(( قراءة معرفيّة في ضرورة التعاطي العَقَدي والمنهجي مع الإمام المهدي(عليه السلام) في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المُبارك ))
================================================== ===
((منهاجيَّة دُعاء الإفتتاح إنموذجا))
==================
القسم الأول:
===========
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله المعصومين
ربي عجّل لوليك الإمام المهدي/ع/ الفرج وإجعلنا من أنصاره الواعين والعاملين بين يديه بحق محمد وآله المعصومين /ع/.
في البداية لابد من أن يَعرف الإنسان المؤمن أنّ دعاء الإفتتاح هو من الأدعية الصحيحة والمشهورة في المجاميع الروائية
وقد ذكره الشيخ الطوسي/قد/ في كتابه(تهذيب الأحكام)ج3/ص108.
وذكره أيضا السيد ابن طاووس الحسيني في كتابه (إقبال الأعمال)ج1:ص138.
وذكره أيضا المحدّث الجليل الثقة الشيخ عباس القمي في كتابه (مفاتيح الجنان)ص231.
وهو كآلآتي عن محمد بن أبي قرة باسناده فقال :
حدثني أبو الغنائم محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله الحسني
قال : أخبرنا أبو عمرو محمد بن محمد بن نصر السكوني رضي الله عنه ، قال :
سألت أبا بكر أحمد بن محمد بن عثمان البغدادي رحمه الله ان يخرج إلي أدعية شهر رمضان التي كان عمه أبو جعفر محمد بن عثمان بن السعيد العمري(السفير الثاني للإمام المهدي/ع/ في عصر الغيبة الصغرى) رضي الله عنه وارضاه يدعو بها ،
وهو قد أخذها عن الأمام المهدي/ع/ بإعتباره سفيرا شرعيا عنه.
فاخرج إلي دفترا مجلدا بأحمر ، فنسخت منه أدعية كثيرة وكان من جملتها : وتدعو بهذا الدعاء(أي دعاء الإفتتاح)
في كل ليلة من شهر رمضان ، فان الدعاء في هذا الشهر تسمعه الملائكة وتستغفر لصاحبه ، وهو :
((دعاء الإفتتاح))
((اللهم إني افتتح الثناء بحمدك وأنت مسدد للصواب بمنك ، وأيقنت انك ارحم الراحمين في موضع العفو والرحمة ،
وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة ، وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة .
اللهم أذنت لي في دعائك ومسألتك ، فاسمع يا سميع مدحتي ، واجب يا رحيم دعوتي ،
وأقل يا غفور عثرتي ، فكم يا الهي من كربة قد فرجتها ، وهموم ( 2 ) قد كشفتها ، وعثرة قد أقلتها ، ورحمة قد نشرتها ، وحلقة بلاء قد فككتها . إلخ:...............))
الدعاء طويل سأذكر مقدار الحاجة منه:
وممكن مراجعته كاملا في كتاب/إقبال الأعمال/السيد ابن طاووس /ج1/ص 138.
أوالكتاب الشهير/مفاتيح الجنان/للقمي/رحمه الله:
فتوجد في دعاء الأفتتاح الشريف مضامين إيمانية عقدية وسلوكية يرسمها الإمام المهدي/ع/ بصورة تتفق قيميا مع منهاجية القرآن الكريم في تربية الإنسان المؤمن والتي هي اليوم تمثل ضرورة
معنوية وإيمانية تشدُ الإنسان الى عالم الغيب والقدرة الحقة.
وسنشرع إن شاء الله تعالى في إستنطاق مفردات الدعاء وإستظهار دلالالتها الراقية بصورة وجيزة
تنفع المتلقي في ضرورة الأخذ بها في شهر رمضان شهر الأنفتاح على الله تعالى .
فأول فقرة يبدأ بها الإمام المهدي/ع/ هي قوله /ع/
((أللهم إني افتتح الثناء بحمدك وأنت مسدد للصواب بمنك ، وأيقنت انك ارحم الراحمين في موضع العفو والرحمة ، وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة ، وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة .
اللهم أذنت لي في دعائك ومسألتك ، فاسمع يا سميع مدحتي ، واجب يا رحيم دعوتي ،
وأقل يا غفور عثرتي ، فكم يا الهي من كربة قد فرجتها ، وهموم ( 2 ) قد كشفتها ، وعثرة قد أقلتها ، ورحمة قد نشرتها ، وحلقة بلاء قد فككتها . ))
بمعنى أنّ الإمام المهدي/ع/ يُريد أن يضع لنا منهاجا أخلاقيا وسلوكيا تبدأ نقطة الأنطلاقة فيه من حمد الله تعالى وشكره باللسان على جميل ما أعطانا سبحانه من نعمه الوافره علينا وأهمها نعمة الوجود والحياة
ولزوم ذكر اسم الله المقدس كقولنا في حركتنا الوجودية دائما (بسم الله الرحمن الرحيم)
أو(لاحول ولاقوة إلاّ بالله)
والروايات الصحيحة أكدت على لزوم البدء في الحركة الوجودية البشرية حياتيا بذكر اسم الله تعالى
ففي الحديث الشريف
((كل أمر لايُبدَءُ فيه بذكر الله فهو ابتر))
راجع ( بحار الأنوار ) /المجلسي /الجزء 76 : ص 35 الحديث /1 /باب الافتتاح بالتسمية
ومعنى الأبترية هنا عدم توفيق الشخص الذي يتخلى عن ذكر الله فيتركه الله وشأنه فلايصل في النهاية الى مقصده أورضا الله تعالى فتكون حركته عرجاء مبتورة لاتمكنه من الثبات على الصراط المستقيم
طبعا والذكر هنا ليس باللفظ فحسب لا بل اللفظ طريقا للسير والوعي لمنهج الله تعالى للإنسان في هذه الحياة.
وأما قول الإمام المهدي/ع/(وأنتَ مُسددٌ للصواب بِمنِكَ)
فالمقصود به القطع العقلي والقلبي بأنّ الله تعالى يُمكّن الإنسان المؤمن المُتحرك نحوه سبحانه من المسك الفعلي بأسباب وآليات الوصول الى الحق والهداية الفعلية
فالله تعالى قد نص على هذه الحقيقة العقدية والإيمانية في كتابه العزيز
{وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }إبراهيم12
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69
فتسديد الله تعالى لعبده الصالح هو فضل منه تعالى ومنٌ كريم
فلاجبر ولاتفويض في حركة الإنسان نحو ربه تعالى
بل هو منٌ وتوفيق إلهي.
وهاتان الفقرتان ((أللهم إني افتتح الثناء بحمدك وأنت مسدد للصواب بمنك ))
هما حقيقة وواقعا حجرا الأساس الوجودي للإنسان وتكامله في هذه الحياة
ومنهما تبدأ تنشئة المجتمع الصالح والذي سيتحقق يقينا في آخر الزمان وعند ظهور الإمام المهدي/ع/
أما نحن اليوم ومن قبل فقد إبتعدنا عن تلك المرتكزات التأسيسية لكيانية المجتمع الصالح فأسهمنا بشكل أو آخر في تأخير الفرج للإمام/ع/.
والمهم أن نعمل جاهدين في شهر رمضان الفضيل شهر العودة الروحية والمعنوية على إسترجاع مضامين منهاج دعاء الإفتتاح أو مضامين منهاج القرآن بصورة عامة
كي نُسهم ولوبالحد الأدنى وذلك أضعف الإيمان بتعجيل الفرج لإمامنا المهدي/ع/
وحين يقول الإمام المهدي/ع/
((وأيقنت انك ارحم الراحمين في موضع العفو والرحمة ، وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة ، وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة . ))
فهو/ع/ هنا يطرح ثلاثية عقدية قطعية في وعيها ومعطياتها العملية
وهذه الثلاثية العقدية تنص على أن يفهم الإنسان المؤمن والذي قد يتماهل أو يغفل في حركته نحو الله
فعليه أن لاييأس أو يترك السير وينحى منحنى آخر أجنبي عن صراط الله
لا بل عليه أن يكمل ما بدأَ به ويتوب توبة نصوحة وخصوصا في شهر رمضان شهر الإختبار الفعلي للصائم وتزكية بدنه وروحه وترميم سلوكه وخُلقه من جديد بعد أن تشوهت حركته في الشهور السالفة من السنة.
ومفردة
((وأيقنت انك ارحم الراحمين في موضع العفو والرحمة))
هي مفردة مُساوقة قيميا لقوله تعالى
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى }طه8
وقوله/ع/:
((وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة))
هي الآخرة واحدة من ثلاثية إيمانية تنص على ضرورة الحذر من الله تعالى وإدراك أنه سبحانه يُعاقب
من يخترق حرمته وحقوقه تعالى.
فالإنسان غالبا ما يستغل حلم الله (مع المسامحة في التعبير) وينسى أنّ الله تعالى بقدر ما هو حليم هو عز وجل شديد العقاب في حال تجري الإنسان على مناطق الحرام العقدية والشرعية كالكفر وأو إستحلال ما حرّم الله تعالى.
وهذه حقيقة بينها الله تعالى في كتابه الحكيم فقال:
{اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة98
فلاحظوا أحبتي مدى التوازن الحقوقي والقيمي والنظامي في تعاطي الله تعالى في حسابه وجزاءه مع الناس.
فالأمام المهدي/ع/ نبه على هذه الحقيقة وأدغمها قيمة سرمدية في دعاءه الشريف (دعاء الإفتتاح)
فليلتفت الإنسان المؤمن الى تلك الحقيقة فقراءة الدعاء ليست هي نطق بصوت حسن لكلمات عابرة لا بل هي وعي وفهم وإدراك لما وراء الألفاظ من معاني وقصود يُنشئها المعصوم/ع/ في كيفية تعاطيه مع ربه سبحانه.
((وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة . ))
وهذه المفردة الثالثة هي الأخرى تضع عند الإنسان القاريء والمدرك لها وعيا جديدا بأنّ خالقه أعظم من غيره مطلقا وترفده بطمئنة بأنه يعبد رباً قويا وملكاً جبارا قاهر كل شيْ
مما تقوي من عزيمة وحركة الإنسان في مناشطه ومع أشيائه البشرية.
فلاخوف من الظالمين والمتجبرين لطالما جبار السموات والأرض هو أعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة.
وعند ما تقرأ هذه العبارة ::
((اللهم أذنت لي في دعائك ومسألتك ، فاسمع يا سميع مدحتي ، واجب يا رحيم دعوتي ،
وأقل يا غفور عثرتي ، فكم يا الهي من كربة قد فرجتها ، وهموم ( 2 ) قد كشفتها ، وعثرة قد أقلتها ، ورحمة قد نشرتها ، وحلقة بلاء قد فككتها))
تجد أنّ الإمام المهدي/ع/ يُريدُ لنا كما يُريدُ الله تعالى ذلك منا أيضا في أن نتحرك في سيرنا نحوالله تعالى بصورة الدعاء والإستعانة واللتان هما بابان من أبواب الله المفتوحة دوما للسائرين إليه تعالى
فلاينبغي للفرد المؤمن أن يتكل على نفسه ناسيا ربه وغير داعيا له .
فهذه المفردة تبث الثقة بالله تعالى في نفس المؤمن مُذكّرةً الإنسان بأنّ الله تعالى هو القادر لوحده
على إقالة ودفع العثرات البشرية في حركتها نحو ربها (وأقل يا غفور عثرتي)
ومَن غير الله تعالى يقدر على ذلك؟
إلاّ هو سبحانه.
فهو من بيده تفريج الكربات وكشف المهمات ونشر الرحمات وتفكيك البلاءات
وهنا حريٌ بنا كمعتقدين بإمام وقتنا الغائب الحجة المهدي/ع/ أن نكثف من الدعاء الخالص والصادق
بتفريج كربة إمامنا المهدي/ع/ ورفع الغيبة الكبرى عنه وتعجيل فرجه الشريف
فهذا هو التعاطي العقدي والإيماني مع إمامة إمامنا المهدي/ع/ ولاسيما في شهر رمضان الذي تفتح فيه أبواب الدعاء وتتحقق فيه الإستجابة.
حيث قال رسول الله /ص/ في خطبته الشهيرة قبل شهر رمضان مذكرا بذلك.
((وتوبوا الى الله من ذنوبكم فارفعوا اليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلاتكم فانها أفضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة الى عباده يجيبهم اذا ناجوه ويلبيهم اذا نادوه ويعطيهم اذا سألوه،
ويستجيب لهم اذا دعوه. يا أيها الناس ان انفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، ))إنظر/الأمالي/الصدوق/ص154.
(يتبع القسم الثاني)
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف/
================================================== ===
((منهاجيَّة دُعاء الإفتتاح إنموذجا))
==================
القسم الأول:
===========
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله المعصومين
ربي عجّل لوليك الإمام المهدي/ع/ الفرج وإجعلنا من أنصاره الواعين والعاملين بين يديه بحق محمد وآله المعصومين /ع/.
في البداية لابد من أن يَعرف الإنسان المؤمن أنّ دعاء الإفتتاح هو من الأدعية الصحيحة والمشهورة في المجاميع الروائية
وقد ذكره الشيخ الطوسي/قد/ في كتابه(تهذيب الأحكام)ج3/ص108.
وذكره أيضا السيد ابن طاووس الحسيني في كتابه (إقبال الأعمال)ج1:ص138.
وذكره أيضا المحدّث الجليل الثقة الشيخ عباس القمي في كتابه (مفاتيح الجنان)ص231.
وهو كآلآتي عن محمد بن أبي قرة باسناده فقال :
حدثني أبو الغنائم محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله الحسني
قال : أخبرنا أبو عمرو محمد بن محمد بن نصر السكوني رضي الله عنه ، قال :
سألت أبا بكر أحمد بن محمد بن عثمان البغدادي رحمه الله ان يخرج إلي أدعية شهر رمضان التي كان عمه أبو جعفر محمد بن عثمان بن السعيد العمري(السفير الثاني للإمام المهدي/ع/ في عصر الغيبة الصغرى) رضي الله عنه وارضاه يدعو بها ،
وهو قد أخذها عن الأمام المهدي/ع/ بإعتباره سفيرا شرعيا عنه.
فاخرج إلي دفترا مجلدا بأحمر ، فنسخت منه أدعية كثيرة وكان من جملتها : وتدعو بهذا الدعاء(أي دعاء الإفتتاح)
في كل ليلة من شهر رمضان ، فان الدعاء في هذا الشهر تسمعه الملائكة وتستغفر لصاحبه ، وهو :
((دعاء الإفتتاح))
((اللهم إني افتتح الثناء بحمدك وأنت مسدد للصواب بمنك ، وأيقنت انك ارحم الراحمين في موضع العفو والرحمة ،
وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة ، وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة .
اللهم أذنت لي في دعائك ومسألتك ، فاسمع يا سميع مدحتي ، واجب يا رحيم دعوتي ،
وأقل يا غفور عثرتي ، فكم يا الهي من كربة قد فرجتها ، وهموم ( 2 ) قد كشفتها ، وعثرة قد أقلتها ، ورحمة قد نشرتها ، وحلقة بلاء قد فككتها . إلخ:...............))
الدعاء طويل سأذكر مقدار الحاجة منه:
وممكن مراجعته كاملا في كتاب/إقبال الأعمال/السيد ابن طاووس /ج1/ص 138.
أوالكتاب الشهير/مفاتيح الجنان/للقمي/رحمه الله:
فتوجد في دعاء الأفتتاح الشريف مضامين إيمانية عقدية وسلوكية يرسمها الإمام المهدي/ع/ بصورة تتفق قيميا مع منهاجية القرآن الكريم في تربية الإنسان المؤمن والتي هي اليوم تمثل ضرورة
معنوية وإيمانية تشدُ الإنسان الى عالم الغيب والقدرة الحقة.
وسنشرع إن شاء الله تعالى في إستنطاق مفردات الدعاء وإستظهار دلالالتها الراقية بصورة وجيزة
تنفع المتلقي في ضرورة الأخذ بها في شهر رمضان شهر الأنفتاح على الله تعالى .
فأول فقرة يبدأ بها الإمام المهدي/ع/ هي قوله /ع/
((أللهم إني افتتح الثناء بحمدك وأنت مسدد للصواب بمنك ، وأيقنت انك ارحم الراحمين في موضع العفو والرحمة ، وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة ، وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة .
اللهم أذنت لي في دعائك ومسألتك ، فاسمع يا سميع مدحتي ، واجب يا رحيم دعوتي ،
وأقل يا غفور عثرتي ، فكم يا الهي من كربة قد فرجتها ، وهموم ( 2 ) قد كشفتها ، وعثرة قد أقلتها ، ورحمة قد نشرتها ، وحلقة بلاء قد فككتها . ))
بمعنى أنّ الإمام المهدي/ع/ يُريد أن يضع لنا منهاجا أخلاقيا وسلوكيا تبدأ نقطة الأنطلاقة فيه من حمد الله تعالى وشكره باللسان على جميل ما أعطانا سبحانه من نعمه الوافره علينا وأهمها نعمة الوجود والحياة
ولزوم ذكر اسم الله المقدس كقولنا في حركتنا الوجودية دائما (بسم الله الرحمن الرحيم)
أو(لاحول ولاقوة إلاّ بالله)
والروايات الصحيحة أكدت على لزوم البدء في الحركة الوجودية البشرية حياتيا بذكر اسم الله تعالى
ففي الحديث الشريف
((كل أمر لايُبدَءُ فيه بذكر الله فهو ابتر))
راجع ( بحار الأنوار ) /المجلسي /الجزء 76 : ص 35 الحديث /1 /باب الافتتاح بالتسمية
ومعنى الأبترية هنا عدم توفيق الشخص الذي يتخلى عن ذكر الله فيتركه الله وشأنه فلايصل في النهاية الى مقصده أورضا الله تعالى فتكون حركته عرجاء مبتورة لاتمكنه من الثبات على الصراط المستقيم
طبعا والذكر هنا ليس باللفظ فحسب لا بل اللفظ طريقا للسير والوعي لمنهج الله تعالى للإنسان في هذه الحياة.
وأما قول الإمام المهدي/ع/(وأنتَ مُسددٌ للصواب بِمنِكَ)
فالمقصود به القطع العقلي والقلبي بأنّ الله تعالى يُمكّن الإنسان المؤمن المُتحرك نحوه سبحانه من المسك الفعلي بأسباب وآليات الوصول الى الحق والهداية الفعلية
فالله تعالى قد نص على هذه الحقيقة العقدية والإيمانية في كتابه العزيز
{وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }إبراهيم12
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69
فتسديد الله تعالى لعبده الصالح هو فضل منه تعالى ومنٌ كريم
فلاجبر ولاتفويض في حركة الإنسان نحو ربه تعالى
بل هو منٌ وتوفيق إلهي.
وهاتان الفقرتان ((أللهم إني افتتح الثناء بحمدك وأنت مسدد للصواب بمنك ))
هما حقيقة وواقعا حجرا الأساس الوجودي للإنسان وتكامله في هذه الحياة
ومنهما تبدأ تنشئة المجتمع الصالح والذي سيتحقق يقينا في آخر الزمان وعند ظهور الإمام المهدي/ع/
أما نحن اليوم ومن قبل فقد إبتعدنا عن تلك المرتكزات التأسيسية لكيانية المجتمع الصالح فأسهمنا بشكل أو آخر في تأخير الفرج للإمام/ع/.
والمهم أن نعمل جاهدين في شهر رمضان الفضيل شهر العودة الروحية والمعنوية على إسترجاع مضامين منهاج دعاء الإفتتاح أو مضامين منهاج القرآن بصورة عامة
كي نُسهم ولوبالحد الأدنى وذلك أضعف الإيمان بتعجيل الفرج لإمامنا المهدي/ع/
وحين يقول الإمام المهدي/ع/
((وأيقنت انك ارحم الراحمين في موضع العفو والرحمة ، وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة ، وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة . ))
فهو/ع/ هنا يطرح ثلاثية عقدية قطعية في وعيها ومعطياتها العملية
وهذه الثلاثية العقدية تنص على أن يفهم الإنسان المؤمن والذي قد يتماهل أو يغفل في حركته نحو الله
فعليه أن لاييأس أو يترك السير وينحى منحنى آخر أجنبي عن صراط الله
لا بل عليه أن يكمل ما بدأَ به ويتوب توبة نصوحة وخصوصا في شهر رمضان شهر الإختبار الفعلي للصائم وتزكية بدنه وروحه وترميم سلوكه وخُلقه من جديد بعد أن تشوهت حركته في الشهور السالفة من السنة.
ومفردة
((وأيقنت انك ارحم الراحمين في موضع العفو والرحمة))
هي مفردة مُساوقة قيميا لقوله تعالى
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى }طه8
وقوله/ع/:
((وأشد المعاقبين في موضع النكال والنقمة))
هي الآخرة واحدة من ثلاثية إيمانية تنص على ضرورة الحذر من الله تعالى وإدراك أنه سبحانه يُعاقب
من يخترق حرمته وحقوقه تعالى.
فالإنسان غالبا ما يستغل حلم الله (مع المسامحة في التعبير) وينسى أنّ الله تعالى بقدر ما هو حليم هو عز وجل شديد العقاب في حال تجري الإنسان على مناطق الحرام العقدية والشرعية كالكفر وأو إستحلال ما حرّم الله تعالى.
وهذه حقيقة بينها الله تعالى في كتابه الحكيم فقال:
{اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة98
فلاحظوا أحبتي مدى التوازن الحقوقي والقيمي والنظامي في تعاطي الله تعالى في حسابه وجزاءه مع الناس.
فالأمام المهدي/ع/ نبه على هذه الحقيقة وأدغمها قيمة سرمدية في دعاءه الشريف (دعاء الإفتتاح)
فليلتفت الإنسان المؤمن الى تلك الحقيقة فقراءة الدعاء ليست هي نطق بصوت حسن لكلمات عابرة لا بل هي وعي وفهم وإدراك لما وراء الألفاظ من معاني وقصود يُنشئها المعصوم/ع/ في كيفية تعاطيه مع ربه سبحانه.
((وأعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة . ))
وهذه المفردة الثالثة هي الأخرى تضع عند الإنسان القاريء والمدرك لها وعيا جديدا بأنّ خالقه أعظم من غيره مطلقا وترفده بطمئنة بأنه يعبد رباً قويا وملكاً جبارا قاهر كل شيْ
مما تقوي من عزيمة وحركة الإنسان في مناشطه ومع أشيائه البشرية.
فلاخوف من الظالمين والمتجبرين لطالما جبار السموات والأرض هو أعظم المتجبرين في موضع الكبرياء والعظمة.
وعند ما تقرأ هذه العبارة ::
((اللهم أذنت لي في دعائك ومسألتك ، فاسمع يا سميع مدحتي ، واجب يا رحيم دعوتي ،
وأقل يا غفور عثرتي ، فكم يا الهي من كربة قد فرجتها ، وهموم ( 2 ) قد كشفتها ، وعثرة قد أقلتها ، ورحمة قد نشرتها ، وحلقة بلاء قد فككتها))
تجد أنّ الإمام المهدي/ع/ يُريدُ لنا كما يُريدُ الله تعالى ذلك منا أيضا في أن نتحرك في سيرنا نحوالله تعالى بصورة الدعاء والإستعانة واللتان هما بابان من أبواب الله المفتوحة دوما للسائرين إليه تعالى
فلاينبغي للفرد المؤمن أن يتكل على نفسه ناسيا ربه وغير داعيا له .
فهذه المفردة تبث الثقة بالله تعالى في نفس المؤمن مُذكّرةً الإنسان بأنّ الله تعالى هو القادر لوحده
على إقالة ودفع العثرات البشرية في حركتها نحو ربها (وأقل يا غفور عثرتي)
ومَن غير الله تعالى يقدر على ذلك؟
إلاّ هو سبحانه.
فهو من بيده تفريج الكربات وكشف المهمات ونشر الرحمات وتفكيك البلاءات
وهنا حريٌ بنا كمعتقدين بإمام وقتنا الغائب الحجة المهدي/ع/ أن نكثف من الدعاء الخالص والصادق
بتفريج كربة إمامنا المهدي/ع/ ورفع الغيبة الكبرى عنه وتعجيل فرجه الشريف
فهذا هو التعاطي العقدي والإيماني مع إمامة إمامنا المهدي/ع/ ولاسيما في شهر رمضان الذي تفتح فيه أبواب الدعاء وتتحقق فيه الإستجابة.
حيث قال رسول الله /ص/ في خطبته الشهيرة قبل شهر رمضان مذكرا بذلك.
((وتوبوا الى الله من ذنوبكم فارفعوا اليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلاتكم فانها أفضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة الى عباده يجيبهم اذا ناجوه ويلبيهم اذا نادوه ويعطيهم اذا سألوه،
ويستجيب لهم اذا دعوه. يا أيها الناس ان انفسكم مرهونة بأعمالكم ففكوها باستغفاركم، ))إنظر/الأمالي/الصدوق/ص154.
(يتبع القسم الثاني)
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف/
تعليق