وقفة إعتبار مع السيدة زينب بنت علي /ع/ في كيانيتها الصالحة ورامزيتها للنساء أجمعين))
====================================
مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف:
((زينب/ع/ هي ثمرةُ الزهراء/ع/))
================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
في البداية لابد من التعريف التأريخي بولادة السيدة زينب /ع/
فالأخبار الصحيحة تنص على أنّ ولادتها /ع/ كانت في الخامس عشر من شهر جمادى الأولى من السنة الخامسة من الهجرة النبوية الشريفة .
ولما ولدتها الصديقة الزهراء/ع/ جاءت بها فرحةً إلى أمير المؤمنين علي /ع/
وقالت له سمّ هذه المولودة فقال/ع/ ما كنتُ لأسبقَ رسول الله /ص/ في تسميتها
وحينها كان النبي/ص/ في سفر
ولما رجع سأله علي/ع/ عن اسمها ؟
فقال /ص/ ما كنتُ لأسبق ربي في تسميتها
فهبط جبرئيل /ع/ يُقرأ على النبي السلام من الله تعالى
وقال له :سمِّ هذه المولودة /زينب/ع/ فقد اختار الله لها هذا الأسم
ثم أخبره بما سيجري عليها بعد وفاته/ص/ فبكى النبي/ص/
/إنظر/ رجال تركوا بصمات على قسمات التأريخ/ السيد لطيف القزويني/ص159.ٍ
======
وهنا قيمة يجب أن نستوحيها في عصرنا هذا وهي تحسين أسماء الأولاد ذكورٌ أكانوا أم إناث ؟
وهذا سنة مؤكدة في منظومة الفقه الإسلامي فلاحظوا كيف تأنت الزهراء /ع/ وعلي/ع/ وكذا نبينا محمد/ص/ في إنتقاء الأسم الأفضل للمولودة الجديدة (زينب) وهو اسم تعرفه العرب مسمىً على الشجر الحسن المنظر والطيب الرائحة.
فلننتبه لذلك لما لأهمية الأسم من تأثير نفسي ومعنوي على الشخص المسمى به على مستوى ذاته ومجتمعه .
فزينب /ع/ لما نشبت حياتيا كانت /ع/ أقرب إلى امها الزهراء/ع/
ولاشك أنّ البنت تكون أقرب نفسيا وحياتيا إلى إمها وذلك للمماثلة الوجودية بينهما فضلا عن العلقة التكوينية بإعتبار وصف الإمومة وأهميتها للمولودة الجديدة
فزينب /ع/ ولدت من رحم إمرأة معصومة وهي الزهراء /ع/ ومن صُلب إمام معصوم وهو علي/ع/ ونشأت بين إمامين معصومين وهما الحسن والحسين/ع/
فكل تلك المرتكزات الوجودية التي إنطلقت منها زينب/ع/ قد تركت أثرها البليغ على كيانيتها المعنوية .
بحيث يذكر لنا التأريخ من السلوكيات لزينب/ع/ وأخويها الحسن والحسين/ع/ في تعاطيهما معا فيما بينهما ما تقف معه إجلالا وتقديرا لمثل هكذا إمرأة عظيمة
فتذكر الروايات أنّ الإمام الحسين/ع/ إذا زارته اخته زينب /ع/ يقوم لها إجلالا ويُجلِسها مكانه ./إنظر/العقيلة والفواطم/ الحاج حسين الشاكري/ ص 13.
وهذه مفردة أخلاقية تستحق الوقوف عندها
فالمعصوم وهو الحسين/ع/ هنا هو أشرف وأكبر من زينب /ع/ منزلة ولكن حينما تزوره اخته يُجلّها إكراما لها
ومن هنا ننهل القيمة الهادفة المؤسسة لمنهاج التعامل بين الأخ وأخته في طبيعة الحياة بغض النظر عن التوصيفات لكل منهما.
فالأخ يجب أن يكون محاميا ومدافعا عن اخته فضلا عن كونه حانيا عليها
وحافظا لكرامتها وخاصة حينما يُشعرها بذلك فقطعا سوف تكون إمرأة أبية وعزيزة .
فلنتدبر في ذلك ؟
((زينب/ع/ في شخصيتها )) التكوِّن والصيرورة:
===========================
من المعلوم أنّ زينب /ع/ قد تربت في حريم النبوة المحمدية الشريفة وفي حجرات نزل فيها وحي الله وفي أحضان حانية معصومة كحضن جدها وأبيها وأمها/ع/
ومع تلاقح إيماني وتربوي مع أخويها الحسن والحسين/ع/
فطبعا ويقينا هذه الجذوز المعنوية تٌثمر ثمرا طيبا وصالحا
ومن ثمار هذه التربية الصالحة والسديدة التي تلقتها زينب/ع/ أنّها اصبحت حافظة للحديث ومفسرةً للقرآن الكريم في حلقاتها الشهيرة علميا
وحتى أنّ هند زوجة يزيد بن معاوية إعترفت بهذا يوم أدخلوا زينب /ع/ سبية إلى مجلس يزيد
وما خطبتها في الكوفة والشام إلاّ دليل واضح على قدرتها البيانية والبلاغية الراقية
بحيث أسكتت القوم وأعجزتهم نطقا
/انظر/هامش /شرح الأخبار/القاضي النعمان المغربي/ ج3/ص198.
ويذكر لنا رجال الحديث أنّ زينباً /ع/ نقلت خطبة امها في المسجد الشريف بخصوص غصب فدك أيام الغاصب الخليفة الأول أبي بكر
ونقلت أيضا خطب ابيها والتي جُمعت في نهج البلاغة على يد الشريف الرضي/قد/
/انظر/وسائل الشيعة /الحر العاملي /ج30/ص32.
و/من لايحضره الفقيه/الصدوق/ ج4/ص 541.
وعنها أيضا كان يُحدّث الإمام زين العابدين علي بن الحسين/ع/ ابن اخيها.
في كثير من المجالات
/انظر/ دلائل الإمامة/ محمد بن جرير الطبري(الشيعي) ص109.
هذه صورة وجيزة مختصرة من علميتها وفقاهتها
أما عن عبادتها وتدينها فالمشهور عنها أنها كانت مخدّرة (يعني ملازمة لبيتها ولتسترها) ومتهجدة في طاعتها لربها تعالى في كل أحوالها يسرها وعسرها
صحتها ومرضها
فالمعروف عنها تأريخيا أنها ما تركت تهجدها لله تعالى طوال دهرها
حتى ليلة الحادي عشر من المحرم بعد شهادة الإمام الحسين/ع/
فروي عن الإمام السجاد علي بن الحسين/ع/ أنه قال
(( رأيتها (أي عمته زينب/ع/ تلك الليلة تُصلي من جلوس))
انظر/النظرات حول الإعداد الروحي/الشهيد حسن معن/ص 15.
وهذا يعني حقا أنها كانت تُصلي من قيام طيلة عمرها الشريف
ولكن فاجعة كربلاء وشهادة إمامها وأخيها الحسين/ع/ أوهنت قوتها البدنية
بحيث اصبحت لاتقدر على القيام
وهذه شهادة من إمام معصوم مثل زين العابدين/ع/ على حال عمته زينب /ع/
وهنا أيضا أيضا تفرض قيم زينب /ع/ علينا ذاتها بقناعة وإيمان بأن نحذوا حذوها
رجال ونساء ولاعيب في ذلك
فالقرآن الكريم ضرب لنا مثلا للذين آمنوا(رجال ونساء) بإمرأة غير معصومة ولكنها صالحة وهي آسيا بنت مزاحم زوجة فرعون
فقال تعالى
((وضرب الله مثلا للذين آمنوا إمرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين)) التحريم/11.
فزينب /ع/ وإن لم تكن معصومة بالنص ولكن لم يثبت عليها ذنبٌ أبدا فهي في غاية العبودية والتربية النفسية والتي معها تحملت ما جرى عليها من مصائب وبلاءات لايقدر عليها الرجال ربما.
وسجلت مواقف خالدة يمكن توظيفها في حياتنا المعاصرة تأسيسيا وتفريعيا
فهي كآسيا بنت مزاحم رفضت ظلم الظالمين وصمدت بوجههم وبهذا صارت مثلا للذين آمنوا من بعدها وهي أهل لذلك ولا سيما هي سبطة محمد /ع/ وكريمة علي/ع/ وبنت الزهراء /ع/ وأخت الحسنين /ع/
فكل تلك المعطيات التي إنبثقت من شخصية زينب /ع/ العلمية والمعرفية والعبادية
هي لبنات قويمة للمنهج الذي يجب أن ننهجه في سلوكنا المعاصر
رجال ونساء
وهذا هو منهج القرآن الكريم في طرحه لمفردة القدوة والأسوة الحسنة من المعصومين وغير المعصومين من الصالحين وضرورة الأخذ منها عمليا وعلميا
((زواج زينب/ع/ من ابن عمها عبد الله بن جعفربن أبي طالب/ع/))
===================================
لما بلغت زينب /ع/ مبلغ النساء ونضجت دار في ذهن علي/ع/ أن يُزوجها من ابن اخيه جعفر/ع/ الطيار لأهليته لها
وفعلا دعا علي/ع/ ابن اخيه عبد الله وشرّفه بتزويج زينب/ع/ على صداق معلوم وهو صداق(مهر) الزهراء/ع/ مهر السنة المؤكدة وهو(480) درهم.
آنذاك.
وما أ تم الزواج المبارك حتى ولدت زينب/ع/ لعبدالله اولاد وهم علي/ وعون الأكبر وعباس وأم كلثوم/.
انظر/العقيلة والفواطم/ حسين الشاكري/ص13,.
وهنا أيضا نقف مستوحين لقيم مركزية تركتها زينب/ع/ للنساء أجمعين وعلى مر الزمان والمكان والإنسان
فالقيمة واحدة وحقيقة سيالة لاتختص بجيل دون آخر أبدا
فهذه زينب/ع/ لم تعترض على إختيار أبيها لزوجها الكفؤ لها وقبلت بمهرها المتواضع ولم تتكلف في زواجها
فقلة مهر الزوجة هو مستحبات الشريعة وقد ندبت له السنة النبوية الشريفة
فعن النبي محمد/ص/أنه قال
((أفضل نساء امتي أقلهنّ مهرا وأحسنهنّ وجها))
انظر/مستدرك الوسائل/الميرزا النوري/ج14/ ص160.
فإذن السيدة زينب /ع/ طبقت السنة النبوية الشريفة وقبلت بمهرها المتواضع
وهي أشرف النساء في وقتها وبذلك صارت من أفضل نساء امة جدها محمد/ص/
فأين نحن من هذا ؟
في زمن غلاء المهور وتعويق حركة التزويج بأفانين واهية وطلبات كمالية وليست ضرورية مما يُساعد على نشر الفساد والبحث عن بدائل رخيصة من خلالها تُشبع الرغبات.
فزينب/ع/ عندما أصبحت زوجةً وتحملت مسؤولية جديدة صانتها خير صيانة ولم تنسى عشرتها مع أبيها وأخوتها فكانت تهتم بأبيها وأخوتها وهي متزوجة
حتى أنّها في وقتها لُقّبت ب(عقيلة الهاشميين)
انظر /تاريخ دمشق /ابن عساكر/ج27/ص285.
ويُحدثنا التأريخ أنّ زينبَ /ع/ لم يفرق زواجها بينها وبين أبيها وأخوتها فقد بلغ من تعلق الإمام علي/ع/ بها وبإبن اخيه زوجها عبد الله أن أبقاهما معه حتى إذا وليّ أمر المسلمين وانتقل الى الكوفة انتقلا معه فعاشا في مقر الخلافة موضع رعاية أمير المؤمنين/ع/ وإعزازه
ووقف عبد الله زوج زينب/ع/ بجانب عمه المعصوم الإمام علي/ع/ في كفاحه ضد الأعداء
فكان أميرا من امراء جيشه في صفين
انظر/ مع بطلة كربلاء/محمد جواد مغنية /ص35.
فلاحظوا كيف تتعامل زينب/ع/ مع أبيها وهي في طور الزوجية ولها مسؤوليتها الخاصة بها ولكنها كانت تتعامل مع أبيها كإمام معصوم مفترض الطاعة قبل أن يكون/ع/ أبا رحيما بها.
وهي ليس مجبرة على ترك المدينة والرحيل مع أبيها الى الكوفة
فمن حقها أن تبقى هي وزوجها في المدينة ولم يُلزمها ابوها /ع/ بالخروج معه ولكنها كما قلتُ آنفا تتعامل معه ومع توجيهاته معاملة المكلّف مع إمام وقته
وكذا كانت/ع/ هي مع الحسن والحسين /ع/ في محنتهما تتعامل معهما كإمامين لها
والدليل على ذلك ما قامت به/ع/ من دور مشرف مع أخيها الإمام الحسين/ع/ في واقعة الطف .
ولنا في ذلك اسوة حسنة وخاصة لنسائنا في وقتنا هذا
فكل إمرأة هي إنسانة مكلّفة بطاعة إمام وقتها وأعني اليوم إمامنا المهدي المُنتَظر/ع/
فزينب /ع/ تركت درسا بليغا للنساء بلزوم الحركة مع إمام الوقت /ع/ وحتى وإن كانت المرأة متعنونة بعنوان الزوجية لكنها تبقى مكلفة بواجبات شرعية وعقدية كطاعة أمام الزمان /ع/
وليس للزوج الحق في منعه إياها من أداء تكاليفها تجاه ما تعتقد وتتعبد به.
((الفصل الأخيرفي حياة زينب/ع/ ))
: ثقافتها الإعلامية وصبرها وإنتصارها كإمرأة :
=============================================
إنّ المرأة بشكل عام هي إنسانة مساوية للرجل في بشريتها وكرامتها وربما في تكليفها
فقد تفرض عليها أحيانا قواهر الحياة مهمة صعبة جدا قد لاتقدر على تحملها بحكم تركيبها الجسمي والعاطفي وقلما نجد من النساء من تصمد أمام فاجعة تُفجع فيها بقتل أخوتها وبنيها وسبيها
ولكن مع السيدة زينب /ع/ الأمر يبدو مُختلف تماما
فقد ضربت رقما صعبا في صلابتها وصبرها وثقافتها ثقافة المواجهة الواعية إعلاميا مع الخصم الذي يمتلك أدوات القمع والتنكيل ضد خصمه ولا يتورع عن إستعمالها تجاهه
فأول موقف شجاع لزينب/ع/ أن شقت صفوف الأعداء الأمويين من قتلة الحسين/ع/ وهي مجللة بالحزن والأسى على حصل مع الحسين/ع/
فوقفت /ع/ على جسد أخيها الشهيد /ع/ وجلست عنده ومسحت الدماء الجامدة
عليه وأزالت عنه بقايا السيوف وركام الرماح والنبال ثم رفعت يديها
ورمقت السماء بناظريها ونطقت وملء شفتيها الإيمان
وقالت/ع/
((أللّهُمّ تقبل منا هذا القربان ))
انظر/حياة الإمام الحسين/ع/ /باقر شريف القرشي/ج2 /ص300
ولسان حالها /ع/ يقول ففي سبيل دينك ضحى بنفسه وأهل بيته وأصحابه ؟
فبهذه المقولة الإعلامية والإيمانية الأصل والتي سمعها الأعداء من فم زينب/ع/
تكون/ع/ قد أسست لمفهوم الشهادة والفداء في سبيل العقيدة وصححت مزاعم الأعداء بأنّ الحسين قد خرج على ما يُسمى بخليفة المسلمين
وإنما أراد ت أن تقول لهم إنّ الحسين /ع/ جاهد أعداء الله تعالى وهم أنتم فنال الشهادة وصيّر من نفسه الشريف قربانا لله تعالى
وإبقاءاً لدينه العزيز.
وعند أخذ زينب/ع/ سبية الى الكوفة من بعد انتهاء واقعة الطف فقد إنبرت /ع/ وبقوة لفتت إعجاب المؤالف والمخالف
فخطبت خطبتها الشهيرة والصحيحة والتي تضمنت ثقافة الصمود والوعي والتحفيز لمواجهة الظالمين وعدم الخنوع لهم والتستر بلباس الإيمان
فقالت/ع/ فاضحة المنافقين والناكثين من مجتمع الكوفة آنذاك
والذين أظهروا البكاء والتعاطف الأجوف مع سبي الحرائر والنساء من أهل بيت الوحي المحمدي الشريف.
((أما بعد : يا أهل الكوفة (وتقصد المجموعات البشرية المتواجدة في الكوفة آنذاك والذين كان أغلبهم خانعين لحكومة يزيد وابن زياد ) والذين تسببوا في قتل مسلم بن عقيل من قبل وخذلوا الإمام الحسين/ع/ ولم ينصروه إلاّ القلة )
يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت منكم الرنةإنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون إيمانكم دخلا بينكم
أتبكون وتنتحبون أي والله فإبكوا كثيرا واضحكوا قليلا فقلد ذهبتم بعارها وشنارها
ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا
وأنّى لكم ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة ومدار حجتكم ومنار محجتكم وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم وسيد شباب أهل الجنة ألا ساء ما تزرون.
إلى أن قالت /ع/
(( فلا يستخفنكم المهل فإنه لايحفز البدار ولايخاف فوات الثأر وأنّ ربكم لبالمرصاد ))
انظر/ الأمالي/ الطوسي/ ج1/ ص 91.
وهنا تبث زينبٌ /ع/ وعيا جديدا يجب أن يأخذ طريقه الى الميدان تطبيقا وهو أنّ العلاقة الحرارية العاطفية أو مقولة أنّ قلوبنا معك وسيوفنا عليك هذه من الخدعة بمكان لاتنطلي على الله ورسوله والمعصومين
فخذلان المعصوم /ع/ هو عين العار والفضيحة في الدنيا والآخرة ولن يستطع أحد أن يغسل هذا العار الفضيع
((ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا))
وإنما المطلوب وعي المعية القلبية والسلوكية مع المعصوم/ع/ وعيا بحيث يُسجل حامله معه موقفا مشرفا وصالحا ومعبرا عن حقيقة إخلاصه
فزينب /ع/ نبهت ناصحة القوم بأنّ المعصوم /ع/ هو مدار الحجة الوجودية في هذه الحياة وليس الطغاة وهو /ع/ منار المحجة أي طريقا منكشفا وموصلا بإستقامته الى الله تعالى ورضوانه.
فزينب /ع/ أيضا تركت وقعا بليغا في نفوس من حضر مجلس عبيد الله بن زياد
في الكوفة حينما شمت بها
وقال(( الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم ))
فلم تتركه زينب /ع/ يتم كلامه بل قاطعته بشجاعة قديرة قائلة له/ع/
((الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد/ص/وطهرنا من الرجس تطهيرا , إنما يُفتضح الفاسق ويُكذب الفاجر وهو غيرنا يا ابن زياد ))
وهذه صاعقة كلامية نزلت على رأس ابن زياد
فزينب /ع/ عرّضت به ووبخته علنا وجعلته فاسقا فاجرا بحكم قولها ((إنما يُفتضح الفاسق ويُكذب الفاجر وهو غيرنا ياابن زياد))
فإشتاط ابن زياد غضبا فقال لها
كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟
فردت عليه/ع/ بكل إيمان وقوة قائلة
((كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاجون إليه وتختصمون عنده وانظر لِمَن الفلج يومئذ ثكلتكَ امّكَ يابن مرجانة))
انظر/الأرشاد /المفيد /ج2/ ص 115.
وهذه صاعقة اخرى انُزلتها زينب /ع/ لتحرق وتحطم طاغوتية ابن مرجانة
فتوصيف زينب/ع/ لأبن زياد بابن مرجانه فيه من الغايات ما لاتخفى على احد
والعرب إذا أرادت أهانة احدٍ أو تعريف بأصله فتذكره بأمه
كي يعي حاله وما هو عليه.
واخيرا إنّ زينبَ /ع/ عاشت مفردات شهادة الحسين /ع/ بوعي وصبر وحكمة ,وتكملة للمسيرة ,
وتحقيقا لأهداف الحسين/ع/ وهي الأصلاح والوعي والرجوع الى الصراط الحق.
ورغم هذا وذاك لم تستسلم زينب /ع /بل قويت على امر الله تعالى
وانتفضت واسقطت الطاغية يزيد (لع) /وتحدته وقالت /ع/ قولتها فحفظها التاريخ
(ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك إني لأستصغرقدرك واستعظم تقريعك واستكثر توبيخك ولئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما حين لاتجد إلاّ ما قدمت يداك وماربك بظلام للعبيد
.
....فكد كيدك ,واسع سعيك وناصب جهدك
فو الله لاتمحو ذكرنا ولاتميت وحينا ولاتدحض عنك عارها وهل رايك إلا ّفند وايامك إلاّ عدد وجمعك إلاّبدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين .)
انظر/اللهوف / السيد ابن طاووس /76.
تلك كلمات زينب /ع /تقرأ فيها فطنة الذهن ويقين الايمان وصلابة الموقف وبراعة البيان
وشخصنة نوايا الاعداء في حربهم المضادة لمحمد /ص/ ووحيه وأهل بيته المعصومين/ع/
فزينب /ع /هي اول أمرأة مسلمة وبّخَت طاغية الوقت حين قالت له
(( أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن وابديت وجوههن تحدوبهن الاعداء من بلد الى بلد ويستشرفهن اهل المناهل و المناقل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني والشريف ليس معهن من حماتهن حمي ولامن رجالهن ولي .............الخ))
انظر /أعيان الشيعة /السيد محسن الأمين/ج1 /ص 616.
حتى ازعجته واغضبته (لع)
فقال / ياصيحة تحمد من صوائح /..../ ما اهون النوح على النوائح
وفي هذه المقاطع تتبين اوجاع زينب /ع/وحسراتها على محاذير كانت تتحفظ عليها ع اولها حجابها واحتجابها
وثانيا تعجبها من ستر الطاغية لنسائه وإمائه واستضعافه للسبايا .....
نعم هكذا هي زينب الصبورة المفجوعة تبقى عامرة الايمان وصلبة في الميدان
فحري بنا رجال ونساء أن نفهم زينب /ع /فهما واعيا وهادفا نستنطق العبر من نصوصها ونحفظ كلماتها لأنها كلمات علي/ ع /ونحترف بلاغتها فإنها عالمة غير مُعلمة وفهمة غير مُفهمة .
نعم لذكراها نبكي ولكن لنعي ماتهدف إليه /ع/
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف:
====================================
مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف:
((زينب/ع/ هي ثمرةُ الزهراء/ع/))
================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
في البداية لابد من التعريف التأريخي بولادة السيدة زينب /ع/
فالأخبار الصحيحة تنص على أنّ ولادتها /ع/ كانت في الخامس عشر من شهر جمادى الأولى من السنة الخامسة من الهجرة النبوية الشريفة .
ولما ولدتها الصديقة الزهراء/ع/ جاءت بها فرحةً إلى أمير المؤمنين علي /ع/
وقالت له سمّ هذه المولودة فقال/ع/ ما كنتُ لأسبقَ رسول الله /ص/ في تسميتها
وحينها كان النبي/ص/ في سفر
ولما رجع سأله علي/ع/ عن اسمها ؟
فقال /ص/ ما كنتُ لأسبق ربي في تسميتها
فهبط جبرئيل /ع/ يُقرأ على النبي السلام من الله تعالى
وقال له :سمِّ هذه المولودة /زينب/ع/ فقد اختار الله لها هذا الأسم
ثم أخبره بما سيجري عليها بعد وفاته/ص/ فبكى النبي/ص/
/إنظر/ رجال تركوا بصمات على قسمات التأريخ/ السيد لطيف القزويني/ص159.ٍ
======
وهنا قيمة يجب أن نستوحيها في عصرنا هذا وهي تحسين أسماء الأولاد ذكورٌ أكانوا أم إناث ؟
وهذا سنة مؤكدة في منظومة الفقه الإسلامي فلاحظوا كيف تأنت الزهراء /ع/ وعلي/ع/ وكذا نبينا محمد/ص/ في إنتقاء الأسم الأفضل للمولودة الجديدة (زينب) وهو اسم تعرفه العرب مسمىً على الشجر الحسن المنظر والطيب الرائحة.
فلننتبه لذلك لما لأهمية الأسم من تأثير نفسي ومعنوي على الشخص المسمى به على مستوى ذاته ومجتمعه .
فزينب /ع/ لما نشبت حياتيا كانت /ع/ أقرب إلى امها الزهراء/ع/
ولاشك أنّ البنت تكون أقرب نفسيا وحياتيا إلى إمها وذلك للمماثلة الوجودية بينهما فضلا عن العلقة التكوينية بإعتبار وصف الإمومة وأهميتها للمولودة الجديدة
فزينب /ع/ ولدت من رحم إمرأة معصومة وهي الزهراء /ع/ ومن صُلب إمام معصوم وهو علي/ع/ ونشأت بين إمامين معصومين وهما الحسن والحسين/ع/
فكل تلك المرتكزات الوجودية التي إنطلقت منها زينب/ع/ قد تركت أثرها البليغ على كيانيتها المعنوية .
بحيث يذكر لنا التأريخ من السلوكيات لزينب/ع/ وأخويها الحسن والحسين/ع/ في تعاطيهما معا فيما بينهما ما تقف معه إجلالا وتقديرا لمثل هكذا إمرأة عظيمة
فتذكر الروايات أنّ الإمام الحسين/ع/ إذا زارته اخته زينب /ع/ يقوم لها إجلالا ويُجلِسها مكانه ./إنظر/العقيلة والفواطم/ الحاج حسين الشاكري/ ص 13.
وهذه مفردة أخلاقية تستحق الوقوف عندها
فالمعصوم وهو الحسين/ع/ هنا هو أشرف وأكبر من زينب /ع/ منزلة ولكن حينما تزوره اخته يُجلّها إكراما لها
ومن هنا ننهل القيمة الهادفة المؤسسة لمنهاج التعامل بين الأخ وأخته في طبيعة الحياة بغض النظر عن التوصيفات لكل منهما.
فالأخ يجب أن يكون محاميا ومدافعا عن اخته فضلا عن كونه حانيا عليها
وحافظا لكرامتها وخاصة حينما يُشعرها بذلك فقطعا سوف تكون إمرأة أبية وعزيزة .
فلنتدبر في ذلك ؟
((زينب/ع/ في شخصيتها )) التكوِّن والصيرورة:
===========================
من المعلوم أنّ زينب /ع/ قد تربت في حريم النبوة المحمدية الشريفة وفي حجرات نزل فيها وحي الله وفي أحضان حانية معصومة كحضن جدها وأبيها وأمها/ع/
ومع تلاقح إيماني وتربوي مع أخويها الحسن والحسين/ع/
فطبعا ويقينا هذه الجذوز المعنوية تٌثمر ثمرا طيبا وصالحا
ومن ثمار هذه التربية الصالحة والسديدة التي تلقتها زينب/ع/ أنّها اصبحت حافظة للحديث ومفسرةً للقرآن الكريم في حلقاتها الشهيرة علميا
وحتى أنّ هند زوجة يزيد بن معاوية إعترفت بهذا يوم أدخلوا زينب /ع/ سبية إلى مجلس يزيد
وما خطبتها في الكوفة والشام إلاّ دليل واضح على قدرتها البيانية والبلاغية الراقية
بحيث أسكتت القوم وأعجزتهم نطقا
/انظر/هامش /شرح الأخبار/القاضي النعمان المغربي/ ج3/ص198.
ويذكر لنا رجال الحديث أنّ زينباً /ع/ نقلت خطبة امها في المسجد الشريف بخصوص غصب فدك أيام الغاصب الخليفة الأول أبي بكر
ونقلت أيضا خطب ابيها والتي جُمعت في نهج البلاغة على يد الشريف الرضي/قد/
/انظر/وسائل الشيعة /الحر العاملي /ج30/ص32.
و/من لايحضره الفقيه/الصدوق/ ج4/ص 541.
وعنها أيضا كان يُحدّث الإمام زين العابدين علي بن الحسين/ع/ ابن اخيها.
في كثير من المجالات
/انظر/ دلائل الإمامة/ محمد بن جرير الطبري(الشيعي) ص109.
هذه صورة وجيزة مختصرة من علميتها وفقاهتها
أما عن عبادتها وتدينها فالمشهور عنها أنها كانت مخدّرة (يعني ملازمة لبيتها ولتسترها) ومتهجدة في طاعتها لربها تعالى في كل أحوالها يسرها وعسرها
صحتها ومرضها
فالمعروف عنها تأريخيا أنها ما تركت تهجدها لله تعالى طوال دهرها
حتى ليلة الحادي عشر من المحرم بعد شهادة الإمام الحسين/ع/
فروي عن الإمام السجاد علي بن الحسين/ع/ أنه قال
(( رأيتها (أي عمته زينب/ع/ تلك الليلة تُصلي من جلوس))
انظر/النظرات حول الإعداد الروحي/الشهيد حسن معن/ص 15.
وهذا يعني حقا أنها كانت تُصلي من قيام طيلة عمرها الشريف
ولكن فاجعة كربلاء وشهادة إمامها وأخيها الحسين/ع/ أوهنت قوتها البدنية
بحيث اصبحت لاتقدر على القيام
وهذه شهادة من إمام معصوم مثل زين العابدين/ع/ على حال عمته زينب /ع/
وهنا أيضا أيضا تفرض قيم زينب /ع/ علينا ذاتها بقناعة وإيمان بأن نحذوا حذوها
رجال ونساء ولاعيب في ذلك
فالقرآن الكريم ضرب لنا مثلا للذين آمنوا(رجال ونساء) بإمرأة غير معصومة ولكنها صالحة وهي آسيا بنت مزاحم زوجة فرعون
فقال تعالى
((وضرب الله مثلا للذين آمنوا إمرأة فرعون إذ قالت ربّ ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين)) التحريم/11.
فزينب /ع/ وإن لم تكن معصومة بالنص ولكن لم يثبت عليها ذنبٌ أبدا فهي في غاية العبودية والتربية النفسية والتي معها تحملت ما جرى عليها من مصائب وبلاءات لايقدر عليها الرجال ربما.
وسجلت مواقف خالدة يمكن توظيفها في حياتنا المعاصرة تأسيسيا وتفريعيا
فهي كآسيا بنت مزاحم رفضت ظلم الظالمين وصمدت بوجههم وبهذا صارت مثلا للذين آمنوا من بعدها وهي أهل لذلك ولا سيما هي سبطة محمد /ع/ وكريمة علي/ع/ وبنت الزهراء /ع/ وأخت الحسنين /ع/
فكل تلك المعطيات التي إنبثقت من شخصية زينب /ع/ العلمية والمعرفية والعبادية
هي لبنات قويمة للمنهج الذي يجب أن ننهجه في سلوكنا المعاصر
رجال ونساء
وهذا هو منهج القرآن الكريم في طرحه لمفردة القدوة والأسوة الحسنة من المعصومين وغير المعصومين من الصالحين وضرورة الأخذ منها عمليا وعلميا
((زواج زينب/ع/ من ابن عمها عبد الله بن جعفربن أبي طالب/ع/))
===================================
لما بلغت زينب /ع/ مبلغ النساء ونضجت دار في ذهن علي/ع/ أن يُزوجها من ابن اخيه جعفر/ع/ الطيار لأهليته لها
وفعلا دعا علي/ع/ ابن اخيه عبد الله وشرّفه بتزويج زينب/ع/ على صداق معلوم وهو صداق(مهر) الزهراء/ع/ مهر السنة المؤكدة وهو(480) درهم.
آنذاك.
وما أ تم الزواج المبارك حتى ولدت زينب/ع/ لعبدالله اولاد وهم علي/ وعون الأكبر وعباس وأم كلثوم/.
انظر/العقيلة والفواطم/ حسين الشاكري/ص13,.
وهنا أيضا نقف مستوحين لقيم مركزية تركتها زينب/ع/ للنساء أجمعين وعلى مر الزمان والمكان والإنسان
فالقيمة واحدة وحقيقة سيالة لاتختص بجيل دون آخر أبدا
فهذه زينب/ع/ لم تعترض على إختيار أبيها لزوجها الكفؤ لها وقبلت بمهرها المتواضع ولم تتكلف في زواجها
فقلة مهر الزوجة هو مستحبات الشريعة وقد ندبت له السنة النبوية الشريفة
فعن النبي محمد/ص/أنه قال
((أفضل نساء امتي أقلهنّ مهرا وأحسنهنّ وجها))
انظر/مستدرك الوسائل/الميرزا النوري/ج14/ ص160.
فإذن السيدة زينب /ع/ طبقت السنة النبوية الشريفة وقبلت بمهرها المتواضع
وهي أشرف النساء في وقتها وبذلك صارت من أفضل نساء امة جدها محمد/ص/
فأين نحن من هذا ؟
في زمن غلاء المهور وتعويق حركة التزويج بأفانين واهية وطلبات كمالية وليست ضرورية مما يُساعد على نشر الفساد والبحث عن بدائل رخيصة من خلالها تُشبع الرغبات.
فزينب/ع/ عندما أصبحت زوجةً وتحملت مسؤولية جديدة صانتها خير صيانة ولم تنسى عشرتها مع أبيها وأخوتها فكانت تهتم بأبيها وأخوتها وهي متزوجة
حتى أنّها في وقتها لُقّبت ب(عقيلة الهاشميين)
انظر /تاريخ دمشق /ابن عساكر/ج27/ص285.
ويُحدثنا التأريخ أنّ زينبَ /ع/ لم يفرق زواجها بينها وبين أبيها وأخوتها فقد بلغ من تعلق الإمام علي/ع/ بها وبإبن اخيه زوجها عبد الله أن أبقاهما معه حتى إذا وليّ أمر المسلمين وانتقل الى الكوفة انتقلا معه فعاشا في مقر الخلافة موضع رعاية أمير المؤمنين/ع/ وإعزازه
ووقف عبد الله زوج زينب/ع/ بجانب عمه المعصوم الإمام علي/ع/ في كفاحه ضد الأعداء
فكان أميرا من امراء جيشه في صفين
انظر/ مع بطلة كربلاء/محمد جواد مغنية /ص35.
فلاحظوا كيف تتعامل زينب/ع/ مع أبيها وهي في طور الزوجية ولها مسؤوليتها الخاصة بها ولكنها كانت تتعامل مع أبيها كإمام معصوم مفترض الطاعة قبل أن يكون/ع/ أبا رحيما بها.
وهي ليس مجبرة على ترك المدينة والرحيل مع أبيها الى الكوفة
فمن حقها أن تبقى هي وزوجها في المدينة ولم يُلزمها ابوها /ع/ بالخروج معه ولكنها كما قلتُ آنفا تتعامل معه ومع توجيهاته معاملة المكلّف مع إمام وقته
وكذا كانت/ع/ هي مع الحسن والحسين /ع/ في محنتهما تتعامل معهما كإمامين لها
والدليل على ذلك ما قامت به/ع/ من دور مشرف مع أخيها الإمام الحسين/ع/ في واقعة الطف .
ولنا في ذلك اسوة حسنة وخاصة لنسائنا في وقتنا هذا
فكل إمرأة هي إنسانة مكلّفة بطاعة إمام وقتها وأعني اليوم إمامنا المهدي المُنتَظر/ع/
فزينب /ع/ تركت درسا بليغا للنساء بلزوم الحركة مع إمام الوقت /ع/ وحتى وإن كانت المرأة متعنونة بعنوان الزوجية لكنها تبقى مكلفة بواجبات شرعية وعقدية كطاعة أمام الزمان /ع/
وليس للزوج الحق في منعه إياها من أداء تكاليفها تجاه ما تعتقد وتتعبد به.
((الفصل الأخيرفي حياة زينب/ع/ ))
: ثقافتها الإعلامية وصبرها وإنتصارها كإمرأة :
=============================================
إنّ المرأة بشكل عام هي إنسانة مساوية للرجل في بشريتها وكرامتها وربما في تكليفها
فقد تفرض عليها أحيانا قواهر الحياة مهمة صعبة جدا قد لاتقدر على تحملها بحكم تركيبها الجسمي والعاطفي وقلما نجد من النساء من تصمد أمام فاجعة تُفجع فيها بقتل أخوتها وبنيها وسبيها
ولكن مع السيدة زينب /ع/ الأمر يبدو مُختلف تماما
فقد ضربت رقما صعبا في صلابتها وصبرها وثقافتها ثقافة المواجهة الواعية إعلاميا مع الخصم الذي يمتلك أدوات القمع والتنكيل ضد خصمه ولا يتورع عن إستعمالها تجاهه
فأول موقف شجاع لزينب/ع/ أن شقت صفوف الأعداء الأمويين من قتلة الحسين/ع/ وهي مجللة بالحزن والأسى على حصل مع الحسين/ع/
فوقفت /ع/ على جسد أخيها الشهيد /ع/ وجلست عنده ومسحت الدماء الجامدة
عليه وأزالت عنه بقايا السيوف وركام الرماح والنبال ثم رفعت يديها
ورمقت السماء بناظريها ونطقت وملء شفتيها الإيمان
وقالت/ع/
((أللّهُمّ تقبل منا هذا القربان ))
انظر/حياة الإمام الحسين/ع/ /باقر شريف القرشي/ج2 /ص300
ولسان حالها /ع/ يقول ففي سبيل دينك ضحى بنفسه وأهل بيته وأصحابه ؟
فبهذه المقولة الإعلامية والإيمانية الأصل والتي سمعها الأعداء من فم زينب/ع/
تكون/ع/ قد أسست لمفهوم الشهادة والفداء في سبيل العقيدة وصححت مزاعم الأعداء بأنّ الحسين قد خرج على ما يُسمى بخليفة المسلمين
وإنما أراد ت أن تقول لهم إنّ الحسين /ع/ جاهد أعداء الله تعالى وهم أنتم فنال الشهادة وصيّر من نفسه الشريف قربانا لله تعالى
وإبقاءاً لدينه العزيز.
وعند أخذ زينب/ع/ سبية الى الكوفة من بعد انتهاء واقعة الطف فقد إنبرت /ع/ وبقوة لفتت إعجاب المؤالف والمخالف
فخطبت خطبتها الشهيرة والصحيحة والتي تضمنت ثقافة الصمود والوعي والتحفيز لمواجهة الظالمين وعدم الخنوع لهم والتستر بلباس الإيمان
فقالت/ع/ فاضحة المنافقين والناكثين من مجتمع الكوفة آنذاك
والذين أظهروا البكاء والتعاطف الأجوف مع سبي الحرائر والنساء من أهل بيت الوحي المحمدي الشريف.
((أما بعد : يا أهل الكوفة (وتقصد المجموعات البشرية المتواجدة في الكوفة آنذاك والذين كان أغلبهم خانعين لحكومة يزيد وابن زياد ) والذين تسببوا في قتل مسلم بن عقيل من قبل وخذلوا الإمام الحسين/ع/ ولم ينصروه إلاّ القلة )
يا أهل الختل والغدر أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا هدأت منكم الرنةإنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون إيمانكم دخلا بينكم
أتبكون وتنتحبون أي والله فإبكوا كثيرا واضحكوا قليلا فقلد ذهبتم بعارها وشنارها
ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا
وأنّى لكم ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة ومدار حجتكم ومنار محجتكم وملاذ خيرتكم ومفزع نازلتكم وسيد شباب أهل الجنة ألا ساء ما تزرون.
إلى أن قالت /ع/
(( فلا يستخفنكم المهل فإنه لايحفز البدار ولايخاف فوات الثأر وأنّ ربكم لبالمرصاد ))
انظر/ الأمالي/ الطوسي/ ج1/ ص 91.
وهنا تبث زينبٌ /ع/ وعيا جديدا يجب أن يأخذ طريقه الى الميدان تطبيقا وهو أنّ العلاقة الحرارية العاطفية أو مقولة أنّ قلوبنا معك وسيوفنا عليك هذه من الخدعة بمكان لاتنطلي على الله ورسوله والمعصومين
فخذلان المعصوم /ع/ هو عين العار والفضيحة في الدنيا والآخرة ولن يستطع أحد أن يغسل هذا العار الفضيع
((ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا))
وإنما المطلوب وعي المعية القلبية والسلوكية مع المعصوم/ع/ وعيا بحيث يُسجل حامله معه موقفا مشرفا وصالحا ومعبرا عن حقيقة إخلاصه
فزينب /ع/ نبهت ناصحة القوم بأنّ المعصوم /ع/ هو مدار الحجة الوجودية في هذه الحياة وليس الطغاة وهو /ع/ منار المحجة أي طريقا منكشفا وموصلا بإستقامته الى الله تعالى ورضوانه.
فزينب /ع/ أيضا تركت وقعا بليغا في نفوس من حضر مجلس عبيد الله بن زياد
في الكوفة حينما شمت بها
وقال(( الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم ))
فلم تتركه زينب /ع/ يتم كلامه بل قاطعته بشجاعة قديرة قائلة له/ع/
((الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد/ص/وطهرنا من الرجس تطهيرا , إنما يُفتضح الفاسق ويُكذب الفاجر وهو غيرنا يا ابن زياد ))
وهذه صاعقة كلامية نزلت على رأس ابن زياد
فزينب /ع/ عرّضت به ووبخته علنا وجعلته فاسقا فاجرا بحكم قولها ((إنما يُفتضح الفاسق ويُكذب الفاجر وهو غيرنا ياابن زياد))
فإشتاط ابن زياد غضبا فقال لها
كيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟
فردت عليه/ع/ بكل إيمان وقوة قائلة
((كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاجون إليه وتختصمون عنده وانظر لِمَن الفلج يومئذ ثكلتكَ امّكَ يابن مرجانة))
انظر/الأرشاد /المفيد /ج2/ ص 115.
وهذه صاعقة اخرى انُزلتها زينب /ع/ لتحرق وتحطم طاغوتية ابن مرجانة
فتوصيف زينب/ع/ لأبن زياد بابن مرجانه فيه من الغايات ما لاتخفى على احد
والعرب إذا أرادت أهانة احدٍ أو تعريف بأصله فتذكره بأمه
كي يعي حاله وما هو عليه.
واخيرا إنّ زينبَ /ع/ عاشت مفردات شهادة الحسين /ع/ بوعي وصبر وحكمة ,وتكملة للمسيرة ,
وتحقيقا لأهداف الحسين/ع/ وهي الأصلاح والوعي والرجوع الى الصراط الحق.
ورغم هذا وذاك لم تستسلم زينب /ع /بل قويت على امر الله تعالى
وانتفضت واسقطت الطاغية يزيد (لع) /وتحدته وقالت /ع/ قولتها فحفظها التاريخ
(ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك إني لأستصغرقدرك واستعظم تقريعك واستكثر توبيخك ولئن اتخذتنا مغنما لتجدنا وشيكا مغرما حين لاتجد إلاّ ما قدمت يداك وماربك بظلام للعبيد
.
....فكد كيدك ,واسع سعيك وناصب جهدك
فو الله لاتمحو ذكرنا ولاتميت وحينا ولاتدحض عنك عارها وهل رايك إلا ّفند وايامك إلاّ عدد وجمعك إلاّبدد يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين .)
انظر/اللهوف / السيد ابن طاووس /76.
تلك كلمات زينب /ع /تقرأ فيها فطنة الذهن ويقين الايمان وصلابة الموقف وبراعة البيان
وشخصنة نوايا الاعداء في حربهم المضادة لمحمد /ص/ ووحيه وأهل بيته المعصومين/ع/
فزينب /ع /هي اول أمرأة مسلمة وبّخَت طاغية الوقت حين قالت له
(( أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك حرائرك وإمائك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن وابديت وجوههن تحدوبهن الاعداء من بلد الى بلد ويستشرفهن اهل المناهل و المناقل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدني والشريف ليس معهن من حماتهن حمي ولامن رجالهن ولي .............الخ))
انظر /أعيان الشيعة /السيد محسن الأمين/ج1 /ص 616.
حتى ازعجته واغضبته (لع)
فقال / ياصيحة تحمد من صوائح /..../ ما اهون النوح على النوائح
وفي هذه المقاطع تتبين اوجاع زينب /ع/وحسراتها على محاذير كانت تتحفظ عليها ع اولها حجابها واحتجابها
وثانيا تعجبها من ستر الطاغية لنسائه وإمائه واستضعافه للسبايا .....
نعم هكذا هي زينب الصبورة المفجوعة تبقى عامرة الايمان وصلبة في الميدان
فحري بنا رجال ونساء أن نفهم زينب /ع /فهما واعيا وهادفا نستنطق العبر من نصوصها ونحفظ كلماتها لأنها كلمات علي/ ع /ونحترف بلاغتها فإنها عالمة غير مُعلمة وفهمة غير مُفهمة .
نعم لذكراها نبكي ولكن لنعي ماتهدف إليه /ع/
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف: