أرض كربلاء وتوسدت أجسادهم الطاهرة تراب ألطف، ناهيك عن حرق الخيام وفرار النسوة والأطفال في البيداء الحارقة ظهراً و وثبتها الشجاعة في احتواء جراح الثكالى واليتامى برغم سياط الجند اللاهبة فوق الظهور.
فمن أين تتأتى هذه القوة ومن أي منهل ترفد زينب (ع) صبرها الأشم ورباطة جأشها؟
حتما وعيها السياسي المتوائم وعقيدتها الصلبة والذي جعلها في موقع تكليف ومسؤولية أمام واقع أمة تتردى في الحضيض، فكان خروجها مع الحسين مخططا ضمن إستراتيجيته الإصلاحية التي ارتكزت على بعدين، البعد الأول المواجهة العسكرية، والبعد الثاني (الإعلام)، وهذا هو الدور الذي قامت به زينب (ع) مستنفرة كل أدواتها الإعلامية لضخ أهداف الثورة في قلب الأمة بقوة وحرارة، فكانت لسان المحنة وفجائع المصاب الذي سوط الضمائر الميتة كي تنتفض، ولهذا ففي رحيل موكب السبايا إلى الكوفة منعت السلطة تجمع الناس في الطرقات وامتلأت الشوارع بالجند المسلحين استعداداً لوصول الرؤوس (المنحورة في كربلاء) وركب السبايا بعد أن تفشى خبر مقتل الحسين وتضارب الشائعات فكانت صدمة عنيفة لأهل الكوفة حينما ارتفع صوت زينب (ع) بنت علي في ميدان الكوفة حيث الحشود المتراصة في ذهول مؤنبة:
((ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم، وأي كريمة له أبرزتم، وأي دم له سفكتم، وأي حرمة له انتهكتم، لقد جئتم شيئاً إدا، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا)).
ثم اتجه الموكب الحزين حيث قصر الإمارة ومعقل السلطة الظالمة، تدخل زينب (ع) قصر بن زياد شامخة أبية فقد تعبأت بقوة جبارة قادرة على نسف الحكم وفضح المؤامرة وكشف التعتيم الإعلامي الذي غيب وعي الناس، فجاءت متربصة لابن زياد، متحفزة لقلب الرأي العام ضد الحاكم مستثمرة كل معطيات الثورة الكربلائية لتفجر الموقف وتقلب المعادلة لصالح الحسين فأججت انتفاضة جماهيرية على جميع المستويات، حيث كان مجلس بن زياد مكتظاً بالوجهاء وكبار الدولة و وفود القبائل ورؤساء العشائر وقواد الجيش يترنح ابن زياد مبتهجاً ببطولة ادعائية أمام الناس مستعرضا عظمة موقفه وقد وضع رأس الحسين بين يديه، وهنا اشتعلت المواجهة الساخنة بين زينب (ع) بطلة كربلاء والحاكم الباطش بن زياد إذ خاطبها بغرور وعنجهية جاهلية قائلاً: ((الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم))
فردت عليه زينب (ع) بكل إباء:
((الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا)).
ثم توجه ركب السبي إلى الشام حيث قصر يزيد الذي ازدان بالأعلام الملونة واكتظ بالوفود المهنئة بالظفر، وكان مبعث الزهو والفرح عند يزيد لظنه أنه خلد سلطة آل أبي سفيان، وقد أشاعت أجهزة إعلام الدولة في خضم هذه الاضطرابات السياسية أن السبايا ما هم إلا خوارج خرجوا على الأمير، لكن زينب (ع) أظهرت الحق وأزهقت الباطل حينما وقفت بكل شموخ تنظر إلى يزيد نظرة احتقار واستخفاف رغم أنها أسيرة أرهقتها المحنة تلقي بتصريحاتها النارية التي قوضت عرشه قائلة:
((فكد كيدك ، واسع سعيك، فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا فحسبنا الله ونعم الوكيل)).
وكان خطابها يتضمن أهداف ثورة الحسين ومظلومية أهل بيته والأخطاء السياسية التي دلت على حماقة يزيد فاستنكرت الجماهير المحتشدة الجريمة البشعة التي اقترفها هذا النظام الجائر وذلك بعد أن زالت الغشاوة عن أبصارهم متأثرين ببيانها البليغ الذي شف عن قوة إيمان وثبات جنان.
وهكذا مضت تتابع ثورتها الإعلامية عبر مجالسها التثقيفية والفكرية وبناء ركائز مجتمع حر فعّل أهداف ثورة الحسين المباركة على واقع حياته وبذلك سقط مشروع يزيد الانتقامي وافتضحت مؤامرته الدنيئة.
وهذا هو النصر الحقيقي لثورة الحسين.
فالسلام على زينب (ع) أم المصائب ودرة المناقب ورحمة الله وبركاته.
الأديبـة القديـرة خولة القزويني
__________________
تعليق