صناعة العطور ••بين تجميل الطبيعة والمضار الصحية | |
صناعة العطور •• بين تجميل الطبيعة والمضار الصحية حسين النعمة - يحيى الفتلاوي على مر العصور كان للعطور مكانة واسعة في حياة الكثير من المجتمعات وعلى رأسها المجتمعات الإسلامية لما تضفيه من جو لطيف يمنح الراحة النفسية للموجودين في المكان المعطر خاصة إذا ما كانت الروائح أو العطور المستعملة في التطييب من الأنواع المحببة للناس والقريبة إلى معتقداتهم أو مناسباتهم الاجتماعية. وقد انتشرت في الفترات الأخيرة في مجتمعانا أنواع كثيرة من العطور وكثرت المحال التجارية التي تعمل ببيعها وتصنيعها بشكل ملفت للنظر وبخاصة تلك العطور المسماة بالعطور الزيتية التي كثر استخدامها من قبل الجميع. مناشئ العطور ومن اجل التعرف أكثر عن هذه الحرفة التقينا بالمهندس الزراعي ( أنور محمد حبيب) صاحب محل عطور لينطلق حدينا معه بسؤاله عن أشهر العطور الزيتية واهم مناشئها وأسباب استيرادها من دول أجنبية فقط؟ فقال: إن المناشئ الموجودة حاليا اغلبها فرنسية واسبانية وانكليزية وحسب استيراد التاجر وبالنسبة للعراق فقد دخلت هذه العطور تقريبا سنة 1995 وذلك لبيعها في محلات بصورة علنية بعدما كانت مسبقا تعبأ بصورة خفية ولا أحد يعلم شيئا عن مناشئها، أو حسب ما كان يقول القدامى من الباعة إنه (سر مهنة) وأعتقد أن أول تاجر بدأ باستيرادها في بغداد كان هو سيد ناصر شبر ولا يزال لهذا الحين يعمل في هذا المجال وقد كان دائما يستورد العطور الانكليزية لنوعيتها الجيدة وبعدها قام باستيراد العطور الاسبانية لأنها مناسبة في القيمة المادية. وأما سبب استيرادها من دول أجنبية فقط فذلك عائد إلى أن الوطن العربي لا توجد فيه عملية الزراعة للأزهار بل لا يوجد اهتمام أيضا بها سوى للزينة، لكن عند الغرب بدأت بوادر الاهتمام منذ أزمنة طويلة بزراعة الزهور للصناعة، أما فيما يخص العطور العربية فإن أكثرها تداولا هي الخليجية والمتمثلة بـ( العود ، السندس، المسك) وهذه العطور لا يرغب بها المجتمع العراقي نوعا ما ليس لأنها باهظة الثمن لكن السبب يعود إلى طريقة استعمالها فهذه العطور لها طريقة خاصة في الاستعمال وهي حينما تستعمل تشع منها رائحة قوية بشكل واضح وهذا الأمر نوعا ما غير محبب لدى العراقيين ولكن بعد مرور نصف ساعة تكون رائحتها هادئة وجميلة وجذابة، أما سبب ارتفاع قيمتها المادية فلكثرة الطلب عليها في دول الخليج ولندرتها أيضا. اختلاف الاسعار وكان سؤالنا الثاني له عن أسباب اختلاف أسعار بيع العطور من بائع لآخر، وأيها الأكثر مبيعا ًالعطور الزيتية أم الكحولية؟ فأجاب: إن هذا الأمر عائد إلى أن لكل بائع خلطة معينة من العطور، فصاحب محل العطور يقوم بعدة تجارب مبنية على كفاءته وممارسته للعمل بوضع نسب من العطور الرئيسية لإنتاج عطر جديد، بينما العطور الجيدة لها نسب محددة في إنتاجها أو تكوينها وعملية الاعتماد على التجربة غالبا ما نشاهده في الباعة أصحاب (البسطيات) ، أما في دول الخليج العربي فالعوائل الخليجية هناك تمتاز بأن لكل عائلة تقريبا عطر مميز عن الأخرى حيث تقوم تلك العائلة بجلب العود الكمبودي أو الهندي وتقوم بغليه وإضافة بعض المواد عليه لإنتاج عطر يقتنيه، وهذا أيضا مبني على الاجتهادات. وقد لاحظنا اختلافا في أسعار العبوات بحيث تباع العبوة الصغيرة بسعر أغلى من العبوة الكبيرة فأردنا الاستفسار عن ذلك إضافة إلى طرق خزن العطور من التلف فقال لنا الأستاذ أنور: إن قيمة العطور ليس في حجم العلبة التي تحتويه بل بقيمة الكحول المضافة على كمية العطر الزيتي، فهنالك علب كبيرة تباع مرة -على سبيل المثال- بـ 50 دينارا بينما تجد الأصغر منها تباع بـ 70 دينارا والسبب ليس بحجم العلبة وإنما بحجم المواد المتكونة منها وخاصة كمية الكحول المضافة إليها، حفظ العطور وأما عن عملية حفظ العطور من التلف وطرق تخزينها فقال: في حال استيرادنا للعطور الخام نقوم بنقلها في براميل مصنعة من الحديد الممغنط أو الألمنيوم أو البلاستيك وذلك لأنها مواد عازلة للحرارة والضوء لأنهما يؤثران على العطر وجودته مع تفاوت في درجة الحفظ، فالبلاستيك نحفظ فيه العطور البخسة والألمنيوم والحديد الممغنط تحفظ في العطور ذات السعر الغالي والعطور ذات الأهمية الكبيرة، لان عامل الضوء هو الأكثر تأثيرا على العطر ولأن العطور على شاكلتين أساسية وصناعية، الأساسية منها مثلا عطر التيروز والرازقي والفُل والقداح وهي عطور مناسبة الثمن نسبيا ومن هذه العطور يتم تصنيع العطور الصناعية. وكانت المحطة الثانية في جولتنا هذه اللقاء بالأخ حسن أبو علي صاحب محلات عطور سنتوريا، لنسأله عن العطور التي يراها مناسبة للعلاقات الاجتماعية المختلفة، وتأثير المواسم كالصيف والشتاء على نوعية العطور المقتناة فقال: العطور ليست فقط للأجواء الاجتماعية بل هنالك عطور خاصة منها عطور الزيارة والصلاة ومنها عطور تكون مناسبة لأجواء الفرح والسرور ومنها عطور خاصة للعلاقات الاجتماعية، ومنها مكانية، فكما نقول ( لكل مقام مقال فنقول تقريبا لكل مكان عطر معين)، أما من الناحية الزمانية للفصول أو المواسم ففي الشتاء تكون العطور المستخدمة هي عطور ذات رائحة قوية لأن قوة العطور تأتي من تفاعلها مع درجة الحرارة، لذلك تكون في الصيف عطورا هادئة، فلا يصلح أن نأتي بعطور تباع في الجنوب مثل البصرة أو الخليج للقيام ببيعها في محافظات الشمال أو الوسط وكذلك العكس وذلك لاختلاف الأجواء. وعن طريقة تحضير عطر معين لزبون ما وآلية ذلك قال: إن هذا الأمر يتوقف على ثقافة الشخص في اقتنائه للعطور فحينما يأتي شخص لعطر معين ومحدد في مخيلته ويقول أريد العطر الفلاني، وفي هذه الحالة يسهل علينا تحضير العطر المطلوب بسبب ثبات النسب التي يتكون منها، ولكن حينما يأتي شخص ويقول أريد شراء عطر للمناسبة الفلانية فإننا عندئذ نقوم بعرض أكثر من ثلاثة أنواع من العطور لذلك الشخص تتوافق مع تلك المناسبة ولا يبقى سوى تحديد العلبة والسعر، كما إننا نقوم كذلك أحيانا بعرض مناشئ مختلفة لنوع واحد من العطور (انكليزي أو فرنسي أو اسباني) مع التعريف بمميزات كل واحد منها ويبقى على المشتري تحديد ما يريد. وأضاف: هناك نقطة مهمة أود أن أشير إليها وهي أن المناطق المقدسة بشكل عام ككربلاء المقدسة والنجف الأشرف يميل أكثر مرتاديها والساكنين فيها إلى اقتناء عطر خاص كالعطر الموجود في الضريح الحسيني الشريف (مسك الحرم أو الورد المحمدي). الطب والعطور وفي جانب آخر يقف الجانب الطبي موقفا مغايرا لما يريده المجتمع خصوصا بعدما حذر علماء في السويد من استخدام العطور النسائية أثناء فترة الحمل معللين ذلك بأنها قد تؤدي إلى إصابة المواليد الذكور خاصة بالعقم. وجاء هذا التحذير بعد أن اكتشف العلماء وجود مستويات عالية من مواد كيميائية تسبب العقم، في تركيبة أنواع معروفة من العطور ومنتجات التجميل والزينة الأخرى، مثل عطر "شانيل 5"، و"عطر بويزون" من إنتاج كريستيان ديور، واتيرنيتي من كالفين كلاين وتريشور من لانكوم، إضافة إلى عدد من بخاخات تزيين الشعر، ومعطرات الجسد، والروائح المزيلة للعرق، ضمن أربعة وثلاثين من منتجات العطور والزينة الأخرى التي سجل فيها. ولأجل ذلك كان لا بد لنا من الاطلاع على تفاصيل هذا الجانب المهم والحيوي في هذا الموضوع فالتقينا بالدكتور نذير محمد جاسم طبيب الأنف والأذن والحنجرة، والذي يشغل منصب مدير قسم التخطيط في دائرة صحة كربلاء وأجرينا الحوار الآتي معه: * هل إن مرضى الربو والذين لديهم حساسية عليهم الابتعاد عن المنتجات العطرية، وهل تسبب صعوبة في التنفس أو تهيجات أخرى؟ ** المواد المعطرة أو الروائح مواد كيماوية متطايرة وهذه المواد المتطايرة يمكن أن تؤذي إذا ما وصلت إلى الأغشية المخاطية التي تبطن التجاويف الأنفية أو تجاويف الفم، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث حالة التهيج و زيادة الإفرازات، والذي بدوره سوف يؤدي إلى التضييق، مثلاً في مجرى القصبات الهوائية أو التضييق في مجرى التنفس من خلال تجاويف الأنف، كما يمكن أن يحصل احتقان في الأغشية المخاطية في البلعوم وهذا قد يشكل حالات ربو بسيطة وصعوبة التنفس أو انسداد في الأنف أو يحصل رشح وكل هذا يؤدي إلى مضايقة، فننصح المريض الذي يصاب بحساسية سابقة أو مستحدثة أن يبتعد عن العطور وبالأخص العطور الزيتية وأغلب العطور التي تعطي نتائج سلبية هي العطور النفاذة التي تكون فيها نسبة العطر قوية وخاصة في فترة الربيع، ففي الشهر الثالث والرابع يزداد عدد المراجعين المصابين في الحساسية بأنواعها: حساسية العين، حساسية الأنف، حساسية البلعوم، حساسية الحنجرة والقصبات، الربو القصبي، وكل هذه الأعراض أحد مسبباتها هو العطر، وهنالك مفارقة حصلت مع طبيب أخصائي باطنية وهو زميل لنا في نفس البناية حيث كان يعاني من بحة في الصوت، فراجع الكثير من زملائه ولم يصل إلى نتيجة، ويوما سألته سؤالا عابرا: هل تستخدم العطر بكثرة، قال: نعم وخاصة عند دخولي العيادة، فقلت له: أمتنع عن التعطر بهذا العطر، وحقيقة فقد استفاد من هذه النصيحة ولاحظ أن مسألة العطر كانت هي السبب الرئيس في بحة الصوت لديه، وحساسية الحنجرة التي كان يعاني منها، وأعتقد أن المادة الأساسية للعطر هي الكحول والكحول هو مادة مشتقة من النفط، وتضاف لها مطيبات ومواد كيماوية أخرى لكن هي بالنتيجة كلها مواد متطايرة ومتبخرة أسوة بالبنزين فالكثير من المراجعين لدينا يعانون من صعوبة في التنفس، حساسية القصبات، وحساسية الأنف. * نحن نعرف أن عضو الأنف هو العنصر الأساسي لنجاح العطور وتحسسها فكيف يعمل على تحسس العطور ويجتهد على التمايز فيما بينها؟ ** يوجد في الأنف أغشية مخاطية وهذه الأغشية المخاطية متكونة من خلايا، وفي هذه الخلايا توجد نهايات لعصب التحسس، ويوجد عصب داخل الأنف فمن خلاله يتم تحسس العطر والذي تصل إيعازاته إلى الدماغ، وتوجد مراكز معينة في الدماغ هي المسؤولة عن ترجمة نوع العطر (فإن الإيعاز يصل من الأنف إلى الدماغ ليعمل الدماغ على تفسير هذا الإيعاز مثل التحسس بالحرارة التذوق للطعام كلها تابعة لنفس المبدأ. * وهل تتشابه أنواع التحسس لدى الأشخاص أم تكون مختلفة؟ ** أن العصب المسؤول عن مسألة التحسس هو واحد لكن قد تختلف قوة العصب من شخص لآخر، فعند الإصابة مثلاً بالأنفلونزا لشخص ما تقل نسبة التحسس لديه بالنسبة للشخص السليم، فهذا المرض وهو أحد الأمراض البسيطة قد يؤدي إلى قلة التحسس في الأنف مثلاً، والالتهابات الأخرى بالأنف متعددة لكن عند الأشخاص الطبيعيين من الممكن أن تكون العملية متساوية إلا في حالات مرضية. وقد يحدث في بعض الأحيان أكثر من تهيج أو تحسس واحد ومن مؤثر واحد بمعنى انه ربما يكون هناك عطر واحد ولكنه يؤثر في أكثر من جهة فيحدث تهيج في العين والحنجرة والقصبات في وقت واحد ، وهناك مضار لبعض للعطور والروائح أهمها: - التنفس بصعوبة: وهو أول الأضرار التي يمكن أن يتعرض لها الشخص بمجرد استنشاقه المواد الكيميائية التي تدخل في تركيب هذه العطور وبالتالي تحدث لديه أزمات حادة في التنفس (أزمات الربو) وتشنجات للعضلات وإفرازات تسد ممرات الهواء وفي بعض الحالات المتقدمة لدى المصابين بحساسية شديدة قد تؤدى إلى الوفاة، أما بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أزمات الربو بالفعل ولهم تاريخ طويل، فمن الممكن التعرض لأزمات بعد أن كانت في حالة هدوء وتكون أزمات حادة. - وقد تصيب الروائح النفاذة للعطور بعض الأشخاص بالغثيان أو بالصداع النصفي، ناهيك عن تلوث الهواء وبمعنى أعم وأشمل تلوث البيئة. * ولكن قد يرد تساؤل وهو أن الناس كانت منذ القدم والى الآن تستخدم العطور، فلماذا ظهرت هذه المشكلات في وقتنا الحاضر؟ ** إن قضية المشاكل المتعلقة بها لم تظهر إلا في السنوات الأخيرة، هذا أمر يرجع إلى أن مكونات صناعة العطور سابقا كانت موادا ًطبيعية تشتق من النباتات والحيوانات، وبعد أن انخفضت أثمانها وأصبحت منتشرة مع سهولة الحصول عليها عن ذي قبل، وعملية التعقيد في صناعتها، كما أصبحت السمة الغالبة علي تكوينها غير طبيعية حيث أن 95 % من مكوناتها تشتق من المواد الكيميائية من البترول بالإضافة إلى السموم التي تؤدى إلى السرطان، التشوهات الخلقية، اضطرابات الجهاز العصبي والحساسية، لذا فعند شرائك لأي نوع من الروائح والعطور عليك بالتفكير هل تريد رائحة ذكية وصحة سيئة أم العكس!! بعد هذه الجولة المعطرة بالروائح والمعلومات الصحية الثمينة نضع أمام أصحاب القرار وهم العاملون في هذا المضمار مقترحا يدعوهم إلى العودة إلى الأصل الطبيعي للعطر والتقليل - أن لم نقل الامتناع عن المواد الكيمياوية التي أثبتت كل الدراسات العالمية تأثيرها السيئ على الصحة وعلى البيئة بشكل عام ودعوة أخرى تخص الجانب الزراعي بالاهتمام بزراعة النباتات الداخلة في هذه الصناعة المهمة لدعمها بالمواد الطبيعية لتجنيب المجتمع الإسلامي المتعلق بالعطر من مساوئه الكحولية. |
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
صناعة العطور ......بين تجميل الطبيعة والمضار الصحية
تقليص
X
-
صناعة العطور ......بين تجميل الطبيعة والمضار الصحية
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- اقتباس
تعليق