أُمّ كُلْثوم بنت أمير المؤمنين عليه السلام
هيبنت أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه، وابنة فاطمة الزهراء الصدّيقة الكبرى سلام الله عليها، وحفيدة النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وآله وكذا حفيدة أبي طالب سيّد البطحاء ناصر الرسالة والرسول عليه السلام، وحفيدة خديجة أمّ المؤمنين، وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين، عليهم سلام الله أجمعين.
كانت من فواضل نساء عصرها، ذات زهدٍ وعبادة، وشجاعة وبلاغة، وكانت فهيمةً فصيحة، جليلة القدر عظيمة المنزلة عند أهل البيت النبويّ.
موقف لها
لمّا سارت إلى عائشة إلى البصرة معلنةً الحرب على الإمام عليٍّ عليه السلام، هي وطلحة والزبير وغيرهم ممّن كانوا بايعوه يوم الغدير، سار إليهم الإمام لقطع دابر الفتنة فنزل في ذي قار، عندها كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر كتاباً تخبرها بذلك وتُسرّها بالنصر المزعوم!
يروي ذلك ابن أبي الحديد المعتزلي في ( شرح نهج البلاغة 14:14 ) قائلاً: كتبت عائشة إلى حفصة بنت عمر: أمّا بعد، فإنّي أُخبركِ أنّ عليّاً قد نزل ذا قار وأقام بها مرعوباً خائفاً لِما بلغه من عُدّتنا وجماعتنا، فهو بمنزلة الأشقر، إن تقدّم عُقِر، وإن تأخّر نُحِر!
فدعت حفصةُ جواريَ لها يتغنَّين ويضربن بالدفوف، فأمَرَتْهنّ أن يَقُلنَ في غنائهنّ: ما الخبر ما الخبرْ! عليٌّ في السفر، كالأشقر، إن تقدّم عُقِر، وإن تأخّر نُحِر! وجعلت بنات الطلقاء يدخلن على حفصة ويجتمعن لسماع ذلك الغناء، فبلغ أمَّ كلثومٍ بنت عليٍّ ذلك، فلبست جلابيبها ودخلت عليهنّ في نِسوة متنكّرات، ثمّ أسفرت عن وجهها، فلما عرفتها حفصة خجلت واسترجعت. فقالت أمّ كلثوم: لَئِن ظاهَرتُما ( أي أنت وعائشة ) عليه منذ اليوم، لقد تظاهرتما على أخيه من قبلُ فأنزل الله فيكما ما أنزل ( أي قوله تعالى: إن تَتُوبا إلى اللهِ فَقَد صَغَت قلوبُكما وإن تَظاهَرا عليهِ فإنّ الله هو مَولاه وجِبريلُ وصالحُ المؤمنين والملائكةُ بعدَ ذلك ظهير سورة التحريم:4 ].
فقالت حفصة لأمّ كلثوم: كفى رحمكِ الله. وأمرَت بالكتاب فمُزّق.
ويستمرّ ابن أبي الحديد في هذا الموضوع موثّقاً إيّاه بقوله: قال أبو مِخنف ( المؤرّخ المعروف ): روى هذا: ـ جرير بن يزيد عن الحكم، ورواه الحسن بن دينار عن الحسن البصري، وذكر الواقدي مثلَ ذلك، وذكر المدائني مثله، قال: فقال سهلُ بن حُنَيف في ذلك:
عَذَرْنا الرجالَ بحرب الرجـال | فمـا لِلنسـاءِ ومـا لِلسُّـبـابِ! | |
أمَـا حَسْبُنـا مـا أتَينـا بــهِ | لكِ الخيرُ في هتكِ ذاك الحجابِ! | |
ومخرجُهـا اليـومَ مِـن بيتهـا | يعرّفها الذئـبُ نبـحَ الكـلابِ! | |
إلـى إن أتانـا كـتـابٌ لـهـا | مَشومٌ، فيا قُبـحَ ذاك الكتـابِ! |
من أشمخها حضورُها في الركب الحسينيّ الراحل إلى كربلاء، فعاشت أيّام الطفّ المريرة، وشاهدت كلَّ ما جرى على إخوتها وأبنائهم وأنصارهم، فكانت شريكةَ أخيها سيّد شباب أهل الجنّة أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه في حفظ الرسالة المحمّديّة بالدماء والأحزان والدموع المقدّسة، وكانت أيضاً شريكة أختها عقيلة بني هاشم زينب الكبرى سلام الله عليها في مقارعة الظالمين، وحفظ الأرامل واليتامى ومداراتهم حتّى عادوا إلى مدينة المصطفى صلّى الله عليه وآله.
وتلك مواقفها شهدها التاريخ فطأطأ هامته أمامها:
1. روى السيّد ابن طاووس رحمه الله في كتابه ( الملهوف على قتلى الطفوف: 32 ) وداع الإمام الحسين عليه السلام للعائلة قُبَيل بروزه إلى ساحة القتال في صحراء كربلاء بمفرده، فجعلت أمّ كلثوم تنادي: وأحمداه، واعليّاه، واأمّاه، واأخاه، واحسيناه! واضَيعتَنا بعدك يا أبا عبدالله!
فعزّاها الحسين عليه السلام وقال لها: « يا أختاه، تَعزَّي بعزاء الله؛ فإنّ سكّان السماوات يَفنَون، وأهل الأرض كلُّهم يموتون، وجميع البريّة يهلكون ». ثمّ قال: يا أختاه يا أمَّ كلثوم، وأنتِ يا زينبِ وأنت يا فاطمة، وأنتِ يا رباب، انظُرنَ إذا أنا قُتِلتُ فلا تَشقُقن علَيّ جيباً، ولا تَخمِشنَ علَيّ وجهاً، ولا تَقُلنَ هُجْراً ».
2. وروى الشيخ جعفر التستريّ في كتابه ( الخصائص الحسينيّة:187 ) استغاثات الإمام الحسين عليه السلام يومَ عاشوراء، وعزمَ الإمام السجّاد عليّ بن الحسين عليه السلام على الجهاد، فقال: فأخذ بيده عصاً يتوكّأ عليها، وسيفاً يجرّه في الأرض، فخرج من الخيام وخرجت أمّ كلثوم خلفَه تنادي: يا بُنيّ ارجع، وهو يقول لها: يا عمّتاه، ذَريني أُقاتل بين يَدَي ابن رسول الله، فقال الحسين عليه السلام:
« يا أمّ كلثوم، خُذيه لئلاّ تبقى الأرض خاليةً من نسل آل محمّد ».
فأرجعته أمّ كلثوم.
3. وبعد مصرع سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه، أقبَلَ فرسه إلى الخيام، فوضعت أمّ كلثوم يدَها على أمّ رأسها ونادت: وامحمّداه، واجَدّاه، واأبتاه، وأبا القاسماه، واعليّاه، واجعفراه، واحمزتاه، واحَسَناه! هذا حسينٌ صريعٌ بكربلاء... ثمّ غُشيَ عليها. ( ورى ذلك الخوارزميّ الحنفي في كتابه: مقتل الحسين عليه السلام 37:2 ).
4. وعند دخول السبايا مدينة الكوفة بتلك الحالة المُزْرية، كانت أمّ كلثوم تنظر إلى ذلك وقد اشتدّ بها الوجد وأمضّ بها المصاب، وزاد في وجدها أن ترى أهل الكوفة يناولون الأطفال وهم على المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فنادت بهم:
يا أهل الكوفة، إنّ الصدقة علينا حرام. ثمّ أخذت تجمع ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض. وعند عودة السبايا، ما أن لاحت لأمّ كلثوم جدران المدينة حتّى انفجرت باكية وهي تقول:
مدينـةَ جَدِّنـا لا تَقبَلينـا | فَبِالحسراتِ والأحزان جِينا | |
خَرَجْنا منكِ بالأهلين طُـرّاً | رَجَعنا لا رجالَ ولا بَنينـا |
5. وكان لأمّ كلثوم خُطبة في أهل الكوفة، نقلها السيّد ابن طاووس في ( الملهوف:66 )، حيث نادتهم قائلةً:
يا أهل الكوفة سَوأةً لكم، ما لكم خذلتم حسيناً وقتلتموه، وانتهبتم أمواله ووَرِثتموه، وسَبَيتُم نساءه ونكبتموه ؟! فتبّاً لكم وسُحقاً!
وَيْلكم! أتدرون أيُّ دَواهٍ دهَتْكم، وأيَّ وِزرٍ على ظهوركم حملتم، وأيُّ دماءٍ سَفِكتموها، وأيّ كريمةٍ أصَبتُموها، وأيّ صبيّةٍ سلبتموها، وأيّ أموالٍ انتهبتموها ؟! قتلتم خيرَ رجالاتٍ بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله ونُزِعت الرحمة من قلوبكم، ألاَ إنّ حزب الله هم الفائزون، وحزب الشيطان هم الخاسرون.
ثمّ قالت رضوان الله عليها:
قتلتُم أخي ظلمـاً فويـلٌ لأمّكُـم | ستُجزَون نـاراً حَرُّهـا يَتَوقّـدُ | |
سفكتُم دمـاءً حـرّمَ اللهُ سَفكَهـا | وحرّمهـا القـرآنُ ثـمّ محمّـدُ | |
ألا فابشِروا بالنار، إنّكـمُ غـداً | لَفي سَقَرٍ حقّـاً يقينـاً تُخلَّـدوا | |
وإنّي لأبكي في حياتي على أخي | على خيرِ مَن بعدَ النبيّ سيُولَـدُ | |
بدمعٍ غزيـرٍ مُستهـلٍّ مُكفكَـفٍ | على الخدّ منّي دائماً ليس يَجمـدُ |
إشارتان
الأولى: حول اسمها، هل هو أمّ كلثوم، أم أنّ أمّ كلثوم هي زينب، وليس لها أخت باسم أمّ كلثوم رافقتها إلى كربلاء ؟ هذه تساؤلات شغلت الباحثين، فكان الراجح في رأيهم بعد التحقيق أنّ أمّ كلثوم هي أخت زينب بنت أمير المؤمنين والزهراء عليهما السلام، وللتفريق أحياناً دُعيت زينب بـ « أمّ كلثوم الكبرى »، وإذا أُريد أختها قيل لها: أمّ كلثوم ـ إطلاقاً ـ أو: أمّ كلثوم الصغرى، سلام الله عليهما.
الثانية: حول زواجها، وفي ذلك كُتبت كتبٌ وبحوث، وكانت آراء ونظرات، رجّح البعض أنّ التي تزوّج عمر هي إحدى ربيبات أمير المؤمنين عليه السلام وكان اسمها أمّ كلثوم، وقد نُسِبت عند الناس إلى الإمام عليٍّ عليه السلام بالبُنوّة لأنّها عاشت في بيته، ولعلّها كانت يتيمةً أو جاريةً خادمةً في بيته. وهذا الموضوع له مجاله الخاصّ وتفصيله المطوَّل.
تعليق