مسلسل (الحسن والحسين) مجموعة من الأكاذيب التأريخية لتبرئة القتلة من دم المعصومين
قبل أشهر، عندما قررت «شركة المها» الكويتية عقد مؤتمر صحافي لإعلان إنتاج مسلسل وفيلم يرويان سيرة مؤسس «الإخوان المسلمين» حسن البنا، لاحظ الجميع أن الحملة الإعلانية الحقيقية في المؤتمر كانت للمسلسل الذي يتناول سيرة مزورة عن الإمامين الحسن والحسين وتنتجه الشركة نفسها.
هكذا بدا واضحاً أن الشركة تريد امتصاص موجات الغضب الموجّهة ضد العمل عندما كان اسمه «الأسباط»، بعد ثلاث سنوات من التصوير والتنقل بين المغرب، والأردن، وسوريا، ولبنان، والإمارات العربية المتحدة.
المسلسل اثار سخطا في وقت سابق في اوساط المسلمين الشيعة والسنة على حد سواء، لاساءته لسبطي الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم عبر تحريفه الحقائق التاريخية.
وقد ادعى منتجو هذا المسلسل ،بانه تم الحصول على موافقة العلماء الشيعة على انتاجه ، لكن الحقيقة انه لم يحصل هذا المسلسل على اي موافقة من اي من المرجعيات الدينية.
وقد تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهد المسلسل أواخر شهر شعبان تحت اسم (معاوية والحسن والحسين.. عهد الخلافة ونشأة الملك)، بتكلفة 8 ملايين دولار، ثم تغير اسمه قبل أيام من عرضه إلى (الحسن والحسين).
تولى كتابة المسلسل أشخاص من غير ذوي الاختصاص في التحقيق والبحث التأريخي وهو ما يجب أن يوجد في مثل هكذا أعمال، ويشارك فى بطولة العمل عدد من فناني الدول العربية، دون مراعاة لأي ضوابط شرعية في اختيار ممثلين مناسبين لأدوار المعصومين أو من هم بمنزلة تقتضي الضرورة الفنية اختيارهم بعناية مثل السيدة زينب عليها السلام.
يتناول العمل الفترة بعد مقتل عثمان بن عفان، مرورا بتولي أمير المؤمنين علي عليه السلام الخلافة الظاهرية، ثم استشهاده وتولي الخلافة الإمام الحسن عليه السلام، ثم صلحه واستشهاده واغتصاب الخلافة على يد معاوية بعد قتله الإمام الحسن، ثم تولي يزيد الحكم، وحتى قتله الإمام الحسين في كربلاء، كما يتناول المسلسل أحداث معركتي الجمل وصفين، وطبعاً هو يتناول كل هذه الأحداث بحيث لايظهرها على حقيقتها التأريخية بل ويقلب الحقائق رأساً على عقب، ويظهر المخطئ وصاحب الحق على حدٍ سواء، فالجميع منعوتين بالصحابة، القاتل والمقتول!!! وكلهم رضي الله عنهم!!! .
الخلاف الناشب مبكرا في الدول العربية حول المسلسل بين رأي شيوخ مثل يوسف القرضاوي وسلمان العودة ووزير الاوقاف اليمني حمود الهتار وقاضي القضاة الأردني احمد هليل وقطاع الإفتاء والبحوث الشرعية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت الذين وافقوا على نصه، وأخرون بينهم كل علماء الطائفة الشيعية ومراجعها و(مجمع البحوث الاسلامية) في الأزهر، ونقابة الأشراف في مصر ودائرة الإفتاء الأردنية الذين رفضوه بعنف، هل سيكون مقدّمة لفتنة تلفزيونية كبرى.
المسلسل اعتمد على اسطورة عبد الله بن سبأ وروايات المختلق سيف بن عمر التي يمكن الإطلاع عليها في كتاب (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) للعلامة الباحث آية الله السيد مرتضى العسكري، حيث أكد في كتابه هذا على أن شخصية "عبد الله ابن سبأ" لم تخرج عن كونها شخصية خرافية، وإن ما أورده المؤرخون عنه من حكايات في ترويج التشيع لم يكن أكثر من أكذوبة سجلها الرواة حول هذه الشخصية الوهمية ليحملوا على الشيعة ما شاء لهم أن يحملوا، والمطلع على هذا الكتاب يستطيع أن يقف في سهولة ويسر على التحقيقات العلمية التي أجراها المؤلف في أحاديث "سيف بن عمر" التي كانت تشغل أدمغة المؤرخين منذ ظهر التاريخ الإسلامي المدون إلى وقت قريب منا، وقد استطاع المؤلف بفضل القرائن التاريخية التي وقعت بين يديه أن يكشف اللثام عن كثير من الأحداث التاريخية وأن يوضح للباحثين الحقائق من اقرب طريق، ولكن أين المسلسل من هذه الحقائق؟!!!.
وهناك حقيقة يجب ان يعرفها مشاهدوا المسلسل، ان السيناريو قد كتب في ضوء روايات مكذوبة اختلقها المؤرخ الكذاب بشهادة علماء الرجال (سيف بن عمر التميمي) الذي توفي ما بعد سنة 30 هـ ، و قد اعتمده المؤرخون السائرون في ركاب الاعلام العباسي بإعطاء رؤية خاطئة لمسار الاحداث للسنوات من 5هـ الى 35هـ تنسجم مع ميول و مصالح و توجيهات العباسيين ونظرتهم للصحابة .
و لأجل فهم حقيقة ماكنة الكذب هذه بجدارة لابد ان نعرف اولا تقييمه عند علماء و رجال القرن الثالث والقرن الرابع الهجري، فهذا يحيى بن معين (توفي 223هـ) يقول عنه "فلسٌ خير منه"، و هذا ابو داود (275هـ) يقول عنه "ليس بشيء"، وهذا ابن ابي حاتم (توفي 327هـ) و الحاكم النيسابوري (توفي 405هـ) يقولان "متروك الحديث ساقط"، وهذا ابن حيان (354هـ) يقول "يروي الموضوعات عن الاثبات وكان يضع الحديث"، و ابن عدي (توفي 365هـ) قال: "عامة احاديثه منكره لم يتابع عليها".
المشكلة أن المسلسل أظهر الإمامين الحسن والحسين بدور على هامش الأحداث، بل ومعتدين على الناس أحياناً كما حدث في مشهد ضربهما لصحابي انتقد بالكلام عثمان بن عفان!!!، والغريب أن اسم المسلسل يوحي بأنه يتطرق لحياة الإمامين الحسن والحسين كلها بينما هو يتطرق إليها في فترة الفتن فقط وبدور تهميشي.
موقف المرجعية الدينية العليا من المسلسل جاء على لسان ممثلها في كربلاء سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي ومن خلال خطبة الجمعة في الحرم الحسيني المطهر يوم 27- شعبان-1432هـ الموافق 29-7-2011م حيث بيّن " إن هذا المسلسل يعرض في فترة حساسة وموضع اختلاف وجدل ورؤى متعددة من قبل المسلمين " وأورد تحفظات كثيرة على هذا المسلسل منها:
أولا: انه يتعرض لفترة تاريخية حساسة وحرجة لدى المسلمين وما جرى فيها من أحداث هي موضع جدل واختلاف وتعدد رؤى حولها وعرضها سيؤدي إلى مزيد من الفرقة والتنافر والاختلاف بين المسلمين، وتساءل إن وجهة النظر التي ستعرض فيها والتقييم لتلك الأحداث وجذورها ستكون وفق وجهة نظر مَنْ من بين طوائف المسلمين ومذاهبهم ومشاربهم؟! فمثل هذه الأحداث فيها وجهات نظر مختلفة بصورة كبيرة وليس من سبيل إلى الوصول إلى وجهة نظر واحدة بشأنها، وبالتالي ستثير الأطراف الأخرى وتعمل على المزيد من التفرقة والاختلاف بين المسلمين، ونحن بأمس الحاجة في الوقت الحاضر إلى إرساء دعائم التآلف والتآخي ونبذ ما يفرّق بين المسلمين.
ثانيا: في ما يتعلق بأصل تمثيل شخصيات المعصومين وأصحاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فهذا موضع خلاف بين فقهاء المسلمين وهو محل إشكال كبير عند بعضهم وليس من الصحيح أن يقوم البعض ممن لا ورع عنده ولا التزام ديني بتمثيل هذه الشخصيات.
ثالثا: ذكر البعض إن هناك موافقة على هذا العمل التمثيلي من المرجعية الدينية العليا وهذا أمر لا صحة له إطلاقا وهو وهم محض".
وأضاف ممثل المرجعية الدينية العليا "على ضوء ما ذكرناه فان هناك تحفظات كثيرة على عرض هكذا مسلسلات، بل ليس من المصلحة إطلاقا عرضها، بل هو خلاف المصلحة المطلوب تحقيقها للمسلمين حالياً وهو العمل بجميع الأسباب والوسائل التي تؤدي إلى نبذ التفرقة والاختلاف والتناحر وإشاعة أجواء التآلف والتقارب بين المسلمين جميعا".
ولخص سماحته تلك التحفظات قائلا " إن عرض هذا المسلسل هو خلاف ما تقتضيه مصالح المسلمين العليا، فالظروف التي يمر بها المسلمون يحاول فيها أعداء الإسلام إثارة الاحتقان الطائفي وذلك من خلال التركيز على عرض نقاط الاختلاف بين الطوائف الإسلامية التي لا سبيل إلى حلّها وتوظيف هذه الاختلافات وعرضها بطريقة تثير حفيظة كل مذهب على أصحاب المذاهب الأخرى .. بعيداً عن الطرح العلمي والبرهاني الذي يراد منه الوصول إلى الحقيقة".
وللمزيد حول الإمام الحسن وصلحه الذي يُراد تشويههما في المسلسل، التقينا العلامة المحقق السيد سامي البدري ليتحفنا بملخصٍ عن بحثه الذي جاء بأفكار جديدة مخالفة للرؤية السائدة في الوسط الشيعي فضلاً عما سواه:
تعد قضية صلح الامام الحسن مع معاوية - كما تصورها لنا المصادر التاريخية الاولى - من اخطر القضايا وأشدها تشويشا في تاريخ اهل البيت من جهة، وفي تاريخ العراق الاسلامي المبكر من جهة اخرى، وذلك لان القراءة الاولية للمصادر التاريخية الاسلامية حول الموضوع تفرض على القارئ ان يخرج بانطباعين سلبيين هما :
الاول : الانطباع السلبي الشديد عن العراقيين الاوائل الذين عاصروا الأئمة عليا والحسن والحسين عليهم السلام في الكوفة خاصة، وهو الانطباع السائد لدى كل من درس الموضوع او كتب فيه، وهو : كونهم متفرقين متخاذلين -طالما تمنى علياً فراقهم -غير قادرين على النهوض بدولة مستقلة بهم نظير ما صنعه الشاميون مع معاوية، بل كان بعض العراقيين -كما بعض الروايات - يفكر بتسليم الحسن حيا الى معاوية!!!، ولذلك اضطر الحسن الى تسليم الأمر لمعاوية!! وهذا الانطباع يستوى فيه القارئ المسلم بغض النظر عن مذهبه .
الثاني : الانطباع السلبي عن شخصية الإمام الحسن لدى القارئ الذي لا تربطه معه رابطة الاعتقاد بإمامته وعصمته ولا رابطة الاعتقاد بوجوب محبته واحترامه لانه من اهل البيت، كالمستشرقين الذين كادوا يجمعون على كون الإمام الحسن شخصية غير جديرة بان تكون ابنا لعلي!!! وانه باع الخلافة بدراهم من اجل شهواته!!! .
اما القارئ المؤمن بعصمة الامام الحسن فلم يؤثر عليه ذلك الركام الهائل من الروايات الطاعنة في شخصيته لإيمانه المسبق ان الحسن منزه عن ذلك وان تلك الروايات لا بد ان تكون موضوعة من قبل اعدائه لتشويه صورته .
• ويعد كتاب صلح الحسن للباحث المحقق الشيخ راضي ال ياسين رحمه الله الذي صدرت الطبعة الاولى منه سنة 1372هـ - 1952م افضل واشهر كتاب معاصر في الموضوع، وقدم له في وقته الحجة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين رحمه الله صاحب التآليف القيمة بكلمة تصدرت الكتاب زادت في قيمته واهميته، و من ثم سادت الرؤية التي قدمها الكتاب في النقد و التحليل واخذ بها كل من جاء بعده من الباحثين الشيعة .
• ولما كنا في دراستنا عن الموضوع خرجنا برؤية مخالفة للرؤية السائدة، مع كشف اسرار جديدة للصلح وأَلَقٍ كبيرٍ في شخصية الإمام الحسن صاحب القضية التي نهض بها ونظَّر لها وتوضيحها :
إذ تبين الرؤية الجديدة لنا ان الإمام الحسن كان أمامه أحد خيارين :
الاول : قبول اطروحة الصلح بالصيغة التي قدمها معاوية وهو ان يبقى الإمام الحسن على حكم النصف الشرقي للبلاد الاسلامية، وان يبقى معاوية على حكم النصف الغربي من البلاد الاسلامية، وهو الذي كان يطمح اليه معاوية ويرغب فيه وقد عرضه على الإمام علي ايام حكمه .
الثاني : رفض الصلح واللجوء الى الحرب، ولم يكن جيش الإمام الحسن قاصرا عن خوض معركة كالتي خاضها زمن الإمام علي، بل كان الجيش قد تعمقت بصيرته بالإمام علي واجتمعت كلمته عليه بعد حرب النهروان خاصة .
أعرض الإمام الحسن عن الخيار الاول لأنه يؤدي الى تكريس الانشقاق في الامة مع تكريس ثقافة العداء للإمام علي في الشام .
أعرض عن الخيار الثاني لتقديره انَّ الحرب لم تعد بعد تعقيد الحالة، هي الاسلوب الصحيح للعلاج، مضافا الى ان رفع شعار السلم يقتضي الاستجابة له .
وهكذا فاجأ الإمام الحسن خصمه معاوية بخيار جديد لم يدُر في خَلَدِه، وهو أن يسلم أمر العراق إلى معاوية لتكون الأمة موحدة بحاكم واحد هو معاوية، ولكن – وهذا هو المهم - يكتب مواد دستور الدولة الإمام الحسن ليتضمن شروطا أولها ان يسير معاوية بالقرآن والسنة النبوية الصحيحة وأن يتنازل عن سيرة الشيخين كمادة أساسية في الدستور وان يكون الأمر للإمام الحسن بعد موت معاوية، وان حدث للإمام الحسن حدث فالأمر للإمام الحسين، وأن ليس لمعاوية ان يعهد إلى أحدٍ من بعده، الى آخر شروطه عليه السلام، ووضع وثيقة تنازله المؤقت عن السلطة بتلك الشروط.
لقد استمد الإمام الحسن روح هذه الأطروحة الذكية من صلح الحديبية وحقق بها فتحا مبينا بكل معنى الكلمة.
ما هي نتائج هذا الفتح ؟
وقد تمثل هذا الفتح المبين كما تصوره الرؤية الجديدة لصلح الإمام الحسن بما يلي من النتائج الإيجابية:
1- فضح معاوية أمام الشاميين بانه كان يطلب الملك بكل وسيلة .
2- اتضاح حقيقة الإمام علي وولده الإمام الحسن بانهما ائمة هداية منصوص عليهم وليسا طلاب ملك .
3- توحيد شقي البلاد الاسلامية واختلاط العراقيين مع الشاميين، الذين اخذوا ينظرون اليهم والى قائدهم الإمام الحسن نظرة محبة واعجاب بهم وإكبار لهم، يستمعون إليهم، يروون لهم بتفاعل مدهش ثقافة الولاء للإمام علي التي تؤسسها احاديث النبي وسيرة الإمام علي المشرقة .
4- ارجاع هيبة الامة في قلوب اعدائها -الروم الشرقيين - على الجبهة الشمالية الشرقية.
5- واخيرا تخليص الكوفة عاصمة مشروع النهضة الاحيائية للإمام علي ومركز رجالاتها من إرهاب داخلي كان على ابوابها، قام به الخوارج التكفيريين، وقد نفذوه اولاً بالإمام علي.
وساد الأمان في الامة كلها عشر سنوات بعد توقيع وثيقة الصلح وبرز الإمام الحسن مرجعاً دينياً لمن كان ياخذ عنه معالم دينه، وعرف الشاميون وغيرهم، من عبادته وعلمه وحسن خلقه وكرمه واهتمامه بقضاء حوائج الناس ما ذكّرهم بابيه وبجده النبي.
ثم غدر معاوية بالإمام الحسن بعد عشر سنوات غدرا مبينا حين دس له السم ونقض شروط الصلح ولاحق شيعة العراق بما هو معروف وواضح في كتب التاريخ .
ما السر إذن في وجود هذا الكم الهائل من الروايات الموضوعة ضد الشيعة والعراقيين والكوفة؟
يأتي الجواب من دراستنا للغدر المبين الذي قام به معاوية خلال النصف الثاني من حكمه فقد رأيناه يقلب ظهر المجن للإمام علي باللعن والبراءة بعد الترحم عليه وذكره بخير، ويلاحق شيعته بالسجن والقتل والتهجير وبخاصة اهل الكوفة، واقترن ذلك بسياسة ثقافية منظمة لتربية النشئ الجديد في الدولة الاسلامية شرقا وغربا على لعن الإمام علي، قائمٍ على رؤية سلبية ازاءه مبنية على احاديث نبوية، فمنعت من تداول احاديث النبي التي تدعو الى محبته وموالاته وطاعته، وشجعت الناس الذين يرغبون في الدنيا في وضع احاديث مكذوبة على النبي تدعو الى معاداة الإمام علي والبراءة منه، وبذلك تكوَّن ركام هائل من الاحاديث الموضوعة ضد الإمام علي واهل بيته تداولها الناس ثمانين سنة وصارت دينا يدان به .
وحين ظهرت الدولة العباسية لم يسمح الوضع العام للدولة بتداول تلك الاحاديث لكون قيادتها هاشمية و الإمام علي هو كبير بني هاشم بعد النبي، وكونها تحركت اساسا تحت شعار مظلومية الإمام علي وولده الإمام الحسين شهيد كربلا فدثر امرها تدريجيا ولم يبق منها الا طرف من قبيل (ان عليا لا يصلي!!، ان عليا دخل حفرته وما قرا القرآن!!، ان عليا سرق والنبي قطع يده!!، ان قول النبي ياعلي انت منى بمنزل هارون من موسى اشتباه من الرواة وانما بمنزلة قارون موسى!!!) .
وقد تكررت التجربة الاموية هذه في الدولة العباسية وذلك حين رأى العباسيون انفسهم يواجهون خصمين كبيرين يقفان عقبة امام استمرار ملكهم وحفظ ولاء الامة لهم، هذان الخصمان هما :
1- الخصم الاول الحسنيون الثائرون الذين يملكون الشرعية في قبال بني العباس لأمرين:
أ- الأول كونهم ذرية المصلح الكبير الإمام الحسن صاحب الفتح المبين في انقاذ الامة من سفك الدماء بطريقة بارعة تكشف عن جدارة خاصة بحكم الامة ورعايتها.
ب- الثاني كون العباسيين قد اعطوا بيعة مسبقة لزعيم الحسنين محمد بن عبد الله بن الحسن في مؤتمر عام لبني هاشم وقد انتشر خبر هذا المؤتمر والبيعة في المجتمع .
2- الخصم الثاني مرجعية الامام الصادق التي تقوم على فكرة امامة علي واهل بيته المعصومين بوصية من النبي، وهذه المرجعية آخذة بالتوسع والنمو .
ولأن الكوفة قاعدة شعبية لكلا هذين الخصمين .
وفي ضوء ذلك فليس للعباسيين الحاكمين الا ان يحذوا حذو الامويين لضمان استمرار ملكهم بتحريف تاريخ خصومهم وهم الحسنيون، الكوفة، الشيعة، وقاموا بتحويل حسناتهم وامتيازاتهم الى عار يلاحقهم ابد الدهر .
فبدأوا يروجون للترهات والأقوايل الكاذبة بحق:
1- الإمام الحسن من قبيل افتراءات: هل هناك عار في تاريخ الحسنيين كعار ابيهم الحسن؟!!! تبايعه الامة على الحكم ثم يبيعه الى معاوية بدراهم يغدقها فيما بعد على محظياته يتزوج واحدة ويطلق اخرى ؟!!! وهل ذرية مثل هذا الانسان جديرة بحكم الامة ؟!!!.
2- وبحق الكوفة من قبيل افتراءات: هل هناك عار مثل عار الكوفة؟!! تدعو الإمام الحسين لنصرته ثم تخذله ثم تقتله ثم تحمل رأسه ورؤوس اصحابه هدية الى يزيد؟!! ثم ترفقها باسرة الإمام الحسين سبايا؟!! الامر الذي يرق له يزيد وتدمع له عيناه(!!!!) ويلعن الكوفة واميرها ابن مرجانة ؟ ويقول انه لو كان صاحبه أي الحسين ما صنع به هذا الصنيع!!!!.
3- وبحق الشيعة من قبيل افتراءات: وهل هناك عار مثل عار الشيعة الذين استجابوا ليهودي من اليمن اسلم على عهد عثمان ليتلقوا منه عقيدتهم بالامامة ؟!!(في إشارة إلى الرجل الأسطورة عبدالله بن سبأ)
ثم عالجوا مرجعية الصادق بأمرين، الأول تبني مرجعية مالك بن انس وفرضها على الناس، وتبني طلابه ليكونوا قضاة وخطباء، واشاعة الشك في مرويات الامام الصادق بل تضعيفه كما روى ذلك بن سعد، قال جعفر بن محمد كثير الحديث ويستضعف، وكما قال يحيى بن سعيد القطان مجالد احب الي منه وقال عنه الذهبي وهذه زلقة من ابن القطان .مع ملاحقة اصحابه وسجن الامام من بعده ولده الكاظم.
وفي ضوء ذلك فان ظهور هذا الكم الهائل من الروايات الطاعنة في الامام الحسن وفي الكوفة وفي الشيعة يكون طبيعيا وكما تفرضه طبيعة الاشياء ولا نحتاج معه الى بحث اسانيد هذه الروايات الطاعنة مع وجود الروايات المادحة وذلك لان هذا المبرر وحده كاف في اسقاطها جملة وتفصيلا . ومع ذلك فاننا لم نغفل بعض الاسانيد لاجل تقديم نماذج مفيدة .
كلمة أخيرة سماحة السيد؟
ان هذه الرؤية الجديدة هي احدى المفاجئات الكبيرة في البحث العلمي الحديث في موضوعة القرن الاول من التاريخ الاسلامي.
أما حول الإمام الحسين عليه السلام فلا تقل الأكاذيب بحقه عن بقية أكاذيب المسلسل، فلقد صور الإمام عليه السلام بأنه يعترف بإمرة المؤمنين لمعاوية!!! ولا يرضى بتولية يزيد لأن (أمير المؤمنين!!!!) معاوية خالف سيرة (الخلفاء الراشدين!!!) في تعيين ولده بدل الشورى، أي أن الإمام الحسين عليه السلام بحسب المسلسل رفض بيعة يزيد لمخالفتها - بحسب زعمهم – لقوانين الشورى لا لشخصه ولا لأن يزيد مرتكب المحرمات وشارب الخمرة وقاتل النفس المحترمة وهادم الصلاة وتوليته تعني إمضاءً لتلك المحرمات وصيرورتها أمراً مباحاً من قبل المسلمين باعتبار أن الناس على دين ملوكهم.
قبل أشهر، عندما قررت «شركة المها» الكويتية عقد مؤتمر صحافي لإعلان إنتاج مسلسل وفيلم يرويان سيرة مؤسس «الإخوان المسلمين» حسن البنا، لاحظ الجميع أن الحملة الإعلانية الحقيقية في المؤتمر كانت للمسلسل الذي يتناول سيرة مزورة عن الإمامين الحسن والحسين وتنتجه الشركة نفسها.
هكذا بدا واضحاً أن الشركة تريد امتصاص موجات الغضب الموجّهة ضد العمل عندما كان اسمه «الأسباط»، بعد ثلاث سنوات من التصوير والتنقل بين المغرب، والأردن، وسوريا، ولبنان، والإمارات العربية المتحدة.
المسلسل اثار سخطا في وقت سابق في اوساط المسلمين الشيعة والسنة على حد سواء، لاساءته لسبطي الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم عبر تحريفه الحقائق التاريخية.
وقد ادعى منتجو هذا المسلسل ،بانه تم الحصول على موافقة العلماء الشيعة على انتاجه ، لكن الحقيقة انه لم يحصل هذا المسلسل على اي موافقة من اي من المرجعيات الدينية.
وقد تم الانتهاء من تصوير آخر مشاهد المسلسل أواخر شهر شعبان تحت اسم (معاوية والحسن والحسين.. عهد الخلافة ونشأة الملك)، بتكلفة 8 ملايين دولار، ثم تغير اسمه قبل أيام من عرضه إلى (الحسن والحسين).
تولى كتابة المسلسل أشخاص من غير ذوي الاختصاص في التحقيق والبحث التأريخي وهو ما يجب أن يوجد في مثل هكذا أعمال، ويشارك فى بطولة العمل عدد من فناني الدول العربية، دون مراعاة لأي ضوابط شرعية في اختيار ممثلين مناسبين لأدوار المعصومين أو من هم بمنزلة تقتضي الضرورة الفنية اختيارهم بعناية مثل السيدة زينب عليها السلام.
يتناول العمل الفترة بعد مقتل عثمان بن عفان، مرورا بتولي أمير المؤمنين علي عليه السلام الخلافة الظاهرية، ثم استشهاده وتولي الخلافة الإمام الحسن عليه السلام، ثم صلحه واستشهاده واغتصاب الخلافة على يد معاوية بعد قتله الإمام الحسن، ثم تولي يزيد الحكم، وحتى قتله الإمام الحسين في كربلاء، كما يتناول المسلسل أحداث معركتي الجمل وصفين، وطبعاً هو يتناول كل هذه الأحداث بحيث لايظهرها على حقيقتها التأريخية بل ويقلب الحقائق رأساً على عقب، ويظهر المخطئ وصاحب الحق على حدٍ سواء، فالجميع منعوتين بالصحابة، القاتل والمقتول!!! وكلهم رضي الله عنهم!!! .
الخلاف الناشب مبكرا في الدول العربية حول المسلسل بين رأي شيوخ مثل يوسف القرضاوي وسلمان العودة ووزير الاوقاف اليمني حمود الهتار وقاضي القضاة الأردني احمد هليل وقطاع الإفتاء والبحوث الشرعية ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت الذين وافقوا على نصه، وأخرون بينهم كل علماء الطائفة الشيعية ومراجعها و(مجمع البحوث الاسلامية) في الأزهر، ونقابة الأشراف في مصر ودائرة الإفتاء الأردنية الذين رفضوه بعنف، هل سيكون مقدّمة لفتنة تلفزيونية كبرى.
المسلسل اعتمد على اسطورة عبد الله بن سبأ وروايات المختلق سيف بن عمر التي يمكن الإطلاع عليها في كتاب (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى) للعلامة الباحث آية الله السيد مرتضى العسكري، حيث أكد في كتابه هذا على أن شخصية "عبد الله ابن سبأ" لم تخرج عن كونها شخصية خرافية، وإن ما أورده المؤرخون عنه من حكايات في ترويج التشيع لم يكن أكثر من أكذوبة سجلها الرواة حول هذه الشخصية الوهمية ليحملوا على الشيعة ما شاء لهم أن يحملوا، والمطلع على هذا الكتاب يستطيع أن يقف في سهولة ويسر على التحقيقات العلمية التي أجراها المؤلف في أحاديث "سيف بن عمر" التي كانت تشغل أدمغة المؤرخين منذ ظهر التاريخ الإسلامي المدون إلى وقت قريب منا، وقد استطاع المؤلف بفضل القرائن التاريخية التي وقعت بين يديه أن يكشف اللثام عن كثير من الأحداث التاريخية وأن يوضح للباحثين الحقائق من اقرب طريق، ولكن أين المسلسل من هذه الحقائق؟!!!.
وهناك حقيقة يجب ان يعرفها مشاهدوا المسلسل، ان السيناريو قد كتب في ضوء روايات مكذوبة اختلقها المؤرخ الكذاب بشهادة علماء الرجال (سيف بن عمر التميمي) الذي توفي ما بعد سنة 30 هـ ، و قد اعتمده المؤرخون السائرون في ركاب الاعلام العباسي بإعطاء رؤية خاطئة لمسار الاحداث للسنوات من 5هـ الى 35هـ تنسجم مع ميول و مصالح و توجيهات العباسيين ونظرتهم للصحابة .
و لأجل فهم حقيقة ماكنة الكذب هذه بجدارة لابد ان نعرف اولا تقييمه عند علماء و رجال القرن الثالث والقرن الرابع الهجري، فهذا يحيى بن معين (توفي 223هـ) يقول عنه "فلسٌ خير منه"، و هذا ابو داود (275هـ) يقول عنه "ليس بشيء"، وهذا ابن ابي حاتم (توفي 327هـ) و الحاكم النيسابوري (توفي 405هـ) يقولان "متروك الحديث ساقط"، وهذا ابن حيان (354هـ) يقول "يروي الموضوعات عن الاثبات وكان يضع الحديث"، و ابن عدي (توفي 365هـ) قال: "عامة احاديثه منكره لم يتابع عليها".
المشكلة أن المسلسل أظهر الإمامين الحسن والحسين بدور على هامش الأحداث، بل ومعتدين على الناس أحياناً كما حدث في مشهد ضربهما لصحابي انتقد بالكلام عثمان بن عفان!!!، والغريب أن اسم المسلسل يوحي بأنه يتطرق لحياة الإمامين الحسن والحسين كلها بينما هو يتطرق إليها في فترة الفتن فقط وبدور تهميشي.
موقف المرجعية الدينية العليا من المسلسل جاء على لسان ممثلها في كربلاء سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي ومن خلال خطبة الجمعة في الحرم الحسيني المطهر يوم 27- شعبان-1432هـ الموافق 29-7-2011م حيث بيّن " إن هذا المسلسل يعرض في فترة حساسة وموضع اختلاف وجدل ورؤى متعددة من قبل المسلمين " وأورد تحفظات كثيرة على هذا المسلسل منها:
أولا: انه يتعرض لفترة تاريخية حساسة وحرجة لدى المسلمين وما جرى فيها من أحداث هي موضع جدل واختلاف وتعدد رؤى حولها وعرضها سيؤدي إلى مزيد من الفرقة والتنافر والاختلاف بين المسلمين، وتساءل إن وجهة النظر التي ستعرض فيها والتقييم لتلك الأحداث وجذورها ستكون وفق وجهة نظر مَنْ من بين طوائف المسلمين ومذاهبهم ومشاربهم؟! فمثل هذه الأحداث فيها وجهات نظر مختلفة بصورة كبيرة وليس من سبيل إلى الوصول إلى وجهة نظر واحدة بشأنها، وبالتالي ستثير الأطراف الأخرى وتعمل على المزيد من التفرقة والاختلاف بين المسلمين، ونحن بأمس الحاجة في الوقت الحاضر إلى إرساء دعائم التآلف والتآخي ونبذ ما يفرّق بين المسلمين.
ثانيا: في ما يتعلق بأصل تمثيل شخصيات المعصومين وأصحاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) فهذا موضع خلاف بين فقهاء المسلمين وهو محل إشكال كبير عند بعضهم وليس من الصحيح أن يقوم البعض ممن لا ورع عنده ولا التزام ديني بتمثيل هذه الشخصيات.
ثالثا: ذكر البعض إن هناك موافقة على هذا العمل التمثيلي من المرجعية الدينية العليا وهذا أمر لا صحة له إطلاقا وهو وهم محض".
وأضاف ممثل المرجعية الدينية العليا "على ضوء ما ذكرناه فان هناك تحفظات كثيرة على عرض هكذا مسلسلات، بل ليس من المصلحة إطلاقا عرضها، بل هو خلاف المصلحة المطلوب تحقيقها للمسلمين حالياً وهو العمل بجميع الأسباب والوسائل التي تؤدي إلى نبذ التفرقة والاختلاف والتناحر وإشاعة أجواء التآلف والتقارب بين المسلمين جميعا".
ولخص سماحته تلك التحفظات قائلا " إن عرض هذا المسلسل هو خلاف ما تقتضيه مصالح المسلمين العليا، فالظروف التي يمر بها المسلمون يحاول فيها أعداء الإسلام إثارة الاحتقان الطائفي وذلك من خلال التركيز على عرض نقاط الاختلاف بين الطوائف الإسلامية التي لا سبيل إلى حلّها وتوظيف هذه الاختلافات وعرضها بطريقة تثير حفيظة كل مذهب على أصحاب المذاهب الأخرى .. بعيداً عن الطرح العلمي والبرهاني الذي يراد منه الوصول إلى الحقيقة".
وللمزيد حول الإمام الحسن وصلحه الذي يُراد تشويههما في المسلسل، التقينا العلامة المحقق السيد سامي البدري ليتحفنا بملخصٍ عن بحثه الذي جاء بأفكار جديدة مخالفة للرؤية السائدة في الوسط الشيعي فضلاً عما سواه:
تعد قضية صلح الامام الحسن مع معاوية - كما تصورها لنا المصادر التاريخية الاولى - من اخطر القضايا وأشدها تشويشا في تاريخ اهل البيت من جهة، وفي تاريخ العراق الاسلامي المبكر من جهة اخرى، وذلك لان القراءة الاولية للمصادر التاريخية الاسلامية حول الموضوع تفرض على القارئ ان يخرج بانطباعين سلبيين هما :
الاول : الانطباع السلبي الشديد عن العراقيين الاوائل الذين عاصروا الأئمة عليا والحسن والحسين عليهم السلام في الكوفة خاصة، وهو الانطباع السائد لدى كل من درس الموضوع او كتب فيه، وهو : كونهم متفرقين متخاذلين -طالما تمنى علياً فراقهم -غير قادرين على النهوض بدولة مستقلة بهم نظير ما صنعه الشاميون مع معاوية، بل كان بعض العراقيين -كما بعض الروايات - يفكر بتسليم الحسن حيا الى معاوية!!!، ولذلك اضطر الحسن الى تسليم الأمر لمعاوية!! وهذا الانطباع يستوى فيه القارئ المسلم بغض النظر عن مذهبه .
الثاني : الانطباع السلبي عن شخصية الإمام الحسن لدى القارئ الذي لا تربطه معه رابطة الاعتقاد بإمامته وعصمته ولا رابطة الاعتقاد بوجوب محبته واحترامه لانه من اهل البيت، كالمستشرقين الذين كادوا يجمعون على كون الإمام الحسن شخصية غير جديرة بان تكون ابنا لعلي!!! وانه باع الخلافة بدراهم من اجل شهواته!!! .
اما القارئ المؤمن بعصمة الامام الحسن فلم يؤثر عليه ذلك الركام الهائل من الروايات الطاعنة في شخصيته لإيمانه المسبق ان الحسن منزه عن ذلك وان تلك الروايات لا بد ان تكون موضوعة من قبل اعدائه لتشويه صورته .
• ويعد كتاب صلح الحسن للباحث المحقق الشيخ راضي ال ياسين رحمه الله الذي صدرت الطبعة الاولى منه سنة 1372هـ - 1952م افضل واشهر كتاب معاصر في الموضوع، وقدم له في وقته الحجة المصلح السيد عبد الحسين شرف الدين رحمه الله صاحب التآليف القيمة بكلمة تصدرت الكتاب زادت في قيمته واهميته، و من ثم سادت الرؤية التي قدمها الكتاب في النقد و التحليل واخذ بها كل من جاء بعده من الباحثين الشيعة .
• ولما كنا في دراستنا عن الموضوع خرجنا برؤية مخالفة للرؤية السائدة، مع كشف اسرار جديدة للصلح وأَلَقٍ كبيرٍ في شخصية الإمام الحسن صاحب القضية التي نهض بها ونظَّر لها وتوضيحها :
إذ تبين الرؤية الجديدة لنا ان الإمام الحسن كان أمامه أحد خيارين :
الاول : قبول اطروحة الصلح بالصيغة التي قدمها معاوية وهو ان يبقى الإمام الحسن على حكم النصف الشرقي للبلاد الاسلامية، وان يبقى معاوية على حكم النصف الغربي من البلاد الاسلامية، وهو الذي كان يطمح اليه معاوية ويرغب فيه وقد عرضه على الإمام علي ايام حكمه .
الثاني : رفض الصلح واللجوء الى الحرب، ولم يكن جيش الإمام الحسن قاصرا عن خوض معركة كالتي خاضها زمن الإمام علي، بل كان الجيش قد تعمقت بصيرته بالإمام علي واجتمعت كلمته عليه بعد حرب النهروان خاصة .
أعرض الإمام الحسن عن الخيار الاول لأنه يؤدي الى تكريس الانشقاق في الامة مع تكريس ثقافة العداء للإمام علي في الشام .
أعرض عن الخيار الثاني لتقديره انَّ الحرب لم تعد بعد تعقيد الحالة، هي الاسلوب الصحيح للعلاج، مضافا الى ان رفع شعار السلم يقتضي الاستجابة له .
وهكذا فاجأ الإمام الحسن خصمه معاوية بخيار جديد لم يدُر في خَلَدِه، وهو أن يسلم أمر العراق إلى معاوية لتكون الأمة موحدة بحاكم واحد هو معاوية، ولكن – وهذا هو المهم - يكتب مواد دستور الدولة الإمام الحسن ليتضمن شروطا أولها ان يسير معاوية بالقرآن والسنة النبوية الصحيحة وأن يتنازل عن سيرة الشيخين كمادة أساسية في الدستور وان يكون الأمر للإمام الحسن بعد موت معاوية، وان حدث للإمام الحسن حدث فالأمر للإمام الحسين، وأن ليس لمعاوية ان يعهد إلى أحدٍ من بعده، الى آخر شروطه عليه السلام، ووضع وثيقة تنازله المؤقت عن السلطة بتلك الشروط.
لقد استمد الإمام الحسن روح هذه الأطروحة الذكية من صلح الحديبية وحقق بها فتحا مبينا بكل معنى الكلمة.
ما هي نتائج هذا الفتح ؟
وقد تمثل هذا الفتح المبين كما تصوره الرؤية الجديدة لصلح الإمام الحسن بما يلي من النتائج الإيجابية:
1- فضح معاوية أمام الشاميين بانه كان يطلب الملك بكل وسيلة .
2- اتضاح حقيقة الإمام علي وولده الإمام الحسن بانهما ائمة هداية منصوص عليهم وليسا طلاب ملك .
3- توحيد شقي البلاد الاسلامية واختلاط العراقيين مع الشاميين، الذين اخذوا ينظرون اليهم والى قائدهم الإمام الحسن نظرة محبة واعجاب بهم وإكبار لهم، يستمعون إليهم، يروون لهم بتفاعل مدهش ثقافة الولاء للإمام علي التي تؤسسها احاديث النبي وسيرة الإمام علي المشرقة .
4- ارجاع هيبة الامة في قلوب اعدائها -الروم الشرقيين - على الجبهة الشمالية الشرقية.
5- واخيرا تخليص الكوفة عاصمة مشروع النهضة الاحيائية للإمام علي ومركز رجالاتها من إرهاب داخلي كان على ابوابها، قام به الخوارج التكفيريين، وقد نفذوه اولاً بالإمام علي.
وساد الأمان في الامة كلها عشر سنوات بعد توقيع وثيقة الصلح وبرز الإمام الحسن مرجعاً دينياً لمن كان ياخذ عنه معالم دينه، وعرف الشاميون وغيرهم، من عبادته وعلمه وحسن خلقه وكرمه واهتمامه بقضاء حوائج الناس ما ذكّرهم بابيه وبجده النبي.
ثم غدر معاوية بالإمام الحسن بعد عشر سنوات غدرا مبينا حين دس له السم ونقض شروط الصلح ولاحق شيعة العراق بما هو معروف وواضح في كتب التاريخ .
ما السر إذن في وجود هذا الكم الهائل من الروايات الموضوعة ضد الشيعة والعراقيين والكوفة؟
يأتي الجواب من دراستنا للغدر المبين الذي قام به معاوية خلال النصف الثاني من حكمه فقد رأيناه يقلب ظهر المجن للإمام علي باللعن والبراءة بعد الترحم عليه وذكره بخير، ويلاحق شيعته بالسجن والقتل والتهجير وبخاصة اهل الكوفة، واقترن ذلك بسياسة ثقافية منظمة لتربية النشئ الجديد في الدولة الاسلامية شرقا وغربا على لعن الإمام علي، قائمٍ على رؤية سلبية ازاءه مبنية على احاديث نبوية، فمنعت من تداول احاديث النبي التي تدعو الى محبته وموالاته وطاعته، وشجعت الناس الذين يرغبون في الدنيا في وضع احاديث مكذوبة على النبي تدعو الى معاداة الإمام علي والبراءة منه، وبذلك تكوَّن ركام هائل من الاحاديث الموضوعة ضد الإمام علي واهل بيته تداولها الناس ثمانين سنة وصارت دينا يدان به .
وحين ظهرت الدولة العباسية لم يسمح الوضع العام للدولة بتداول تلك الاحاديث لكون قيادتها هاشمية و الإمام علي هو كبير بني هاشم بعد النبي، وكونها تحركت اساسا تحت شعار مظلومية الإمام علي وولده الإمام الحسين شهيد كربلا فدثر امرها تدريجيا ولم يبق منها الا طرف من قبيل (ان عليا لا يصلي!!، ان عليا دخل حفرته وما قرا القرآن!!، ان عليا سرق والنبي قطع يده!!، ان قول النبي ياعلي انت منى بمنزل هارون من موسى اشتباه من الرواة وانما بمنزلة قارون موسى!!!) .
وقد تكررت التجربة الاموية هذه في الدولة العباسية وذلك حين رأى العباسيون انفسهم يواجهون خصمين كبيرين يقفان عقبة امام استمرار ملكهم وحفظ ولاء الامة لهم، هذان الخصمان هما :
1- الخصم الاول الحسنيون الثائرون الذين يملكون الشرعية في قبال بني العباس لأمرين:
أ- الأول كونهم ذرية المصلح الكبير الإمام الحسن صاحب الفتح المبين في انقاذ الامة من سفك الدماء بطريقة بارعة تكشف عن جدارة خاصة بحكم الامة ورعايتها.
ب- الثاني كون العباسيين قد اعطوا بيعة مسبقة لزعيم الحسنين محمد بن عبد الله بن الحسن في مؤتمر عام لبني هاشم وقد انتشر خبر هذا المؤتمر والبيعة في المجتمع .
2- الخصم الثاني مرجعية الامام الصادق التي تقوم على فكرة امامة علي واهل بيته المعصومين بوصية من النبي، وهذه المرجعية آخذة بالتوسع والنمو .
ولأن الكوفة قاعدة شعبية لكلا هذين الخصمين .
وفي ضوء ذلك فليس للعباسيين الحاكمين الا ان يحذوا حذو الامويين لضمان استمرار ملكهم بتحريف تاريخ خصومهم وهم الحسنيون، الكوفة، الشيعة، وقاموا بتحويل حسناتهم وامتيازاتهم الى عار يلاحقهم ابد الدهر .
فبدأوا يروجون للترهات والأقوايل الكاذبة بحق:
1- الإمام الحسن من قبيل افتراءات: هل هناك عار في تاريخ الحسنيين كعار ابيهم الحسن؟!!! تبايعه الامة على الحكم ثم يبيعه الى معاوية بدراهم يغدقها فيما بعد على محظياته يتزوج واحدة ويطلق اخرى ؟!!! وهل ذرية مثل هذا الانسان جديرة بحكم الامة ؟!!!.
2- وبحق الكوفة من قبيل افتراءات: هل هناك عار مثل عار الكوفة؟!! تدعو الإمام الحسين لنصرته ثم تخذله ثم تقتله ثم تحمل رأسه ورؤوس اصحابه هدية الى يزيد؟!! ثم ترفقها باسرة الإمام الحسين سبايا؟!! الامر الذي يرق له يزيد وتدمع له عيناه(!!!!) ويلعن الكوفة واميرها ابن مرجانة ؟ ويقول انه لو كان صاحبه أي الحسين ما صنع به هذا الصنيع!!!!.
3- وبحق الشيعة من قبيل افتراءات: وهل هناك عار مثل عار الشيعة الذين استجابوا ليهودي من اليمن اسلم على عهد عثمان ليتلقوا منه عقيدتهم بالامامة ؟!!(في إشارة إلى الرجل الأسطورة عبدالله بن سبأ)
ثم عالجوا مرجعية الصادق بأمرين، الأول تبني مرجعية مالك بن انس وفرضها على الناس، وتبني طلابه ليكونوا قضاة وخطباء، واشاعة الشك في مرويات الامام الصادق بل تضعيفه كما روى ذلك بن سعد، قال جعفر بن محمد كثير الحديث ويستضعف، وكما قال يحيى بن سعيد القطان مجالد احب الي منه وقال عنه الذهبي وهذه زلقة من ابن القطان .مع ملاحقة اصحابه وسجن الامام من بعده ولده الكاظم.
وفي ضوء ذلك فان ظهور هذا الكم الهائل من الروايات الطاعنة في الامام الحسن وفي الكوفة وفي الشيعة يكون طبيعيا وكما تفرضه طبيعة الاشياء ولا نحتاج معه الى بحث اسانيد هذه الروايات الطاعنة مع وجود الروايات المادحة وذلك لان هذا المبرر وحده كاف في اسقاطها جملة وتفصيلا . ومع ذلك فاننا لم نغفل بعض الاسانيد لاجل تقديم نماذج مفيدة .
كلمة أخيرة سماحة السيد؟
ان هذه الرؤية الجديدة هي احدى المفاجئات الكبيرة في البحث العلمي الحديث في موضوعة القرن الاول من التاريخ الاسلامي.
أما حول الإمام الحسين عليه السلام فلا تقل الأكاذيب بحقه عن بقية أكاذيب المسلسل، فلقد صور الإمام عليه السلام بأنه يعترف بإمرة المؤمنين لمعاوية!!! ولا يرضى بتولية يزيد لأن (أمير المؤمنين!!!!) معاوية خالف سيرة (الخلفاء الراشدين!!!) في تعيين ولده بدل الشورى، أي أن الإمام الحسين عليه السلام بحسب المسلسل رفض بيعة يزيد لمخالفتها - بحسب زعمهم – لقوانين الشورى لا لشخصه ولا لأن يزيد مرتكب المحرمات وشارب الخمرة وقاتل النفس المحترمة وهادم الصلاة وتوليته تعني إمضاءً لتلك المحرمات وصيرورتها أمراً مباحاً من قبل المسلمين باعتبار أن الناس على دين ملوكهم.
تعليق