الجزء التاسع
اللهم صلي على محمد واله وعجل فرجهم واهلك عدوهم
اللهم صلي على محمد واله وعجل فرجهم واهلك عدوهم
بقيت في قرية السر اقل من شهرين حتى اوشك الجح على الانتهاء رغم كثرة المزارع ،وقيل لي بان الموزعين يتجه اغلبهم الى الشمال وبالتحديد الى مدينة حائل التي يتاخر موسم الجح فيها عن السر قليلا .
وذات ضحى جلست في طرف الحقل بعد انتهاء التحميل وفتحت صرتي ورحت اعد الفلوس الي جمعته فيها لقد كان معي اكثر من 22 الف ريال ..مبلغ ضخم حصلته في فترة وجيزة زبقيت في المقهى ذلك اليوم وكنت من عدة ايام افكر بشراء سيارة مستعملة .
كان هناك شخص فلسطيني لديه سيارة كرسيدا علمت من صاحب محطة بنزين انه يريد بيعها ساومته فباعها علي بثلاثة عشر الف وخمسمئة ريال ذهبنا للمعرض وانهيت اجراءت نقل السيارة باسمي وسلمته المبلغ نقدا .ذهبت للحلاق وطلبت منه تقصير شعر رأسي ولحيتي ،لقد طلبت منه ان تكون مجرد عوارض كثيفة كمرحلة انتقال الى تخفيفها ثم حلقها نهائيا بعد اقل من سنة .اشتريت ثوب دفة مناسب وليس قصيرا كثيابي السابقة .
من فجر الغد ركبت سيارتي وتوجهت نحو الى قريتي ولدي شعور بالحرية .احسست ان الانقباض في صدري قد راح وان كلامي مع الناس صار اكثر وضوحا واقل حدة من قبل .نشوة ابتهاج كانت تسيطر علي وانا في طريقي الى بلدتي تهت في الطريق اكثر من مرة ولكني في النهاية دليت ووصلت .
عند باب بيت خالي استقبلني الاطفال احتفوا بي بحرارة وجلست مجلس الرجال حيث وصل خالي وابنه الكبير وسلموا علي وهم فرحين ولم يخف خالي ابتسامته حينما قال :الحمدلله انك خففت من لحيتك ! كانت مثل لحية جهيمان ! ثم قال مبروك النجاح ؟!رددت عليه العبارة التقليدية في مثل هذه التقاليد الروتينية .
سألت عن امي قالوا انها في غرفتها ، تعال اليها ذهبت وسلمت عليها وعرفت انها مريضة ولكنها تقاوم المرض والذي كان واضحا على ملامح وجهها النحيل .قالت الحمدلله على سلامتك ياوليدي وانحدرت منها الدموع على وجهها المجعد ، حاولت ان اقول شيئا لكني لم استطع كانت غصة دامعة تمزق حلقي .رات زوجة خالي دموع امي فقامت تهدئها وتطلب منها ان تحمدالله تعالى على سلامتي لكن امي لم تتحمل فظهر صوت نشيج امي بوضوح .قال لي خالي وهو يحاول تهدئتي : امك عليها صخونة بسيطة من اسبوعين ولكنها الحين احسن .راجعنا المستشفى وعطونا لها علاج وانشالله تطيب .تلك الليلة حاولت السيطرة على قلقي حينما قدم الضيوف على عشاء اعده خالي احتفاء بقدومي كعادتهم .كثيرون سألوني عن تخرجي وكنت اردد : الحمدلله تخرجت من الشر .بعضهم لمح لي بتغير شكلي لكن لم يصارحني بذلك سوى خالي الذي كان فرحا بي وهو يقول :الحين مابقالك الا الزواج ! انه يلمح الى بناته بالطبع وقد مرت علي عروض كثيرة للزواج من المطاوعة في الرياض لكني لم التفت اليها .في تلك الليلة جائتني اختي وقالت لي ا نامي تعبانة بالمرة من مدة اشهر . صحتها تتحسن ثم ترجع للاسوء وتتمنى لو اذهب بها الى الرياض كي اعالجها هناك :قالت لي كلنا ننتظرك والحمدلله انك جيت .
في الصباح اخذتها الى المستشفى العام وهو المستشفى الوحيد في بلدتي مرت فترة طويلة قبل ان يراها الطبيب .وحينما نظر في سجلها الطبي قال لي بان قلبها مريض وتحتاج الى عملية تغغير شريانها التاجي ،قال انها عملية بسيطة لكن لايستطيعون اجرائها هنا اواني احتاج الى الذهاب بها الى المستشفى العسكري بالرياض او مستشفى قوى الامن او مستشفى الملك فيصل .تلخبطت وزاد اتباكي وشعوري بالضعف وانا لادري ماذا افعل.عدنا الى بيت خالى والي شار علي بارسال برقية الى الامير سلطان لكي يوافق على معالجتها بالمستشفى العسكري .
في الحال ذهبنا وارسلت ثلاث برقيات واحدة للامير سلطان والثانية لالاامير سلمان والثالثة للامير نايف .ممر اسبوع وانا اراجع المستشفى تارة "وبقالة ومخبر .." التي كتبت فيها عنواني ولكني لم اجد أي رد .رحت مرة اخرى وكتبت البرقيات من جديد.
مر شهر وانا اراجع المستشفى وامر على البقالى لعلي اجد جوابا من الامراء لكن الاحباط كان نصيبي باستمرار .
امي تعبت اكثر ونومت بالمستشفى كنت مرافقا معها بالمستشفى اجلس معها واحكي لها وراودتني فكرة ان اصارحها بحالي عدة مرات لكن في كل مرة اؤجل ذلك عشان ماصدمها .اخبرتها اني بعت سيارتي الديدسون واشتريت كرسيدا .قالت بان تلك كانت اكبر بس عسى الله يعطيني خيرها ويكفيني شرها ..
ولكثرة مجيئي الى العلاقات العامة في المستشفى والى الادراة باحثا عن رد الامراء فقد رق احد الموظفين لحالنا واقترح علي ان اتصل على مكتب الامير سلطان في الرياض بالتلفون واسالهم عن البرقية حصلت على مكتب الامير سلطان واتصلت عليهم وسالتهم عن البرقية وعطيتهم رقمها فقال لوا لابد من احظار تقرير طبي فارسلت لهم التقرير الطبي بالبريد الممتاز وعاودت الاتصال بعد اسبوع وقالوا لي مرة بانها احيلت الى اللجنة الطبية ومرة انها حفظت .
كنت اشعر بعد كل مكالمة باني مملؤ بالدمع من الداخل وكنت امشي في الشارع المحاذي للمستشفى واسال الله ان يعافي امي وكنت ارى المخلوقات تغيم وراء ستار من الدموع فلم اكن متفائلا انهم سوف يساعدوننا دون واسطة .دخلت امي في غيبوبة واخبرنا الطبيب انها اصيبت بجلطة خفيفة في الدماغ كذلك .الان لاتذكر شيئا هناك مرحلة غير واضحة .مررت بها ، كان خالي غاضبا حانقا وهو يصرخ في المستشفى :فلوس الشعب راحت للكلب وللي ماله قلب وحنا مانلقى من يعالجنا .عليكم الف لعنة ياعيال الكلب ....
قال خالي بكرة نفرش بطانية في سيارتي ونروح فيها للرياض وندخلها للمستشفى غصبن عليهم من عند الطوارئ .اردت ان اقول شيئا لكن لم استطع كان خالي قويا وصلبا وشعرت بان قراره هم عين الصواب .فليس بيدي حيلة .بعد صلاة العشاء جاء احد الاقارب لزيارة شخص في المستشفى وقابلنا صدفة في سيب المستشفى وسلم علينا سالنا عن حالنا فاخبره خالي بمرض امي وحالنا البائس ونحن نرتجي أي احد يساعدنا في ادخالها في واحد من المستشفيات الكبرى .
قال\ مالكم الا الاردن ، وتكاليف علاجها على حسابي وانا ابوفهد ! كان في قمة الحماس وهو يقول :والله ماتروح حياتها ضياع واحنا حيين ؟لقد بعث في روحي الامل وتفتحت مسام جسدي الى شعور رائق يوحي بان هناك بصيص حياة جميلة .من الغد ذهبت مع خالي للجوازات لكي نحصل على جوازات سفر وفي نفس اليوم استلمنا الجوازات .
في سيارة خالي الجمس حملنا امي وودعنا من جاء لتوديعنا والسلام علينا من اهلنا ومشينا .جلست بجوار امي في المرتبة الخلفية . وبكيت ذلك اليوم .كان خالي يغني بصوته الشائخ المتهلهل وهو يقود السيارة بسرعة جنونية وقد رمى شماغه على كتفه .كان الجمس يمشي على الازفلت تالملتهب كالسهم وكلما انعطف اصدرت عجلاته صريرا متواصلا كانه النواح .
لقد كان خالي شهما فوق ماتصورته .كان يحمل همنا حتى لو اني غضبت منه في السابق فقد محا سلوكه هذا كل شعور سلبي في نفسي. لقد كان طوال الوقت يحاول تلطيف الجو وهو يسرد حكايات اناس مرضى شافاهم الله .لقد كانت هذه الرحلة تحمل الامي احلامي طموحي .بؤسي ويأسي وقوتي وضعفي ..لااعلم مقدار المدة التي قطعناها حتى وصلنا الى عرعر ثم الحدود ..كلما مررنا بمدينة توقفنا لتعبئة البنزين واخذنا طعاما لنا ..وقد نتوقف للوضوء والصلاة ..كلما طلبت من خالي ان اقود نيابة عنه رفض ذلك واستمر يقود الجمس حتى تعدينا الحدود بيسر ..سأل خالي عن المكان الذي سنذهب اليه فاخبروه ثم انطلقنا ..مرة فترة نعست فيها من شدة الاعياء وانا اراقب انفاس امي حتى سمعت خالي يقول :وصلنا وصلنا الى مدينة الملك حسين الطبية في عمان ..
في الحال نزل خالي وعبا بعض الاوراق ثم جاء الممرضون وانزلوا امي للاسعاف ولم تلبث قليلا حتى نقلوها الى غرفة خاصة . في نفس الليلة اجروا الفحص واطلعوا عالتقرير الذي كان معنا وقالوا :سنجري لها عملية تبديل شريان القلب بعد يومين ، سناخذ شريانا من ساقها ونضعه للقلب.اجريت العملية التي استغرقت ثمان ساعات كنت خلالها انا وخالي في حالة يرثى الها من التعب النفسي والجسدي ، ولكن ذلك اختفى حينما اخبرونا بان العملية نجحت ضمني خالي وبكى لقد كانت اول مرة خالي يبكي فبكيت معه ،ثم اعطوها ادوية العلاج للجلطة وبعد اقل من شهر كانت امي بعافية وصارت تتكلم معنا .
كان بوفهد الذي تكفل بعلاجها لايكف عن الاتصال بنا طيلة وجودنا بالاردن ، وحينما عدنا زارنا وكنت عاجزا عن شكره بما يليق بفضله لانه انقذ حياة امي لكنه لم يكن يريد الشكر بل كان يفعل ذلك لوجه الله تعالى .ولانه كان متعاطفا معي فقد بحت له وحده بقصتي مع المطاوعة في الرياض ، اندهش وغضب واقترح علي ان ادرس في جامعة البترول والمعادن في الشرقية .بالتاكيد كان عندي حماس قوي ورغبة عنيفة ان ادرس من جديد .كان وقت القبول قد انتهى ولكنه استطاع التوسط لي لكي يجرون لي اختبار مقابلة وذهبت للشرقية واختبرت وقبلت اهناك .وانا مدين له طول عمري بهذا الفضل الذي اعجز عن الوفاء به في هذه الدنيا
تعليق