يا حسين... يا حسين...صرخات سجين | |
لقد كان نظام البعث ـ الذي هيمن على مقاليد السلطة والحكم في العراق أكثر من ثلاثة عقود ـ يمقت الدين الإسلامي، ويجعله العدوّ الأول له، فمن أبجديات البعث العلماني نفي الغيب والاتصال بين الأرض والسماء، وكذلك ضرب كلّ ما يمتّ بصلة لهذا الدين الحنيف وبالخصوص أهل البيت الأطهار (عليهم السلام) وأتباعهم، وكان معول هذا النظام هو صدام ومَن يسانده في حكومته الطاغوتية، التي تعتقل وتعذّب وتحكم بالسجن والإعدام على كلّ مَن يذهب لزيارة وليّ من الأولياء، أو يقيم شعائر الفرح والحزن عليهم. وكان لنا هذا اللقاء بالأخ (علاوي عبادي حسين) وهو من مواليد 1984 / خريج إعدادية الصناعة ومن سكنة محافظة كربلاء المقدسة، الذي تحمّل العذابات المريرة في درب الحسين والأئمّة الأطهر (عليهم السلام). يقول الأخ (علاوي): إنّ سبب اعتقالي كوني أحد المشاة الى مرقد الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام)، وكانت المناسبة هي استشهاد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، الموافق 28 صفر من عام 2000، وكنتُ أسير برفقة أحد أصحابي الى النجف الأشرف، وفي منطقة الكفل على طريق (النجف / كربلاء) تعرض لنا شخص بعثيّ ينتمي الى الفرقة الحزبية التابعة لمنطقة العباسية الشرقية في محافظة كربلاء المقدسة، وراح يسألنا عن محلّ إقامتنا، وأين وجهتنا، ولماذا تسيرون على الأقدام؟ وكان ردّنا هو أننا من سكنة هذه المنطقة ـ منطقة الكفل ـ وبعد كلام طويل أشبه بالتحقيق تركنا نسير. بدء الاعتقال وبعد مضيّ ساعة ونصف الى ساعتين من السير على الأقدام، وكنا قد سلكنا طريق البساتين لكي نتخفى عن أنظار جلاوزة النظام، ورغم ذلك أوقفتنا مجموعة منهم وعرفوا أننا قاصدون مرقد الإمام علي (عليه السلام)، وبعد سجالٍ طويل بيننا وبينهم وإذا بأحدهم يرفع عصاه فيضربني على يدي اليسرى، ومن شدّة الضربة سقط أظفر أحد أصابعي، وبعدها قيّدوني وشدّوا عيوني واتجهوا بي الى الفرقة البعثية في منطقة العباسية الشرقية وأبقونا فيها ساعتين، واتهمونا بأننا نتحدى الحكومة بالذهاب الى زيارة مرقد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليها السلام)، وعذّبونا بالضرب بأيديهم وأسمعونا الشتائم والسباب المقرف، وكلّ هذه الفترة عيوننا مشدودة وأيادينا مقيّدة، وبعدها نقلونا بواسطة سيارة مضللة الى دائرة الأمن في محافظة كربلاء المقدّسة. وفي مديرية الأمن استقبلنا ضابطان أحدهما يُدعى (احمد) والثاني (حميد) بالضرب المبرح والركل بالأقدام، وأوقفونا على رجل واحدة لمدة ساعة تقريباً، ومن ثمّ أمرونا أن نُفرغ كلّ ما موجود في جيوبنا وأن نخلع أحذيتنا وأدخلونا الى زنزانة صغيرة بمساحة ثلاث أمتار طولاً ومترين ونصف عرضاً، وكانت تضمّ عشرين سجيناً، وطال مكثنا فيها خمسة عشر يوماً من التحقيق المرير. ألوان التعذيب وبعدها بدأت مرحلة التعذيب التي تنوّعتْ بالضرب بعصاً غليظة على ظهورنا وبـ(الكيبلات) وهو السلك الكهربائي الغليظ، ويجبروننا أن نعدّ الضربات من الواحد الى العشرة وإذا أخطأ أحدنا في الحساب يعاد عليه الضرب، واستمر هذا الحال لمدة شهرين تقريباً أما النوع الثاني من التعذيب فهو الكهرباء إذ يوصل قطبي الكهرباء ويعلّقهما في آذاننا فننصعق مرات ومرات، والنوع الثالث هو تعليقنا على باب مشبّك وعيوننا مسمولة وأيدينا مشدودة الى خلف ظهورنا، بحيث تكون أقدامنا بعيدة عن الأرض، ونبقى على هذا الوضع من أذان المغرب حتى الصباح، والنوع الرابع من التعذيب هو الفلقة والضرب الشديد على الأصابع الكبيرة من أقدامنا. مدير أمن بغداد وامتلأتْ زنزانتنا بالمعتقلين حتى وصل العدد فيها يزيد على الخمسين، وكنت في أحد الليالي أقرأ لهم دعاء التوسّل بأهل البيت (عليهم السلام) بصوت عالٍ فسمعني مدير أمن بغداد وكان ضيفاً عليهم فصرخ بالضباط الذين حوله: ــ ما هذا التسيّب ما هذا الانفلات لماذا تسمحون لهم بقراءة الأدعية والقرآن؟! فانهال ضباط الأمن ومعاونوهم علينا بالضرب الموجع وهم يريدون الذي كان يقرأ الدعاء ومن شدّة التعذيب اعترف اثنان من زملائنا عليّ وسحبوني من بينهم بقوّة وأنا أصرخ (يا حسين ياحسين) فصاح أحدهم بي: ــ خلّي الحسين يفيدك. وراحوا يزيدون في ضربي وركلي حتى فقدتُ الوعي. في المحجر وعلى أثر هذا الحادث حوّلوني الى غرفة تسمى (المكبس) أو المحجر وهي أصغر بكثير من غرفتي السابقة وتحتوي على ثلاثين سجيناً لذا يكون النوم بالتناوب في ما بيننا، أي قسمٌ ينام وقسم يقف على قدميه حتى الصباح، واستمر هذا الحال قرابة الشهرين، وكان الأكل عبارة عن تعذيب نفسي شديد جداً وهو قدح شوربة لأربعة أشخاص مع قطعة صغيرة من الخبز وماء حار في كل وجبة، وهو لسدّ الرمق فقط. ثم نقلونا الى مديرية الأمن العامة في بغداد (العاصمة) حيث التعذيب الشديد والأسلوب الهمجي اللاأخلاقي، إذ لا يُعرف الليل من النهار، ورغم قساوة هذا الوضع الجديد والكاميرات التي ترصد تحرّكاتنا أقمنا مجلس عزاء للإمام علي الهادي (عليه السلام)، وبفضل الله (تبارك وتعالى) لم يكتشفوا حالنا. يوم المحاكمة وبعد عشرين يوماً في أمن بغداد اقتادونا الى محكمة الثورة (سيّئة الصيت) وبدون توجيه أيّ اتهام بحقنا أصدر رئيس الجلسة الحكم بالسجن فترة ستة أشهر لكوني لم أبلغ السنّ القانوني، وبما أني قضيتُ في السجن خمسة أشهر وعشرين يوماً بقي لي عشرة أيام، ولأنني ما زلتُ حدثاً لذا أخذوني الى سجن الأحداث وهو السجن الذي من المفترض أن يكون نزلاؤه دون الخامس عشرة من العمر، وبقيتُ فيه يومين ثمّ نقلوني الى سجن الفتيان والذي يفترض أن يكون عمر نزلائه الخامسة عشرة سنة الى ما دون الثامنة عشرة سنة ويحتوي هذا السجن على ثلاث (جملونات) وكل واحد يحتوي ألف سجين. وطال اعتقالي حوالي خمسة أشهر وبدون علم الأهل أو مقابلة أحدهم إلاّ في الأيام الأخيرة إذ واجهتُ والدتي مدّة خمس دقائق فقط. في انتظار الفرج وفي الخامس من شهر رمضان المبارك وكنا حينها صائمين صدر كتابنا بنقلنا الى مديرية الأمن في كربلاء المقدّسة، حيث أدخلونا المعتقل القديم، واخبرنا الضابط أننا سوف نخرج من السجن في يوم التالي في الساعة السابعة صباحاً، وبالفعل أخرجونا من السجن بعد أخذهم التعهّد منا أن لا نذهب الى زيارة الحسين ولا أبيه عليّ بن أبي طالب (عليه السلام). وبعد خروجي من السجن قامت الفرقة الحزبية في منطقتنا بملاحقتي بين الحين والآخر لتستفزّني تارة وتهدّدني تارة أخرى وتطلب مني المعلومات عن امن المنطقة وأن أعمل لديهم جاسوساً، ولكنني رفضتُ بتقديم الأعذار المختلفة, حتى أجبرتُ على ترك منطقتي والذهاب الى أقاربي في مدينة (غماس). واليوم يعاني السيد (علاوي) بسبب كل ذلك من مرض في الفقرات وحالة نفسية وضعف في الأعصاب وقد راجع الكثير من الأطباء ولم يحصل على الشفاء الكامل. |
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
يا حسين... يا حسين...صرخات سجين
تقليص
X
-
يا حسين... يا حسين...صرخات سجين
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
- اقتباس
-
اخي الكريم
البيان
اثابكم الله على جهادكم
اللهم يارب بحق من نويت زيارته يفرج عنكم ويشافيكم ، لقد جددت مأساتنا ، ففي فترة التسعينات قام البحارنة بثورة مشابهة لثورة اليوم ولكن بسبب التعتيم الاعلامي لم تظهر للواقع بشكل يليق بها ، المهم حدث ان رمى المحتجون في منطقة سترة على جيب الشرطة منتوف ادى الى حتفه ، فقامت الحكومة بعملية تمشيط للمنطقة بأكملها فلم يبقى رجل ولا صبي الا من حاول التخفي والافلات من هؤلاء الظلمة وهم قلة قليلة فقد حل علينا الصباح وكأننا في مدينة الاشباح ، فما تعرضوا له من تعذيب نفس ما ذكرتم حتى الاكل كان مشابها لكم حيث كان يقدم لهم عدس مطبوخ بطريقة قذرة يقدم مع خبز يابس ، فسبحان الله الظالمين متفقين على سياسة واحدة .sigpic
- اقتباس
- تعليق
تعليق