(( قراءة معرفيّة في ضرورة التعاطي العَقَدي والمنهجي مع الإمام المهدي(عليه السلام) في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المُبارك ))::::القسم السادس ::::
================================================== ===
((مِنهاجيَّة دُعاء الإفتتاح إنموذجا)):: القسم السادس::
==================================
(القسم السادس )
==========
بسم الله الرحمن الرحيم
((الحمد لله الذي يُجيبني حين أُناديه ، ويسترُ علي كل عورة وانا أعصيه ، ويُعظم النعمة علي فلا أُجازيه
فكم من موهبة هنيئة قد أعطاني ، وعظيمة مَخوفَة قد كفاني ، وبهجة مونقة قد أراني ،
فاثني عليه حامدا واذكره مسبحا .))
وهكذا تبقى مقولة (الحمد لله) منفذا مركزيا للتعاطي مع الله تعالى في اسلوبية الدعاء والثناء والإدراك لعظمة الله تعالى.
حالها حال البدء ببسم الله الرحمن الرحيم فتلك هي مفاتيح الدعاء والوعي والفهم لنظام الله في الوجود
وبها إن إنطلق الإنسان المؤمن مخلصا يستنزلُ رحمة الله وفضله ويتكامل في حركته ومعرفته بربه
فالإمام المهدي /ع/ حينما يُكثر من ترديد مقولة الحمد لله وبنمطية تختلف مع الأخرى في جوهرها قيميا
يُريدُ أن يرفدنا بمزيد يقين ومعرفة بمفروغية وقطعية إستجابة الله تعالى لعبده الصالح في حال
تعاطيه معه بالمنهج الحق ومن الباب الذي يُريده سبحانه.
فالمرور العبادي من نافذة الحمد لله هو عين الصوابية المُرادة ربانيا
فالإنسان المؤمن عليه أن يمُرّ
من الله إلى الله وبالله إلى الله .
لا أن يختار طريقا غير موصل إلى الله في نهاية المطاف
وهذه حقيقة أكدها القرآن الكريم نصا في قوله تعالى:
((وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ))البقرة189
وهذا النص فيه من الكناية البيانية ما هو أبلغ من التصريح
نعم قد يكون المراد إرشاد الناس إلى ضرورة ترك عادات الجاهلية في طريقة الدخول إلى مكة
هذا بحسب سبب النزول المأثور.
ولكن للقرآن ظهورا وبطونا وكناياتً قد تكون هي مراد الله تعالى الحق .
ومفاد الكناية هنا هو أن ليس للإنسان أن يرسم طريقا مجافيا للوصول الى الله تعالى
لا بل عليه أن يأتي الله من حيث أراد الله تعالى
وهذه هي قيمة نافذة الحمد لله في الدعاء والوعي والمعرفة والتقوى في حالنا مع الله تعالى.
وعندما نتأمل بفقرة:
((الحمد لله الذي يُجيبني حين أُناديه ، ويسترُ علي كل عورة وانا أعصيه ، ويُعظم النعمة علي فلا أُجازيه
فكم من موهبة هنيئة قد أعطاني ، وعظيمة مَخوفَة قد كفاني ، وبهجة مونقة قد أراني ،
فاثني عليه حامدا واذكره مسبحا .))
نجد أنّ الإمام المهدي/ع/ يبثُ طمأنينة عقدية بيقينية إستجابة الله تعالى لدعاء عبده الصالح والمؤمن
وهذه المفردة الرائعة :الحمد لله الذي يُجيبني حين أُناديه)
تصوغ حقيقة كيانية الإنسان المؤمن
في حركته الوجودية في الدنيا
فالإنسان بطبعه البشري يُحب تأمين حاجياته الحياتية وإذا ما توفر عنده يقين بإستجابة الله تعالى له في تنجيز حاجياته بحسب صلاحه وصالحه فإنه سوف يتزن وجوديا وأخلاقيا وروحيا وحتى ذهنيا
وهذا أمرٌ وجداني وفطري مُتسالم عليه عقلائيا من باب ((أنّ النفس إذا أحرزت قوتها إطمأنت))
والقرآن الكريم دعم وأعطى ضمانة قطعية لهذه المفردة (دعاء الإنسان لربه)
ولكن أضاف إليها شروطا موضوعية مهمة تصبُ في مصلحة البشر عامة
فالدعاء لايُستجاب من قبل الله تعالى جُزافا دونما أن تكون فيه معيارية وجودية وأخلاقية
فالإنسان بمنظار الله تعالى ليس هو طفلاً مُدللاً يُعطى كل ما يُريد من ربه
لا ليس الأمر كذلك؟
بل هو كائنٌ مكلّف شرعيا وعقلانيا:
و الدعاء يُستجاب وفق قانونية نظام الوجود الألهي كما نص القرآن الكريم على ذلك::
بقوله تعالى::
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }البقرة186
بمعنى:
وإذا سألك -أيها النبي/محمد/ص وآله/ عبادي عني فقل لهم:
إني قريب منهم, أُجيب دعوة الداعي إذا دعاني, فليطيعوني فيما أمرتهم به ونهيتهم عنه,
وليؤمنوا بي, لعلهم يهتدون إلى مصالح دينهم ودنياهم.
وفي هذه الآية إخبار منه سبحانه عن قربه من عباده,قرباً وجوديا لا ماديا بمعنى القرب اللائق بجلاله.
وهذا النص القرآني الشريف ضمّن إستجابة الدعاء بشرطين هما:
/1/إستجابة الإنسان لربه في إتباع منهج الله تعالى الحق والصراط المستقيم
/2/والإيمان بالله تعالى أي بوجوده وتوحيده وتسليم الأمر إليه سبحانه.
والنتيجة هي((لعلّهم يَرشدُون))
فلاحظوا أحبتي الفقرة تبدأ ب::
((الحمد لله الذي يُجيبني حين أُناديه ، ويسترُ علي كل عورة وانا أعصيه ، ويُعظم النعمة علي فلا أُجازيه
فكم من موهبة هنيئة قد أعطاني ، وعظيمة مَخوفَة قد كفاني ، وبهجة مونقة قد أراني ،
فاثني عليه حامدا واذكره مسبحا .))
وتنتهي بالحمد لله في قوله/ع/:
((فاثني عليه حامدا واذكره مسبحا .))
وهذا إلتفاته قيّمة حقا إذ يجب أن يكون البدء بالحمد لله تعالى في صورة الثناء وتعداد النعم
ويجب أن يُختم الحمد أيضا بالحمد لله وتنزيه عن كل نقص وقبيح سبحانه وتعالى.
وفقرة::
((ويسترُ علي كل عورة وانا أعصيه))
هي صورة من صور إستجابة الله تعالى لدعاء عبده في حال توبته النصوحة لربه
فالأصل النظامي لله تعالى حينما يذنب الإنسان هو أن يُعاقَب على ذنبه ولكن مع هذا فالله يعطي مساحة معينة من إمكانية ستره على عبده العاصي تلطفا به ورأفة
علّ العبدَ العاصي يُدرك قيمة ذلك الستر الألهي الذي لايمكن معه إفتضاح العبد في الدنيا والآخرة
ولكن أغلب الناس لايدركون ذلك .
{مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج74
فألله سبحانه قادرٌ على فضح المذنبين ومعاقبتهم فورا ولكن لطفه ورأفته تحول دون ذلك لا من باب الضعف (معاذ الله) لا بل من باب تربية العباد وتوعيتهم بضرورة التوبة والإنابة الى تعالى
فهو القوي العزيز.
وفي فقرة::
((ويُعظم النعمة علي فلا أُجازيه
فكم من موهبة هنيئة قد أعطاني ، وعظيمة مَخوفَة قد كفاني ، وبهجة مونقة قد أراني ،
فاثني عليه حامدا واذكره مسبحا .))
صورة تبين سلبية تعاطي الإنسان مع ربه المنعم الحقيقي عليه وجوديا
فالإنسان في وعيه العام يدركُ جيدا أنّ كل ما عنده من نعمة فهي من الله تعالى
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ }النحل53
والنعم الألهية لها صورها المتنوعة فتارة تصل الإنسان نعمة مادية ملموسة كأن يرزقه الله تعالى ولدا
أو يحصل على مال حلال وغيرها كثير
وتارة يدفع الله تعالى عنه بلاءً وقضاءً غير مبرم فهذه أيضا نعمة حقيقية من الله تعالى
فالنعمة ليست هي أخذ من لدن الإنسان من ربه فحسب لا بل هي دفع عنه من ربه أيضا
وهذه حقائق يجهلها الكثير من الناس
فالله تعالى عادل في إنعامه على الإنسان وجودا وعدما بمعنى بقدر ما يعطيه من نعم يدفع عنه تعالى
المخاطر العظام .
فالمفروض بالإنسان يحمد الله على كل حال
.
وآخر دعوانا أن الحمدَ لله رب العالمين
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
وتقبل الله صيامكم وقيامكم إن شاء الله تعالى
ويتبع ::القسم السابع ::بتوفيقه سبحانه وتعالى.
مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف:
تعليق