وجود الصلة بين الحياة الدنيوية والحياة البرزخيّة (1)
لا أظنّ أنّ مسلماً ملمّاً بالقرآن والسنّة ينكر الحياة البرزخية ، وأنّ للإنسان بعد موته وقبل بعثه حياة متوسطة بين الدنيا والآخرة ، وهو فيها بين مرتاح ومنعَّم ، ومتعب معذّب . ولكن الجدير بالدراسة ، في ضوء الكتاب والسنّة ، هو تبيين الصلة بين الحياتين ، وأنّ البرزخيّين غير منقطعين عمّا يجري في الحياة الدنيوية ، وإنهم يسمعون إذا دُعُوا ، ويجيبون إذا سُئلوا ، بإذن منه سبحانه ، والبرزخ وإن كان بمعنى المانع والحائل ، لكنّه حائل عن الرجوع إلى الدنيا الذي نفاه سبحانه بصريح كلامه عندما طلب لفيف من الظالمين الرجوعَ إلى الدنيا لتدارك ما فات منهم من العبادة والطاعة قائلين : ( ربِّ ارجِعونِ * لَعلّي أعملُ صالحاً فيما تركتُ ) ، فأُجيبوا بالحرمان بقوله : ( كلاّ ) وليس بمانع عن السماع والاستماع ولا عن السؤال والجواب ، كل ذلك بإذن منه سبحانه .
وتدلّ على وجود الصلة بين الحياتين بهذا المعنى ، مجموعة من الآيات وقسم وافر من الروايات نأتي في المقام بصريحهما ، حتى يُزال الشك عن المرتاب .
القرآن الكريم والصلة بين الحياتين:
1 ـ النبيّ صالح يكلّم قومه بعد هلاكهم :
أخبر الله تعالى في القرآن الكريم عن النبىّ صالح (عليه السلام) أنّه دعا قومه إلى عبادة الله ، وترك التعرّض لمعجزته (الناقة) وعدم مسّها بسوء ، ولكنّهم عقروا الناقة وعتوا عن أمر ربّهم :
( فَأخَذَتْهُمُ الرَّجفةُ فأصبَحوا في دارِهِمْ جاثِمينَ * فَتولَّى عَنهمْ وقالَ يا قومِ لَقدْ أبلغتُكُمْ رِسالةَ رَبِّي ونَصحتُ لَكُمْ ولكنْ لا تُحبُّونَ الناصحينَ )
ترى أنّ الله تعالى يخبر على وجه القطع والبتّ بأنّ الرجفة أهلكت أُمّة صالح (عليه السلام) فأصبحوا في دارهم جاثمين ، وبعد ذلك يخبر أنّ النبيّ صالحاً تولّى عنهم ثم خاطبهم قائلا: ( لَقدأبلغتُكُمْ رسالةَ ربِّي ونَصحتُ لَكمْ ولكنْ لا تُحبُّونَ النّاصِحِين )
والخطاب صدر من صالح لقومه بعد هلاكهم وموتهم بشهادة جملة ( فتولّى )المصدرة بالفاء المشعرة بصدور الخطاب عقيب هلاك القوم . ثم إنّ ظاهر قوله : ( ولكنْ لا تُحبُّونَ النّاصحينَ ) ، يفيد أنّهم بلغت بهم العنجهية أن كانوا لا يحبُّونَ النّاصحينَ حتى بعد هلاكِهِمْ .
2 ـ النبي شعيب يخاطب قومه الهالكين :
لم تكن قصة النبيّ صالح هي القصة الوحيدة من نوعها في القرآن الكريم ، فقد تبعه في ذلك شعيب; إذ خاطب قومه بعد أن عمّهم الهلاك قال سبحانه :
( فأخَذَتْهُمُ الرَّجفةُ فـأصَبحوا في دارِهِمْ جاثِمينَ * الَّذِينَ كذَّبوا شُعيباً كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها الَّذينَ كذَّبوا شُعَيباً كانُوا همُ الخاسرينَ * فَتولَّى عَنهُمْ وقالَ يا قَومِ لقدْ أبلغتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي ونَصحتُ لَكُمْ فَكيفَ آسى عَلى قوم كافرين )
وهكذا يخاطب شعيب قومه بعد هلاكهم ، فيكون صدور هذا الخطاب بعد هلاكهم بالرجفة . فلو كان الاتصال غير ممكن ، وغير حاصل ، ولم يكن الهالكون بسبب الرجفة سامعين لخطاب صالح وشعيب فما معنى خطابهما لهم؟
أيصح أن يفسّر ذلك الخطاب بأنّه خطاب تحسّر وإظهار تأسّف؟
كلاّ ، إنّ هذا النوع من التفسير على خلاف الظاهر ، وهو غير صحيح حسب الأُصول التفسيرية ، وإلاّ لتلاعب الظالمون بظواهر الآيات وأصبح القرآن الكريم لعبة بيد المغرضين ، يفسرونه حسب أهوائهم وأمزجتهم .
على أنّ مخاطبة الأرواح المقدسة ليست أمراً ممتنعاً في العقل حتى تكون قرينة عليه .
الحياة البرزخية .. آية الله جعفر سبحاني
منقوووول
نسألكم الدعاء
لا أظنّ أنّ مسلماً ملمّاً بالقرآن والسنّة ينكر الحياة البرزخية ، وأنّ للإنسان بعد موته وقبل بعثه حياة متوسطة بين الدنيا والآخرة ، وهو فيها بين مرتاح ومنعَّم ، ومتعب معذّب . ولكن الجدير بالدراسة ، في ضوء الكتاب والسنّة ، هو تبيين الصلة بين الحياتين ، وأنّ البرزخيّين غير منقطعين عمّا يجري في الحياة الدنيوية ، وإنهم يسمعون إذا دُعُوا ، ويجيبون إذا سُئلوا ، بإذن منه سبحانه ، والبرزخ وإن كان بمعنى المانع والحائل ، لكنّه حائل عن الرجوع إلى الدنيا الذي نفاه سبحانه بصريح كلامه عندما طلب لفيف من الظالمين الرجوعَ إلى الدنيا لتدارك ما فات منهم من العبادة والطاعة قائلين : ( ربِّ ارجِعونِ * لَعلّي أعملُ صالحاً فيما تركتُ ) ، فأُجيبوا بالحرمان بقوله : ( كلاّ ) وليس بمانع عن السماع والاستماع ولا عن السؤال والجواب ، كل ذلك بإذن منه سبحانه .
وتدلّ على وجود الصلة بين الحياتين بهذا المعنى ، مجموعة من الآيات وقسم وافر من الروايات نأتي في المقام بصريحهما ، حتى يُزال الشك عن المرتاب .
القرآن الكريم والصلة بين الحياتين:
1 ـ النبيّ صالح يكلّم قومه بعد هلاكهم :
أخبر الله تعالى في القرآن الكريم عن النبىّ صالح (عليه السلام) أنّه دعا قومه إلى عبادة الله ، وترك التعرّض لمعجزته (الناقة) وعدم مسّها بسوء ، ولكنّهم عقروا الناقة وعتوا عن أمر ربّهم :
( فَأخَذَتْهُمُ الرَّجفةُ فأصبَحوا في دارِهِمْ جاثِمينَ * فَتولَّى عَنهمْ وقالَ يا قومِ لَقدْ أبلغتُكُمْ رِسالةَ رَبِّي ونَصحتُ لَكُمْ ولكنْ لا تُحبُّونَ الناصحينَ )
ترى أنّ الله تعالى يخبر على وجه القطع والبتّ بأنّ الرجفة أهلكت أُمّة صالح (عليه السلام) فأصبحوا في دارهم جاثمين ، وبعد ذلك يخبر أنّ النبيّ صالحاً تولّى عنهم ثم خاطبهم قائلا: ( لَقدأبلغتُكُمْ رسالةَ ربِّي ونَصحتُ لَكمْ ولكنْ لا تُحبُّونَ النّاصِحِين )
والخطاب صدر من صالح لقومه بعد هلاكهم وموتهم بشهادة جملة ( فتولّى )المصدرة بالفاء المشعرة بصدور الخطاب عقيب هلاك القوم . ثم إنّ ظاهر قوله : ( ولكنْ لا تُحبُّونَ النّاصحينَ ) ، يفيد أنّهم بلغت بهم العنجهية أن كانوا لا يحبُّونَ النّاصحينَ حتى بعد هلاكِهِمْ .
2 ـ النبي شعيب يخاطب قومه الهالكين :
لم تكن قصة النبيّ صالح هي القصة الوحيدة من نوعها في القرآن الكريم ، فقد تبعه في ذلك شعيب; إذ خاطب قومه بعد أن عمّهم الهلاك قال سبحانه :
( فأخَذَتْهُمُ الرَّجفةُ فـأصَبحوا في دارِهِمْ جاثِمينَ * الَّذِينَ كذَّبوا شُعيباً كأنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها الَّذينَ كذَّبوا شُعَيباً كانُوا همُ الخاسرينَ * فَتولَّى عَنهُمْ وقالَ يا قَومِ لقدْ أبلغتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي ونَصحتُ لَكُمْ فَكيفَ آسى عَلى قوم كافرين )
وهكذا يخاطب شعيب قومه بعد هلاكهم ، فيكون صدور هذا الخطاب بعد هلاكهم بالرجفة . فلو كان الاتصال غير ممكن ، وغير حاصل ، ولم يكن الهالكون بسبب الرجفة سامعين لخطاب صالح وشعيب فما معنى خطابهما لهم؟
أيصح أن يفسّر ذلك الخطاب بأنّه خطاب تحسّر وإظهار تأسّف؟
كلاّ ، إنّ هذا النوع من التفسير على خلاف الظاهر ، وهو غير صحيح حسب الأُصول التفسيرية ، وإلاّ لتلاعب الظالمون بظواهر الآيات وأصبح القرآن الكريم لعبة بيد المغرضين ، يفسرونه حسب أهوائهم وأمزجتهم .
على أنّ مخاطبة الأرواح المقدسة ليست أمراً ممتنعاً في العقل حتى تكون قرينة عليه .
الحياة البرزخية .. آية الله جعفر سبحاني
منقوووول
نسألكم الدعاء
تعليق