في المذاهب والفرق
الشيعة والمعتزلةسؤال: قرأت في كتب الغربيّين أنّ المعتزلة هم أوّل الفرق الإسلاميّة التي أفصحت بالعدل والتوحيد، ثمّ اقتبس عنهم ذلك الزيديّة والإماميّة، فهل هذا صحيح ؟
جواب: لم يأخذ الشيعة أصولهم من المعتزلة ولا من غيرهم، بل المعتزلة هم الذين أخذوا من الشيعة. فقد نشأ الكلام عند الإماميّة أوّلاً حول موضوع الإمامة ودار عليها منذ نشأته الأولى وإلى عصرنا الحاضر، حيث افترق الإماميّة عن غيرهم من الفرق الإسلاميّة بقول الإماميّة بالإمامة بالنص، ثم تجاوزت نقاط الاختلاف موضوع الإمامة إلى موضوعات أخرى.
وقد أخذ الشيعة عقائدهم في التوحيد والعدل من أئمّتهم أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، الذين يروون عن أبيهم أمير المؤمنين عليه السّلام، ويروي أمير المؤمنين عليه السّلام عن رسول الله صلّى الله عليه وآله. ويمكن لمن يراجع المصادر الشيعيّة الأصيلة، ككتاب الكافي للشيخ الكليني ( ت 329 هـ ) وكتاب التوحيد للشيخ الصدوق ( ت 381 ) يراها مليئة بالأحاديث الصحيحة المتواترة المرويّة عن أئمّة أهل البيبت عليهم السّلام، والصريحة في التوحيد والعدل ونفي التشبيه والتجسيم والجبر.
أمّا أخذ المعتزلة قولهم بالتوحيد والعدل من الشيعة، فقد أقرّ به الكثيرون، فقد ذكر ـ على سبيل المثال ـ الكعبي البلخي والقاضي عبدالجبّار المعتزلي وابن المرتضى ونشوان الحِميري ـ أنّ مذهب المعتزلة في العدل والتوحيد يستند إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، فقد أخذوا قولهم بالعدل والتوحيد عن واصل بن عطاء، وأخذه واصل عن أبي هاشم: عبدالله بن محمّد بن الحنفيّة، وأخذ عبدالله عن أبيه ابن الحنفيّة، وأخذ ابن الحنفيّة عن أبيه أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام ( انظر: البلخي، ذِكر المعتزلة 64؛ القاضي عبدالجبّار وذكر المعتزلة 146 ـ 150؛ ابن المرتضى، المنية والأمل 26 ـ 27 وغير ذلك من المصادر ).
ولابدّ من الإشارة إلى أنّ رفض الشيعة للتشبيه والجبر والتجسيم لم يؤدّ بهم إلى السقوط في التعطيل أو الاتّهام به، كما وقع بالنسبة للمعتزلة الذين اتُّهموا بالتعطيل الذي هو إسقاط بعض الصفات الثبوتية لله عزّوجل، وينشأ من القول باختيار العبد. كما نشير إلى أنّ المعتزلة قد انقسموا إلى مدرستَين: المدرسة البغداديّة والمدرسة البصريّة، وأقربهما إلى الإماميّة هي البغداديّة التي تعتقد ـ كما يعتقد الإماميّة ـ بأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام هو أفضل الخلق بعد أخيه رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولا يستثنون أحداً ممّن تقدّم عليه أو تأخّر. والسبب في قرب مدرسة المعتزلة البغداديّة من التشيّع اتّصال علمائها بعلماء الشيعة الذين كانوا يتواجدون في تلك الفترة في بغداد ولا يتواجدون في البصرة، ومن أبرزهم الشيخ المفيد رضوان الله عليه.
ويمكن للراغب في التوسّع أن يراجع الشيعة بين المعتزلة والأشاعرة، للسيّد هاشم معروف الحسني، ومقالة « الكلام عند الإماميّة، نشأته، تطوّره » للشيخ محمّد رضا الجعفري ( مجلّة ترآثنا ـ العدد 1 و 2 ـ سنة 1413 هـ ـ مؤسسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التراث ـ قم ).
* * *
بداية افتراق المسلمين
سؤال: أنا شاب مسلم لا أعرف ما قصة خلافة أبي بكر ولا حتى عمر ولا حتى علي، لا لدى السنة ولا لدى الشيعة. ما هو الفرق الاساسي بين الشيعة وبين السنة ؟
جواب: لقد نقل لنا التاريخ أنّ المسلمين اختلفوا بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وإنّ الفرد المسلم حين يشاهد الاختلاف الواسع في الأراء بين الطوائف فيما يتعلّق بالأحكام الشرعيّة، لابدّ له أن يفحص ويبحث إلى أن تحصل له الحُجّة القاطعة بينه وبين الله تعالى على تعيين مذهبٍ خاصّ يتيقّن أنّه يتوصّل به إلى أحكام الله تعالى.
وقد اعتقد كثير من المسلمين ـ ومع بالغ الأسف ـ أنّ أفعال الجيل الإسلاميّ الأوّل، مِن قتل بعضهم للبعض، وسبي المسلمات وهَدْم الكعبة وهَتْك حرمات الصحابيّات واغتصابهنّ ـ كما في واقعة الحَرّة في المدينة ـ وقَتْل وسبي أبناء رسول الله صلّى الله عليه وآله ـ كما في كربلاء ـ كان بأجمعه حلالاً مشروعاً، وأنّ مَن فَعَله كان مأجوراً! وأنّ المأثور عن الأسلاف من مُمارسات، من وقت وفاة النبيّ صلّى الله عليه وآله حتّى حُكم بني العبّاس هو السياسة الشرعيّة التي ينبغي على المسلم أن يتمسّك بها.
النبيّ صلّى الله عليه وآله يُخبر عن ارتداد بعض أصحابه
لقد أخبرنا النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّ أمّته ستنشقّ بعده إلى بضع وسبعين فرقة، كلّها في النار، إلاّ فرقة واحدة ناجية. وأخبرنا صلّى الله عليه وآله أنّ بعض أصحابه سيرتدّون بعده عن دينهم، وأنّهم سيُحدِثون بعده، فقال صلّى الله عليه وآله: لَيرِدَنّ علَيّ الحوضَ رجالٌ ممّا صَحِبَني ورآني، حتّى إذا رُفِعوا إليّ ورأيتُهم اختَلَجوا دوني، فلأقولنّ: « ربّ أصحابي، أصحابي »، فيُقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك »( مسند أحمد بن حنبل 28:6 ح 11236؛ صحيح مسلم 1796:4 ح 2297؛ صحيح البخاري 1222:3 ح 3171 ).
أمير المؤمنين عليه السّلام يُبيّن سبب اختلاف الناس
لقد سُئل أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام عن سبب اختلاف الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقال عليه السّلام:
« إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً، وصِدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعامّاً وخاصّاً، ومُحكماً ومتشابهاً، وحِفظاً ووَهْماً، ولقد كُذِب على رسول الله صلّى الله عليه وآله على عَهْده حتّى قام خطيباً فقال: مَن كذب عَلَيَّ مُتعمّداً، فليتبوّأ مقعده من النار. وإنّما أتاك بالحديث أربعةُ رجالٍ ليس لهم خامس:
رجل مُنافق مُظهِر للإيمان، مُتصنّع بالإسلام لا يتأثّم ولا يتحرّج، يكذب على رسول الله صلّى الله عليه وآله متعمّداً، فلو عَلِمَ الناسُ أنّه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يُصدّقوا قوله، ولكنّهم قالوا « صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله، رآه وسمع منه ولقف عنه »، فيأخذون بقوله، وقد أخبرك الله عن المنافقين بما أخبرك، ووَصَفهم بما وَصَفهم به لذلك، ثمّ بقوا بعده فتقرّبوا إلى أئمّة الضلالة، والدعاة إلى النار بالزور والبُهتان، فولَّوهم الأعمال، وجعلوهم حُكّاماً على رقاب الناس، فأكلوا بهم الدنيا. وإنّما الناس مع الملوك والدنيا إلاّ مَن عصم اللهُ، فهذا أحد الأربعة.
ورجلٌ سَمِع من رسول الله شيئاً لم يحفظه على وجهه، فوَهِمَ فيه، ولم يتعمّد كذباً، فهو في يديه يرويه ويعمل به ويقول « أنا سمعتُه مِن رسول الله صلّى الله عليه وآله »، فلو عَلِم المسلمون أنّه وهم فيه لم يقبلوه منه، ولو عَلِم هو أنّه كذلك لرفضه.
ورجلٌ ثالث سمع من رسول الله صلّى الله عليه وآله شيئاً يأمر به، ثمّ أنّه صلّى الله عليه وآله نهى عنه، وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شيءٍ، ثمّ أمر صلّى الله عليه وآله به وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ ولم يحفظ الناسخ. فلو عَلِم أنّه منسوخ لرفضه، ولو علِم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه.
وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله، مُبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله صلّى الله عليه وآله، ولم يَهِمْ، بل حَفِظ ما سَمِع على وجهه، فجاء به على ما سَمِعَه، لم يَزِد فيه ولم يَنقُص منه، فهو حَفِظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ فجَنَّب عنه، وعرف الخاص والعامّ، والمُحكَم والمتشابه، فوضع كلّ شيءٍ موضعه ـ الحديث( نهج البلاغة: الخطبة 210 ).
الشيعة والتشيّع
الشيعة من المُشايَعة، أي المُتابَعة، وتُطلق على المؤمنين الذين تابعوا أمير المؤمنين عليه السّلام منذ زمن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وتابعوا أولاده المعصومين عليهم السّلام الواحد بعد الآخر. وترجع بدايات الشيعة إلى عصر النبيّ صلّى الله عليه وآله، فقد روى علماء المسلمين أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لمّا نزل قوله تعالى: إنّ الذين آمنَوا وعَملوا الصالحاتِ أولئك هُم خيرُ البريّة ( البيّنة: 7 )، قال صلّى الله عليه وآله لعليّ عليه السّلام: هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيّين( تفسير الطبري 264:30؛ تفسير الدرّ المنثور للسيوطي 379:6؛ كفاية الطالب للكنجي الشافعي 245 ب 62 ).
وأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لعليّ عليه السّلام: يا عليّ، أنت وأصحابُك في الجنّة( الصواعق المحرقة لابن حجر 96 )، وأنّه صلّى الله عليه وآله قال: والذي نفسي بيده، إنّ هذا ـ وأشار إلى عليّ عليه السّلام ـ وشيعته لَهُمُ الفائزون يوم القيامة( تفسير الدرّ المنثور للسيوطي 379:6 ).
من عقائد الشيعة
تعتقد الشيعة ـ ضمن ما تعتقد ـ بأنّ الإمامة استمرار للنبوّة، وأنّه لابدّ أن يكون في كلّ عصرٍ إمامٌ هادٍ يَخلِف النبيّ صلّى الله عليه وآله في مهماته من هداية البشر وإرشادهم، وأنّ الدليل الذي يوجب إرسال الرسل وبَعْث الأنبياء عليهم السّلام هو نفسه الدليل الذي يوجب نصب الإمام بعد الرسول، ولذلك فإنّ الإمامة لُطف من الله تعالى، شأنها شأن النبوّة. وقد روى عُلماء المسلمين في تفسير قوله تعالى: يوم ندعو كلَّ أُناس بإمامِهم ( الاسراء: 71 )، عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنّه قال: يُدعى كلُّ قومٍ بإمام زمانهم وكتاب ربّهم وسُنّة نبيّهم( تفسير الدرّ المنثور 194:4 ).
ورووا عن النبيّ صلّى الله عليه وآله الحديث المتواتر « مَن ماتَ ولم يعرف إمامَ زمانه، مات مِيتةً جاهليّة »( مسند أحمد 96:4؛ طبقات ابن سعد 144:5؛ المعجم الأوسط للطبراني 175:1 ح 227؛ التاريخ الكبير للبخاري 445:6 الرقم 2943 ).
ورووا عنه صلّى الله عليه وآله في قوله تعالى: وقِفوهم إنّهم مسؤولون ( الصافّات: 24 )، قال: عن ولاية عليّ بن أبي طالب( شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني 160:2 ح785؛ كفاية الطالب 247 ب 62 ).
وتعتقد الشيعة بأنّ إمامة الإمام لا تكون إلاّ بالنصّ من الله تعالى على لسان النبيّ صلّى الله عليه وآله أو لسان الإمام الذي قبله، وليست بالاختيار والانتخاب من الناس. ونُلاحظ في هذا المجال أنّ الإخوة من أهل السنّة الذين رفضوا في البداية القول بالنصّ في نصب الإمام، وقالوا بالبيعة والانتخاب في تصحيحهم لبيعة الخليفة الأوّل، لجأوا مُضطرّين إلى القول بالنصّ والتعيين في تصحيحهم لبيعة الخليفة الثاني الذي عُيّن بنصّ أبي بكر عليه، خاصّة وهم يروون عن الخليفة الثاني قوله بأنّ بيعة أبي بكر كانت فلتةً وقى اللهُ المسلمين شرّها، فمن عاد لمثلها فاقتلوه( صحيح البخاري 2505:6 ح 6442 باب رجم الحبلى؛ المصنّف لابن أبي شيبة 453:6 ح 32868 باب ما قالوا في الفروض ).
وتعتقد الشيعة بأنّ الإمام يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش، لأنّ الأئمّة حَفَظة الشرع والقوّامون عليه بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله، ولا يُعقل ممّن ينهى الناس عن فِعلٍ سيّئ أن يفعله بنفسه، كما لا يُعقَل ممّن يدعو الناس لفعل عملٍ من أعمال الخير أن يترك فِعله بنفسه.
ويعتقد الشيعة بأنّ الإمام لا يمكن أن يكون ظالماً، ولا يكون مُشركاً، ويستدلّون على ذلك بنصّ القرآن الكريم، قال تعالى: وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ فأتمّهنّ قال إنّي جاعلُك للناسِ إماماً قال ومِن ذُريّتي قال لا ينالُ عهدي الظالمين ( البقرة: 124 ).
فقد شاء تعالى أن يجعل إبراهيم إماماً بعد أن اجتاز الابتلاء الذي قدّره اللهُ عليه، فتساءل إبراهيم: « ومِن ذريّتي »، فأُجيب: لا ينال عهدي الظالمين. أي انّ الظالم لا يناله عهد الله تعالى ( أي الإمامة ).
وقال تعالى في وصيّة لُقمان لابنه: يا بُنيّ لا تُشرِك بالله إنّ الشرك لظلمٌ عظيم ( لقمان: 13)، فالمُشرك الذي سجد لصنم، هو ظالمٌ لا يناله عهدُ الله تعالى وإن أسلم بعد ذلك وحَسُن إسلامه.
أمّا الدليل الذي يدلّ على وجوب الرجوع إلى أهل البيت عليهم السّلام، وأنّهم المرجع الوحيد بعد النبيّ صلّى الله عليه وآله لأحكام الله تعالى، فالأحاديث المتواترة الواردة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله في حقّهم، والتي رواها علماء المسلمين، ومنها قوله صلّى الله عليه وآله: « إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتُم به لن تضلّوا بعدي: كتاب الله حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما »( مسند أحمد 17:3؛ سنن الترمذي 5 ح 3788؛ المستدرك للحاكم 109:3 )، وقوله صلّى الله عليه وآله « إنّي تارك فيكم الثقلَين، أوّلهما كتاب الله، فيه الهُدى والنور، فخُذوا بكتاب الله واستمسكوا به.. وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكرّكم الله في أهل بيتي »( صحيح مسلم 2308:4 ).
وقد أكّد النبيّ صلّى الله عليه وآله في أحاديثه على أنّ المتمسّك بالثقلين ( كتاب الله والعترة ) لا يضلّ أبداً، كما أكّد على أنّ هذين الثقلين لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض، فلا يكفي التمسّك بأحد هذين الثقلين دون الآخر.
* * *
من الرؤية الشيعية لجيل الصحابة
سؤال: أنا مسلم سنّي أحبّ ديني وأريد أن أعرف الكثير عنه، من الملاحظ وجود التفرقة بين السنة والشيعة، فعلى أيّ أساس هذه التفرقة مع أنه لهذه الامة رسول واحد محمد صلى الله عليه وسلم ؟
جواب: نحن معك نحبّ ديننا ونحبّ إخواننا المسلمين على اختلاف مذاهبهم، ونؤمن بأنّ دعاة التفرقة هم أعداء المسلمين، وأنّ الداعين لرصّ الصفوف والتآخي هم المخلصون حقّاً. ونحن نؤمن بالحوار البنّاء الهادف، بعيداً عن التعصّب الأعمى، وبعيداً عن توجيه التُّهم الفارغة، وبعيداً عن أساليب السبّ والشتم.
لكنّ هناك موضوعاً مهمّاً لا نرى أنّ التعرّض له بموضوعيّة وانصاف يعرّض وحدة المسلمين للخطر، بل نرى ـ على العكس ـ أنّ مناقشته سترسّخ الوحدة بين المسلمين على أساس قويّ متين، وهذا الموضوع يتمثّل في التعرّف على الأسس الصحيحة، والعقائد المتينة القائمة على كتاب الله عزّوجلّ وسُنّة نبيّه الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم فمن أجل أن تكون عبادتنا لله تعالى صحيحة ومرضيّة، لابدّ أوّلاً من أن تكون عقيدتنا في توحيده عزّوجلّ وتنزيهه عمّا لا يليق بمقامه عقيدة صحيحة.
ونحن نرى ـ مع الأسف ـ أنّ هناك فرقاً من المسلمين تعتقد بأنّ الله تعالى له جسم كجسم البشر، وأنّه يجلس على العرش فيَحدُث للعرش صريرٌ مِن تحته، وأنّه ـ سُبحانه ـ يَنزل إلى الدنيا ليلة الجمعة، وأنّه يضحك.... إلى آخر هذه العقائد السقيمة. وما ورد في أمر التوحيد يرد كذلك في العدل وغيره من أصول الدين.
ونحن ننظر إلى صحابة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم نظر احترام وتقدير، ونعظّمهم ونذكرهم بالرحمة دوماً، لكنّنا نفرّق بين الصحابي الواقعيّ الذي لازم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مدّة طويلة وتخلّق بأخلاقه وسيرته وبين مَن عاش في عصر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فتآمر عليه وحاول قتله، وقد كان مِن الذين يسمّيهم البعض صحابة مَن بنى مسجدَ ( ضِرار ) لحرب الإسلام، فنزل الوحي يأمر بهدمه وحرقه، ومنهم من نزلت في حقّه سورة « المنافقون »، ومنهم الذين كانوا يؤذون النبيّ ويقولون: « هو أُذن »! على حدّ تعبير القرآن الكريم.
فهل يحقّ للفرد المنصف العاقل أن يساوي بين هؤلاء وهؤلاء فيقول: إنّ الصحابي هو كلّ من رأى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ولو مرّةً واحدة، وإنّ جميع هؤلاء الملقّبين بالصحابة ثقاة عُدول لا يمكن المناقشة في عدالتهم، مع أنّ هؤلاء يروون أنّ الصحابة كانوا يختصمون بينهم ويصل الخصام بينهم إلى تكفير بعضهم بعضاً، ويروون أنّ السيّدة عائشة قالت في حقّ الخليفة الثالث: اقتُلوا نعثلاً فقد كفر. وأنّها أخرجت رداء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ونعله وقالت: هذا رداء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ونعله لم يَبلَيا، وقد أبلى عثمانُ سُنّته. ومن المشهور أن طلحة والزبير وعائشة خرجا على عليّ عليه السّلام زمن خلافته، فدارت بينهم حرب الجَمَل وقُتل فيها عدد كبير من الصحابة، وقُتل فيها طلحة والزبير. فهل يَعقِل المنصف أنّ هؤلاء كانوا بأجمعهم على الحقّ ؟!
ويأتي من يقول: « دعونا ممّا مضى، وعلينا أن لا نناقش ما فعل هؤلاء، فحسابهم على الله »، ونقول: إذا لم نعرف المحقّ من المبطل، فمن سنَتّبع إذاً ؟ ومِن أيّ هؤلاء سنأخذ سُنّة النبيّ صلّى الله عليه وآله الصحيحة ؟
* * *
سؤال:ما الفرق بين الشيعة الاثني عشرية والإسماعيليّة الداودية ؟
جواب: الإسماعيليّة فرقة تعتقد أن الإمام بعد جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام هو ابنه إسماعيل، وكان أكبر أولاد الإمام الصادق عليه السّلام، وعلى الرغم من أنّ إسماعيل توفّي في حياة أبيه الصادق عليه السّلام( الملل والنحل للشهرستاني 170:1 )، وأنّ الإمام الصادق عليه السّلام أنزل جنازته مرّتين عند تشييعه فكشف عن وجهه ليراه الناس ويتيقّنوا أمر موته، إلاّ انّ الإسماعيلية يقولون بأنّ إسماعيل لم يَمُت، وأنّ الإمام الصادق عليه السّلام أظهر موت ولده إسماعيل تقيّةً من خُلفاء بني العبّاس.
فالفرقة الإسماعيلية إذاً تؤمن بستّة من أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، آخرهم الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام، كما انّها تشارك الشيعة في الاعتقاد بأنّ الإمامة منصب إلهيّ، وأنّ تعيين الإمام يتمّ من قِبل الله تعالى.
والداودية الإسماعيليّة تُنسب إلى داود بن عجب شاه ( ت 999 هـ ) وهي فرع انشقّ من المستعلية، والمستعلية ( نسبة إلى المستعلي أبي القاسم أحمد ت 487 هـ ) فرع منشق من الإسماعيليّة( دراسات في الفرق والعقائد الإسلاميّة، الدكتور عرفان عبدالحميد، 62 ). ولإيمان الشيعة بالأئمّة الاثني عشر المعصومين عُرفوا باسم « الإمامية الاثني عشرية ».. في حين توقفت الإسماعيلية في منتصف الطريق ولم تكتمل، وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: « الأئمّة من قريش، عددهم اثنا عشر عدد نُقباء بني إسرائيل »
* * *
سؤال: لماذا يُنسب المذهب الشيعيّ إلى الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السّلام، فيقال: « المذهب الجعفري » ؟ وما هو دور سائر الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين في هذا المجال ؟
الجواب: إنّ جميع الأئمّة صلوات الله عليهم أجمعين عالِمون بأحكام الله تعالى، وجميعهم يمتلكون منصب الإمامة الإلهية وسائر الفضائل الأخرى، لكنّ المذهب الشيعيّ سُمّي بالمذهب الجعفريّ؛ لأنّ الإمام الصادق عليه السّلام تمكّن ـ نظراً لاقتران فترة إمامته بفترة اضمحلال الحكم الأموي وبداية تأسيس الحكم العبّاسيّ، وهي فترة قلّ فيها الضغط على الإمام الصادق عليه السّلام ـ من نشر علوم الإسلام ومعارفه، وتمكّن من تربية تلامذة بأعداد كبيرة أضحى كلّ واحد منهم قطباً من أقطاب نشر العلوم الإسلاميّة وتدريسها، ومن هنا لُقّب المذهب الشيعيّ يومذاك بالمذهب الجعفريّ ـ مقابل المذاهب الأخرى: الحنبليّ والشافعي والحنفي والمالكي ـ وبقي هذا اللقب متداولاً بعد ذلك، ولم يمنع منه الأئمّة عليهم السّلام، لأنّ هدفهم واحد، وهو نشر معارف الدين وهداية الناس.