أن الاُمور المطلوبة لتربية النفس وتهذيبها وتقريبها من الله تعالى كثيرة تتكفل بها الأحاديث الكثيرة عن المعصومين: وكتب الأخلاق، ولا يسعنا في هذه العجالة استقصاء عددها، فضلاً عن تفصيل الكلام فيها.
فاللازم على المؤمنين عامة وأهل العلم والتبليغ خاصة الرجوع للأحاديث المذكورة في مظانها، كأبواب العشرة، وجهاد النفس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الوسائل، مع كمال التدبُّر والتأمُّل.
لكن نرى أن المناسب هنا التعرض لأمرين:
أحدهما: التفكر في الله تعالى وفي قدرته وفي تقلبات الدنيا وما جرى مجرى ذلك، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال:
«التفكر يدعو إلى البر والعمل به».
وعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال:
«ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم، إنما العبادة التفكر في أمر الله عز وجل».
وفي حديث الصيقل عن الإمام الصادق (عليه السلام):
«قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتفكر ساعة خير من قيام ليلة. قلت: كيف يتفكر؟ قال: يمر بالدار والخربة فيقول: أين بانوك أين ساكنوك».
وعلى ذلك فإذا رأى الشاب النشيط الشيخ المجهود فهو قد يختال بقوته، أما إذا تفكر في نفسه والتفت إلى أن هذا الشيخ كان شاباً مثله فإن نفسه تهون عليه.
وإذا اُعجب الإنسان بصحته أو بعقله أو بماله أو بعلمه أو بغير ذلك من نعم الله عليه، ثم التفت إلى أن هذه عوارٍ معرضة للزوال متى شاء الله تعالى فإن أثرها يخف في نفسه.
وإذا رأى ذا نعمة فقد يغبطه أو يحسده في بدء الأمر، إلا أنه إذا عرض على نفسه أن يبادله في كل شيء من خير وشر ونعمة وبلاء فقد لا يرضى بذلك.
وإذا التفت إلى تعاقب الليل والنهار وانقضاء الشهور والأعوام تجلى له أنه يسير نحو الفناء ثم لا ينفع إلا العمل الصالح، وإذا التفت إلى عظيم حكمة الله تعالى عرف أن الغرض من الكون ليس هو هذه الدنيا الزائلة وحدها، بل ورأها أمر أعظم شأناً وأجل خطراً، كما قال تعالى:
(الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار) إلى غير ذلك من مجالات التفكر والتبصّر.
وحيث كانت العِبَر كثيرة لا تفارق الإنسان فبالتفكر يحصل له الاعتبار ويدوم ويتجلى وهن الدنيا، وتتهيأ نفسه للتقوى والإخلاص وحميد الخصال التي بها نجاته وسعادته ويتوجه إلى الله تعالى طالباً مرضاته وعونه وتسديده.
ثانيهما: أن يجعل الإنسان نفسه ميزاناً بينه وبين غيره، فيحب لغيره ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لها، ويرضى من"نفسه ما يرضى من غيره ويأبى منها ما يأبى منه، كما أكدت على ذلك النصوص عن المعصومين (عليهم السلام).
فإن حب الإنسان لنفسه قد يوجب غفلته عن أخطائها واستحصال المبررات لها، كما أن عدم اهتمامه بغيره قد يوجب سوء ظنه به واستبشاع أفعاله، فإذا قاس نفسه بغيره اتضحت الاُمور على حقيقتها وسهل عليه تمييز الخطأ من الصواب، وتيسر له أن يعتدل في سلوكه وفي تعامله مع الواقع الذي يعيشه ويراه، وجانبَ ظلم الآخرين والحيف عليهم.
تعليق