نافذة إلى معرفة الإمام (عليه السلام)
نشأ في بيت الرسالة، وارتضع من معين الوحي، وتربى في أحضان الإمامة؛ فكان قمّةً شامخة، لا يُقاس به عظيمٌ ولا يرقى إليه راقٍ.
صار مدرسة تفيض على الوجود بأنواع العطاء وتغذي البشرية ألواناً من القيم والفضائل والمكارم.
استطاع بحكمته البالغة وبفضل عناية الباري سبحانه وتعالى أنْ يحطم كلّ آمال المأمون العباسي التي أراد تحقيقها من خلال مسرحية ولاية العهد، فحوّل سنة (201هـ) وهي سنة ولاية العهد إلى سنة ازدهار للتشيع والفكر الشيعي فبيـّن أسُسه ومبانيه وأصوله وحقيقته، كما أنّه ذاد عن الإسلام المحمدي الأصيل «فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين له إلاّ قطعه وألزمه الحجة»، فذاع صيته وانتشر خبره ودانت له العلماء وأخذت الناس تقول «والله إنه أولى بالخلافة من المأمون».
فخلُد في ذاكرة التاريخ وأبت الصحف إلاّ أن تسطر في طياتها ثناءً ومدحاً لتلك الشخصية الخالدة، وقبل أن نقدم للقارئ الكريم كلمات علماء أهل السنة في مدح الإمام (عليه السلام)، نضع بين يديه إلمامة سريعة بحيـاة الإمام (عليه السلام):
ـ هو علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
ـ كانت لأمّه أسماء عديدة منها: نجمة، وأروى، وتكتم...(1). وتكنى بأمّ البنين(2)، وكانت أفضل النساء في عقلها ودينها وكانت على ما في بعض الروايات ملكاً لحميدة أمّ الإمام موسى بن جعفر، وورد أنها كانت تعظّم مولاتها حميدة حتى أنها ما جلست بين يديها قط إجلالاً لها، وجاء في الخبر أيضاً أن حميدة قالت لابنها موسى (عليه السلام): يابني! إن تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها ولست أشك أن الله تعالى سيظهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك فاستوص خيراً بها، فلما ولدت له الرضا (عليه السلام) سمّاها الطاهرة...(3).
ـ وُلد (عليه السلام) في المدينة المنوّرة، يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة، سنة ثمان وأربعين ومائة (11/ ذو القعدة/ 148هـ)(4).
ـ كان يكنى (عليه السلام) بأبي الحسن ويلقب بألقاب عديدة(5)، أشهرها الرضا.
ـ تسلّم إمامة المسلمين بعد شهادة أبيه الكاظم (عليه السلام) سنة (183هـ) وكان له من العمر خمس وثلاثون سنة.
ـ كانت مدة إمامته عشرين سنة عاصر خلالها ثلاثة من حكام بني العباس
____________
(1) انظر «عيون أخبار الرضا» للشيخ الصدوق: ج1، ب2، رقم3، ص26، منشورات الشريف الرضي.
(2) انظر «الإرشاد» للشيخ المفيد: 2/ 245، مؤسسة آل البيت، و «إعلام الورى» للشيخ الطبرسي: 2/ 40، مؤسسة آل البيت.
(3) انظر «عيون أخبار الرضا» للشيخ الصدزق: جـ1، ب2، رقم 2، ص24.
(4) البحار: 49/ 9، رقم 16، 17، 18.
(5) كالصابر، والرضي، والوفي وغيرها.
وهم: هارون الرشيد، وولداه الأمين والمأمون الذي استشهد الإمام في حكومته.
ـ أُجبر على قبول ولاية العهد من قِبَل المأمون العباسي في سنة 201هـ(1). ولذلك أُرغم على ترك مدينة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتوجه إلى مرو عاصمة الدولة العباسية آنذاك في سنة (200هـ)(2).
ـ استشهد (عليه السلام) في طوس في آخر صفر لسنة (203هـ)(3).
ـ دفن (عليه السلام) في دار حُميد بن قحطبة في قرية يقال لها «سناباد» في أرض طوس في نفس الموضع الذي دفن فيه هارون الرشيد، وقبر أبي الحسن (عليه السلام) بين يديه في قبلته(4).
____________
(1) كشف الغمة للأربلي: 2/ 853، منشورات الشريف الرضي.
(2) عيون أخبار الرضا للصدوق: جـ2، ب40، ح19. ص158 ـ 159.
(3) إعلام الورى للطبرسي: 2/ 41 و86، مؤسسة آل البيت.
(4) الإرشاد للمفيد: 2/ 271، مؤسسة آل البيت.
الإمام في كلمات علماء وأعلام أهل السنّة:
إليك ـ قارئي العزيز ـ جانباً من كلمات علماء وأعلام أهل السنة والجماعة وهي تشيد بفضل الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وتبين جلالة قدره وسموّ منزلته:
1 ـ محمد بن عمر الواقدي (ت: 207 هـ):
قال: «سمع علي الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم وكان ثقة يفتي بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن نيف وعشرين سنة وهو من الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة»(1).
2 ـ الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ):
علّق الإمام أحمد بن حنبل على سندٍ فيه الإمام علي الرضا عن أبيه موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عن الرسول الأكرم صلوات الله عليهم أجمعين قائلاً: «لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنته»(2).
3 ـ أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت: 250 هـ):
ذكر الإمام الرضا (عليه السلام) في «رسائله» عند مدحه لعشرة من الأئمة في كلام واحد عند ذكره الرد على ما فخرت به بنو أمية على بني هاشم فقال: «ومنِ الذي يُعَدُّ مِنْ قريش ما يَعُدُّه الطالبيون عَشَرة في نسق؛ كلّ واحد منهم عالم
____________
(1) نقل كلامه سبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواص»: 315، مؤسسة أهل البيت، بيروت.
(2) أورده ابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة»: 310، دار الكتب العلمية.
زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاكٍ، فمنهم خلفاء، ومنهم مُرشّحون: ابن ابن ابن ابن، هكذا إلى عشرة، وهم الحسن [العسكري] بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام)، وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا من بُيوت العجم»(1).
4 ـ ابن حبان (ت: 354 هـ):
قال في كتابه «الثقات»: «وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن، من سادات أهل البيت وعقلائهم وجلة الهاشميين ونبلائهم... ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته... وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يُزار بجنب قبر الرشيد قد زرته مراراً كثيرة، وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرتُ قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عني إلا استجيب لي وزالت عني تلك الشدة وهذا شيء جربته مراراً فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم أجمعين»(2).
5 ـ الحاكم النيسابوري (ت: 405 هـ):
قال في «تاريخه»: «كان يُفتي في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن نيف وعشرين سنة. روى عنه من أئمة الحديث: آدم بن أبي إياس ونصر بن علي
____________
(1) رسائل الجاحظ: 106 جمعها ونشرها حسن السندوبي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر.
(2) الثقات: 8/ 456 ـ 457، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الهند، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية.
الجهضمي ومحمد بن رافع القشيري وغيرهم...»(1).
6 ـ الحافظ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (ت: 597هـ):
قال في «المنتظم»: «علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب... سمع أباه وعمومته وكان يُفتي في مسجد رسول الله وهو ابن نيف [وعشرين] سنة، وكان المأمون قد أمر بإشخاصه من المدينة فلما قدم نيسابور خرج وهو على بغلة شهباء فخرج علماء البلد في طلبه مثل يحيى بن يحيى وإسحاق بن [راهويه] ومحمد بن رافع وأحمد بن حرب وغيرهم...»(2).
7 ـ عبد الكريم بن محمد السمعاني (ت: 562 هـ):
قال في «الأنساب»: «والرضا كان من أهل العلم والفضل مع شرف النسب...»(3).
8 ـ الفخر الرازي (ت: 604 هـ):
قال عند تفسيره لمعنى الكوثر: «والقول الثالث الكوثر أولاده....فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان فانظر كم قتل من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام)..»(4).
____________
(1) نقل قوله ابن حجر في «تهذيب التهذيب»: 5/ 746.
(2) المنتظم: 10/ 120، نشر دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1412هـ ـ 1992م.
(3) الأنساب: 3/ 74، مؤسسة الكتب الثقافية.
(4) تفسير الفخر الرازي: مجلد16، ج32، ص125، دار الفكر.
9 ـ عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني (ت: 623 هـ):
قال في كتابه «التدوين»: «علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن الرضا، من أئمة أهل البيت وأعاظم ساداتهم. وأكابرهم...»(1).
10 ـ العلامة العارف الشيخ محيي الدين ابن عربي (ت: 638 هـ):
قال في كتابه «المناقب» المطبوع في آخر «وسيلة الخادم إلى المخدوم» للشيخ فضل الله بن روزبهان الأصفهاني: «وعلى السر الإلهي والرائي للحقائق كما هو النور اللاهوتي والإنسان الجبروتي والأصل الملكوتي والعالم الناسوتي مصداق معلم المطلق والشاهد الغيبي المحقق، روح الأرواح وحياة الأشباح، هندسة الموجود الطيار في منشآت الوجود كهف النفوس القدسية، غوث الأقطاب الأنسية، الحجة القاطعة الربانية، محقق الحقائق الإمكانية، أزل الأبديات وأبد الأزليات، الكنز الغيبي والكتاب اللاريبي، قرآن المجملات الأحدية وفرقان المفصلات الواحدية، إمام الورى، بدر الدجى، أبي محمد علي بن موسى الرضا (عليه السلام)»(2).
11 ـ ابن النجار (ت: 643 هـ):
قال في «ذيل تاريخ بغداد»: «وكان من العلم والدين بمكان، كان يفتي في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن نيف وعشرين سنة»(3).
____________
(1) التدوين في أخبار قزوين: 3/ 269.
(2) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: 28/657، عن «المناقب»: 96، ط. قم.
(3) ذيل تاريخ بغداد: 4 /135. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1417هـ.
12 ـ محمد بن طلحة الشافعي (ت: 652 هـ):
قال في «مطالب السؤول في مناقب آل الرسول»: «قد تقدم القول في أمير المؤمنين علي، وفي زين العابدين علي، وجاء هذا علي الرضا ثالثهما، ومن أمعن النظر والفكرة وجده في الحقيقة وارثهما، فيحكم كونه ثالث العليين، نمى إيمانه وعلا شأنه، وارتفع مكانه، واتسع إمكانه، وكثر أعوانه، وظهر برهانه، حتى أحلّه الخليفة المأمون محل مهجته... وصفاته سنيـّة، ومكارمه حاتمية، وشنشنته أخزمية، وأخلاقه عربية، ونفسه الشريفة هاشمية، وأرومته الكريمة نبوية، فمهما عدّ من مزاياه كان أعظم منه، ومهما فصّل من مناقبه كان أعلى رتبة منه»(1).
13 ـ سبط ابن الجوزي (ت: 654 هـ):
قال في «تذكرة الخواص»: «كان من الفضلاء الأتقياء الأجواد وفيه يقول أبو نؤاس:
قيل لي أنـت أوحد الناس طراً فــي كلام من المقال بديه
لـك فـي جـوهر الكلام فنون يـنثر الدر في يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى والـخصال التي تجمعن فيه
قلـتُ لا أهـتدي لمـدح إمـام كان جبرائيل خادماً لأبيه(2)
14 ـ ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 655 هـ):
نقل ما تقدم من كلام الجاحظ عند مدحه لعشرة من أئمة أهل البيت(3)
____________
(1) مطالب السؤول: 2/ 128.
(2) تذكرة الخواص: 321، مؤسسة أهل البيت، بيروت.
(3) نقله في «شرح نهج البلاغة»: 15/ 278.
مقراً له عليه بدلالة قوله في أول البحث «ونحن نذكر ما أجاب به أبو عثمان عن كلامهم ونضيف إليه من قبلنا أموراً لم يذكرها فنقول...»(1).
كما أنه قال عن الإمام في نفس الفصل: «ومن رجالنا موسى بن جعفر بن محمد ـ وهو العبد الصالح ـ جمع من الفقه والدين والنسك والحلم والصبر. وابنه علي بن موسى المرشح للخلافة والمخطوب له بالعهد كان أعلم الناس وأسخى الناس وأكرم الناس أخلاقاً»(2).
15 ـ ابن خلّكان (ت: 681 هـ):
قال في «وفيات الأعيان»: «وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، وكان المأمون قد زوجه ابنته أمّ حبيب في سنة اثنتين ومائتين وجعله ولي عهده، وضرب اسمه على الدنانير والدراهم، وكان السبب في ذلك أنّه استحضر أولاد العباس الرجال منهم والنساء، وهو بمدينة مرْو من بلاد خراسان، وكان عددهم ثلاثة وثلاثين ألفاً ما بين الكبار والصغار، واستدعى علياً المذكور فأنزله أحسن منزله، وجمع خواص الأولياء وأخبرهم أنّه نظر في أولاد العباس وأولاد علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، فلم يجد في وقته أحداً أفضل ولا أحق بالأمر من علي الرضا، فبايعه وأمر بإزالة السواد من اللباس والأعلام(3)... وفيه يقول أبو نؤاس:
____________
(1) المصدر نفسه: 270.
(2) المصدر نفسه: 291.
(3) إن أفضلية الإمام على سائر الناس ليست هي السبب في إعطائه ولاية العهد، والموضوع يحتاج إلى مزيد من البيان وإنما أثبتنا المتن كما هو ليرى القارئ أن القوم يقرّون بأفضلية الإمام (عليه السلام) على سائر من سواه.
نشأ في بيت الرسالة، وارتضع من معين الوحي، وتربى في أحضان الإمامة؛ فكان قمّةً شامخة، لا يُقاس به عظيمٌ ولا يرقى إليه راقٍ.
صار مدرسة تفيض على الوجود بأنواع العطاء وتغذي البشرية ألواناً من القيم والفضائل والمكارم.
استطاع بحكمته البالغة وبفضل عناية الباري سبحانه وتعالى أنْ يحطم كلّ آمال المأمون العباسي التي أراد تحقيقها من خلال مسرحية ولاية العهد، فحوّل سنة (201هـ) وهي سنة ولاية العهد إلى سنة ازدهار للتشيع والفكر الشيعي فبيـّن أسُسه ومبانيه وأصوله وحقيقته، كما أنّه ذاد عن الإسلام المحمدي الأصيل «فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين له إلاّ قطعه وألزمه الحجة»، فذاع صيته وانتشر خبره ودانت له العلماء وأخذت الناس تقول «والله إنه أولى بالخلافة من المأمون».
فخلُد في ذاكرة التاريخ وأبت الصحف إلاّ أن تسطر في طياتها ثناءً ومدحاً لتلك الشخصية الخالدة، وقبل أن نقدم للقارئ الكريم كلمات علماء أهل السنة في مدح الإمام (عليه السلام)، نضع بين يديه إلمامة سريعة بحيـاة الإمام (عليه السلام):
ـ هو علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام).
ـ كانت لأمّه أسماء عديدة منها: نجمة، وأروى، وتكتم...(1). وتكنى بأمّ البنين(2)، وكانت أفضل النساء في عقلها ودينها وكانت على ما في بعض الروايات ملكاً لحميدة أمّ الإمام موسى بن جعفر، وورد أنها كانت تعظّم مولاتها حميدة حتى أنها ما جلست بين يديها قط إجلالاً لها، وجاء في الخبر أيضاً أن حميدة قالت لابنها موسى (عليه السلام): يابني! إن تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها ولست أشك أن الله تعالى سيظهر نسلها إن كان لها نسل، وقد وهبتها لك فاستوص خيراً بها، فلما ولدت له الرضا (عليه السلام) سمّاها الطاهرة...(3).
ـ وُلد (عليه السلام) في المدينة المنوّرة، يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة، سنة ثمان وأربعين ومائة (11/ ذو القعدة/ 148هـ)(4).
ـ كان يكنى (عليه السلام) بأبي الحسن ويلقب بألقاب عديدة(5)، أشهرها الرضا.
ـ تسلّم إمامة المسلمين بعد شهادة أبيه الكاظم (عليه السلام) سنة (183هـ) وكان له من العمر خمس وثلاثون سنة.
ـ كانت مدة إمامته عشرين سنة عاصر خلالها ثلاثة من حكام بني العباس
____________
(1) انظر «عيون أخبار الرضا» للشيخ الصدوق: ج1، ب2، رقم3، ص26، منشورات الشريف الرضي.
(2) انظر «الإرشاد» للشيخ المفيد: 2/ 245، مؤسسة آل البيت، و «إعلام الورى» للشيخ الطبرسي: 2/ 40، مؤسسة آل البيت.
(3) انظر «عيون أخبار الرضا» للشيخ الصدزق: جـ1، ب2، رقم 2، ص24.
(4) البحار: 49/ 9، رقم 16، 17، 18.
(5) كالصابر، والرضي، والوفي وغيرها.
وهم: هارون الرشيد، وولداه الأمين والمأمون الذي استشهد الإمام في حكومته.
ـ أُجبر على قبول ولاية العهد من قِبَل المأمون العباسي في سنة 201هـ(1). ولذلك أُرغم على ترك مدينة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتوجه إلى مرو عاصمة الدولة العباسية آنذاك في سنة (200هـ)(2).
ـ استشهد (عليه السلام) في طوس في آخر صفر لسنة (203هـ)(3).
ـ دفن (عليه السلام) في دار حُميد بن قحطبة في قرية يقال لها «سناباد» في أرض طوس في نفس الموضع الذي دفن فيه هارون الرشيد، وقبر أبي الحسن (عليه السلام) بين يديه في قبلته(4).
____________
(1) كشف الغمة للأربلي: 2/ 853، منشورات الشريف الرضي.
(2) عيون أخبار الرضا للصدوق: جـ2، ب40، ح19. ص158 ـ 159.
(3) إعلام الورى للطبرسي: 2/ 41 و86، مؤسسة آل البيت.
(4) الإرشاد للمفيد: 2/ 271، مؤسسة آل البيت.
الإمام في كلمات علماء وأعلام أهل السنّة:
إليك ـ قارئي العزيز ـ جانباً من كلمات علماء وأعلام أهل السنة والجماعة وهي تشيد بفضل الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وتبين جلالة قدره وسموّ منزلته:
1 ـ محمد بن عمر الواقدي (ت: 207 هـ):
قال: «سمع علي الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم وكان ثقة يفتي بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن نيف وعشرين سنة وهو من الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة»(1).
2 ـ الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ):
علّق الإمام أحمد بن حنبل على سندٍ فيه الإمام علي الرضا عن أبيه موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه علي زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عن الرسول الأكرم صلوات الله عليهم أجمعين قائلاً: «لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنته»(2).
3 ـ أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت: 250 هـ):
ذكر الإمام الرضا (عليه السلام) في «رسائله» عند مدحه لعشرة من الأئمة في كلام واحد عند ذكره الرد على ما فخرت به بنو أمية على بني هاشم فقال: «ومنِ الذي يُعَدُّ مِنْ قريش ما يَعُدُّه الطالبيون عَشَرة في نسق؛ كلّ واحد منهم عالم
____________
(1) نقل كلامه سبط ابن الجوزي في «تذكرة الخواص»: 315، مؤسسة أهل البيت، بيروت.
(2) أورده ابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة»: 310، دار الكتب العلمية.
زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاكٍ، فمنهم خلفاء، ومنهم مُرشّحون: ابن ابن ابن ابن، هكذا إلى عشرة، وهم الحسن [العسكري] بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي (عليهم السلام)، وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا من بُيوت العجم»(1).
4 ـ ابن حبان (ت: 354 هـ):
قال في كتابه «الثقات»: «وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن، من سادات أهل البيت وعقلائهم وجلة الهاشميين ونبلائهم... ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته... وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يُزار بجنب قبر الرشيد قد زرته مراراً كثيرة، وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرتُ قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عني إلا استجيب لي وزالت عني تلك الشدة وهذا شيء جربته مراراً فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم أجمعين»(2).
5 ـ الحاكم النيسابوري (ت: 405 هـ):
قال في «تاريخه»: «كان يُفتي في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن نيف وعشرين سنة. روى عنه من أئمة الحديث: آدم بن أبي إياس ونصر بن علي
____________
(1) رسائل الجاحظ: 106 جمعها ونشرها حسن السندوبي، المكتبة التجارية الكبرى، مصر.
(2) الثقات: 8/ 456 ـ 457، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الهند، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية.
الجهضمي ومحمد بن رافع القشيري وغيرهم...»(1).
6 ـ الحافظ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي (ت: 597هـ):
قال في «المنتظم»: «علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب... سمع أباه وعمومته وكان يُفتي في مسجد رسول الله وهو ابن نيف [وعشرين] سنة، وكان المأمون قد أمر بإشخاصه من المدينة فلما قدم نيسابور خرج وهو على بغلة شهباء فخرج علماء البلد في طلبه مثل يحيى بن يحيى وإسحاق بن [راهويه] ومحمد بن رافع وأحمد بن حرب وغيرهم...»(2).
7 ـ عبد الكريم بن محمد السمعاني (ت: 562 هـ):
قال في «الأنساب»: «والرضا كان من أهل العلم والفضل مع شرف النسب...»(3).
8 ـ الفخر الرازي (ت: 604 هـ):
قال عند تفسيره لمعنى الكوثر: «والقول الثالث الكوثر أولاده....فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مر الزمان فانظر كم قتل من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا (عليهم السلام)..»(4).
____________
(1) نقل قوله ابن حجر في «تهذيب التهذيب»: 5/ 746.
(2) المنتظم: 10/ 120، نشر دار الكتب العلمية، سنة النشر: 1412هـ ـ 1992م.
(3) الأنساب: 3/ 74، مؤسسة الكتب الثقافية.
(4) تفسير الفخر الرازي: مجلد16، ج32، ص125، دار الفكر.
9 ـ عبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني (ت: 623 هـ):
قال في كتابه «التدوين»: «علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن الرضا، من أئمة أهل البيت وأعاظم ساداتهم. وأكابرهم...»(1).
10 ـ العلامة العارف الشيخ محيي الدين ابن عربي (ت: 638 هـ):
قال في كتابه «المناقب» المطبوع في آخر «وسيلة الخادم إلى المخدوم» للشيخ فضل الله بن روزبهان الأصفهاني: «وعلى السر الإلهي والرائي للحقائق كما هو النور اللاهوتي والإنسان الجبروتي والأصل الملكوتي والعالم الناسوتي مصداق معلم المطلق والشاهد الغيبي المحقق، روح الأرواح وحياة الأشباح، هندسة الموجود الطيار في منشآت الوجود كهف النفوس القدسية، غوث الأقطاب الأنسية، الحجة القاطعة الربانية، محقق الحقائق الإمكانية، أزل الأبديات وأبد الأزليات، الكنز الغيبي والكتاب اللاريبي، قرآن المجملات الأحدية وفرقان المفصلات الواحدية، إمام الورى، بدر الدجى، أبي محمد علي بن موسى الرضا (عليه السلام)»(2).
11 ـ ابن النجار (ت: 643 هـ):
قال في «ذيل تاريخ بغداد»: «وكان من العلم والدين بمكان، كان يفتي في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو ابن نيف وعشرين سنة»(3).
____________
(1) التدوين في أخبار قزوين: 3/ 269.
(2) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي: 28/657، عن «المناقب»: 96، ط. قم.
(3) ذيل تاريخ بغداد: 4 /135. دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1417هـ.
12 ـ محمد بن طلحة الشافعي (ت: 652 هـ):
قال في «مطالب السؤول في مناقب آل الرسول»: «قد تقدم القول في أمير المؤمنين علي، وفي زين العابدين علي، وجاء هذا علي الرضا ثالثهما، ومن أمعن النظر والفكرة وجده في الحقيقة وارثهما، فيحكم كونه ثالث العليين، نمى إيمانه وعلا شأنه، وارتفع مكانه، واتسع إمكانه، وكثر أعوانه، وظهر برهانه، حتى أحلّه الخليفة المأمون محل مهجته... وصفاته سنيـّة، ومكارمه حاتمية، وشنشنته أخزمية، وأخلاقه عربية، ونفسه الشريفة هاشمية، وأرومته الكريمة نبوية، فمهما عدّ من مزاياه كان أعظم منه، ومهما فصّل من مناقبه كان أعلى رتبة منه»(1).
13 ـ سبط ابن الجوزي (ت: 654 هـ):
قال في «تذكرة الخواص»: «كان من الفضلاء الأتقياء الأجواد وفيه يقول أبو نؤاس:
قيل لي أنـت أوحد الناس طراً فــي كلام من المقال بديه
لـك فـي جـوهر الكلام فنون يـنثر الدر في يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى والـخصال التي تجمعن فيه
قلـتُ لا أهـتدي لمـدح إمـام كان جبرائيل خادماً لأبيه(2)
14 ـ ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 655 هـ):
نقل ما تقدم من كلام الجاحظ عند مدحه لعشرة من أئمة أهل البيت(3)
____________
(1) مطالب السؤول: 2/ 128.
(2) تذكرة الخواص: 321، مؤسسة أهل البيت، بيروت.
(3) نقله في «شرح نهج البلاغة»: 15/ 278.
مقراً له عليه بدلالة قوله في أول البحث «ونحن نذكر ما أجاب به أبو عثمان عن كلامهم ونضيف إليه من قبلنا أموراً لم يذكرها فنقول...»(1).
كما أنه قال عن الإمام في نفس الفصل: «ومن رجالنا موسى بن جعفر بن محمد ـ وهو العبد الصالح ـ جمع من الفقه والدين والنسك والحلم والصبر. وابنه علي بن موسى المرشح للخلافة والمخطوب له بالعهد كان أعلم الناس وأسخى الناس وأكرم الناس أخلاقاً»(2).
15 ـ ابن خلّكان (ت: 681 هـ):
قال في «وفيات الأعيان»: «وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، وكان المأمون قد زوجه ابنته أمّ حبيب في سنة اثنتين ومائتين وجعله ولي عهده، وضرب اسمه على الدنانير والدراهم، وكان السبب في ذلك أنّه استحضر أولاد العباس الرجال منهم والنساء، وهو بمدينة مرْو من بلاد خراسان، وكان عددهم ثلاثة وثلاثين ألفاً ما بين الكبار والصغار، واستدعى علياً المذكور فأنزله أحسن منزله، وجمع خواص الأولياء وأخبرهم أنّه نظر في أولاد العباس وأولاد علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، فلم يجد في وقته أحداً أفضل ولا أحق بالأمر من علي الرضا، فبايعه وأمر بإزالة السواد من اللباس والأعلام(3)... وفيه يقول أبو نؤاس:
____________
(1) المصدر نفسه: 270.
(2) المصدر نفسه: 291.
(3) إن أفضلية الإمام على سائر الناس ليست هي السبب في إعطائه ولاية العهد، والموضوع يحتاج إلى مزيد من البيان وإنما أثبتنا المتن كما هو ليرى القارئ أن القوم يقرّون بأفضلية الإمام (عليه السلام) على سائر من سواه.
تعليق