عن المناسبات
سؤال: ما رأيكم في لبس السواد في عزاء الإمام الحسين عليه السّلام والأئمّة الطاهرين عليهم السّلام، هل له رُجْحان شرعيّ ؟
الجواب: لمّا كان لبس السواد شعاراً للحزن والمُصاب والعزاء، فإنّ لبسه في عزاء سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السّلام وسائر الأئمّة المعصومين عليهم السّلام ـ بلا شكّ ـ أمر راجح، وتعظيماً من الإنسان المؤمن لشعائر الله تعالى، وإعلاناً منه لتولّيهم لهم وتبرّيه من قَتَلتهم وظالميهم وغاصبي حقوقهم.
وإنّ إحدى شعائر الشيعة في العراق خلال الأيام العشر الأُوَل من المحرّم هو نَصْبُ الأعلام السوداء على سُطوح المنازل. ويقيناً أنّ لبس السواد ونصب الأعلام والرايات السوداء في البيوت والحسينيّات والمجالس يتضمّن دروساً كبيرة تؤدّي إلى تعالي الأفكار وبلورة المشاعر الدينيّة والإنسانيّة، وهي بأجمعها أمرٌ راجح، وسببٌ في إحياء أمر أهل البيت عليهم السّلام وتحكيم العلائق معهم وتجديدِ الميثاق والبيعة لهم، وإعلان عن الانتماء إلى جانب الحقّ، والنفور والبراءة من أعداء الله الظلَمة.
ويُلاحظ أنّ مسألة كراهة لبس السواد قد استند القائلون بها على أمرين، أوّلهما الإجماع، ونلاحظ أن لا إجماع هنا.
والثاني: الأخبار؛ بينما يُشاهد أن هذه الأخبار مُرسَلَة وضعيفة، ولذلك فإنّها ليست بذات اعتبارٍ من جهة السند.
وعلى فرض جَبْرِ ضَعف أسانيد هذه الأحاديث، فإنّ دلالتها على الكراهة المطلقة أمر لا يمكن إثباتُه. فقد وردت هذه الأحاديث في النهي عن التشبّه ببني العبّاس الذين اتّخذوا من السواد شعاراً لهم، فكانت هذه الأحاديث ناظرة إلى النهي عن التشبّه بهم باعتبار أنّ لبس السواد كان من مصاديق التلبّس بلباس الظَّلَمة.
أمّا وقد ذهب بنو العبّاس وذهب معهم شعارُهم، فقد أضحى هذا العنوان بلا موضوع.
وقد نقل المحدّث المشهور أحمد بن محمد البَرقي ـ من الطبقة السابعة ـ في كتابه ( المحاسن ) بإسناده عن عمر بن علي بن الحسين، قال: « لمّا قُتِل الحسينُ بن عليّ عليهما السّلام لَبس نساءُ بني هاشم السَّوادَ والمُسوحَ، وكُنَّ لا يَشتَكِينَ من حَرِّ ولا بَردٍ، وكان عليُّ بنُ الحسينِ عليهما السّلام يَعملُ لَهُنَّ الطَّعام للمأتم »
(1)
.
ويُستنتج من هذا الحديث الشريف الذي رواه أعاظم علماء الشيعة جملة أمور:
1 ـ أنّ لبس السواد في المأتم والعزاء كان رائجاً في الصدر الأوّل، ولذلك لبست نساءُ بني هاشم السوادَ في عزاء الإمام الحسين عليه السّلام.
2 ـ أنّ حثّ الإمام السجاد عليه السّلام على هذا العمل دليل على رجحانه. بل على استجابه المؤكّد. وإنّ المستفاد من هذا الحديث وأمثاله هو أنّ إظهار الحزن في مصاب الإمام الحسين عليه السّلام بكلّ نحوٍ مشروع ـ يدعوه العُرف حُزناً على المصاب ـ أمرٌ راجحٌ ومستحبّ يحصل فاعلُه على الأجر العظيم والثواب الجزيل.