بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
العفو على ما ذكره الراغب ـ وهو المعنى المتحصل من موارد استعمالاته ـ هو: القصد لتناول الشيء، يقال: عفاه واعتفاه، أي: قصده متناولاً ما عنده، و: عفت الريح الدار، أي: قصدتها متناولة آثارها.
وكأنّ قولهم عفت الدار إذ بلت مبني على عناية لطيفة، وهي أنّ الدار كأنّها قصدت آثار نفسها وظواهر زينتها ، فأخذته فغابت عن أعين الناظرين، وبهذه العناية ينسب العفو إليه تعالى كأنّه تعالى يعني بالعبد، فيأخذ ما عنده من الذنب ويتركه بلا ذنب .
ومن هنا يظهر أنّ المغفرة - وهو: الستر - متفرّع عليه بحسب الاعتبار، فإنّ الشيء - كالذنب مثلاً - يؤخذ ويتناول أوّلاً، ثمّ يستر عليه فلا يظهر ذنب المذنب لا عند نفسه ولا عند غيره .
فقال تعالى: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا} ,وقال: {وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا}
وقد تبيَّن بذلك أنّ العفو والمغفرة وإن كانا مختلفين متفرّعاً أحدهما على الآخر بحسب العناية الذهنية، لكنّهما بحسب المصداق واحد، وأنّ معناهما ليس من المعاني المختصّة به تعالى، بل يصح إطلاقهما على غيره تعالى بما لهما من المعنى.
فقال تعالى: {إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}
وقال تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللهِ}
وقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}
فأمر نبيّه صلّى الله عليه وآله أن يعفو عنهم، فلا يرتّب الأثر على معصيتهم من المؤاخذة والعتاب والإعراض ونحو ذلك، وأن يستغفر فيسأل الله أن يغفر لهم، وهو تعالى فاعله لا محالة فيما يرجع إليه من آثار الذنب.
وقد تبيَّن أيضاً أنّ معنى العفو والمغفرة يمكن أن يتعلّق بالآثار التكوينية والتشريعية والدنيوية والأخروية جميعاً، فقال تعالى
: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} والآية شاملة للآثار والعواقب الدنيوية قطعاً.
ومثله قوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ} على ظاهر معناه.
وكذا قول آدم وزوجته فيما حكاه الله عنهما: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} بناء على أنّ ظلمهما كان معصية لنهي إرشادي لا مولوي.
والآيات الكثيرة القرآنية دالّة على أنّ القرب والزلفى من الله والتنعّم بنعم الجنّة يتوقّف على سبق المغفرة الإلهية، وإزالة رين الشرك والذنوب بتوبة ونحوها، كما قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
وقال تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}
وبالجملة: العفو والمغفرة من قبيل إزالة المانع ورفع المُنافي المضاد، وقد عدَّ الله سبحانه الإيمان والدار الآخرة حياةً، وآثار الإيمان وأفعال أهل الآخرة وسيرهم الحيوي نوراً، كما قال تعالى: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا}
وقال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ}
فالشرك موت، والمعاصي ظلمات، فقال تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}
فالمغفرة إزالة الموت والظلمة، وإنّما تكون بحياة وهو الإيمان، ونور وهو الرحمة الإلهية.
فالكافر لا حياة له ولا نور، والمؤمن المغفور له لهُ حياة ونور، والمؤمن إذا كان معه سيئات حي لم يتمّ له نوره، وإنما يتمّ بالمغفرة.
فقال تعالى: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا}
فظهر من جميع ما تقدّم أنّ مصداق العفو والمغفرة إذا نسب إليه تعالى في الأمور التكوينية كان إزالة المانع بإيراد سبب يدفعه، وفي الأمور التشريعية إزالة السبب المانع عن الإرفاق ونحوه، وفي مورد السعادة والشقاوة إزالة المانع عن السعادة.
أسالكم الدعاء ..
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
العفو على ما ذكره الراغب ـ وهو المعنى المتحصل من موارد استعمالاته ـ هو: القصد لتناول الشيء، يقال: عفاه واعتفاه، أي: قصده متناولاً ما عنده، و: عفت الريح الدار، أي: قصدتها متناولة آثارها.
وكأنّ قولهم عفت الدار إذ بلت مبني على عناية لطيفة، وهي أنّ الدار كأنّها قصدت آثار نفسها وظواهر زينتها ، فأخذته فغابت عن أعين الناظرين، وبهذه العناية ينسب العفو إليه تعالى كأنّه تعالى يعني بالعبد، فيأخذ ما عنده من الذنب ويتركه بلا ذنب .
ومن هنا يظهر أنّ المغفرة - وهو: الستر - متفرّع عليه بحسب الاعتبار، فإنّ الشيء - كالذنب مثلاً - يؤخذ ويتناول أوّلاً، ثمّ يستر عليه فلا يظهر ذنب المذنب لا عند نفسه ولا عند غيره .
فقال تعالى: {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا} ,وقال: {وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا}
وقد تبيَّن بذلك أنّ العفو والمغفرة وإن كانا مختلفين متفرّعاً أحدهما على الآخر بحسب العناية الذهنية، لكنّهما بحسب المصداق واحد، وأنّ معناهما ليس من المعاني المختصّة به تعالى، بل يصح إطلاقهما على غيره تعالى بما لهما من المعنى.
فقال تعالى: {إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}
وقال تعالى: {قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللهِ}
وقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}
فأمر نبيّه صلّى الله عليه وآله أن يعفو عنهم، فلا يرتّب الأثر على معصيتهم من المؤاخذة والعتاب والإعراض ونحو ذلك، وأن يستغفر فيسأل الله أن يغفر لهم، وهو تعالى فاعله لا محالة فيما يرجع إليه من آثار الذنب.
وقد تبيَّن أيضاً أنّ معنى العفو والمغفرة يمكن أن يتعلّق بالآثار التكوينية والتشريعية والدنيوية والأخروية جميعاً، فقال تعالى
: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} والآية شاملة للآثار والعواقب الدنيوية قطعاً.
ومثله قوله تعالى: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي الْأَرْضِ} على ظاهر معناه.
وكذا قول آدم وزوجته فيما حكاه الله عنهما: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} بناء على أنّ ظلمهما كان معصية لنهي إرشادي لا مولوي.
والآيات الكثيرة القرآنية دالّة على أنّ القرب والزلفى من الله والتنعّم بنعم الجنّة يتوقّف على سبق المغفرة الإلهية، وإزالة رين الشرك والذنوب بتوبة ونحوها، كما قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
وقال تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}
وبالجملة: العفو والمغفرة من قبيل إزالة المانع ورفع المُنافي المضاد، وقد عدَّ الله سبحانه الإيمان والدار الآخرة حياةً، وآثار الإيمان وأفعال أهل الآخرة وسيرهم الحيوي نوراً، كما قال تعالى: {أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا}
وقال تعالى: {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ}
فالشرك موت، والمعاصي ظلمات، فقال تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}
فالمغفرة إزالة الموت والظلمة، وإنّما تكون بحياة وهو الإيمان، ونور وهو الرحمة الإلهية.
فالكافر لا حياة له ولا نور، والمؤمن المغفور له لهُ حياة ونور، والمؤمن إذا كان معه سيئات حي لم يتمّ له نوره، وإنما يتمّ بالمغفرة.
فقال تعالى: {نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا}
فظهر من جميع ما تقدّم أنّ مصداق العفو والمغفرة إذا نسب إليه تعالى في الأمور التكوينية كان إزالة المانع بإيراد سبب يدفعه، وفي الأمور التشريعية إزالة السبب المانع عن الإرفاق ونحوه، وفي مورد السعادة والشقاوة إزالة المانع عن السعادة.
أسالكم الدعاء ..
تعليق