ان عملية التعرق ضرورة للحياة، لولا العرق لما استطاع الإنسان أن يبقى على قيد الحياة. لو أدرك الإنسان حقيقة الدور الذي يقوم به جلده في الحفاظ على صحته ولو عرف أهمية وظيفة الغدد العرقية التي تقوم باستمرار بافراز السوائل، لأولى هذا وتلك قدرا أكبر من الاحترام.
ان جلد الإنسان يشبه الدرع التي تحميه، وهو كالدرع فيه ثقوب وفتحات منها الصغير ومنها الكبير، من الثقوب الكبيرة الفم والأنف، أما الثقوب الصغيرة فهي المسام. المسام التي يراها الإنسان منتشرة على جلده ليست في الحقيقة سوى فتحات أنابيب دقيقة ملتفة. تبدأ المسام بغدد التعرق الصغيرة الموجودة في مكان عميق داخل الجلد تحت البشرة. السائل المالح الذي يخرج من الجسم عن طريق هذه المسام يسمى بالعرق.
يزداد افراز الغدد العرقية عند تعرض الإنسان للضغط العاطفي كالخوف والألم أو الحرارة..الخ. العرق الذي تفرزه المسام يكون في بدء الأمر خاليا من الرائحة. تبدأ الرائحة في الانتشار بعد أن يأخذ السائل في التفسخ بفعل عمل الجراثيم التي تعيش في الأحوال الطبيعية على سطح الجلد.
بالاضافة الى الغدد التي تفرز العرق، هنالك نوع يفرز مادة زيتية على الجلد، غريبة صفراء اللون شبيهة بالمادة الصمغية في الأذن. هذه المادة تقوم بعملية تشحيم الجلد. هي مادة دهنية، وحيثما لا يستطيع الأوكسجين ونور الشمس أن يصلا إليها فانها تتفسخ وتتحلل الى أحماض دهنية كريهة الرائحة، هذه الغدد أما أن تكون ملتصقة ببصيلات الشعر تفرز محتوياتها داخل البصيلة وأما أن توجد على أجزاء معينة من الجلد كالجبهة أو داخل حافة الجفن أو حول الأنف والفم. لهذه الغدد الموجودة على حافة الجفن وظيفة أساسية فهي تمنع الماء ولذلك فانها تحول دون انحدار الدموع باستمرار على الخدين.
ان العرق يضايق الإنسان ويزعجه، لكنه إذا حاول منعه فانه يؤذي نفسه ويسيء الى صحته. ان التعرق شيء طبيعي وضروري كالتنفس. الغدد العرقية ضرورية لتنظيم درجة حرارة الجسم والتحكم في ميزان الماء والملح والمحافظة على نعومة الجلد ورطوبته والتخلص من بعض النفايات التي لا يحتاج إليها الجسم.
عندما يتبخر العرق يحدث تأثيرا مبردا على الجسم، فإذا كان الهواء جافا فان التبخر يحدث بسرعة ولذلك يشعر الإنسان بالبرودة العاجلة، وأما إذا كان اليوم حارا والهواء مشحونا بالبخار، فان الجو لا يستطيع أن يبخر عرق الجسم بسرعة. لهذا السبب نسمع الناس في المناطق القريبة من البحار أوالبحيرات يتأففون من الجو الحار لا بسبب الحرارة وانما بسبب غزارة العرق، مثل جو محافظة البصرة العراقية وقت ما يسمى ب(الشرجي). بالنظر الى ان العرق يحتوي على الأملاح الضرورية للجسم، فان على الإنسان أن يعوض الكميات الكبيرة من الماء والملح التي يفقدها عن طريق الجلد.
ان الفرق في درجة التعرق لا علاقة له بعدد الغدد المفرزة للعرق، وانما الفرق في مقدار نشاط هذه الغدد. فالتهيج أو الخوف أو الشعور باضطراب الأعصاب قد ترفع درجة التعرق الى ما فوق الحد الاعتيادي. كثير من الناس الأصحاء تتفصد أجسامهم بالعرق الغزير لدى أي تبدل في درجة الحرارة أو الرطوبة أو لدى توقعهم ضيوفا أغرابا أو لدى مقابلتهم رؤساءهم.
ان الإنسان وكثيرا من الحيوانات تتعرق. التعرق هي وظيفة لابد للجسم من أن يؤديها وإلا صرنا كالأكياس الممتلئة ماء. يخطئ من يظن ان رائحة الجسم سببها العرق، بل ان سببها الجراثيم الموجودة بصورة دائمة على الجلد. فهذه الجراثيم موجودة على جميع الأجسام ولكن نشاطها يبلغ الأوج في البيئة الحارة الرطبة. تنتج الرائحة عن اختلاط العرق بجراثيم الجلد الطبيعية وترك هذه المادة المتفسخة في مكانها بدون تنظيف.
ان رائحة الجسم تعتبر نقيصة اجتماعية ويعتبرها الناس شيئا منفرا فظا. ربما كانت رائحة الجسم سببا من أسباب انقطاع علاقة زواجية أو صداقة.
ان النظافة الشخصية، الاستحمام المنتظم الفعال، هي الخطوة الأولى نحو الحد من تكاثر الجراثيم على الجلد وبالتالي منع انتشار الروائح الكريهة. نتيجة الغسل بالماء والصابون خاصة المانع للرائحة عند الصيدليات وهو تأكيد يذكره الأطباء وخبراء التجميل. كذلك على الإنسان أن يلبس ثيابا تساعد على مرور الهواء، هكذا يتبخر العرق بدلا من أن يتراكم على الجلد. يمكن استخدام بودرة خالية من الأذى وينصح بعدم استعمال العطور التي تتفسخ تحت تأثير العرق وتزيد من الرائحة الكريهة بدلا من انقاصها.
هناك نقاط لابد من ملاحظتها هي أن قابلية الاصابة بالرائحة الكريهة واحدة عند الرجال والنساء. كذلك لا توجد أية مادة من المواد المانعة للعرق تستطيع أن تمنع التعرق بصورة دائمة، لأن مثل هذا المنع يتطلب اغلاق الأنابيب الموصلة لغدد العرق، هذا أمر غير مرغوب فيه من الناحية الطبية. لا تصدق الكثير من الدعايات التجارية. المهم في الأمر، ان فهم الإنسان لغدد العرق ومعرفته لوظائفها يساعدانه على معالجة الوضع معالجة معقولة.
تعليق