إن المتتبع للأدعية الخاصة بشهر رمضان والواردة عن المعصومين (عليهم السلام) يرى أن هناك تركيزاً واضحاً على مسألة طلب الحج والتوفيق له ، وأن يكون الحج مبروراً ،
فعن الصّادق والكاظم (عليهما السلام) قالا :" تقول في شهر رمضان من أوّله الى آخره بعد كلّ فريضة:
« اَللّهُمَّ ارْزُقْني حَجَّ بَيْتِكَ الْحَرامِ فِي عامي هذا وَفي كُلِّ عام ما اَبْقَيْتَني في يُسْر مِنْكَ وَعافِيَة، وَسَعَةِ رِزْق، وَلا تُخْلِني مِنْ تِلْكَ الْمواقِفِ الْكَريمَةِ، وَالْمَشاهِدِ الشَّريفَةِ، وَزِيارَةِ قَبْرِ نَبِيِّكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَفي جَميعِ حَوائِجِ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ فَكُنْ لي، اَللّهُمَّ اِنّي اَساَلُكَ فيما تَقْضي وَتُقَدِّرُ مِنَ الاَمْرِ المَحْتُومِ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ، مِنَ الْقَضاءِ الَّذي لا يُرَدُّ وَلا يُبَدَّلُ، اَنْ تَكْتُبَني مِنْ حُجّاجِ بَيْتِكَ الْحَرامِ، الْمَبْرُورِ حَجُّهُمْ، الْمَشْكُورِ سَعْيُهُمْ، الْمَغْفُورِ ذُنُوبُهُمْ، الْمُكَفَّرِ عَنْهُمْ سَيِّئاتُهُمْ ...»
وأيضاً هذا الدّعاء في كلّ ليلة من شهر رمضان :
« اَللّهُمَّ رَبَّ شَهْرِ رَمَضانَ الَّذي اَنْزَلْتَ فيهِ الْقُرْآنَ، وَافْتَرَضْتَ على عِبادِكَ فيهِ الصِّيامَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَارْزُقْني حَجَّ بَيْتِكَ الْحَرامِ في عامي هذا وَفي كُلِّ عام، وَاغْفِرْ لي تِلْكَ الذُّنُوبَ الْعِظامَ، فَاِنَّهُ لا يَغْفِرُها غَيْرُكَ يا رَحْمنُ يا عَلاّمُ »
وفي دعاء أبي حمزة الثمالي تكرر طلب الحج ثلاث مرات :
فقال المقطع الأول : « ... وَارْزُقْنا حَجَّ بَيْتِكَ، وَزِيارَةَ قَبْرِ نَبِيِّكَ صَلَواتُكَ وَرَحْمَتُكَ وَمَغْفِرَتُكَ وَرِضْوانُكَ عَلَيْهِ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِهِ اِنَّكَ قَريبٌ مُجيبٌ ... »
وقال في المقطع الثاني: « ... وَارْزُقْني حَجَّ بَيْتِكَ الْحَرامِ في عامِنا هذا وَفي كُلِّ عام ... »
وقال في المقطع الثالث : « ... وَارْزُقْني حَجَّ بَيْتِكَ الْحَرامِ في عامِنا هذا وَفي كُلِّ عام ... »
اضافة الى أدعية أخرى تركنا التعرض لها طلباً للإختصار .
ولعل هذا التركيز وهذا الاهتمام من قبل الأئمة (عليهم السلام) ، هو لضمان استمرار حالة النقاء الروحي والطهارة المعنوية التي يكتسبها المؤمن بعد صيامه لشهر رمضان ، فلحين قدوم شهر رمضان القادم قد تعتري المؤمن كثير من العقبات والمنغصات التي قد تكدّر أو تمحق الحالة المعنوية والروحانية التي وصل اليها ، لذلك فان مسألة الحج من شأنها أن ترفع حالة المؤمن المعنوية ، أو على الأقل تحافظ على مستواها الذي وصلت اليه بعد رمضان ، هذا مع غض النظر عن عباداته الأخرى كقيام الليل والصدقات واصلاح ذات البين أو اداء عمرة أو أكثر خلال أيام السنة .
ويلاحظ كذلك بأن هناك تشابه أو تقارب بين العبادتين من أكثر من جهة ، الأولى ان كلاهما له أيام مخصوصة وأوقات خاصة ، ولا يصح ان يؤتى بأيّ منهما خارج هذه الأيام وهذه الأوقات ،
والجهة الثانية وجوب الكفارة على الصائم أو المحرم في حالة ارتكاب أحدهما لبعض الأمور .
والجهة الثالثة والمهمة أن كلا العبادتين تشتمل على واجب واحد وهو ترك قسم من المباحات والتأكيد على اجتناب بعض المحرّمات ، وهذا الأمر يقوّي عزيمة الفرد المؤمن ويزيد من قوة تحمّله وصبره أمام كثير من الأمور التي بإمكانه أن يفعلها ، ولكنه لا يفعلها امتثالاً لأمر الله تعالى .
لذا فكل من هاتين العبادتين أشبه ما تكون بدورة تدريبية يدخل فيها الانسان المؤمن ، بل قد تكون إحدى العبادتين ممهدة لأختها فتكون الأخرى مكمّلة لها ، ففي حين أنه لابدّ أن يكون المرء في وطنه وبين أهله ــ وهو الغالب ــ لكي يجب عليه الصوم ، فيمتنع عما لا يزيد عن عشرة من المفطرات ، فإنه في الحج يجب عليه ــ إن لم يكن من هل مكة وما حولها ــ الابتعاد عن الأهل والوطن ، وكذلك الامتناع عما يزيد عن عشرين محرّماً من المحرّمات ، أي ما يزيد عن ضعف العدد الذي كان في الصوم ، لذا فيمكن أن يكون الصبر في أيام الصوم هو تمهيد للصبر في أيام الحج .
كذلك فان ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر والتي حسب ما تذكر الروايات يكون فيها التقدير لأرزاق العباد وآجالهم ، يمكن أن يكون قيام العبد فيها وإحياؤها سبباً في توفيق المرء لحج بيت الله الحرام .
اضافة الى أن هناك تقارب في الثواب والمنزلة بين شهر رمضان والوقوف في عرفات حيث يروى عن الامام جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال:
« من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى مثله من قابل إلا أن يشهد عرفة »
[بحار الأنوار - العلامة المجلسي - (ج 93 / ص 342)
هذا ما استطعت أن استجمعه على عجالة
وأرجو ممن لديه ملاحظة أو إضافة فيبديها لنا لننتفع بها
ونكون له من الشاكرين
تعليق