بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الحمد ومستحقه، وصلواته على خير خلقه محمدٍ وآله المعصومين، ولعنته الدائمة على اعدائهم أجمعين.
رأيت أن بعض الزملاء السلفية يجهلون مذهب أهل البيت عليهم السلام في مسئلة الرؤية، علمأً بأنهم عليهم السلام قد أكدوا بشكل واضح امتناع الرؤية البصرية في الدنيا والآخرة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى زعم بعضهم - إما بحسن نية أو سوء نية - أن اعتقاد أهل البيت عليهم السلام هو نفس اعتقاد السلفية!!
لذا كتبت هذا الموضوع، وقبل نقل بعض الروايات لا بأس بنقل كلام المجلسي قدس سره الذي صرح فيه بإجماع الشيعة على امتناع الرؤية البصرية، قال: وقد عرفت مما مر أن استحالة ذلك مطلقا هو المعلوم من مذهب أهل البيت عليهم السلام وعليه إجماع الشيعة باتفاق المخالف والمؤالف، وقد دلت عليه الآيات الكريمة وأقيمت عليه البراهين الجلية.
بحار الأنوار ج 4 ص 61
عقد ثقة الإسلام الشيخ الكليني رحمه الله في الكافي باباً بعنوان (بَابٌ فِي إِبْطَالِ الرُّؤْيَةِ) روى فيه 12 رواية وهي:
(1) مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الله عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلام أَسْأَلُهُ كَيْفَ يَعْبُدُ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَهُوَ لا يَرَاهُ؟
فَوَقَّعَ عَلَيْهِ السَّلام: يَا أَبَا يُوسُفَ جَلَّ سَيِّدِي وَمَوْلايَ وَالْمُنْعِمُ عَلَيَّ وَعَلَى آبَائِي أَنْ يُرَى.
قَالَ وَسَأَلْتُهُ: هَلْ رَأَى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه رَبَّهُ؟
فَوَقَّعَ عَلَيْهِ السَّلام: إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرَى رَسُولَهُ بِقَلْبِهِ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أَحَبَّ.
(2) أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: سَأَلَنِي أَبُو قُرَّةَ الْمُحَدِّثُ أَنْ أُدْخِلَهُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلام فَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي ذَلِكَ فَأَذِنَ لِي فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَلالَ وَالْحَرَامِ وَالأحْكَامِ حَتَّى بَلَغَ سُؤَالُهُ إِلَى التَّوْحِيدِ فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ: إِنَّا رُوِّينَا أَنَّ الله قَسَمَ الرُّؤْيَةَ وَالْكَلامَ بَيْنَ نَبِيَّيْنِ فَقَسَمَ الْكَلامَ لِمُوسَى وَلِمُحَمَّدٍ الرُّؤْيَةَ.
فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلام: فَمَنِ الْمُبَلِّغُ عَنِ الله إِلَى الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَالانْسِ {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أَلَيْسَ مُحَمَّدٌ؟
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: كَيْفَ يَجِيءُ رَجُلٌ إِلَى الْخَلْقِ جَمِيعاً فَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ عِنْدِ الله وَأَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الله بِأَمْرِ الله فَيَقُولُ: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ثُمَّ يَقُولُ أَنَا رَأَيْتُهُ بِعَيْنِي وَأَحَطْتُ بِهِ عِلْماً وَهُوَ عَلَى صُورَةِ الْبَشَرِ؟! أَمَا تَسْتَحُونَ؟! مَا قَدَرَتِ الزَّنَادِقَةُ أَنْ تَرْمِيَهُ بِهَذَا أَنْ يَكُونَ يَأْتِي مِنْ عِنْدِ الله بِشَيْءٍ ثُمَّ يَأْتِي بِخِلافِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ!
قَالَ أَبُو قُرَّةَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}.
فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلام: إِنَّ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا رَأَى حَيْثُ قَالَ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} يَقُولُ مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ مَا رَأَتْ عَيْنَاهُ ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا رَأَى فَقَالَ {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} فآيَاتُ الله غَيْرُ الله وَقَدْ قَالَ الله {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} فَإِذَا رَأَتْهُ الابْصَارُ فَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ الْعِلْمُ وَوَقَعَتِ الْمَعْرِفَةُ.
فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ: فَتُكَذِّبُ بِالرِّوَايَاتِ؟
فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلام: إِذَا كَانَتِ الرِّوَايَاتُ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ كَذَّبْتُهَا وَمَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لا يُحَاطُ بِهِ عِلْماً وَلا تُدْرِكُهُ الابْصَارُ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
(3) أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلام أَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَمَا تَرْوِيهِ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَشْرَحَ لِي ذَلِكَ فَكَتَبَ بِخَطِّهِ: اتَّفَقَ الْجَمِيعُ لا تَمَانُعَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ ضَرُورَةٌ فَإِذَا جَازَ أَنْ يُرَى الله بِالْعَيْنِ وَقَعَتِ الْمَعْرِفَةُ ضَرُورَةً ثُمَّ لَمْ تَخْلُ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ إِيمَاناً أَوْ لَيْسَتْ بِإِيمَانٍ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ إِيمَاناً فَالْمَعْرِفَةُ الَّتِي فِي دَارِ الدُّنْيَا مِنْ جِهَةِ الاكْتِسَابِ لَيْسَتْ بِإِيمَانٍ لانَّهَا ضِدُّهُ فَلا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا مُؤْمِنٌ لانَّهُمْ لَمْ يَرَوُا الله عَزَّ ذِكْرُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ إِيمَاناً لَمْ تَخْلُ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الاكْتِسَابِ أَنْ تَزُولَ وَلا تَزُولُ فِي الْمَعَادِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لا يُرَى بِالْعَيْنِ إِذِ الْعَيْنُ تُؤَدِّي إِلَى مَا وَصَفْنَاهُ.
(4) وَعَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ السَّلام أَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ فَكَتَبَ: لا تَجُوزُ الرُّؤْيَةُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ هَوَاءٌ لَمْ يَنْفُذْهُ الْبَصَرُ فَإِذَا انْقَطَعَ الْهَوَاءُ عَنِ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ لَمْ تَصِحَّ الرُّؤْيَةُ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الاشْتِبَاهُ لأنَّ الرَّائِيَ مَتَى سَاوَى الْمَرْئِيَّ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ بَيْنَهُمَا فِي الرُّؤْيَةِ وَجَبَ الاشْتِبَاهُ وَكَانَ ذَلِكَ التَّشْبِيهُ لأنَّ الأسْبَابَ لا بُدَّ مِنِ اتِّصَالِهَا بِالْمُسَبَّبَاتِ.
(5) عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَضَرْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلام فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ أَيَّ شَيْءٍ تَعْبُدُ؟
قَالَ: الله تَعَالَى.
قَالَ: رَأَيْتَهُ؟
قَالَ: بَلْ لَمْ تَرَهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الأبْصَارِ وَلَكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإيمَانِ لا يُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ وَلا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ وَلا يُشَبَّهُ بِالنَّاسِ مَوْصُوفٌ بِالآيَاتِ مَعْرُوفٌ بِالْعَلامَاتِ لا يَجُورُ فِي حُكْمِهِ ذَلِكَ الله لا إِلَهَ إِلا هُوَ.
قَالَ فَخَرَجَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}.
(6) عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَوْصِلِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: جَاءَ حِبْرٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ حِينَ عَبَدْتَهُ؟
قَالَ فَقَالَ: وَيْلَكَ مَا كُنْتُ أَعْبُدُ رَبّاً لَمْ أَرَهُ.
قَالَ: وَكَيْفَ رَأَيْتَهُ؟
قَالَ: وَيْلَكَ لا تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ فِي مُشَاهَدَةِ الأبْصَارِ وَلَكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإيمَانِ.
(7) أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: ذَاكَرْتُ أَبَا عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلام فِيمَا يَرْوُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ:
الشَّمْسُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْكُرْسِيِّ وَالْكُرْسِيُّ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْعَرْشِ وَالْعَرْشُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْحِجَابِ وَالْحِجَابُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ السِّتْرِ فَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فَلْيَمْلَئُوا أَعْيُنَهُمْ مِنَ الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ.
(8) مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَغَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه: لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ بَلَغَ بِي جَبْرَئِيلُ مَكَاناً لَمْ يَطَأْهُ قَطُّ جَبْرَئِيلُ فَكَشَفَ لَهُ فَأَرَاهُ الله مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أَحَبَّ.
(9) مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلام فِي قَوْلِهِ {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} قَالَ إِحَاطَةُ الْوَهْمِ أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ {قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ} لَيْسَ يَعْنِي بَصَرَ الْعُيُونِ {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} لَيْسَ يَعْنِي مِنَ الْبَصَرِ بِعَيْنِهِ {وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} لَيْسَ يَعْنِي عَمَى الْعُيُونِ إِنَّمَا عَنَى إِحَاطَةَ الْوَهْمِ كَمَا يُقَالُ فُلانٌ بَصِيرٌ بِالشِّعْرِ وَفُلانٌ بَصِيرٌ بِالْفِقْهِ وَفُلانٌ بَصِيرٌ بِالدَّرَاهِمِ وَفُلانٌ بَصِيرٌ بِالثِّيَابِ الله أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُرَى بِالْعَيْنِ.
(10) مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الله هَلْ يُوصَفُ؟
فَقَالَ: أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟!
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: أَمَا تَقْرَأُ قَوْلَهُ تَعَالَى {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} ؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَتَعْرِفُونَ الأبْصَارَ؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: مَا هِيَ؟
قُلْتُ: أَبْصَارُ الْعُيُونِ.
فَقَالَ: إِنَّ أَوْهَامَ الْقُلُوبِ أَكْبَرُ مِنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ، فَهُوَ لا تُدْرِكُهُ الأوْهَامُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأوْهَامَ.
(11) مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الله عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ قُلْتُ لابي جعفر عَلَيْهِ السَّلام {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} فَقَالَ يَا أَبَا هَاشِمٍ أَوْهَامُ الْقُلُوبِ أَدَقُّ مِنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ أَنْتَ قَدْ تُدْرِكُ بِوَهْمِكَ السِّنْدَ وَالْهِنْدَ وَالْبُلْدَانَ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْهَا وَلا تُدْرِكُهَا بِبَصَرِكَ وَأَوْهَامُ الْقُلُوبِ لا تُدْرِكُهُ فَكَيْفَ أَبْصَارُ الْعُيُونِ.
(12) عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: الاشْيَاءُ كُلُّهَا لا تُدْرَكُ إِلا بِأَمْرَيْنِ بِالْحَوَاسِّ وَالْقَلْبِ وَالْحَوَاسُّ إِدْرَاكُهَا عَلَى ثَلاثَةِ مَعَانٍ إِدْرَاكاً بِالْمُدَاخَلَةِ وَإِدْرَاكاً بِالْمُمَاسَّةِ وَإِدْرَاكاً بِلا مُدَاخَلَةٍ وَلا مُمَاسَّةٍ:
فَأَمَّا الادْرَاكُ الَّذِي بِالْمُدَاخَلَةِ فَالاصْوَاتُ وَالْمَشَامُّ وَالطُّعُومُ.
وَأَمَّا الادْرَاكُ بِالْمُمَاسَّةِ فَمَعْرِفَةُ الاشْكَالِ مِنَ التَّرْبِيعِ وَالتَّثْلِيثِ وَمَعْرِفَةُ اللَّيِّنِ وَالْخَشِنِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ.
وَأَمَّا الادْرَاكُ بِلا مُمَاسَّةٍ وَلا مُدَاخَلَةٍ فَالْبَصَرُ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الاشْيَاءَ بِلا مُمَاسَّةٍ وَلا مُدَاخَلَةٍ فِي حَيِّزِ غَيْرِهِ وَلا فِي حَيِّزِهِ وَإِدْرَاكُ الْبَصَرِ لَهُ سَبِيلٌ وَسَبَبٌ فَسَبِيلُهُ الْهَوَاءُ وَسَبَبُهُ الضِّيَاءُ فَإِذَا كَانَ السَّبِيلُ مُتَّصِلاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْئِيِّ وَالسَّبَبُ قَائِمٌ أَدْرَكَ مَا يُلاقِي مِنَ الالْوَانِ وَالاشْخَاصِ فَإِذَا حُمِلَ الْبَصَرُ عَلَى مَا لا سَبِيلَ لَهُ فِيهِ رَجَعَ رَاجِعاً فَحَكَى مَا وَرَاءَهُ كَالنَّاظِرِ فِي الْمِرْآةِ لا يَنْفُذُ بَصَرُهُ فِي الْمِرْآةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ رَجَعَ رَاجِعاً يَحْكِي مَا وَرَاءَهُ وَكَذَلِكَ النَّاظِرُ فِي الْمَاءِ الصَّافِي يَرْجِعُ رَاجِعاً فَيَحْكِي مَا وَرَاءَهُ إِذْ لا سَبِيلَ لَهُ فِي إِنْفَاذِ بَصَرِهِ فَأَمَّا الْقَلْبُ فَإِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الْهَوَاءِ فَهُوَ يُدْرِكُ جَمِيعَ مَا فِي الْهَوَاءِ وَيَتَوَهَّمُهُ فَإِذَا حُمِلَ الْقَلْبُ عَلَى مَا لَيْسَ فِي الْهَوَاءِ مَوْجُوداً رَجَعَ رَاجِعاً فَحَكَى مَا فِي الْهَوَاءِ فَلا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَحْمِلَ قَلْبَهُ عَلَى مَا لَيْسَ مَوْجُوداً فِي الْهَوَاءِ مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيدِ جَلَّ الله وَعَزَّ فَإِنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَتَوَهَّمْ إِلا مَا فِي الْهَوَاءِ مَوْجُودٌ كَمَا قُلْنَا فِي أَمْرِ الْبَصَرِ تَعَالَى الله أَنْ يُشْبِهَهُ خَلْقُهُ.
الحمد لله ولي الحمد ومستحقه، وصلواته على خير خلقه محمدٍ وآله المعصومين، ولعنته الدائمة على اعدائهم أجمعين.
رأيت أن بعض الزملاء السلفية يجهلون مذهب أهل البيت عليهم السلام في مسئلة الرؤية، علمأً بأنهم عليهم السلام قد أكدوا بشكل واضح امتناع الرؤية البصرية في الدنيا والآخرة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى زعم بعضهم - إما بحسن نية أو سوء نية - أن اعتقاد أهل البيت عليهم السلام هو نفس اعتقاد السلفية!!
لذا كتبت هذا الموضوع، وقبل نقل بعض الروايات لا بأس بنقل كلام المجلسي قدس سره الذي صرح فيه بإجماع الشيعة على امتناع الرؤية البصرية، قال: وقد عرفت مما مر أن استحالة ذلك مطلقا هو المعلوم من مذهب أهل البيت عليهم السلام وعليه إجماع الشيعة باتفاق المخالف والمؤالف، وقد دلت عليه الآيات الكريمة وأقيمت عليه البراهين الجلية.
بحار الأنوار ج 4 ص 61
الروايات
عقد ثقة الإسلام الشيخ الكليني رحمه الله في الكافي باباً بعنوان (بَابٌ فِي إِبْطَالِ الرُّؤْيَةِ) روى فيه 12 رواية وهي:
(1) مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الله عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلام أَسْأَلُهُ كَيْفَ يَعْبُدُ الْعَبْدُ رَبَّهُ وَهُوَ لا يَرَاهُ؟
فَوَقَّعَ عَلَيْهِ السَّلام: يَا أَبَا يُوسُفَ جَلَّ سَيِّدِي وَمَوْلايَ وَالْمُنْعِمُ عَلَيَّ وَعَلَى آبَائِي أَنْ يُرَى.
قَالَ وَسَأَلْتُهُ: هَلْ رَأَى رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه رَبَّهُ؟
فَوَقَّعَ عَلَيْهِ السَّلام: إِنَّ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرَى رَسُولَهُ بِقَلْبِهِ مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أَحَبَّ.
(2) أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى قَالَ: سَأَلَنِي أَبُو قُرَّةَ الْمُحَدِّثُ أَنْ أُدْخِلَهُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلام فَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي ذَلِكَ فَأَذِنَ لِي فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَلالَ وَالْحَرَامِ وَالأحْكَامِ حَتَّى بَلَغَ سُؤَالُهُ إِلَى التَّوْحِيدِ فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ: إِنَّا رُوِّينَا أَنَّ الله قَسَمَ الرُّؤْيَةَ وَالْكَلامَ بَيْنَ نَبِيَّيْنِ فَقَسَمَ الْكَلامَ لِمُوسَى وَلِمُحَمَّدٍ الرُّؤْيَةَ.
فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلام: فَمَنِ الْمُبَلِّغُ عَنِ الله إِلَى الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَالانْسِ {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} أَلَيْسَ مُحَمَّدٌ؟
قَالَ: بَلَى.
قَالَ: كَيْفَ يَجِيءُ رَجُلٌ إِلَى الْخَلْقِ جَمِيعاً فَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ جَاءَ مِنْ عِنْدِ الله وَأَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الله بِأَمْرِ الله فَيَقُولُ: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ثُمَّ يَقُولُ أَنَا رَأَيْتُهُ بِعَيْنِي وَأَحَطْتُ بِهِ عِلْماً وَهُوَ عَلَى صُورَةِ الْبَشَرِ؟! أَمَا تَسْتَحُونَ؟! مَا قَدَرَتِ الزَّنَادِقَةُ أَنْ تَرْمِيَهُ بِهَذَا أَنْ يَكُونَ يَأْتِي مِنْ عِنْدِ الله بِشَيْءٍ ثُمَّ يَأْتِي بِخِلافِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ!
قَالَ أَبُو قُرَّةَ: فَإِنَّهُ يَقُولُ {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى}.
فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلام: إِنَّ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا رَأَى حَيْثُ قَالَ {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} يَقُولُ مَا كَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ مَا رَأَتْ عَيْنَاهُ ثُمَّ أَخْبَرَ بِمَا رَأَى فَقَالَ {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} فآيَاتُ الله غَيْرُ الله وَقَدْ قَالَ الله {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} فَإِذَا رَأَتْهُ الابْصَارُ فَقَدْ أَحَاطَتْ بِهِ الْعِلْمُ وَوَقَعَتِ الْمَعْرِفَةُ.
فَقَالَ أَبُو قُرَّةَ: فَتُكَذِّبُ بِالرِّوَايَاتِ؟
فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلام: إِذَا كَانَتِ الرِّوَايَاتُ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ كَذَّبْتُهَا وَمَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لا يُحَاطُ بِهِ عِلْماً وَلا تُدْرِكُهُ الابْصَارُ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ.
(3) أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلام أَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَمَا تَرْوِيهِ الْعَامَّةُ وَالْخَاصَّةُ وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَشْرَحَ لِي ذَلِكَ فَكَتَبَ بِخَطِّهِ: اتَّفَقَ الْجَمِيعُ لا تَمَانُعَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ ضَرُورَةٌ فَإِذَا جَازَ أَنْ يُرَى الله بِالْعَيْنِ وَقَعَتِ الْمَعْرِفَةُ ضَرُورَةً ثُمَّ لَمْ تَخْلُ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ مِنْ أَنْ تَكُونَ إِيمَاناً أَوْ لَيْسَتْ بِإِيمَانٍ فَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ إِيمَاناً فَالْمَعْرِفَةُ الَّتِي فِي دَارِ الدُّنْيَا مِنْ جِهَةِ الاكْتِسَابِ لَيْسَتْ بِإِيمَانٍ لانَّهَا ضِدُّهُ فَلا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا مُؤْمِنٌ لانَّهُمْ لَمْ يَرَوُا الله عَزَّ ذِكْرُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الرُّؤْيَةِ إِيمَاناً لَمْ تَخْلُ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي مِنْ جِهَةِ الاكْتِسَابِ أَنْ تَزُولَ وَلا تَزُولُ فِي الْمَعَادِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لا يُرَى بِالْعَيْنِ إِذِ الْعَيْنُ تُؤَدِّي إِلَى مَا وَصَفْنَاهُ.
(4) وَعَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ كَتَبْتُ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ عَلَيْهِ السَّلام أَسْأَلُهُ عَنِ الرُّؤْيَةِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ فَكَتَبَ: لا تَجُوزُ الرُّؤْيَةُ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ هَوَاءٌ لَمْ يَنْفُذْهُ الْبَصَرُ فَإِذَا انْقَطَعَ الْهَوَاءُ عَنِ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ لَمْ تَصِحَّ الرُّؤْيَةُ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الاشْتِبَاهُ لأنَّ الرَّائِيَ مَتَى سَاوَى الْمَرْئِيَّ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ بَيْنَهُمَا فِي الرُّؤْيَةِ وَجَبَ الاشْتِبَاهُ وَكَانَ ذَلِكَ التَّشْبِيهُ لأنَّ الأسْبَابَ لا بُدَّ مِنِ اتِّصَالِهَا بِالْمُسَبَّبَاتِ.
(5) عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَضَرْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلام فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْخَوَارِجِ فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ أَيَّ شَيْءٍ تَعْبُدُ؟
قَالَ: الله تَعَالَى.
قَالَ: رَأَيْتَهُ؟
قَالَ: بَلْ لَمْ تَرَهُ الْعُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ الأبْصَارِ وَلَكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإيمَانِ لا يُعْرَفُ بِالْقِيَاسِ وَلا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ وَلا يُشَبَّهُ بِالنَّاسِ مَوْصُوفٌ بِالآيَاتِ مَعْرُوفٌ بِالْعَلامَاتِ لا يَجُورُ فِي حُكْمِهِ ذَلِكَ الله لا إِلَهَ إِلا هُوَ.
قَالَ فَخَرَجَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}.
(6) عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْمَوْصِلِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: جَاءَ حِبْرٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ حِينَ عَبَدْتَهُ؟
قَالَ فَقَالَ: وَيْلَكَ مَا كُنْتُ أَعْبُدُ رَبّاً لَمْ أَرَهُ.
قَالَ: وَكَيْفَ رَأَيْتَهُ؟
قَالَ: وَيْلَكَ لا تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ فِي مُشَاهَدَةِ الأبْصَارِ وَلَكِنْ رَأَتْهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإيمَانِ.
(7) أَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: ذَاكَرْتُ أَبَا عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلام فِيمَا يَرْوُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ فَقَالَ:
الشَّمْسُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْكُرْسِيِّ وَالْكُرْسِيُّ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْعَرْشِ وَالْعَرْشُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ الْحِجَابِ وَالْحِجَابُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءاً مِنْ نُورِ السِّتْرِ فَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فَلْيَمْلَئُوا أَعْيُنَهُمْ مِنَ الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ.
(8) مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَغَيْرُهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِه: لَمَّا أُسْرِيَ بِي إِلَى السَّمَاءِ بَلَغَ بِي جَبْرَئِيلُ مَكَاناً لَمْ يَطَأْهُ قَطُّ جَبْرَئِيلُ فَكَشَفَ لَهُ فَأَرَاهُ الله مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ مَا أَحَبَّ.
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}
{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ}
(9) مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عَلَيْهِ السَّلام فِي قَوْلِهِ {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} قَالَ إِحَاطَةُ الْوَهْمِ أَلا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ {قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ} لَيْسَ يَعْنِي بَصَرَ الْعُيُونِ {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} لَيْسَ يَعْنِي مِنَ الْبَصَرِ بِعَيْنِهِ {وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} لَيْسَ يَعْنِي عَمَى الْعُيُونِ إِنَّمَا عَنَى إِحَاطَةَ الْوَهْمِ كَمَا يُقَالُ فُلانٌ بَصِيرٌ بِالشِّعْرِ وَفُلانٌ بَصِيرٌ بِالْفِقْهِ وَفُلانٌ بَصِيرٌ بِالدَّرَاهِمِ وَفُلانٌ بَصِيرٌ بِالثِّيَابِ الله أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُرَى بِالْعَيْنِ.
(10) مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عَلَيْهِ السَّلام قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الله هَلْ يُوصَفُ؟
فَقَالَ: أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟!
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: أَمَا تَقْرَأُ قَوْلَهُ تَعَالَى {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} ؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَتَعْرِفُونَ الأبْصَارَ؟
قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: مَا هِيَ؟
قُلْتُ: أَبْصَارُ الْعُيُونِ.
فَقَالَ: إِنَّ أَوْهَامَ الْقُلُوبِ أَكْبَرُ مِنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ، فَهُوَ لا تُدْرِكُهُ الأوْهَامُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأوْهَامَ.
(11) مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الله عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ أَبِي هَاشِمٍ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ قُلْتُ لابي جعفر عَلَيْهِ السَّلام {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} فَقَالَ يَا أَبَا هَاشِمٍ أَوْهَامُ الْقُلُوبِ أَدَقُّ مِنْ أَبْصَارِ الْعُيُونِ أَنْتَ قَدْ تُدْرِكُ بِوَهْمِكَ السِّنْدَ وَالْهِنْدَ وَالْبُلْدَانَ الَّتِي لَمْ تَدْخُلْهَا وَلا تُدْرِكُهَا بِبَصَرِكَ وَأَوْهَامُ الْقُلُوبِ لا تُدْرِكُهُ فَكَيْفَ أَبْصَارُ الْعُيُونِ.
(12) عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: الاشْيَاءُ كُلُّهَا لا تُدْرَكُ إِلا بِأَمْرَيْنِ بِالْحَوَاسِّ وَالْقَلْبِ وَالْحَوَاسُّ إِدْرَاكُهَا عَلَى ثَلاثَةِ مَعَانٍ إِدْرَاكاً بِالْمُدَاخَلَةِ وَإِدْرَاكاً بِالْمُمَاسَّةِ وَإِدْرَاكاً بِلا مُدَاخَلَةٍ وَلا مُمَاسَّةٍ:
فَأَمَّا الادْرَاكُ الَّذِي بِالْمُدَاخَلَةِ فَالاصْوَاتُ وَالْمَشَامُّ وَالطُّعُومُ.
وَأَمَّا الادْرَاكُ بِالْمُمَاسَّةِ فَمَعْرِفَةُ الاشْكَالِ مِنَ التَّرْبِيعِ وَالتَّثْلِيثِ وَمَعْرِفَةُ اللَّيِّنِ وَالْخَشِنِ وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ.
وَأَمَّا الادْرَاكُ بِلا مُمَاسَّةٍ وَلا مُدَاخَلَةٍ فَالْبَصَرُ فَإِنَّهُ يُدْرِكُ الاشْيَاءَ بِلا مُمَاسَّةٍ وَلا مُدَاخَلَةٍ فِي حَيِّزِ غَيْرِهِ وَلا فِي حَيِّزِهِ وَإِدْرَاكُ الْبَصَرِ لَهُ سَبِيلٌ وَسَبَبٌ فَسَبِيلُهُ الْهَوَاءُ وَسَبَبُهُ الضِّيَاءُ فَإِذَا كَانَ السَّبِيلُ مُتَّصِلاً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْئِيِّ وَالسَّبَبُ قَائِمٌ أَدْرَكَ مَا يُلاقِي مِنَ الالْوَانِ وَالاشْخَاصِ فَإِذَا حُمِلَ الْبَصَرُ عَلَى مَا لا سَبِيلَ لَهُ فِيهِ رَجَعَ رَاجِعاً فَحَكَى مَا وَرَاءَهُ كَالنَّاظِرِ فِي الْمِرْآةِ لا يَنْفُذُ بَصَرُهُ فِي الْمِرْآةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سَبِيلٌ رَجَعَ رَاجِعاً يَحْكِي مَا وَرَاءَهُ وَكَذَلِكَ النَّاظِرُ فِي الْمَاءِ الصَّافِي يَرْجِعُ رَاجِعاً فَيَحْكِي مَا وَرَاءَهُ إِذْ لا سَبِيلَ لَهُ فِي إِنْفَاذِ بَصَرِهِ فَأَمَّا الْقَلْبُ فَإِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الْهَوَاءِ فَهُوَ يُدْرِكُ جَمِيعَ مَا فِي الْهَوَاءِ وَيَتَوَهَّمُهُ فَإِذَا حُمِلَ الْقَلْبُ عَلَى مَا لَيْسَ فِي الْهَوَاءِ مَوْجُوداً رَجَعَ رَاجِعاً فَحَكَى مَا فِي الْهَوَاءِ فَلا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَحْمِلَ قَلْبَهُ عَلَى مَا لَيْسَ مَوْجُوداً فِي الْهَوَاءِ مِنْ أَمْرِ التَّوْحِيدِ جَلَّ الله وَعَزَّ فَإِنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَتَوَهَّمْ إِلا مَا فِي الْهَوَاءِ مَوْجُودٌ كَمَا قُلْنَا فِي أَمْرِ الْبَصَرِ تَعَالَى الله أَنْ يُشْبِهَهُ خَلْقُهُ.