هو علي بن ابي طالب , من عظماء مشايخ قبيلة قريش , جده عبد المطلب امير مكة , تاج هامات بني هاشم واعيانهم , وبنو هاشم كما وصفهم الجاحظ ( هم ملح الأرض وزينة الدنيا والسنام الضخم والطينة البيضاء وينبوع العلم ولباب جوهر كريم )
يرجع نسبه الى جده الأعلى عدنان بعد تسعة عشر ظهرا . وفيه يقول الشاعر
عبد الباقي العمري :
انت العلى الذي فوق العلا رفعا ببطن مكة وسط البيت اذ وضعا
ولد علي بن ابي طالب في مكة المكرمة داخل البيت الحرام في يوم الجمعة من شهر رجب عام 23 قبل الهجرة , وقد لقبه رسول الله بأبي تراب لكثرة ما كان يسجد على التراب , لكن العمري اجاد في هذا السياق وقال نظما جميلا :
خلق الله ادما من تراب فهو ابن له وانت ابوه
السيدة فاطمة الزهراء زوجته , والرسول الأعظم ابن عمه , فقد كان العلي امين سره وحافظ احاديثه ومبلغ رسالاته , وقد اسلم على يده وهو صبي قبل ان يمس قلبه عقيدة سابقة ولازمه وهو لم يزل فتيا يانعا في غدوه ورواحه , في سلمه وحربه حنى تخلق بأخلاقه واتسم بصفاته .
فقد تعهده الرسول الأعظم منذ مهده , فكان يغسله ويلبسه ويشربه اللبن ويحرك مهده , يحمله على صدره ويطوف به شعاب مكة , فقد طواه بعطفه وحبه وحنانه . نشأ العلي في البيت الذي خرجت منه الدعوة الأسلامية , حتى تجلت على شخصيته علائم اخلاق الأنبياء , بعد ان تربى في تلك البيئة الزكية للرسول الأعظم وانطلق على لسانه روائع الكلام واكتملت رجولته , فبدأ يوأزر ابن عمه , حيث غدا يومذاك شيئا من كيانه , نعم شيئا كثيرا من كيان عظيم .
يقول المؤرخ العربي توفيق ابو العلم : كان علي بن ابي طالب شخصية خصبة , ذو نهج لامع وفريد في الأدب والبلاغة , وهو الحكيم والخطيب المبين وهو الفارس المقدام وهو البطل الشجاع وهو صاحب الرأى في التصوف والشريعة والأخلاق الذي سبق الجميع في الثقافة الأسلامية . انه كان شديد في الحق , غليظ على الذين يتكرون الحق , وهو مظهر من مظاهر التكامل الأنساني . انه كان لطيف الحس , نقي الجوهر وضاء النفس , عارف بمهمات الأمور اصدارا وايرادا .
بعد ان انتخب المسلمون الأمام علي في مسجد المدينة المنورة خليفة للمسلمين عام 651 للميلاد بدأ بتطبيق برنامجه الأصلاحي في اشاعة سياسة العدل والمساوات بين ابناء الأمة الأسلامية بصرف النظر عن دينهم ومذهبهم ولغتهم ولون بشرتهم واتجاهاتهم السياسية والأجتماعية . كما طلب الى الولاة ان يكونوا رحماء مع رعاياهم . حتى اذا ما اطلع الكاتب الأمريكي المعاصر الشهير ميشيل هاملتون مورغان على التعليمات الأدارية التي اصدرها الخليفة الأمام علي الى واليه على مصر مالك الأشتر عام 656 للميلاد يحثه فيها على معاملة المواطنين من اهل الذمة من غير المسلمين بالبر والأحسان مؤكدا على ضرورة مساوات اليهود والنصارى بالمسلمين في الحقوق والواجبات , ابدى اعجابه الفائق بالسياسة الحكيمة للأمام علي , معتبرا ذلك انعكاسا صادقا لسلوكيات هذا الأمام المؤطرة بمكارم الأخلاق التي اهلته للدخول في تاريخ الأنسانية من ابوابه العريضة .
حقا ان الأمام علي قد انتهج في ادارته للخلافة الأسلامية سياسة المسامحة واللين على هامش مكارم الأخلاق , فكان لا يقتل الأسرى ولا يعذبهم بل كان يعفو عنهم ثم يخضعهم الى دروس تهذيبية , لتصقل عاداتهم المنحرفة , مما كان يعني لهم كل هذا محفزا للأنضمام الى جيش المسلمين .
يخبرنا الباحث العراقي هادي العلوي من نيجين في الصين ان الرئيس ماوسيتونغ قد استرشد بأستراتيجية خليفة المسلمين علي بن ابي طالب عام 656 م , اي قبل اكثر من 1300 سنة اثناء حرب التحرير الشهيرة عام 1947 , بعد ان رأها مفعمة بالدرس البليغ والرؤيا المتبصرة التي يتقدم فيها سلطان العقل ويضع امام النزعة العسكرية معالما تحول دون الأنخراط في القوة المتهورة . فكان الخليفة علي في نظره نموذجا ساطعا للحنكة الرائدة ملما بعلوم التعبئة الحربية , لهذا قرر القائد الصيني تطبيق خطة الأمام علي على ارض الواقع التي ادت بالنتيجة الى تحقيق النصر .
وفي تصريح للكاتب المسيحي اللبناني الشهير ميخائيل نعيمه في حق الأمام علي يقول :ان علي ابن ابي طالب كان من عظماء البشر , انبتته الأرض العربية التي فجرت الدعوة الأسلامية في شخصه ينبوعا من المواهب , ولم يكن الأمام على مجرد بطل في ميادين الحرب فحسب , بل انما كان بطل في صفاء البصيرة وطهارة الوجدان وسر البيان وعمق الأنسانية وحرارة الأيمان ومكارم الأخلاق , وانه ليستحيل على مؤرخ مهما بلغ من الفطنة ان يكون قادرا على وصف شخصية عظيمة من معيار الأمام علي حتى لو كتب الف صفحة , ذلك العملاق الذي لم تسمعه اذن ولم تبصره عين من قبل .
وفي ختام حديثي اقول كان الأمام علي صاحب رسالة انسانية خالدة انبثقت من معين جوهر مكارم الاخلاق ولهذا بقى ذكره الحسن كالشعاع المنير يضيئ درب الهداية والصلاح للبشرية جمعاء ماضيا وحاضرا ومستقبلا .
تعليق