صفات رجل الدين
أعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
توكلت على الله رب العالمين
وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
أعوذ بالله من الشيطان اللعين الرجيم
توكلت على الله رب العالمين
وصلى الله على خير خلقه محمد وآله أجمعين
بسم الله الرحمن الرحيم
كأني منذ فترة لم أتعرض إلى أمر خارج المادة الفقهية، فوددت الآن التعرض إلى شيء من ذلك:
أنا كنت مقتنعا إلى مدة قريبة على أن خطب الجمعة كافية في الموعظة للحوزة وغير الحوزة، ولكن طبعاً هذا قابل للمناقشة, لأن التركيز في الدرس أو شبه الدرس سوف يكون اكثر, ونحن نعرف أن الموعظة في داخل الحوزة ينبغي أن تختلف عنها في خارج الحوزة, وخطبة الجمعة مهما تكن هي في خارج الحوزة وليست في داخل الحوزة، وهذا ينبغي أن يكون واضحاً.
أنتم لا ادري تلاحظون أو لا تلاحظون, وهذه فكرة قلما يتطرق إليها، أن فرص الطاعة لله سبحانه وتعالى ليست متوفرة على حد سواء للناس, أو قل للمخلوقين عموماً والبشر خصوصاً, زيد من الناس فرصُهُ مثلاً عشرة، عمر اثنا عشر، سعيد عشرون. على كل حال كلها تصرفاً حسناً, مجرد المقتضي أو الفرصة باللغة الحديثة.
مثلاً: ــ وهذا ينبغي أن يكون واضحاًــ إن المجتهد له فرصة في طاعة الله بصفته مجتهداً يفقدها طبعاً كل غير المجتهدين وهم اكثر البشرية سبحان الله، مثلا الغني له فرصة في طاعة الله بصفته متمولاً، في حين أن الفقير ليس له فرصة في طاعة الله من هذه الناحية, والعكس أيضاً صحيح سبحان الله, الفقير له فرصة في طاعة الله وهو الصبر والرضا وكذا غير موجودة في الغني, وهكذا كل واحد له فرصته الخاصة به, وبعضه نستطيع القول: يتوفر في بعض الأفراد اكثر, وبعضه يتوفر في بعض الأفراد أقل ...الخ.
أما أن تنزل مسألة إلى حيز التطبيق حقيقة، فهذا ليس لا يدخل في ضمن كلامي, إنما هو كل واحد حسب اختياره، ونستطيع أن نقول حسب وعيه وشعوره بالمسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى ليس اكثر من ذلك.
إذا لاحظنا هذا الشيء فنستطيع أن نقول: إن فرص طاعة الله سبحانه وتعالى بالنسبة إلى الحوزة, اكثر من أي مجموعة أخرى على الإطلاق، وهذا من النعم في الحقيقة من النعم الجسيمة من الله سبحانه وتعالى، إن اقتضاء الطاعة المعطى الى الحوزة اكثر بكثير من اقتضاءات الطاعة المعطاة لأي واحد من البشر من مسلم وكافر وسني وملحد وغني وفقير ومريض وصحيح, لا توجد فرصة أخرى أحسن ذهبية منها للحصول على مدارج الآخرة وحسن الثواب في الحقيقة, لكنه طبعا ــ هذا أيضا ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار ــ كلما كثرت الفرص كانت المسؤولية أزيد, من قبيل هذا الذي قلته اكثر من مرة كان بعض أساتذتي يقول : ( نضعه على المزلق ونقول له لا تنزلق ), أنا أزيد على ذلك انه نأتي بمزلق أولا أملس, وثانيا مطلي بالدهن ونقل له لا تنزلق, ليس مزلق خشن بحيث يمكن التمسك به, ولكن فيه اقتضاء الانزلاق مائة بالمائة, لأنه الحمد لله هذا الدهن موجود في داخل النفس وهو النفس الأمارة بالسوء, إن لم أكن أريد الزلق فازلق على كل حال, وكلما كانت المسؤولية أزيد, كان الزلق احتماله اكثر (و إذا فسد العالِم فسد العالَم ) بطبيعة الحال ــ محل الشاهد ــ .
فالفرص المعطاة للحوزة كثيرة ربما بمعنى من المعاني فوق حد الإحصاء، ولكنه أنا كتبت لكم هنا عشرة عناوين عامة ليس على نحو الحصر أيضا، من فرص الطاعة والثواب لرجل الدين وللحوزة عموماً، بل يمكن أن نتساءل انه ما هي الفرص غير المفتوحة للحوزة؟.
بمعنى من المعاني, وان كان إلى حد ما به تجوز أو شيء منالمجاز, إن كل فرص الطاعة مفتوحة للحوزة, ليس هناك فرصة طاعة غير مفتوحة للحوزة إلا نادراً، لأنه يوجد بعض الأمور التي هي غير مفتوحة ــ لها باب وجواب ــ ربما أن صاحب الزمان D يتكفلها, هو الذي تكون مفتوحة له كل فرص الطاعة على الإطلاق، لكن هذا لا يعني انه بالتقريب كل فرص الطاعة مفتوحة للحوزة, ودائما سبحان الله, وإنما تغلق حبيبي, لأنها قصرت فتمتحن وتعاقب, فتجر إذنها بالإغلاق, وإلا بمقتضى القاعدة الطبيعية إنها دائما موجودة, ولولا التقصير لبقيت موجودة باستمرار, ولكثرت باستمرار، ولكنه طبعاً عندما لا يكونوا معصومين من اكبر واحد إلى اصغر واحد ماذا يريد أن يصير الإنسان, لأنها مسؤولية كبيرة جداً فتحتاج إلى دقة كبيرة جدا, وليس واحد منا حتى سيد محمد الصدر بدقيق، لكن الأثر الوضعي يحصل، الخطأ ينتج أثرا وضعيا بكل تأكيد سواءا رضينا أم أبينا، افترضوا أننا معذورون تكليفاً أمام الله سبحانه وتعالى, محل الشاهد .
العشرة (عناوين التي ذكرت في بداية البحث) ما هي, نحمل عنها فكرة ولو مختصرة نسبياً, لأن الوقت لا يسع طبعاً:
أولا: العبادة الشخصية, وهذا موجود طبعا لكل واحد منا على مستوى الواجبات, وعلى مستوى المستحبات, وعلى مستوى المكروهات, سنقول إن المحرمات كلها توصلية على العين والرأس, ولكنها مع ذلك إن تركت قربة الى الله, أيضا هي عبادة, وإذا كانت المسألة اكثر طبعا, القدم الآخر إننا نجعل أعمالنا بنية, كما في الرواية , الرسول 9 يقول لأبي ذر : (اجعل كل عملك بنية), أي قربة الى الله سبحانه وتعالى حتى الأكل وشرب الماء, مثلا زيارة الصديق إذا كانت ليست بنية توقف, لا حاجة الى العمل الذي ليس بنية, لأنه فيه طلب للدنيا, كله بنية وإلا فلا, أو انه من قبيل الدقة الأخرى انه (إذا كنت لا ترى الله فهو يراك), فأنت دائما باستمرار اذكر الله بهذا المعنى, ( فان لم تكن تراه فهو يراك ) وهو فوقك ومسيطر عليك ومدبر لأمرك... الخ، إن لم تكن تخاف جهنم، ربما جملة منهم يثقون بطاعاتهم على العين والرأس، ولكنه (تنافسوا في درجات الجنان) يوجد بها رواية انه : (كلكم في الجنة، ولكن تنافسوا في درجاتها) فهل واحد منا يتنافس في درجات الجنان، وهل أن درجات الجنان تنال بهذا الذي نحن فيه حاشا لله هذا ليس عدلاً، ربما رحمة بدون استحقاق جل جلاله ممكن أن يعطيها، إما الاستحقاق غير موجود, الا أن نغير من أنفسنا تغييراً جذريا بطبيعة الحال.
والقدم الآخر في العبادة هذا أيضا موجود ما مضمونه: انه اجعل الباطن والظاهر كله مكرسا لله, حتى أفكارك مكرسة لله, وحتى قلبك وحبك وبغضك وكراهتك وميلك كله مكرسا لله سبحانه وتعالى, فهل سيد محمد الصدر وزيد وعبيد هكذا، أو لا طبعاً يكونون من المتقين [وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ][[1]]، أما إذا لم يكن متقياًَ فليس له عاقبة, طبعاً أنا معبر بهذا التعبير اكثر من مرة انه يغسل بالحمام الحار, ثم يدخل الى الجنة حتى ينظف, لا يجوز أن يدخل الجنة وسخا, فهل يرضى واحد منا أو غيرنا أن يدخل في جهنم مقدمة للجنة كأنما ضلةٌ في عقله, أو قصور في تفكيره أكيدا, مضافا الى انه لا يتحمل من جهنم ولا طرفة عين, يستغيث ولا يغاث على كل حال.
ثانيا : حسن العلاقات مع الآخرين في طاعة الله, وهذا أيضا واضح سواءا في داخل الحوزة أو في خارجها, وسواءا على المستويات الاعتيادية الفقهية, نستطيع أن نسميها بمعنى انه لا تظلم احد حقيقة , لا تظلم أحدا لان الظلم حرام عموما لا أقول بكل درجاته ولكن مسحته العامة نستطيع أن نسميه, أو غالب أفراده أو 99% منه حراماً بطبيعة الحال هذا من هذه الناحية, أو الأكثر من ذلك وهو قوله تعالى [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ][[2]], إخوة يعني ماذا ؟ أي أخوة في الله سبحانه وتعالى وإخوة في الإيمان وليس هذا مجازاً [إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة] أنت إذا لم تشعر (لاحظوا) إذا لم تشعر أنك أخ لصاحبك, ففي المسألة يوجد نقص، وإلا لو كنت على حق الإيمان وهو على حق الإيمان, أذن أنتم أخوة وتعلمون إن الله تعالى قال في القرآن هكذا، أما إذا لم تكونوا أخوة حقيقة إذن يوجد نقص، أما أنت لست مؤمناً، وأما زيد أو عمرو ليس مؤمنا يوجد نقص في أحدكم أو نقص في كليكما، وإلا لو كان الإيمان بدرجة معتداً به موجوداً في كلا القلبين وفي كلا النفسين، فلماذا لا تكونوا إخوة إنما ينص القرآن على إنكما اخوين وليس اخوين فقط, وان كان هذا هو الصورة الظاهرية التي أعلنها رسول الله 9آخى بين اثنين اثنين, هذا أقصى ما كان يتحمل المجتمع, وإلا بالحقيقة إذا كانوا كلهم مؤمنينمليون واحد مليونأخ , ولماذا لا كلُّهم أخوة, وعلى مستوى واحد وعلى مستوى مؤكد ومشدد, وكل واحد من المليون مستعد أن يضحي في سبيل أي واحد من الباقين بنفسه ونفيسه، ولماذا لا سبحان الله، على كل حال نفترض أن بالمليون مبالغة, لان الوضع العالمي الآن لا يتحمل هذا الكلام ليكن مائة، قصدي انه ليس بالضرورة أن يكون الأخوة اثنين، فليكونوا عشرة فليكونوا خمسين، المهم على أن الإنسان أخٌ في الأيمان لكل المؤمنين، لكن الشبهة مصداقية في الحقيقة وليست مفهومية, يعني أن الإيمان هل هو موجود هنا, هل هو السيد محمد الصدر من المؤمنين لكي يكون أخاً للمؤمنين, هذا هو المؤسف درجة إيمانه هل وصلت إلى درجة يشعر حقيقة بالأخوة مع سائر المؤمنين أم لا، وإلا الكبرى واضحة, ونص ومن ضروريات الدين ونص القرآن الكريم، أنا لا أريد أن أطيل فكرت على انه [فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ] أيضا فيها نحو من الإشكال, كيف يكونوا أخوة بهذا الترتيب ويختلفون، معنى ذلك إن الاختلاف دليل النقص، والنقص دليل على قلة الإيمان، وقلة الإيمان تنتج عدم الإخوة، وعدم الإخوة يعني إن لا إيمان لهم بالدرجة التي يريدها الله سبحانه وتعالى، يعني إيمان ربما إيمان بالجنسية أو إيمان بالتلفظ, أما إيمان قلبي حقيقي يبدو انه ليس هكذا، فلماذا يختلفون [فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ] بالحقيقة هذا مجاز، أما أن نقول : ليسوا بإخوة حقيقة وإنما إخوة ظاهراً ليسوا إخوة في الله وإنما إخوة في المجتمع وفي ظاهر الإسلام وهذا له باب وجواب, إما أن نقول شيئاً آخراً وهو أنهم يختلفون في أمور يقتنعون بها أمام الله, كل واحد يجد رأيه هو الصحيح في طاعة الله، لكنه في بعض مقدماته اشتباه, لابد أن احدهما مشتبه أو كلاهما مشتبه، وإلا الاختلاف ثبوتاً لا يمكن بطبيعة الحال، لأن عالم الواقع واحد لا يتعدد والله تعالى هو الفاعل له والجاعل له ــ محل الشاهد ــ فحينئذ [فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ] أي اقنعوا بمعنى من المعاني وان كان فيه تسامح, اقنعوا منهما والمتوهم منهما أن يعود إلى الحقيقة التي يؤمن بها الآخر، وليس بمعنى حاربوه أو اقتلوه أو عرقوه أو اضربوه ليس بهذا الفهم، اصحلوا هذا يشبه تلك الآية الكريمة [وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ][[3]] ماذا يقال هنا ــ توجد كلمة كبيرة ــ انه سمى الباغي مؤمناً فكيف يكون مؤمنا حال بغيه سبحان الله، لا هذا إما أن نحمله في الحقيقة على المجاز ليس مؤمنا, أو نقول انه مؤمن قبل وقد خرج عن الإيمان ببغيه بطبيعة الحال, لأن هذه الرواية موافقة لحدسي على ضعف سندها انه ( إذا وقع السيف بيننا وبينكم فانتم امة ونحن امة) لا يمكن أن اثنين يقع السيف بينهما وهما على الإيمان, مستحيل هذا يقوله لجيش بني أمية قبل الحرب طبعا قبل وقوع القتال, يقول لهم ( إذا وقع السيف بيننا وبينكم فانتم امة), انتم اختاروا, إما نحن مسلمون وإما انتم مسلمون, وحيث إن القدر المتيقن إن الحسين وأنصاره هم مسلمون, إذن فأولئك كفرة ــ محل الشاهد ــ فقبل أن يقع السيف هو مؤمن لا يهم له باب وجواب، أما بعد أن وقع السيف, ميؤوس من إيمانه بطبيعة الحال، وذاك الحل الذي قلناه في الآية الكريمة له باب وجواب, ضعيف جداً وهو أن نقول وقع السيف وكلاهما يتقرب إلى الله بالقتال صعبة جدا، إلى هذه الدرجة لا توجد قناعة الا على مستوى الجنون، أما بالدقة لا يحتمل انه يختلفان في الإيمان ومع ذلك يتقاتلون. نعم، قد يختلفان في الإيمان دون هذه الرتبة لها باب وجواب, أما أن تصل المسألة إلى القتال صعبة جداً.
ثالثا : وهي فرصة مفتوحة للجميع, ولكنه طبعا في الحوزة أوضح جدا وهي تلقي العلوم الدينية علوم أهل البيت سلام الله عليهم وهي نعمة عظيمة موجودة في أي واحد منا وفي كثيرين من خارج الحوزة من المتفقهين, نفس التفقه هو نعمة في الحقيقة, ولماذا لا, لكن النعمة التي ــ الآن نتقدم شبرا أو قدما ــ نراها مختصة بالحوزة لا يمكن لغيرها أن ينالها وهي فرصة الاجتهاد, الاجتهاد نعمة العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء, فكلما كان العلم اكثر كانت النعمة أزيد والنور أزيد هذه واحدة .
والشيء الثاني: هذا العلم إذا أصبح ملكة لا يحتمل زواله ويمثل شخصية الإنسان وكل عقلية الإنسان وكل عمل الإنسان, وان كانت العبارة فيها تسامح كله نور يصبح أي كله علم يصبح, في الحقيقة الذي هو حقيقة المجتهدين بهذا الترتيب لا تقولوا هذا الكلام انه العلم عرض هذا الإشكال وأجبت عليه انه : ( العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء)[[4]] ليس كل علم طبعا (لاحظوا), وإنما بعض العلوم, وإلا مثلا السحر علم وعلم الحروف والسيمياء والميمياء, هذه ليست نورا يقذفه الله في قلب من يشاء، وكذلك العلوم التي هي من قبيل العلوم الطبيعية الصرفة التي هي دنيوية صرفة, الطب والكيمياء والفيزياء والفلك والجيولوجيا, وأي شيء من هذا القبيل أيضاً ليست نوراً يقذفه الله في قلب من يشاء. بالحقيقة هذا له عدة أجوبة منها أن يقال بأننا، نقول إن كل علم نور يقذفه الله في قلب من يشاء, كل علم وأي ضرر من ذلك من حيث المعرفة, فان المعرفة أكمل من عدمها كل قضية مهما صغرت أو كبرت هي علم, القناعة بها هي علم وهي كمال, وإنما النقص في العمل, النقص في القصد, النقص في الإخلاص, أما من زاوية العلم ككمال عقلي هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء حتى لو كان السحر, تعلم السحر ليس بحرام ونحو ذلك من الأمور. إذن, لا يختلف علم عن علم من هذه الناحية, وإنما نعم يختلف العالم والعياذ بالله ــ لو صح التعبيرــ هذا يطلب به الدنيا وهذا يطلب به الآخرة ونحو ذلك من الأمور .
الجواب الثاني: أن يقال إن العلم علم واحد هو الذي نور يقذفه الله في قلب من يشاء كل هذا نخرجه, وان كانت العبارة غير لطيفة ــ نأخذه ونرميه في القمامة ــ وإنما علم واحد, العلم بالله ذاك النور الذي يقذفه الله في قلب من يشاء ما هو؟ لا يعرفه الا أهله والعلم بالله, الله تعالى لا يعلم لان ذاتهمستحيل الاطلاع عليها على كل حال , نضعه على جانب. هذا من الأسرار, لكنه بالمقدار المتيسر والمتوفر السعي اليه ونصب النفس له, نحن مثلا بمعنى من المعاني مطلوب من عندنا الكمال, فإذا كان العلم بالله هو الذي نور يقذفه الله في قلب من يشاء وليس أي علم آخر مهما كان حتى لو كان الفقه والأصول .
الشيء الآخر : انه لا, إننا نقول العلم المرضي لله نور يقذفه الله في قلب من يشاء خلاف الإطلاق وأين القرينة على ذلك؟.
جوابه: انه يوجد مثل هذا الشيء, وذلك أن القائل من هذا القبيل هو الإمام سلام الله عليه هل يَفْصل العلوم الدنيوية, أو يشمل كلامه العلوم الدنيوية والضالة والتي لا إخلاص فيها والتي كذا والتي كذا لا يحتمل, إنما هو قرينة ارتكازية متشرعية, وكذلك يبني عليها المتكلم والسامع من أن العلم المرضي لله سبحانه وتعالى هو النور الذي يقذفه الله في قلب من يشاء, محل الشاهد.
إذن, يشمل الشرعيات وأصول الدين وكل هذه الأمور وأصول الفقه والمنطق والتفسير مثلا والفلسفة الإلهية الصحيحة ولماذا لا, وعلم الكلام الإلهي الصحيح لو صح التعبير كلها علوم مرضية لله إن شاء الله, فإذا كان هكذا فهي كلها أي واحد منها درجة من درجات النور يقذفه الله في قلب من يشاء، وهذه فرصة في الحقيقة.
أيضا أقول بأنها مفتوحة للحوزة، وصعبة جدا بالنسبة إلى غيرها أكيدا، أي واحد منا في الإمكان أن ينال هذا أو أي شيء مما يمكنه من ذلك، في حين انه بالنسبة إلى من كان خارج الحوزة أو غير عربي ــ وان كان هي أصعب على أية حال ــ لم تكن لغته عربية لا يستطيع أن يفهم العربية إطلاقا، لان اغلب المصادر إنما هي عربية, الكتاب والسنة عربي, وكذلك طبعاً مَنْ ليس بمسلم أو ليس بشيعي, أو كذا أو كذا بطبيعة الحال هذا أيضا له عدة موانع عن تأثير هذا المقتضي، لكن [الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ][[5]] إذا كانوا اخلصوا وإلا ليست بدون قيد [أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ][[6]] ــ محل الشاهد - ، فالفرصة من هذه الناحية موجودة والموانع مرتفعة كثيراً، المقتضي موجود والشرط موجود والمانع أيضاً إن شاء الله مرفوع، إنما المانع الوحيد هو الباطن هو القدرة الشخصية أو القدرة الباطنية, ربما يكون هناك أشياء غير مستحسنة في الباطن، وإلا أيضا نستطيع أن نقول بان المانع مفقود وإذا كان المانع مفقود تمت العلة للحوزة بان تعلم كثير من الأمور التي لا يتيسر لغيرها العلم بها.
الخطوة الأخرى : أيضا هنا بالضبط وهو انه نستطيع أن نقول: إن كل هذه العلوم المرضية لله سبحانه وتعالى ــ هل فكرتم بذلك ــ فيها اجتهاد كل هذه العلوم فيها اجتهاد, صحيح نحن نقول أو في الأصول أو في فروع الدين مثلا, هذا الاجتهاد موضوع لحكم شرعي بجواز التقليد صحيح, ولذا أعلنت مسألته واستمرت, وجيلا بعد جيل يبنون عليه , لكن الاجتهاد في الفلسفة مثلا أو الاجتهاد بالنحو مثلا أو الاجتهاد بعلم الكلام مثلا لا اثر له , لكنه فيه اجتهاد, حيث تحصل هناك ملكة ونابعية ورأي ونحو ذلك من الأمور بحيث يثبت جدارته الكاملة والقدرة على المناقشة ولماذا لا, (هذا يصير وهذا يصير وهذا كله يصير), وهذه فرصة أيضا مفتوحة للحوزة وغير مفتوحة لغيرها, ويؤيد ذلك ــ هذه أيضا نقطة أيضا قلما يلتفت إليها, لكنه بعض أساتذتي ( قدس الله نفسه الزكية ) مثلا قالوه في يوم ما , أنا أيضا قلته في بعض المواعظ وان كان قليل, قلته ــ انه إذا توقفت الفتوى ــ أي فهم ظهور القرآن أو ظهور السنة ــ على رأي ألكسائي أو سيبويه أو الفراء أو فلان أو فلان ماذا يفعل الفقيه؟ تعلمون ماذا أجاب ؟ قال: يجب أن يكون مجتهدا في تلك المسالة النحوية ويبني على قناعته واطمئنانه, لا أن يتعبد بآراء هؤلاء الموتى الذين لا يعلم ما هو فحصهم وما هو علمهم وما هو إخلاصهم وما هو مذهبهم, سبحان الله لا يجوز التعبد بأي واحد من هذه المدارس, مجتهد وليس الاّ, أي في النحو أي في علوم البلاغة أي في أي شيء من هذا القبيل من المقدمات التي تتوقف عليها الفتوى, وليس بالضرورة أن يكون مجتهدا مطلقا, يعني مجتهد في كل مسائل النحو لا, يجتهد في هذه المسألة ويحصل فيها رأيه, ويفتي على طبقها ولا يجوز غير ذلك لكن النقطة انه قال: لا توجد ولا مسألة فقهية تتوقف على هذه الاجتهادات هذا بنعمة الله وإلا كان ينبغي أن نفتح باب الاجتهاد, يعني ماذا؟ ندرس حقيقته هو مفتوح بالاصطلاح العام، ولكنه ينبغي أن يجعل الإنسان نفسه مجتهداً في كل هذه العلوم بالاجتهاد المطلق، لكنه لا يتوقف على ذلك، نادراً ما يوجد شيء من هذا القبيل إن مسألة تتوقف على ذلك، لان اغلبها هي مسائل من واضحات أو ضروريات النحو، نستطيع أن نقول رفع الفاعل ونصب المفعول والحال وكلها موجودة، يعني التدقيقات النحوية والصعوبات النحوية الموجودة في القرآن الكريم ليست في آيات الأحكام وإنما في موارد أخرى بطبيعة الحال من أخبار الأنبياء والمواعظ العامة وأشياء أخرى والتأريخ. والفرص هذه هي النعمة التي أشير إليها الآن، الفرصة متاحة حقيقة في الحوزة العلمية لتلقي كل هذه العلوم بالدقة لكنه فليرى السيد محمد الصدر وغير السيد محمد الصدر انه هل هو على مستوى المسؤولية من هذه الناحية أو لا؟.
وهذا من قبيل انه في يوم ما قلت في خطبة الجمعة انه: أنا لا اسأل أي واحد منكم, وإنما فليرجع الى تفكيره بينه وبين الله انه هل صلى الليل قبل أن يأتي؟ هل اغتسل غسل الجمعة قبل أن يأتي؟.
طبعا أنا ادري ربما 99% أو اكثر سوف يجيبون لا, فالآن أيضا كل واحد بينه وبين الله يرى نفسه مقصرا أو لا, ونفس الالتفات الى التقصير هي طاعة, لا تقل بأنه أنا كذا وكذا, لا ليست خلة في احترامك الدنيوي, احترامك على العين والرأس تعال دوس على خدي وعلى لحيتي وعلى عمامتي لا يهم وأنا بخدمتك, ولكنه بينك وبين الله لا تستطيع أن تدوس على الله ولا على رسول الله ولا على أمير المؤمنين, هم موالينا وان رغمنا , فمن هذه الناحية ينبغي أن يُحَصِّلوا من عقولنا شيئا, ومن قلوبنا شيئا وهم لا يستفيدون, وإنما نحن الذي نستفيد بالحقيقة, لا يكون سيد محمد الصدر ظالما الى هذه الدرجة كلما يقل الظلم ولو بالنسبة الدقيِّة يكون أفضل عند الله, وهذا كلنا نعلمه, ولكننا لسنا دائما على مستوى الشعور.
الغفلة هي المسيطرة مع شديد الأسف. نكمل غداً إن شاء الله.
الكاتب :السيد محمد محمد صادق الصدر(قدس)
[[1]] سورة الأعراف: الآية 128.
[[2]] سورة الحجرات: الآية 10.
[[3]] سورة الحجرات : الآية 9.
[[4]] انظر منية المريد للشهيد الثاني: ص167, واحياء علوم الدين للغزالي: ج1 ص44 .
[[5]] سورة الأعراف: الآية 43.
[[6]] نفس الاية.
تعليق