بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله تبارك وتعالى:[إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) ] [يونس : 7،8]
بدءاً أود التنويه إلى حقيقة التسلسل والتدرج في الآيات القرآنية،عندما تجتمع أمور كثيرة في نفسية الإنسان،وتبتعد به شيئاً فشيئاً عن الله تبارك وتعالى،ثم لا تجعله يقف عند حد،وإنما تجره من مشكلة إلى أخرى.
فقد جاء في بداية الآية الشريفة (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا )،أي الذين لا يفكرون في ذلك أصلاً،ولا يعتقدون بمسألة الفناء،ولقاء الله سبحانه وتعالى،لكن هناك فرق بين إن الإنسان يود لقاء الله سبحانه وتعالى،ويعد العدّة لذلك،وبين أن يلاقيه رغماً عنه .
ثم يقول الله تعالى:(وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فكم جميل هذا التعبير في هذه العبارة،شأنه شأن آيات القرآن الأخرى فكلها جميل ومعجز،وعليه فإن الإنسان إذا رضى عن شيء؛فسوف لا تمتد همته إلى أبعد من ذلك الرضى،أي لا تفكير عنده بما وراء الحياة الدنيا،فهو يعتقد إنها هي التي يجب أن يكسب فيها كل شيء، يكسب حالة من الرضى والاطمئنان،وحالة من السكينة والهدوء،وحالة من الاستقرار الشكلي،إن هذا الإنسان يعتقد انه رضي بالحياة الدنيا وهمته لا تتعداها،فهو قانع بها، لكن ليست القناعة التي تعينه على الآخرة ... بل بما يعتقد بأنها فرصته الوحيدة التي يجب أن يتمتع فيها ويستغلها،وإذا ما اقتصرت همته على هذه الدنيا،فإنه بالحقيقة، سيفعل كل ما يحلو له،لأنه يعتقد بأن ما وراء هذه الدنيا لا شيء ، أما اعتقاد حقيقي كملحد، أو اعتقاد ليس له تأثير على العمل، والقرآن يعبر عن أولئك، بأنهم رضوا بالحياة والدنيا،واطمأنوا لها، ثم يضيف (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ).
ويمكن ملاحظة نتيجة هذه الصفات الأربع مجتمعة وهي:إنهم لا يرجون لقاء الله تعالى، ورضوا بالحياة الدنيا،واطمأنوا بها،والذين هم عن آياتنا غافلون...حيث إنها سوف تنتج الظلم على الصعيد العملي،فظلم مثل هذا الإنسان متأت من كونه لا يعتقد إن هناك يوماً للقيامة والحساب،وعنده الحياة الدنيا هي الأساس، وإنها فتحت له كل أبوابها،فيحيا وهو غافل عن آيات الله تعالى،وتمر به الظروف ولا يبالي بما سينتجه من ظلم، وهتك للأعراض،والدمار،وإن القيود التي تكبل الإنسان قطعها عن نفسه،وأنتج إنساناً غير سوي،متمرداً على الله تعالى، لأنه أصلاً غير معتقد بالله تعالى،وتنجر الأمور إلى ما لا تحمد عقباها في النهاية.
ثم تبين الآية الشريفة جزاء هؤلاء:[ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ]بعض الآيات التي تقدمت سابقاً، كانت تعطي هول النار والعذاب الذي يمر على العاصي لله سبحانه وتعالى ... والآية الشريفة هنا تبين بأن جزاء هؤلاء (مأواهم النار) وهذا ناشئ من الانغماس في شهوات الدنيا وملذاتها،في بعض الحالات إن الإنسان يجحد، لا اعتقاداً ، وإنما فراراً من التكليف؛ فتراه يملك المال الحرام، ولا يؤمن، لأنه يعلم بأنه إذا آمن؛ يجب أن يرجع إلى كل ذي حق حقه، وإذا آمن يجب أن يتجنب أعراض الناس ودمائهم وأموالهم ،ويجب عليه أن يؤدي التكاليف من صلاة وصوم ومجموعة تكاليف لم يعوّد نفسه عليها، لذلك يعلن عدم الإيمان فراراً،والنتيجة إذا فرَّ من التكليف يحتاج أن يشبع نفسيته، من متاع الحياة الدنيا، مما حرمها الله تعالى، فتراه يخشى على الدنيا أن يفلت زمامها منهُ.
إن حالة الاطمئنان مرتبطة بذكر الله تعالى، وبذكر الله تعالى تطمئن قلوب المؤمنين،وحتى الذي يتعلق بالدنيا، لا يمكن أن يطمئن بالدنيا، كونه ينتهي من مشكلة ويقع في الأحلك منها، وهكذا تجره الدنيا إلى حالة من السراب، ويخرج من الدنيا وهو غير مكتفي بها .
أخيراً أقول، هذه المشكلة والعياذ بالله قد تمر بالإنسان على حين غفلة منهُ، فينسى الموت والمعاد فجأة، فإذا نسى الموت يغفل عن الله تعالى، فتراه يتجاوز على أعراض الناس ولا يهمه في المعاملات إن أخذ حقاً أم باطلا،ولكن حينما يرجوا الإنسان شيء؛ يجب أن يسعى له،وكل إنسان يخاف من شيء يهرب منه...والذي يريد أن ينجح مثلاً يجب أن يسعى للنجاح، ومن يرجوا الجنة يجب أن يسعى لها، والذي يخاف النار، يجب أن يتجنبها،جعلنا الله وإياكم ممن يسعون إلى الجنة ويتجنبون النار،آمين رب العالمين.
خطبة: السيد أحمد الصافي
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
منقول
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال الله تبارك وتعالى:[إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) ] [يونس : 7،8]
بدءاً أود التنويه إلى حقيقة التسلسل والتدرج في الآيات القرآنية،عندما تجتمع أمور كثيرة في نفسية الإنسان،وتبتعد به شيئاً فشيئاً عن الله تبارك وتعالى،ثم لا تجعله يقف عند حد،وإنما تجره من مشكلة إلى أخرى.
فقد جاء في بداية الآية الشريفة (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا )،أي الذين لا يفكرون في ذلك أصلاً،ولا يعتقدون بمسألة الفناء،ولقاء الله سبحانه وتعالى،لكن هناك فرق بين إن الإنسان يود لقاء الله سبحانه وتعالى،ويعد العدّة لذلك،وبين أن يلاقيه رغماً عنه .
ثم يقول الله تعالى:(وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فكم جميل هذا التعبير في هذه العبارة،شأنه شأن آيات القرآن الأخرى فكلها جميل ومعجز،وعليه فإن الإنسان إذا رضى عن شيء؛فسوف لا تمتد همته إلى أبعد من ذلك الرضى،أي لا تفكير عنده بما وراء الحياة الدنيا،فهو يعتقد إنها هي التي يجب أن يكسب فيها كل شيء، يكسب حالة من الرضى والاطمئنان،وحالة من السكينة والهدوء،وحالة من الاستقرار الشكلي،إن هذا الإنسان يعتقد انه رضي بالحياة الدنيا وهمته لا تتعداها،فهو قانع بها، لكن ليست القناعة التي تعينه على الآخرة ... بل بما يعتقد بأنها فرصته الوحيدة التي يجب أن يتمتع فيها ويستغلها،وإذا ما اقتصرت همته على هذه الدنيا،فإنه بالحقيقة، سيفعل كل ما يحلو له،لأنه يعتقد بأن ما وراء هذه الدنيا لا شيء ، أما اعتقاد حقيقي كملحد، أو اعتقاد ليس له تأثير على العمل، والقرآن يعبر عن أولئك، بأنهم رضوا بالحياة والدنيا،واطمأنوا لها، ثم يضيف (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ).
ويمكن ملاحظة نتيجة هذه الصفات الأربع مجتمعة وهي:إنهم لا يرجون لقاء الله تعالى، ورضوا بالحياة الدنيا،واطمأنوا بها،والذين هم عن آياتنا غافلون...حيث إنها سوف تنتج الظلم على الصعيد العملي،فظلم مثل هذا الإنسان متأت من كونه لا يعتقد إن هناك يوماً للقيامة والحساب،وعنده الحياة الدنيا هي الأساس، وإنها فتحت له كل أبوابها،فيحيا وهو غافل عن آيات الله تعالى،وتمر به الظروف ولا يبالي بما سينتجه من ظلم، وهتك للأعراض،والدمار،وإن القيود التي تكبل الإنسان قطعها عن نفسه،وأنتج إنساناً غير سوي،متمرداً على الله تعالى، لأنه أصلاً غير معتقد بالله تعالى،وتنجر الأمور إلى ما لا تحمد عقباها في النهاية.
ثم تبين الآية الشريفة جزاء هؤلاء:[ أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ]بعض الآيات التي تقدمت سابقاً، كانت تعطي هول النار والعذاب الذي يمر على العاصي لله سبحانه وتعالى ... والآية الشريفة هنا تبين بأن جزاء هؤلاء (مأواهم النار) وهذا ناشئ من الانغماس في شهوات الدنيا وملذاتها،في بعض الحالات إن الإنسان يجحد، لا اعتقاداً ، وإنما فراراً من التكليف؛ فتراه يملك المال الحرام، ولا يؤمن، لأنه يعلم بأنه إذا آمن؛ يجب أن يرجع إلى كل ذي حق حقه، وإذا آمن يجب أن يتجنب أعراض الناس ودمائهم وأموالهم ،ويجب عليه أن يؤدي التكاليف من صلاة وصوم ومجموعة تكاليف لم يعوّد نفسه عليها، لذلك يعلن عدم الإيمان فراراً،والنتيجة إذا فرَّ من التكليف يحتاج أن يشبع نفسيته، من متاع الحياة الدنيا، مما حرمها الله تعالى، فتراه يخشى على الدنيا أن يفلت زمامها منهُ.
إن حالة الاطمئنان مرتبطة بذكر الله تعالى، وبذكر الله تعالى تطمئن قلوب المؤمنين،وحتى الذي يتعلق بالدنيا، لا يمكن أن يطمئن بالدنيا، كونه ينتهي من مشكلة ويقع في الأحلك منها، وهكذا تجره الدنيا إلى حالة من السراب، ويخرج من الدنيا وهو غير مكتفي بها .
أخيراً أقول، هذه المشكلة والعياذ بالله قد تمر بالإنسان على حين غفلة منهُ، فينسى الموت والمعاد فجأة، فإذا نسى الموت يغفل عن الله تعالى، فتراه يتجاوز على أعراض الناس ولا يهمه في المعاملات إن أخذ حقاً أم باطلا،ولكن حينما يرجوا الإنسان شيء؛ يجب أن يسعى له،وكل إنسان يخاف من شيء يهرب منه...والذي يريد أن ينجح مثلاً يجب أن يسعى للنجاح، ومن يرجوا الجنة يجب أن يسعى لها، والذي يخاف النار، يجب أن يتجنبها،جعلنا الله وإياكم ممن يسعون إلى الجنة ويتجنبون النار،آمين رب العالمين.
خطبة: السيد أحمد الصافي
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
منقول
تعليق