مقدَّمة:
الحمد لله الذي يؤمن الخائفين وينجِّي الصالحين ويرفع المستضعفين ويضع المستكبرين ويهلك ملوكاً ويستخلف آخرين والصلاة والسلام على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّد وآله الطيبين الطاهرين.
مسئولية الأنبياء:
إنّ الله سبحانه وتعالى بعث الأنبياء وأرسل الرسل من أجل أن يبلِّغوا رسالاته فيتمُّوا الحجَّة على الناس (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ِلئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)[النساء/165].
ولا فرق بين كافة الأنبياء في أداء هذه المهمَّة بأحسن الوجوه سواءً كان النبي نوح عليه السلام أو سليمان عليه السلام أو النبيّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكل منهم قد أدّى رسالات [رسالة] ربِّه وأوصل ما عليه من المسئولية إلى منزلها من غير أن يفرِّط فيما حمِّل على عاتقه ولم يطلب الأجر من الناس (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الشعراء/109]، اللهم إلا ما طلبه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي يعدُّ بشارة للناس لا عبأً عليهم (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)[الشورى/23].
لأنَّ منافع هذا الأجر ترجع إلى المؤمنين أنفسهم (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[سبأ/47].
وبغض النظر عن البعد الإلهي وأداء المسئولية فإننا لو نظرنا إلى الجانب العملي لرسالة الأنبياء فالأمر يختلف بين نبي وآخر فمنهم من لم يؤمن به إلا القليل فلم يتمكن من تغيير واقع الأمّة بنحو شامل وكلي كنوح عليه السلام حيث وصل أمره إلى مستوى بحيث (أُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[هود/36].
ولذلك دعا على المعاندين والكافرين منهم جميعا ً(وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)[نوح/26]، (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا)[نوح/27]، ومنهم من تمكن من تشكيل حكومة على أساس التوحيد كسليمان عليه السلام (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي ِلأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[ص/35].
وقد استجاب الله دعوته حيث قال (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ)[ص/36].
الإنقلاب على الأعقاب:
لاشك في أن الخط العملي الذي رسمه خاتم النبيين الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وضحَّى في سبيله بكل غال وثمين لم يستمرّ بعد ارتحاله بالشكل الكامل وذلك لا لتقصيره في تبليغ الشريعة كيف وهو الذي خاطبه الله سبحانه (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)[الكهف/6].
ولكن لانتكاس الأمّة وسوء تصرُّف الولاة وقد أخبر القرآن الكريم بذلك حيث قال (أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)[آل عمران/144].
فانحرفت المسيرة عن صراطها المستقيم فاستبدل الإسلام المحمدي الأصيل الذي كان بصدد ايصال الناس إلى السعادة الأبدية، بإسلام مُزيَّف أرجع الأمّة القهقرى وورّطها في متاهات لا خلاص منها، فوصلت إلى ما هي عليه الآن، لا خيار لها إلا الرضوخ للظالمين المستكبرين والإئتمار بأوامرهم الشيطانية اللهم إلا القليل الذين وفوا بعهدالله وتمسكُّوا بحبله رغم الصعوبات القاصمة للظهر والشدائد النافدة للصبر، فالتزموا طريق الحق والصبر وتواصوا بهما فهم المؤمنون حقاً غير الخاسرين صدقا اقتدوا بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.
ولكن: هل ستبقى الأرض هكذا إلى الأبد ؟
كيف وقد وعد الله عباده المستضعفين حيث قال (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ). (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)[القصص6،5]، (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)[الأنبياء 105].
فهناك من يخلِّص الناس من الاستضعاف وبه يملأ الله الأرض قسطاً وعدلا كما مُلئت ظلماً وجوراً، ولكلٍّ من الأئمة عليهم السلام دور خاص في التمهيد لذلك المصلح العالمي.
هذا وحيث أنَّ قيام دولة المهدي روحي لتراب مقدمه الفداء يتطلَّب أموراً كثيرةً من ناحية إعلامية و من ناحية عملية فلذلك نشاهد أنَّ أدوار أئمتنا كانت مختلفة فكلٌ كان يهيئ الأرضية من جانبٍ خاص و هذا لا يعني أنَّ الزمان و المكان والظرف لم يكن لها أيّ دور في تلك المواقف بل كان لها دورٌ ولكنَّه هامشي لا يغيِّر في الإستراتيجية بل له تأثير في الخطَّة و التكتيك.
فالإمام الرضا عليه السلام بهجرته التأريخية المؤلمة و تحمُّله الصعوبات و الضغوط الروحية و الجسمية تمكَّن من إيجاد المدرسة الخراسانيَّة التِّي لها الأثر الكبير في تعزيز جيش الإمام المهدي عليه السلام و كان بصدد خلق أرضيَّة عملية لتلك الدولة المباركة التِّي تحدَّث عنها و هو في نيسابور عندما التقى به دعبل الخزاعي وأنشد قصيدته التائية إلى أن قال:
(خروج إمام لا محالة خارج- يقوم على اسم الله و البركات)( يميّز فينا كل حق و باطل- و يجزى على النعمـاء و النقمـات) فبكى الإمام عليه السلام بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه وقال: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدرى من هذا الإمام و متى يقوم، فقلت لا يا مولاي إلا إني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد و يملأها عدلا.
و هكذا سائر أئمتنا عليهم السلام، لكلٍّ منهم موقف ينصبُّ في الغاية القصوى التِّي من أجلها بُعِث الرُسل و شرِّع الدين، الغاية التي لا تكتمل إلاّ بظهور الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عجَّل الله تعالى فرجه.
وأمّا الإمام الحسين عليه السلام فتميَّز في أنّه كان بصدد إيجاد روحية الجهاد وتطهير الأرض من كل عوامل الضلال والانحراف والظلم والفساد التي تتلخص في مفهوم أخلاقي مقدَّس وهو ( أخذ ثأر الله تعالى ) الذي هو الشعار الحقيقي لمهدي الأمّة عجَّل الله تعالى فرجه الشريف، وهذا الجانب الروحي له دور رئيس في قيامه و في انتصاره العظيم على جيش السفياني الذي يمثِّل خط الضلال والباطل طوال التأريخ الإسلامي.
ولكن أبى الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها فكان للأمّة دور فعّال في تثبيت ونشر ثورة سيد الشهداء عليه آلاف التحيَّة والثناء وذلك من خلال إحياء ذكرى عاشوراء و البكاء واللطم والمشاركة في أكبر التظاهرات والمواكب الحسينيَّة ، غير أنّ للثورة الإسلامية التي قام بها الإمام روح الله الموسوي الخميني قدَّس الله نفسه الزكية دوراً أكبر وتأثيراً أعظم في تعزيز فكر عاشوراء و بلورة خط سيد الشهداء ونقله من مستوى النظرية إلى مستوى الواقع من خلال مقارعة الظالمين بالسيف والتضحية بالدم حيث سقط على الأرض آلاف الشهداء كلُّهم ينادون السلام عليك يا أبا عبدالله.
هذا الكتاب ألف من أجل تبيين الغاية من الثورة الحسينية المباركة وعلاقة هذه الثورة بنهضة الإمام المهدي من ولد الحسين عليه السلام وأيضاً دور الإمام الراحل في تعزيز وتوطيد الخط الحسيني وربطه بالخط المهدوي .
أدعوا الله سبحانه أن يتقبَّله مني فلا أريد إلا رضاه ورضى من رضاهم رضاه أهل بيت العصمة والطهارة محمَّد وآله الطيبين الطاهرين روحي وأرواح من سواهم فداهم .
والحمد لله ربِّ العالمين
الحمد لله الذي يؤمن الخائفين وينجِّي الصالحين ويرفع المستضعفين ويضع المستكبرين ويهلك ملوكاً ويستخلف آخرين والصلاة والسلام على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّد وآله الطيبين الطاهرين.
مسئولية الأنبياء:
إنّ الله سبحانه وتعالى بعث الأنبياء وأرسل الرسل من أجل أن يبلِّغوا رسالاته فيتمُّوا الحجَّة على الناس (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ِلئلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)[النساء/165].
ولا فرق بين كافة الأنبياء في أداء هذه المهمَّة بأحسن الوجوه سواءً كان النبي نوح عليه السلام أو سليمان عليه السلام أو النبيّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم فكل منهم قد أدّى رسالات [رسالة] ربِّه وأوصل ما عليه من المسئولية إلى منزلها من غير أن يفرِّط فيما حمِّل على عاتقه ولم يطلب الأجر من الناس (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الشعراء/109]، اللهم إلا ما طلبه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم الذي يعدُّ بشارة للناس لا عبأً عليهم (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ)[الشورى/23].
لأنَّ منافع هذا الأجر ترجع إلى المؤمنين أنفسهم (قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)[سبأ/47].
وبغض النظر عن البعد الإلهي وأداء المسئولية فإننا لو نظرنا إلى الجانب العملي لرسالة الأنبياء فالأمر يختلف بين نبي وآخر فمنهم من لم يؤمن به إلا القليل فلم يتمكن من تغيير واقع الأمّة بنحو شامل وكلي كنوح عليه السلام حيث وصل أمره إلى مستوى بحيث (أُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[هود/36].
ولذلك دعا على المعاندين والكافرين منهم جميعا ً(وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)[نوح/26]، (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا)[نوح/27]، ومنهم من تمكن من تشكيل حكومة على أساس التوحيد كسليمان عليه السلام (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي ِلأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)[ص/35].
وقد استجاب الله دعوته حيث قال (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ)[ص/36].
الإنقلاب على الأعقاب:
لاشك في أن الخط العملي الذي رسمه خاتم النبيين الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وضحَّى في سبيله بكل غال وثمين لم يستمرّ بعد ارتحاله بالشكل الكامل وذلك لا لتقصيره في تبليغ الشريعة كيف وهو الذي خاطبه الله سبحانه (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)[الكهف/6].
ولكن لانتكاس الأمّة وسوء تصرُّف الولاة وقد أخبر القرآن الكريم بذلك حيث قال (أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)[آل عمران/144].
فانحرفت المسيرة عن صراطها المستقيم فاستبدل الإسلام المحمدي الأصيل الذي كان بصدد ايصال الناس إلى السعادة الأبدية، بإسلام مُزيَّف أرجع الأمّة القهقرى وورّطها في متاهات لا خلاص منها، فوصلت إلى ما هي عليه الآن، لا خيار لها إلا الرضوخ للظالمين المستكبرين والإئتمار بأوامرهم الشيطانية اللهم إلا القليل الذين وفوا بعهدالله وتمسكُّوا بحبله رغم الصعوبات القاصمة للظهر والشدائد النافدة للصبر، فالتزموا طريق الحق والصبر وتواصوا بهما فهم المؤمنون حقاً غير الخاسرين صدقا اقتدوا بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً.
ولكن: هل ستبقى الأرض هكذا إلى الأبد ؟
كيف وقد وعد الله عباده المستضعفين حيث قال (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ). (وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)[القصص6،5]، (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)[الأنبياء 105].
فهناك من يخلِّص الناس من الاستضعاف وبه يملأ الله الأرض قسطاً وعدلا كما مُلئت ظلماً وجوراً، ولكلٍّ من الأئمة عليهم السلام دور خاص في التمهيد لذلك المصلح العالمي.
هذا وحيث أنَّ قيام دولة المهدي روحي لتراب مقدمه الفداء يتطلَّب أموراً كثيرةً من ناحية إعلامية و من ناحية عملية فلذلك نشاهد أنَّ أدوار أئمتنا كانت مختلفة فكلٌ كان يهيئ الأرضية من جانبٍ خاص و هذا لا يعني أنَّ الزمان و المكان والظرف لم يكن لها أيّ دور في تلك المواقف بل كان لها دورٌ ولكنَّه هامشي لا يغيِّر في الإستراتيجية بل له تأثير في الخطَّة و التكتيك.
فالإمام الرضا عليه السلام بهجرته التأريخية المؤلمة و تحمُّله الصعوبات و الضغوط الروحية و الجسمية تمكَّن من إيجاد المدرسة الخراسانيَّة التِّي لها الأثر الكبير في تعزيز جيش الإمام المهدي عليه السلام و كان بصدد خلق أرضيَّة عملية لتلك الدولة المباركة التِّي تحدَّث عنها و هو في نيسابور عندما التقى به دعبل الخزاعي وأنشد قصيدته التائية إلى أن قال:
(خروج إمام لا محالة خارج- يقوم على اسم الله و البركات)( يميّز فينا كل حق و باطل- و يجزى على النعمـاء و النقمـات) فبكى الإمام عليه السلام بكاءً شديداً، ثمّ رفع رأسه وقال: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين، فهل تدرى من هذا الإمام و متى يقوم، فقلت لا يا مولاي إلا إني سمعت بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد و يملأها عدلا.
و هكذا سائر أئمتنا عليهم السلام، لكلٍّ منهم موقف ينصبُّ في الغاية القصوى التِّي من أجلها بُعِث الرُسل و شرِّع الدين، الغاية التي لا تكتمل إلاّ بظهور الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر عجَّل الله تعالى فرجه.
وأمّا الإمام الحسين عليه السلام فتميَّز في أنّه كان بصدد إيجاد روحية الجهاد وتطهير الأرض من كل عوامل الضلال والانحراف والظلم والفساد التي تتلخص في مفهوم أخلاقي مقدَّس وهو ( أخذ ثأر الله تعالى ) الذي هو الشعار الحقيقي لمهدي الأمّة عجَّل الله تعالى فرجه الشريف، وهذا الجانب الروحي له دور رئيس في قيامه و في انتصاره العظيم على جيش السفياني الذي يمثِّل خط الضلال والباطل طوال التأريخ الإسلامي.
ولكن أبى الله أن يجري الأمور إلا بأسبابها فكان للأمّة دور فعّال في تثبيت ونشر ثورة سيد الشهداء عليه آلاف التحيَّة والثناء وذلك من خلال إحياء ذكرى عاشوراء و البكاء واللطم والمشاركة في أكبر التظاهرات والمواكب الحسينيَّة ، غير أنّ للثورة الإسلامية التي قام بها الإمام روح الله الموسوي الخميني قدَّس الله نفسه الزكية دوراً أكبر وتأثيراً أعظم في تعزيز فكر عاشوراء و بلورة خط سيد الشهداء ونقله من مستوى النظرية إلى مستوى الواقع من خلال مقارعة الظالمين بالسيف والتضحية بالدم حيث سقط على الأرض آلاف الشهداء كلُّهم ينادون السلام عليك يا أبا عبدالله.
هذا الكتاب ألف من أجل تبيين الغاية من الثورة الحسينية المباركة وعلاقة هذه الثورة بنهضة الإمام المهدي من ولد الحسين عليه السلام وأيضاً دور الإمام الراحل في تعزيز وتوطيد الخط الحسيني وربطه بالخط المهدوي .
أدعوا الله سبحانه أن يتقبَّله مني فلا أريد إلا رضاه ورضى من رضاهم رضاه أهل بيت العصمة والطهارة محمَّد وآله الطيبين الطاهرين روحي وأرواح من سواهم فداهم .
والحمد لله ربِّ العالمين