الصحيح فضل الزيارة الحسينيّة
الكتاب: الصحيح فضل الزيارة الحسينيّة.
المؤلّف: مهدي خُدّاميان الآراني.
الناشر: مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للآستانة الرضويّة المقدّسة ـ مشهد.
الطبعة: الأُولى ـ سنة 1432 هـ.
حقيقة تاريخيّة
هي أنّ الإسلام تعرّض لمخاطر كبيرة، وكثيرة، بعضها قصَدَ وأدَ الإسلام في أوائل ظهوره، وبعضها حاول تشويهه، وبعضها حاول خنقه بالإفقار والتعذيب والسجون والقتل والإبادة، وبعضها حاول تغييبه بحرق صحائف السنن وإبعاد خلفاء رسول الله صلّى الله عليه وآله عن القيام بمهامّ الوصاية النبويّة.. وفي كلّ مرّة ينهض أهلُ البيت عليهم السلام بالموقف الحازم والكلمة الصادعة، والسيف المناصر، وتقديم الدماء والمهج لإحياء هذا الدين من جديد.. فكان تأييد أمير المؤمنين عليه السلام للرسالة والرسول يوم الدار والإنذار، وليلة المبيت عند الهجرة، وفي ساحات المعارك الضارية، والصبر في المحن والشدائد، وحفظ القرآن والسنّة، ومحاربة المنافقين والمشركين والخوارج، والقاسطين والمارقين والخاذلين والناكثين، فكان من الطبيعيّ من هؤلاء أن تتأجّج في نفوسهم أحقادٌ بدريّة وخيبريّة وحُنَينيّة وغيرها، فجهدوا أن يغدروا به، فقتلوه في محراب العبادة بعد أن أرداهم في سُوح الجهاد.. ثمّ تعقّبوا أولاده الأئمّة الميامين سلام الله عليهم أجمعين، فقُتِل مَن قُتِل، وسُبِيَ مَن سُبي، وأُقصيَ مَن أُقصي.. حتّى قالت الزيارة الجامعة لأئمّة المؤمنين تخاطبهم:
« فَلَو عاينكمُ المصطفى وسِهامُ الأمّة مُغرَقةٌ في أكبادِكم، ورِماحُهم مُشرَعةٌ في نُحورِكم، وسيوفُها مُولَغةٌ في دِمائِكم،... وأنتم بينَ صريعٍ في المحرابِ قد فَلَق السيف هامتَه، وشهيدٍ فوقَ الجَنازةِ قد شُكَّت أكفانُه بالسهام، وقَتيلٍ بالعَراء قد رُفع فوق القَناةِ رأسُه، ومكبَّلٍ في السجن قد رُضَّت بالحديد أعضاؤُه، ومسمومٍ قد قُطِّعَت بِجُرَعِ السَّمِّ أمعاؤُه ».
وتعالت عزمة الشياطين بالإفناء، فخَسِئوا وخابوا، فإذا هي قبور الأئمّة تملأ الآفاق هيبةً ونوراً وعِزّاً وشرفاً وكرامة، تحجّ إليها القلوبُ والأرواح، فصدّق التاريخ ما جرى على لسان الصدق من العقيلة زينب الكبرى صلوات الله عليها، حيث قالت لابن أخيها وإمامها زين العابدين عليه السلام لمّا رأى مشهد الطفّ يومَ الحادي عشر من المحرّم قُبيلَ الرحيل من كربلاء، وقد أخذ يجود بنفسه المقدّسة:
« ما لي أراكَ تجودُ بنفسك يا بقيّةَ جَدّي وأبي وإخوتي! فَوَ اللهِ إنّ هذا لَعهدٌ من الله إلى جَدِّك وأبيك، ولقد أخذ اللهُ ميثاقَ أُناسٍ لا تعرفهم فراعنةُ هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، أنّهم يجمعون هذه الأعضاءَ المقطّعة، والجسومَ المضرَّجة، فيُوارونها، وينصبون بهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيّدِ الشهداء لا يُدرَس أثرُه ولا يُمحى رسمه على كُرُر الليالي والأيّام، ولَيَجتهِدَنّ أئمّةُ الكفر وأشياعُ الضَّلال في محوه وتطميسه، فلا يَزداد إلاّ عُلُوّاً » ( كامل الزيارات لابن قولويه:261 ـ الباب 88 فضل كربلاء وزيارة الحسين عليه السلام ).
وكان منها سلام الله عليها إخبارٌ صادقٌ آخر، يومَ خطبت في قصر يزيد فوبّخت هذا الطاغية بعباراتٍ قامعة، حتّى بلغ بها القول: « فَكِدْ كيدَك، واسعَ سعيَك، وناصِبْ جَهَدك، فوَ اللهِ لا تمحو ذِكرَنا، ولا تُميت وَحْيَنا » ( بلاغات النساء لابن طيفور:21 ـ ط النجف الأشرف، ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي الحنفي 64:2 ).
وكانت للإمام الحسين عليه السلام عمارات تُشيّد كلّما هدمتها معاول الحاقدين، لكنّها ارتقت وشمخت، وأصبح حلها حَرَمٌ وحُرَم، وامتدّت لها مسالك من جميع الأطراف والطُّرق فضلاً عن طُرق السماوات، وبدأ الزحف المليونيّ يتعاقب عليها من جميع الأجناس والأمم فضلاً عن أفواج الملائكة والأرواح القدسيّة الطاهرة، كلُّها تنعم وتتشرّف بزيارة المولى أبي عبدالله الحسين سيّد شباب أهل الجنّة وسيّد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه.
هذا، وأحاديث الزيارة الحسينيّة المباركة تتوافد على الأسماع والقلوب، وتحتضنها القراطيس والصحائف، تدعو إلى التواصل مع وليّ الله محبّةً وشوقاً، وفزعةً إلى زيارة ضريحه النيّر، والانتهال من ذلك المعين النوراني، ففيه إحياء أمر آل الله، وفيه بعد ذلك إحياءُ الإسلام وإحياء حياة المسلمين وكرامتهم وسعادتهم.
وهذا الكتاب، في الوقت الذي يثبّت صحة الأحاديث الواردة في فضل زيارة الحسين عليه السلام، ينضمّ إلى آلاف الكتب المؤلّفة في سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين سلام الله عليه والتي تُعدّ له منقبةً كبرى وكرامةً عظمى، إذ يمر على شهادته عليه السلام ما يقرب من 1400 سنة، وما تزال ذكرياته تطبّق الأرجاءَ والآفاق، وتملأ التواريخ إذعاناً بفضائله ومقاماته، وما زال ذِكرُه يعبق آناء الليل وأطراف النهار، وما تزال وفود المحبّبن والموالين والمُعجَبين تتزاحم عند ضريحه الطاهر وتحت قبّته الشامخة، تنهل هناك أطيب الحالات الروحيّة، وأسمى معاني الإنسانيّة.
وذلك هو أحد أدلّة الفضل العظيم لزيارة الحسين الشهيد عليه السلام، ولكنّ المؤلّف جاء لنا في كتابه النافع هذا بدليلٍ علميّ روائيّ استدلاليّ في ذلك الفضل الذي عَرَفته القلوب، واستشعرته النفوس والضمائر، واستلهمته الأرواح النقيّة من خلال النسمات الحسينيّة.. فإلى الكتاب.
من كلمة الناشر
إنّ مجمع البحوث الإسلاميّة، إذ يعتزّ بما وُفِّق إليه وقدّمه من جهود في إحياء مصادر المعارف الإسلاميّة، يقدّم لقرّائه الكرام هذا الكتاب، حيث يتناول بالتحقيق الأحاديث التي وردت في فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام رجاليّاً، مكتفياً بذكر أحد عشر حديثاً صحيحاً منها، حيث يقوم بعرض الأخبار الصحيحة، وبسط الكلام في بيان حال رواتها، وتحقيق المصادر الأوّليّة لها. كلُّ هذا والمؤلّف يسعى إلى إثبات أنّ هذه الأحاديث قد أُخِذت من المصادر التي عليها المعوَّل عند القدماء من أصحابنا، مكتفياً بالأحاديث التي كان لرواتها في كتب الرجال توثيق صريح.
وباختصار، فهذا الكتاب هو حركة علمية جديدة يقوم بها المؤلّف من أجل الأخذ بيد القارئ الكريم نحو الثقافة الإسلاميّة الحقّة، بأسلوبها الأصيل المرتكز على الأسانيد التاريخيّة.
من كلمة المؤلّف
هذا الكتاب يبيّن ـ بدراسةٍ فنيّة ـ صحّةَ الأحاديث التي ذُكر فيها فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام وآثارها، وقد قدّمت له مقدّمةً تناولت فيها أصل مشروعيّة الزيارة في: القرآن الكريم، والسنّة النبويّة. ثمّ قمتُ بسرد أحد عشر حديثاً صحيحاً، وبسطتُ الكلام في بيان حال رواتها، وحقّقت مصادرها الأولى وهي المعوَّل عليها، والتي كان لرواتها في كتب الرجال توثيق خاص، وأعني بكتب الرجال هنا: رجال الكشّي، ورجال النجاشي، وفهرست الطوسي، وخلاصة الأقوال للعلاّمة الحلّي، ورجال ابن داود. وهذه الأحاديث التي تناولتُها هي من الأحاديث الصحيحة الأعلائية، أي ما كان رواتها في كلّ مرتبةٍ معلومي الإماميّة والعدالة والضبط.
أمّا المقدّمة
فقد جاءت فيها هذه الفقرات.
• هناك أحاديث كثيرة في فضل زيارة قبر النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وقبور الأئمّة الأطهار عليهم السلام وشدِّ الرحال إلى مقابرهم، وحثّ الشرع على زيارتها. وقد قرّرت ذلك سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، كما أكّدته الأحاديث الواردة عند سائر المذاهب الإسلاميّة، وعظّمه الصحابة في عهد النبيّ، ثمّ التابعون إلى يومنا هذا، عملاً بقوله تعالى: ومَن يُعظِّمْ شعائرَ اللهِ فإنّها مِن تَقوى القُلوب [ الحجّ:32 ].
• والزيارة هي عقد ولاءٍ بين الزائر والمزور... وعملٌ يؤدّيه الزائر وفاءً للمتوفّى المزور... وهي صورة من صور الشكر للمزور، لما قام به في حياته من الهداية والإرشاد... والزيارة هي توثيق عرى الولاء للشخصيّات الروحية.
ثمّ تناول المؤلّف ـ بإيجاز ـ الأدلّة الشرعيّة للزيارة على ضوء آيات القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وبيّن فضيلتها. بعد ذلك تعرّض إلى بيان المحتويات العامّة للكتاب قائلاً:
سنذكر الأحاديث الواردة في فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام، مثبّتين صحتها في علم الرجال، في فصولٍ ثلاثة:
الفصل الأوّل: لزوم زيارة الإمام الحسين عليه السلام: ـ نذكر فيه صحيحتين: صحيحة محمّد بن مسلم، وصحيحة سعيد الأعرج.
الفصل الثاني: فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام: ـ ذاكرين ما يدلّ على ثواب زيارته عليه السلام وفضيلتها، وذلك من خلال ستّ صحاح: صحيحة عُيَينة بن ميمون، وصحيحة الحسن بن الجَهْم، وصحيحةَ أحمد البزنطي، وصحيحة ابن أبي يعفور، وصحيحة معاوية بن وهب، وصحيحة زيد الشحّام.
أمّا الفصل الثالث: فهو حول آثار زيارة الإمام الحسين عليه السلام: ـ نحو طول العمر، وبركات الزيارة المعنوية، ودفع البلايا، وما أشبه ذلك من خلال ثلاث روايات: صحيحة منصور بن حازم، ومصحّحة الريّان بن شبيب، وصحيحة أبي حمزة الثُّمالي.
ونذكر في مطاوي البحث ـ بعد إثبات صحّة الأحاديث ـ أخباراً أُخَر، مضامينها قريبة من الأحاديث الصحيحة.
لماذا كلّ هذا ؟!
لابدّ أنّ له دلائلَه، ولعلّ منها:
ـ أنّ المؤلّف أراد أن يثبّت موضوعاً مهمّاً في الحياة الدينيّة، وهو الصلّة بأبي عبدالله سيّد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام.
ـ أو أراد أن يقمع شبهةً تافهةً تدّعي أنّ زيارة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام في قبورهم الطاهرة النيّرة بدعة، وكان لابدّ من قمعٍ علميٍّ استدلاليّ، رجاليٍّ روائي. وقد وُفِّق المؤلّف إلى ذلك في ساحة محدودة هو اختارها، وإلاّ فالفطرة النقيّة تجنح إلى الصلة مع أولياء الله تبارك وتعالى، والأحاديث في فضائل الزيارة تُجمَع في مجلَّدات.
ـ أو لعلّ الإرادة الإلهيّة الحكيمة شاءت أن يكون لحبيب الله سيّد شباب أهل الجنّة صلوات الله عليه ذِكرٌ متّصلٌ دائم في كلّ زمان ومكان، وفي كلّ ناحيةٍ من نواحي الحياة؛ لتبقى الكرامة الحسينيّة ماثلةً قائمةً سامقة تُشرق بالحجّة البالغة.
الكتاب: الصحيح فضل الزيارة الحسينيّة.
المؤلّف: مهدي خُدّاميان الآراني.
الناشر: مجمع البحوث الإسلاميّة التابع للآستانة الرضويّة المقدّسة ـ مشهد.
الطبعة: الأُولى ـ سنة 1432 هـ.
حقيقة تاريخيّة
هي أنّ الإسلام تعرّض لمخاطر كبيرة، وكثيرة، بعضها قصَدَ وأدَ الإسلام في أوائل ظهوره، وبعضها حاول تشويهه، وبعضها حاول خنقه بالإفقار والتعذيب والسجون والقتل والإبادة، وبعضها حاول تغييبه بحرق صحائف السنن وإبعاد خلفاء رسول الله صلّى الله عليه وآله عن القيام بمهامّ الوصاية النبويّة.. وفي كلّ مرّة ينهض أهلُ البيت عليهم السلام بالموقف الحازم والكلمة الصادعة، والسيف المناصر، وتقديم الدماء والمهج لإحياء هذا الدين من جديد.. فكان تأييد أمير المؤمنين عليه السلام للرسالة والرسول يوم الدار والإنذار، وليلة المبيت عند الهجرة، وفي ساحات المعارك الضارية، والصبر في المحن والشدائد، وحفظ القرآن والسنّة، ومحاربة المنافقين والمشركين والخوارج، والقاسطين والمارقين والخاذلين والناكثين، فكان من الطبيعيّ من هؤلاء أن تتأجّج في نفوسهم أحقادٌ بدريّة وخيبريّة وحُنَينيّة وغيرها، فجهدوا أن يغدروا به، فقتلوه في محراب العبادة بعد أن أرداهم في سُوح الجهاد.. ثمّ تعقّبوا أولاده الأئمّة الميامين سلام الله عليهم أجمعين، فقُتِل مَن قُتِل، وسُبِيَ مَن سُبي، وأُقصيَ مَن أُقصي.. حتّى قالت الزيارة الجامعة لأئمّة المؤمنين تخاطبهم:
« فَلَو عاينكمُ المصطفى وسِهامُ الأمّة مُغرَقةٌ في أكبادِكم، ورِماحُهم مُشرَعةٌ في نُحورِكم، وسيوفُها مُولَغةٌ في دِمائِكم،... وأنتم بينَ صريعٍ في المحرابِ قد فَلَق السيف هامتَه، وشهيدٍ فوقَ الجَنازةِ قد شُكَّت أكفانُه بالسهام، وقَتيلٍ بالعَراء قد رُفع فوق القَناةِ رأسُه، ومكبَّلٍ في السجن قد رُضَّت بالحديد أعضاؤُه، ومسمومٍ قد قُطِّعَت بِجُرَعِ السَّمِّ أمعاؤُه ».
وتعالت عزمة الشياطين بالإفناء، فخَسِئوا وخابوا، فإذا هي قبور الأئمّة تملأ الآفاق هيبةً ونوراً وعِزّاً وشرفاً وكرامة، تحجّ إليها القلوبُ والأرواح، فصدّق التاريخ ما جرى على لسان الصدق من العقيلة زينب الكبرى صلوات الله عليها، حيث قالت لابن أخيها وإمامها زين العابدين عليه السلام لمّا رأى مشهد الطفّ يومَ الحادي عشر من المحرّم قُبيلَ الرحيل من كربلاء، وقد أخذ يجود بنفسه المقدّسة:
« ما لي أراكَ تجودُ بنفسك يا بقيّةَ جَدّي وأبي وإخوتي! فَوَ اللهِ إنّ هذا لَعهدٌ من الله إلى جَدِّك وأبيك، ولقد أخذ اللهُ ميثاقَ أُناسٍ لا تعرفهم فراعنةُ هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، أنّهم يجمعون هذه الأعضاءَ المقطّعة، والجسومَ المضرَّجة، فيُوارونها، وينصبون بهذا الطفّ عَلَماً لقبر أبيك سيّدِ الشهداء لا يُدرَس أثرُه ولا يُمحى رسمه على كُرُر الليالي والأيّام، ولَيَجتهِدَنّ أئمّةُ الكفر وأشياعُ الضَّلال في محوه وتطميسه، فلا يَزداد إلاّ عُلُوّاً » ( كامل الزيارات لابن قولويه:261 ـ الباب 88 فضل كربلاء وزيارة الحسين عليه السلام ).
وكان منها سلام الله عليها إخبارٌ صادقٌ آخر، يومَ خطبت في قصر يزيد فوبّخت هذا الطاغية بعباراتٍ قامعة، حتّى بلغ بها القول: « فَكِدْ كيدَك، واسعَ سعيَك، وناصِبْ جَهَدك، فوَ اللهِ لا تمحو ذِكرَنا، ولا تُميت وَحْيَنا » ( بلاغات النساء لابن طيفور:21 ـ ط النجف الأشرف، ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي الحنفي 64:2 ).
وكانت للإمام الحسين عليه السلام عمارات تُشيّد كلّما هدمتها معاول الحاقدين، لكنّها ارتقت وشمخت، وأصبح حلها حَرَمٌ وحُرَم، وامتدّت لها مسالك من جميع الأطراف والطُّرق فضلاً عن طُرق السماوات، وبدأ الزحف المليونيّ يتعاقب عليها من جميع الأجناس والأمم فضلاً عن أفواج الملائكة والأرواح القدسيّة الطاهرة، كلُّها تنعم وتتشرّف بزيارة المولى أبي عبدالله الحسين سيّد شباب أهل الجنّة وسيّد الشهداء صلوات الله وسلامه عليه.
هذا، وأحاديث الزيارة الحسينيّة المباركة تتوافد على الأسماع والقلوب، وتحتضنها القراطيس والصحائف، تدعو إلى التواصل مع وليّ الله محبّةً وشوقاً، وفزعةً إلى زيارة ضريحه النيّر، والانتهال من ذلك المعين النوراني، ففيه إحياء أمر آل الله، وفيه بعد ذلك إحياءُ الإسلام وإحياء حياة المسلمين وكرامتهم وسعادتهم.
وهذا الكتاب، في الوقت الذي يثبّت صحة الأحاديث الواردة في فضل زيارة الحسين عليه السلام، ينضمّ إلى آلاف الكتب المؤلّفة في سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين سلام الله عليه والتي تُعدّ له منقبةً كبرى وكرامةً عظمى، إذ يمر على شهادته عليه السلام ما يقرب من 1400 سنة، وما تزال ذكرياته تطبّق الأرجاءَ والآفاق، وتملأ التواريخ إذعاناً بفضائله ومقاماته، وما زال ذِكرُه يعبق آناء الليل وأطراف النهار، وما تزال وفود المحبّبن والموالين والمُعجَبين تتزاحم عند ضريحه الطاهر وتحت قبّته الشامخة، تنهل هناك أطيب الحالات الروحيّة، وأسمى معاني الإنسانيّة.
وذلك هو أحد أدلّة الفضل العظيم لزيارة الحسين الشهيد عليه السلام، ولكنّ المؤلّف جاء لنا في كتابه النافع هذا بدليلٍ علميّ روائيّ استدلاليّ في ذلك الفضل الذي عَرَفته القلوب، واستشعرته النفوس والضمائر، واستلهمته الأرواح النقيّة من خلال النسمات الحسينيّة.. فإلى الكتاب.
من كلمة الناشر
إنّ مجمع البحوث الإسلاميّة، إذ يعتزّ بما وُفِّق إليه وقدّمه من جهود في إحياء مصادر المعارف الإسلاميّة، يقدّم لقرّائه الكرام هذا الكتاب، حيث يتناول بالتحقيق الأحاديث التي وردت في فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام رجاليّاً، مكتفياً بذكر أحد عشر حديثاً صحيحاً منها، حيث يقوم بعرض الأخبار الصحيحة، وبسط الكلام في بيان حال رواتها، وتحقيق المصادر الأوّليّة لها. كلُّ هذا والمؤلّف يسعى إلى إثبات أنّ هذه الأحاديث قد أُخِذت من المصادر التي عليها المعوَّل عند القدماء من أصحابنا، مكتفياً بالأحاديث التي كان لرواتها في كتب الرجال توثيق صريح.
وباختصار، فهذا الكتاب هو حركة علمية جديدة يقوم بها المؤلّف من أجل الأخذ بيد القارئ الكريم نحو الثقافة الإسلاميّة الحقّة، بأسلوبها الأصيل المرتكز على الأسانيد التاريخيّة.
من كلمة المؤلّف
هذا الكتاب يبيّن ـ بدراسةٍ فنيّة ـ صحّةَ الأحاديث التي ذُكر فيها فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام وآثارها، وقد قدّمت له مقدّمةً تناولت فيها أصل مشروعيّة الزيارة في: القرآن الكريم، والسنّة النبويّة. ثمّ قمتُ بسرد أحد عشر حديثاً صحيحاً، وبسطتُ الكلام في بيان حال رواتها، وحقّقت مصادرها الأولى وهي المعوَّل عليها، والتي كان لرواتها في كتب الرجال توثيق خاص، وأعني بكتب الرجال هنا: رجال الكشّي، ورجال النجاشي، وفهرست الطوسي، وخلاصة الأقوال للعلاّمة الحلّي، ورجال ابن داود. وهذه الأحاديث التي تناولتُها هي من الأحاديث الصحيحة الأعلائية، أي ما كان رواتها في كلّ مرتبةٍ معلومي الإماميّة والعدالة والضبط.
أمّا المقدّمة
فقد جاءت فيها هذه الفقرات.
• هناك أحاديث كثيرة في فضل زيارة قبر النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم وقبور الأئمّة الأطهار عليهم السلام وشدِّ الرحال إلى مقابرهم، وحثّ الشرع على زيارتها. وقد قرّرت ذلك سيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، كما أكّدته الأحاديث الواردة عند سائر المذاهب الإسلاميّة، وعظّمه الصحابة في عهد النبيّ، ثمّ التابعون إلى يومنا هذا، عملاً بقوله تعالى: ومَن يُعظِّمْ شعائرَ اللهِ فإنّها مِن تَقوى القُلوب [ الحجّ:32 ].
• والزيارة هي عقد ولاءٍ بين الزائر والمزور... وعملٌ يؤدّيه الزائر وفاءً للمتوفّى المزور... وهي صورة من صور الشكر للمزور، لما قام به في حياته من الهداية والإرشاد... والزيارة هي توثيق عرى الولاء للشخصيّات الروحية.
ثمّ تناول المؤلّف ـ بإيجاز ـ الأدلّة الشرعيّة للزيارة على ضوء آيات القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وبيّن فضيلتها. بعد ذلك تعرّض إلى بيان المحتويات العامّة للكتاب قائلاً:
سنذكر الأحاديث الواردة في فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام، مثبّتين صحتها في علم الرجال، في فصولٍ ثلاثة:
الفصل الأوّل: لزوم زيارة الإمام الحسين عليه السلام: ـ نذكر فيه صحيحتين: صحيحة محمّد بن مسلم، وصحيحة سعيد الأعرج.
الفصل الثاني: فضل زيارة الإمام الحسين عليه السلام: ـ ذاكرين ما يدلّ على ثواب زيارته عليه السلام وفضيلتها، وذلك من خلال ستّ صحاح: صحيحة عُيَينة بن ميمون، وصحيحة الحسن بن الجَهْم، وصحيحةَ أحمد البزنطي، وصحيحة ابن أبي يعفور، وصحيحة معاوية بن وهب، وصحيحة زيد الشحّام.
أمّا الفصل الثالث: فهو حول آثار زيارة الإمام الحسين عليه السلام: ـ نحو طول العمر، وبركات الزيارة المعنوية، ودفع البلايا، وما أشبه ذلك من خلال ثلاث روايات: صحيحة منصور بن حازم، ومصحّحة الريّان بن شبيب، وصحيحة أبي حمزة الثُّمالي.
ونذكر في مطاوي البحث ـ بعد إثبات صحّة الأحاديث ـ أخباراً أُخَر، مضامينها قريبة من الأحاديث الصحيحة.
لماذا كلّ هذا ؟!
لابدّ أنّ له دلائلَه، ولعلّ منها:
ـ أنّ المؤلّف أراد أن يثبّت موضوعاً مهمّاً في الحياة الدينيّة، وهو الصلّة بأبي عبدالله سيّد الشهداء عليه أفضل الصلاة والسلام.
ـ أو أراد أن يقمع شبهةً تافهةً تدّعي أنّ زيارة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام في قبورهم الطاهرة النيّرة بدعة، وكان لابدّ من قمعٍ علميٍّ استدلاليّ، رجاليٍّ روائي. وقد وُفِّق المؤلّف إلى ذلك في ساحة محدودة هو اختارها، وإلاّ فالفطرة النقيّة تجنح إلى الصلة مع أولياء الله تبارك وتعالى، والأحاديث في فضائل الزيارة تُجمَع في مجلَّدات.
ـ أو لعلّ الإرادة الإلهيّة الحكيمة شاءت أن يكون لحبيب الله سيّد شباب أهل الجنّة صلوات الله عليه ذِكرٌ متّصلٌ دائم في كلّ زمان ومكان، وفي كلّ ناحيةٍ من نواحي الحياة؛ لتبقى الكرامة الحسينيّة ماثلةً قائمةً سامقة تُشرق بالحجّة البالغة.