(( والفجر )) ::الظاهرة الوجودية ومُنطََبِقها الإمام المهدي/ع/:: ::الوجه الآخرلمفهوم الفجر قرآنيا::
=========================
في قراءةٌ معرفيّة وموضوعية في المفهوم والدلالة المفادية ::
==========================
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز
بسم الله الرحمن الرحيم
(( والفجر * وليالٍ عشر)) سورة الفجر /1/2.
في البداية لابد من المرور بالتفسيرالمعروف لغة وإصطلاحاً لظاهرة الفجر::
والذي هو مفهوم وجودي يُفصح عن بدء النهار تكوينيا وشرعيا وعلى اساسه تترتب أحكام فقهية كوجوب الصلاة فيه أعني صلاة الفجر
أو مثلا بدء الصيام منه في شهر رمضان الكريم
ومن هنا جاء قسم الله تعالى به إعلاناً عن عظمة الفجر وقيمته الوجودية في حياة الإنسان .
وظاهرة الفجر تُشكّل نحواً من القدرة الألهية الكبيرة في التصرف في عالم الوجود حيثُ يقوم تعالى بصرف الليل ببدء الفجر الصادق أول النهار وهذه هي القدرة العجيبة لله تعالى في تحريك الطبيعة بليلها ونهارها بلا تداخل ولاتسابق
كما ذكر تعالى
(( إنّ في خلق السموات والآرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب )) آل عمران/190.
فهذا التفسير هو الوجه المعروف والظاهر بحسب اللغة والإصطلاح:
فمثلما يستطيع الله تعالى صرف الليل بطلوع الفجر كذلك هو سبحانه قادرٌ على صرف الظلم والفساد بطلوع فجر العدل والقسط في نهاية المطاف الوجودي وعلى يد الإمام المهدي/ع/
ويقيناً أنّ قسم الله تعالى بظاهرة الفجر تأتي وفق مصالح وصلاحات وملاكات ومعايير تكوينية وأخلاقية ووجودية ترجع في معطياتها إلى مساحة الإنسان المستثمر لها عمليا.
أما الوجه الآخر لمفهوم الفجر فقد ورد في تحديده
عن ( الإمام الصادق عليه السلام ) في قوله عز وجل : " والفجر : قال/ع/
((هو القائم عليه السلام))
أي الإمام المهدي/ع/ في حال ظهوره الشريف وتمكنه من بسط فجر العدالة الألهية وجوديا وحياتيا
إنظر/إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب/الشيخ علي اليزدي الحائري/ج1/ص 97.
ومما يُساعد على قبول هذا التحديد المصداقي من قبل الإمام الصادق/ع/ في إمكانية إنطباق مفهوم (والفجر) على شخص الإمام المهدي/ع/ في حال ظهوره الشريف وبدء إطلالة وجودية جديدة متوشحة ببياض ونور العدل والقسط الألهيين
بعد ذهاب ظلام وليل الظلم والجورالبشري
هوسياقية الآيات التي تلت آية ((والفجر)) في تحديد مصاديقها أيضا عن الإمام الصادق/ع/حيث قال:
و ( الليالي العشر ) الأئمة عليهم السلام من الحسن (أي الحسن بن علي/ع/ ) إلى الحسن (أي الى الإمام الحسن العسكري/ع/)
و ( الشفع ) أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام ،
و ( الوتر ) هو الله وحده لا شريك له
( والليل إذا يسر ) هي دولة حبتر
(وحبتر اسم شخص ظالم معروف في صدر الإسلام
صار مثلا للتعبير الكنائي عن دول الظلم والجور البشري))
. فهي تسري إلى قيام القائم عليه السلام
وعلّق الشيخ المجلسي بيان فقال : لعل التعبير بالليالي عنهم عليهم السلام لبيان مغلوبيتهم واختفائهم خوفا من المخالفين
/إنظر/بحار الأنوار/المجلسي/ج24/ص78.
طبعا ومنها إختفاء وغيبة الإمام المهدي/ع/
والخوف سبب عقلاني في راجحيّة غيبته /ع/
والمؤيّد القوي لقبول تفسير سورة والفجر بكونها ترمز الى ظهور الإمام المهدي /ع/ وظفره ونشره لعدل الله تعالى في الآرض كما ينشر الفجر بياضه بعد ذهاب الليل في الأفاق الوجودية
هو أختلاف المفسرين في تفسير الآيتين بعد ((والفجر))
ففي قوله تعالى ( وليال عشر )
قال ابن عباس والحسن وعبد الله بن الزبير ومجاهد ومسروق والضحاك وابن زيد : وهي العشر الأول من ذي الحجة شرفها الله تعالى ليسارع الناس فيها إلى عمل الخير واتقاء الشر على طاعة الله في تعظيم ما عظم وتصغير ما صغره ، وينالون بحسن الطاعة الجزاء بالجنة .
وقال قوم : هي العشر من أول محرم ، والأول هو المعتمد .
وفي قوله تعالى ( والشفع والوتر )
قال ابن عباس وكثير من أهل العلم : الشفع الخلق بما له من الشكل والمثل ،
والوتر الخالق الفرد الذي لا مثل له ،
وقال الحسن : الشفع الزوج ،
والوتر الفرد من العدد ، كأنه تنبيه على ما في العدد من العبرة بما يضبط لأنه من المقادير التي يقع بها التعديل .
وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك : الشفع يوم النحر ، والوتر يوم عرفه ،
ووجه ذلك أن يوم النحر مشفع بيوم نحر بعده ،
وينفرد يوم عرفه بالموقف
وفي رواية أخرى عن ابن عباس ومجاهد ومسروق وأبي صالح : ،
أن الشفع الخلق ، والوتر الله تعالى .
وقال ابن زيد : الشفع والوتر كله من الخلق .
فقال عمران بن حصين : الصلاة فيها شفع وفيها وتر ،
وقال ابن الزبير : الشفع : اليومان الأولان من يوم النحر والوتر اليوم الثالث .
وفي رواية أخرى عن ابن عباس : الوتر آدم والشفع
/إنظر/التبيان/الطوسي/ج10/ص342.
وأيضا قد اختلف المفسرون في تفسير الليالي العشر إختلافا شديدا ومتبايناً
فذكروا احتمالات ليس لها دليل .
وهي كما يلي::
أ : الليالي العشر من أول ذي الحجة إلى عاشرها ، والتنكير للتفخيم .
ب : الليالي العشر من أول شهر محرم الحرام .
ج : العشر الأواخر من شهر رمضان وكل محتمل ، ولعل الأول أرجح .
وأما الشفع : فهو لغة ضم الشئ إلى مثله ، فلو قيل للزوج شفع ، لأجل انه يضم إليه مثله ، والمراد منه هو الزوج بقرينة قوله والوتر ،
وقد اختلفت كلمتهم فيما هو المراد من الشفع والوتر .
فقالوا::
1 . الشفع هو يوم النفر ،
والوتر يوم عرفة وإنما أقسم الله بهما لشرفهما .
2 . الشفع يومان بعد النحر ، والوتر هو اليوم الثالث .
3 . الوتر ما كان وترا من الصلوات كالمغرب والشفع ما كان شفعا منها .
إلى غير ذلك من الأقوال التي أنهاها الرازي إلى عشرين وجها ،
ويحتمل أن يكون المراد من الوتر هو الله سبحانه ، والشفع سائر الموجودات
/إنظر/الأقسام في القرآن الكريم/الشيخ جعفر السبحاني/ص155.
وقد إختلف المفسرون أيضا حتى في مكان نزولها ::
فحصل إختلاف في كونها مكية النزول أو مدنية
لا بل إنسحب الإختلاف حتى الى عدد آياتها
فقال الشيخ الطوسي في التبيان : ج 10 ص 340 : مكية في قول ابن عباس ،
وقال الضحاك : هي مدنية . وهي ثلاثون آية في الكوفي ، وتسع وعشرون في البصري ، واثنتان وثلاثون في المدنيين .
وفي الكشاف : ج 4 ص 746 : مكية ، وآياتها ( 30 )
/إنظر هامش تفسير جوامع الجامع/الطبرسي/ج3/ص779.
والذي يُساعدنا أيضا على قبول إنطباق مفهوم والفجر على ظهور الإمام المهدي/ع/ هو قوله تعالى
((هل في ذلك قَسمٌ لذي حِجرٍ))/الفجر/5.
والاستفهام هنا للتقرير ، والمعنى أن في ذلك الذي قدمناه قسماً كافيا لمن له عقل يفقه به القول ويميز الحق من الباطل ،
وإذا أقسم الله سبحانه بأمر - ولا يقسم إلا بما له شرف ومنزلة - كان من القول الحق المؤكد الذي لا ريب في صدقه
ولو قارنا وجوديا أيهما افضل عند الله تعالى وأشرف وأكرم منزلة هل ظاهرة الفجر الكونية والليالي العشر والشفع والوتر أم المعصومين /ع/ ومنهم محل الشاهد الإمام المهدي/ع/ فقطعا يكون المعصوم أشرف عند الله تعالى من الزمان والمكان ومن كل ظاهرة وجودية بدليل قوله تعالى :
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70.
فالمعصوم /ع/ أشرف حتى من الملائكة
هذا من جهة ومن جهة أخرى
على فرض التسليم بتفسير ((وليال عشر)) بالعشرالأوائل من ذي الحجة بإعتبارها أيام حج
ولكن لا أدري هل يعلم المفسرون أنّ الحج شُرّع متأخرا في المدينة بعد الهجرة النبوية الشريفة وهم أنفسهم إختلفوا في ماهيّة هذه الليال العشر أهي من ذي الحجة أم من المحرم أمن من رمضان فضلا عن إختلافهم في مكية نزول السورة أو مدنيتها وعدد آياتها
فكيف يتم قبول أنّ الليال العشر هي ليال عشر من ذي الحجة وهو شهر حج وفي نفس الوقت يقولون بنزولها في مكة
وهل هذا إلاّ تخبط وتناقض لايمكن قبوله معرفيا وعلميا؟
وحتى اليوم يذكرون في المصاحف القرآنية أنها مكيّة النزول؟
ثم اعترض بين القسم ((هل في ذلك قَسمٌ لذي حِجرٍ))/الفجر/5.
وجوابه بقوله :
(( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد ))الفجر/6:
وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتنبيه للكفار على ما فعله سبحانه بالأمم السالفة ، لما كفرت بالله وبأنبيائه ، وكانت أطول أعمارا ، وأشد قوة ، وعاد قوم هود.
إنظر/مجمع اليبان/الطبرسي/ج1/ص 349.
وهذا الإعتراض أي وقوع قوله تعالى
(( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد ))الفجر/6:
بين القسم في بداية السورة وجوابه المحذوف
هو الآخر يُشير الى حقيقة أبلغها الله تعالى بعد وقوعها تأريخيا وهي حقيقة وحتمية هلاك الظالمين مثل عاد وثمود وفرعون
وهذه الحقيقة المُبلَغة للنبي محمد/ص/ هي طمأنة قطعية بيقينية زوال الظالمين والمفسدين كما زالوا من قبل زمن رسول الله /ص/ وزالوا في وقته/ص/ وأعني الكفار والمشركين وفتح مكة وبالتالي نشر التوحيد
وكيف ما كان وبحسب الفهم الموضوعي القويم لمتن سورة الفجر وخاصة أوائل آياتها فهي ترمز لا بل تنص على حقيقة وحتمية إطلالة الفجر وظهوره سواء أكان الفجر بوصفه ظاهرة كونية يتحدد بها أول وقت للنهار أو الفجر بوصفه إطلالة الإمام المهدي/ع/ والتي يتحدد بها بدء تطبيق العدل الألهي الموعود بظهوره قرآنيا.
وباقي آيات سورة الفجر هي الأخرى تتحدث عن صور ظلم الظالمين عبر التأريخ ونتيجة هلاكهم بإذن الله تعالى
فلاحظ قوله تعالى
ألم تر كيف فعل ربك بعاد ( 6 ) إرم ذات العماد ( 7 ) التي لم يخلق مثلها في البلاد ( 8 ) وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ( 9 ) وفرعون ذي الأوتاد ( 10 ) الذين طغوا في البلاد ( 11 ) فأكثروا فيها الفساد ( 12 ) فصب عليهم ربك سوط عذاب ( 13 ) إن ربك لبالمرصاد ( 14 )
وآخيرا لايقول قائل هذا توظيف عقدي وآيديولوجي للنص القرآني وتطويعه في خدمة القضية المهدوية ::
لابل هو قراءة موضوعية جاءت تستنطق النص القرآني الشريف وفق مبررات عقلانية وموضوعية بمعزل عن الجانب السيكولوجي في المعرفة .
فتفسيرات المأثور من الجانب الآخر إبتعدت كثيرا ومن دون وعي عن مرادات وتأسيسات النص القرآني
ونحن نعتقد أنّ القرآن الكريم نزل بمنهج القضية الحقيقية لا بمنهج القضية الخارجية والتي ربما تتحيّث بحاضنة التأريخ وتبقى في أرشفة التدوين فحسب
بمعنى أنّ النص القرآني له من القدرة وبقوة ما يرفد جيل وإنسان كل وقت بما يحتاجه من عقيدة أو تشريع
وهذا هو معنى حجيّة القرآن الكريم وجوديا.
فالقرآن الكريم ليس هو كتاباً تأريخيا عابرا
ممكن الإستغناء عنه لا بل
القرآن الكريم هو كتاب وجود للإنسان
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف:
=========================
في قراءةٌ معرفيّة وموضوعية في المفهوم والدلالة المفادية ::
==========================
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز
بسم الله الرحمن الرحيم
(( والفجر * وليالٍ عشر)) سورة الفجر /1/2.
في البداية لابد من المرور بالتفسيرالمعروف لغة وإصطلاحاً لظاهرة الفجر::
والذي هو مفهوم وجودي يُفصح عن بدء النهار تكوينيا وشرعيا وعلى اساسه تترتب أحكام فقهية كوجوب الصلاة فيه أعني صلاة الفجر
أو مثلا بدء الصيام منه في شهر رمضان الكريم
ومن هنا جاء قسم الله تعالى به إعلاناً عن عظمة الفجر وقيمته الوجودية في حياة الإنسان .
وظاهرة الفجر تُشكّل نحواً من القدرة الألهية الكبيرة في التصرف في عالم الوجود حيثُ يقوم تعالى بصرف الليل ببدء الفجر الصادق أول النهار وهذه هي القدرة العجيبة لله تعالى في تحريك الطبيعة بليلها ونهارها بلا تداخل ولاتسابق
كما ذكر تعالى
(( إنّ في خلق السموات والآرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب )) آل عمران/190.
فهذا التفسير هو الوجه المعروف والظاهر بحسب اللغة والإصطلاح:
فمثلما يستطيع الله تعالى صرف الليل بطلوع الفجر كذلك هو سبحانه قادرٌ على صرف الظلم والفساد بطلوع فجر العدل والقسط في نهاية المطاف الوجودي وعلى يد الإمام المهدي/ع/
ويقيناً أنّ قسم الله تعالى بظاهرة الفجر تأتي وفق مصالح وصلاحات وملاكات ومعايير تكوينية وأخلاقية ووجودية ترجع في معطياتها إلى مساحة الإنسان المستثمر لها عمليا.
أما الوجه الآخر لمفهوم الفجر فقد ورد في تحديده
عن ( الإمام الصادق عليه السلام ) في قوله عز وجل : " والفجر : قال/ع/
((هو القائم عليه السلام))
أي الإمام المهدي/ع/ في حال ظهوره الشريف وتمكنه من بسط فجر العدالة الألهية وجوديا وحياتيا
إنظر/إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب/الشيخ علي اليزدي الحائري/ج1/ص 97.
ومما يُساعد على قبول هذا التحديد المصداقي من قبل الإمام الصادق/ع/ في إمكانية إنطباق مفهوم (والفجر) على شخص الإمام المهدي/ع/ في حال ظهوره الشريف وبدء إطلالة وجودية جديدة متوشحة ببياض ونور العدل والقسط الألهيين
بعد ذهاب ظلام وليل الظلم والجورالبشري
هوسياقية الآيات التي تلت آية ((والفجر)) في تحديد مصاديقها أيضا عن الإمام الصادق/ع/حيث قال:
و ( الليالي العشر ) الأئمة عليهم السلام من الحسن (أي الحسن بن علي/ع/ ) إلى الحسن (أي الى الإمام الحسن العسكري/ع/)
و ( الشفع ) أمير المؤمنين وفاطمة عليهما السلام ،
و ( الوتر ) هو الله وحده لا شريك له
( والليل إذا يسر ) هي دولة حبتر
(وحبتر اسم شخص ظالم معروف في صدر الإسلام
صار مثلا للتعبير الكنائي عن دول الظلم والجور البشري))
. فهي تسري إلى قيام القائم عليه السلام
وعلّق الشيخ المجلسي بيان فقال : لعل التعبير بالليالي عنهم عليهم السلام لبيان مغلوبيتهم واختفائهم خوفا من المخالفين
/إنظر/بحار الأنوار/المجلسي/ج24/ص78.
طبعا ومنها إختفاء وغيبة الإمام المهدي/ع/
والخوف سبب عقلاني في راجحيّة غيبته /ع/
والمؤيّد القوي لقبول تفسير سورة والفجر بكونها ترمز الى ظهور الإمام المهدي /ع/ وظفره ونشره لعدل الله تعالى في الآرض كما ينشر الفجر بياضه بعد ذهاب الليل في الأفاق الوجودية
هو أختلاف المفسرين في تفسير الآيتين بعد ((والفجر))
ففي قوله تعالى ( وليال عشر )
قال ابن عباس والحسن وعبد الله بن الزبير ومجاهد ومسروق والضحاك وابن زيد : وهي العشر الأول من ذي الحجة شرفها الله تعالى ليسارع الناس فيها إلى عمل الخير واتقاء الشر على طاعة الله في تعظيم ما عظم وتصغير ما صغره ، وينالون بحسن الطاعة الجزاء بالجنة .
وقال قوم : هي العشر من أول محرم ، والأول هو المعتمد .
وفي قوله تعالى ( والشفع والوتر )
قال ابن عباس وكثير من أهل العلم : الشفع الخلق بما له من الشكل والمثل ،
والوتر الخالق الفرد الذي لا مثل له ،
وقال الحسن : الشفع الزوج ،
والوتر الفرد من العدد ، كأنه تنبيه على ما في العدد من العبرة بما يضبط لأنه من المقادير التي يقع بها التعديل .
وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك : الشفع يوم النحر ، والوتر يوم عرفه ،
ووجه ذلك أن يوم النحر مشفع بيوم نحر بعده ،
وينفرد يوم عرفه بالموقف
وفي رواية أخرى عن ابن عباس ومجاهد ومسروق وأبي صالح : ،
أن الشفع الخلق ، والوتر الله تعالى .
وقال ابن زيد : الشفع والوتر كله من الخلق .
فقال عمران بن حصين : الصلاة فيها شفع وفيها وتر ،
وقال ابن الزبير : الشفع : اليومان الأولان من يوم النحر والوتر اليوم الثالث .
وفي رواية أخرى عن ابن عباس : الوتر آدم والشفع
/إنظر/التبيان/الطوسي/ج10/ص342.
وأيضا قد اختلف المفسرون في تفسير الليالي العشر إختلافا شديدا ومتبايناً
فذكروا احتمالات ليس لها دليل .
وهي كما يلي::
أ : الليالي العشر من أول ذي الحجة إلى عاشرها ، والتنكير للتفخيم .
ب : الليالي العشر من أول شهر محرم الحرام .
ج : العشر الأواخر من شهر رمضان وكل محتمل ، ولعل الأول أرجح .
وأما الشفع : فهو لغة ضم الشئ إلى مثله ، فلو قيل للزوج شفع ، لأجل انه يضم إليه مثله ، والمراد منه هو الزوج بقرينة قوله والوتر ،
وقد اختلفت كلمتهم فيما هو المراد من الشفع والوتر .
فقالوا::
1 . الشفع هو يوم النفر ،
والوتر يوم عرفة وإنما أقسم الله بهما لشرفهما .
2 . الشفع يومان بعد النحر ، والوتر هو اليوم الثالث .
3 . الوتر ما كان وترا من الصلوات كالمغرب والشفع ما كان شفعا منها .
إلى غير ذلك من الأقوال التي أنهاها الرازي إلى عشرين وجها ،
ويحتمل أن يكون المراد من الوتر هو الله سبحانه ، والشفع سائر الموجودات
/إنظر/الأقسام في القرآن الكريم/الشيخ جعفر السبحاني/ص155.
وقد إختلف المفسرون أيضا حتى في مكان نزولها ::
فحصل إختلاف في كونها مكية النزول أو مدنية
لا بل إنسحب الإختلاف حتى الى عدد آياتها
فقال الشيخ الطوسي في التبيان : ج 10 ص 340 : مكية في قول ابن عباس ،
وقال الضحاك : هي مدنية . وهي ثلاثون آية في الكوفي ، وتسع وعشرون في البصري ، واثنتان وثلاثون في المدنيين .
وفي الكشاف : ج 4 ص 746 : مكية ، وآياتها ( 30 )
/إنظر هامش تفسير جوامع الجامع/الطبرسي/ج3/ص779.
والذي يُساعدنا أيضا على قبول إنطباق مفهوم والفجر على ظهور الإمام المهدي/ع/ هو قوله تعالى
((هل في ذلك قَسمٌ لذي حِجرٍ))/الفجر/5.
والاستفهام هنا للتقرير ، والمعنى أن في ذلك الذي قدمناه قسماً كافيا لمن له عقل يفقه به القول ويميز الحق من الباطل ،
وإذا أقسم الله سبحانه بأمر - ولا يقسم إلا بما له شرف ومنزلة - كان من القول الحق المؤكد الذي لا ريب في صدقه
ولو قارنا وجوديا أيهما افضل عند الله تعالى وأشرف وأكرم منزلة هل ظاهرة الفجر الكونية والليالي العشر والشفع والوتر أم المعصومين /ع/ ومنهم محل الشاهد الإمام المهدي/ع/ فقطعا يكون المعصوم أشرف عند الله تعالى من الزمان والمكان ومن كل ظاهرة وجودية بدليل قوله تعالى :
{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً }الإسراء70.
فالمعصوم /ع/ أشرف حتى من الملائكة
هذا من جهة ومن جهة أخرى
على فرض التسليم بتفسير ((وليال عشر)) بالعشرالأوائل من ذي الحجة بإعتبارها أيام حج
ولكن لا أدري هل يعلم المفسرون أنّ الحج شُرّع متأخرا في المدينة بعد الهجرة النبوية الشريفة وهم أنفسهم إختلفوا في ماهيّة هذه الليال العشر أهي من ذي الحجة أم من المحرم أمن من رمضان فضلا عن إختلافهم في مكية نزول السورة أو مدنيتها وعدد آياتها
فكيف يتم قبول أنّ الليال العشر هي ليال عشر من ذي الحجة وهو شهر حج وفي نفس الوقت يقولون بنزولها في مكة
وهل هذا إلاّ تخبط وتناقض لايمكن قبوله معرفيا وعلميا؟
وحتى اليوم يذكرون في المصاحف القرآنية أنها مكيّة النزول؟
ثم اعترض بين القسم ((هل في ذلك قَسمٌ لذي حِجرٍ))/الفجر/5.
وجوابه بقوله :
(( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد ))الفجر/6:
وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وتنبيه للكفار على ما فعله سبحانه بالأمم السالفة ، لما كفرت بالله وبأنبيائه ، وكانت أطول أعمارا ، وأشد قوة ، وعاد قوم هود.
إنظر/مجمع اليبان/الطبرسي/ج1/ص 349.
وهذا الإعتراض أي وقوع قوله تعالى
(( ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد ))الفجر/6:
بين القسم في بداية السورة وجوابه المحذوف
هو الآخر يُشير الى حقيقة أبلغها الله تعالى بعد وقوعها تأريخيا وهي حقيقة وحتمية هلاك الظالمين مثل عاد وثمود وفرعون
وهذه الحقيقة المُبلَغة للنبي محمد/ص/ هي طمأنة قطعية بيقينية زوال الظالمين والمفسدين كما زالوا من قبل زمن رسول الله /ص/ وزالوا في وقته/ص/ وأعني الكفار والمشركين وفتح مكة وبالتالي نشر التوحيد
وكيف ما كان وبحسب الفهم الموضوعي القويم لمتن سورة الفجر وخاصة أوائل آياتها فهي ترمز لا بل تنص على حقيقة وحتمية إطلالة الفجر وظهوره سواء أكان الفجر بوصفه ظاهرة كونية يتحدد بها أول وقت للنهار أو الفجر بوصفه إطلالة الإمام المهدي/ع/ والتي يتحدد بها بدء تطبيق العدل الألهي الموعود بظهوره قرآنيا.
وباقي آيات سورة الفجر هي الأخرى تتحدث عن صور ظلم الظالمين عبر التأريخ ونتيجة هلاكهم بإذن الله تعالى
فلاحظ قوله تعالى
ألم تر كيف فعل ربك بعاد ( 6 ) إرم ذات العماد ( 7 ) التي لم يخلق مثلها في البلاد ( 8 ) وثمود الذين جابوا الصخر بالواد ( 9 ) وفرعون ذي الأوتاد ( 10 ) الذين طغوا في البلاد ( 11 ) فأكثروا فيها الفساد ( 12 ) فصب عليهم ربك سوط عذاب ( 13 ) إن ربك لبالمرصاد ( 14 )
وآخيرا لايقول قائل هذا توظيف عقدي وآيديولوجي للنص القرآني وتطويعه في خدمة القضية المهدوية ::
لابل هو قراءة موضوعية جاءت تستنطق النص القرآني الشريف وفق مبررات عقلانية وموضوعية بمعزل عن الجانب السيكولوجي في المعرفة .
فتفسيرات المأثور من الجانب الآخر إبتعدت كثيرا ومن دون وعي عن مرادات وتأسيسات النص القرآني
ونحن نعتقد أنّ القرآن الكريم نزل بمنهج القضية الحقيقية لا بمنهج القضية الخارجية والتي ربما تتحيّث بحاضنة التأريخ وتبقى في أرشفة التدوين فحسب
بمعنى أنّ النص القرآني له من القدرة وبقوة ما يرفد جيل وإنسان كل وقت بما يحتاجه من عقيدة أو تشريع
وهذا هو معنى حجيّة القرآن الكريم وجوديا.
فالقرآن الكريم ليس هو كتاباً تأريخيا عابرا
ممكن الإستغناء عنه لا بل
القرآن الكريم هو كتاب وجود للإنسان
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف:
تعليق