علّمنا القرآن الكريم أن نبدأ عملنا ب( بسم الله الرحمن الرحيم ) وأن نعطّر أجواء قلوبنا وأرواحنا بطيب اسمه.
باسم «الله» وهو الجامع للصفات الكمالية.
باسم «الرحمن» و«الرحيم».
بسمه الذي على كل شيء قدير.
بسمه الذي بكل شيء عليم.
إن هذا الاسم المقدّس ينوّر القلب ويهب للروح الصفاء والقوة والنشاط.
ذِكر رحمته الخاصّة والعامّة تبعث في الإنسان عالماً من الأمل.
ذكر قدرته وجبروته يبعث في الانسان الجرأة لمواجهة المصاعب.
ذكر علمه واحاطته بكلِّ إنسان وبكل شيء يُطمئِنُ الانسان بأنّه ليس لوحده.
فاذا بدأنا عملنا بهذه الروح فإنه سيصل الى غايتهِ بلا شك، وكل سعي وجهاد يبذل وفق هذا المنهج نتيجته النصر والفلاح.
وهناك بعض الآيات المرتبطة بهذا المعنى،وهي:
1 ـ ( بِسمِ الله الرَّحمنِ الرَّحيمْ) (كل سور القرآن عدا سورة براءة)
2 ـ ( إقْرَأ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ), العلق / 1.
3 ـ ( وَقالَ اركَبُوا فِيها بِسمِ الله مَجريها وَمُرْسها اِنَّ ربّي لَغَفُورٌ رَحيم) هود 41.
4 ـ ( قالَتْ يا أيُّها الْمَلأُ اِنَّي اُلْقِيَ اليَّ كِتابٌ كَريمٌ * اِنّهُ مِن سُلَيمانَ وَاِنَّه بِسمِ الله الرَّحمن الرَّحيم * اَلاّ تَعْلُوا عَلىَّ وَأتُوني مُسلِمين)النمل 29 ـ 30 ـ 31.
لماذا نبدأ فقط باسم الله؟
أذا جمعنا بين الآيات الاربع المباركه نفهم المراد من ذلك.
في الآية الاولى (بسم الله الرحمن الرحيم) التي تصدرت كل سور القرآن (ما عدا سورة براءة) يعني نعلمكم ان تبدأوا عملكم ب(بسم الله الرحمن الرحيم )وتستعينوا به في اداء عملكم وتنفيذ خططكم.
إن أعمالنا مهما تكن فهي فانية زائلة وصغيرة محدودة، أما عندما نربطها بتلك الذات القدسية الباقية الخالدة التي لا حد لها ولا نهاية، فانها ستصطبغ بصبغته وتستلهم من عظمته وازليته.
قوتنا مهما تكن فهي ضعيفة لكن عندما ترتبط تلك القطرات, بالبحار العظيمة للقدرة الالهية فانها ستجد العظمة وتكتسب روحاً جديدة وهذا كله رمز( بسم الله )في بداية كل عمل.
في الآية الثانية كلام عن خطاب جبرئيل الأمين في بداية البعثة للنبي الاكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)عندما قال له (إقْرَأْ بِسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ).
وبهذا فقد بدأ جبرئيل منهاج رسالته عند بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باسم الله.
الآية الثالثة تتحدث عن قصه نوح عندما حلت لحظة الطوفان والعقاب الالهي الشديد على قومه الكفرة والطغاة، وعندما استعدت السفينة للحركة وصدر الأمر لأصحاب نوح الذين لم يتجاوز عددهم الثمانين بان يركبوا في الفلك قال (بسم الله مجريها ومرسها) ثم استعان بمغفرة الله ورحمته وقال (إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيم).
وفي الآية الاخيرة كلام عن كتاب سليمان الى ملكة سبأ بعد ان أخبره الهدهد عن قوم سبأ وعبادتهم للاصنام.
وعندما تناولت ملكة سبأ الكتاب جمعت اعوانها وافراد البلاط وقالت (يا أَيُّها الملأُ إنَّي أُلْقِيَ إلىَّ كِتابٌ إنّه مِنْ سُلَيْمانَ وإنّهُ بِسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ ألاّ تَعلُوا عليَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ).
من مجموع الآيات الأربع المذكورة ندرك جيداً أن ابتداء كل عمل يجب ان يكون بـ (بسم الله)، سواء كان في التعليم والهداية مثل سور القرآن أو كان دعاءً من العباد مع الذات القدسية مثل سورة الحمد، أو بداية البعثة والرسالة وأول نداء للوحي مثل بداية سورة العلق، أو أنه بداية الحركة للنجاة من الخطار والطوفان وبداية توقف السفينة والنزول منها للابتداء بالمنهج الجديد كما في قصة نوح، أو ابتداء الكتاب المرسل من أجل الدعوة للتسليم الى الحق كما في كتاب سليمان لملكة سبأ.
وخلاصة الكلام ان العمل سواء كان من الله سبحانه أو من الخلق أو من
جبرئيل او من الانبياء مثل نوح وسليمان أو من عامة الأفراد، يجب ان يبدأ بـ (بسم الله) ويرتبط بالذات المقدَّسة ويستمد منه القوه والعلم والدراك.
وهذا هو معنى الحديث المعروف للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (كل امر ذي بال لم يذكر فيه اسم الله فهو ابتر).
والأمر الذي ينبغي ملاحظته ان الصفات التي ذكرت بعد( بسم الله) في الآيات المذكورة تناسب العمل الذي بدأ بـ (باسم الله) ففي قصة نوح جاء ذكر (غفور رحيم) وهو اشارة الى شمول الرحمة الالهية لأصحاب نوح، وفي قصة نزول أول آية جاء ذكر صفة الربوبية والخالقية ونحن نعلم ان مسألة الوحي بداية لعمل تربوي وعلى هذا فان التربية التشريعية تقترن بالتربية التكوينية.
وبهذا نعلمُ ان الاستفادة من ذكر الصفات المناسبة هي تعليم للجميع حول كيفية ابتداء اعمالهم بـ (بسم الله).
نلمس في الروايات الاسلامية أهمية كبيرة لهذه الآية المباركة وأنّها في درجة (الاسم الاعظم الالهي)، كما روي عن الامام الصادق(عليه السلام) من أنّه قال: (بسم الله الرحمن الرحيم أقرب الى اسم الله الاعظم من ناظر العين الى بياضها).
وفي حديث آخر عن الامام الرضا(عليه السلام): (أقرب من سواد العين الى بياضها).
إنّ لـ (بسم الله) أهمية بالغة الى درجة بحيث ان بعض الروايات ذكرت ان في تركها تعريض النفس للعقاب الالهي، كما ورد في رواية ان عبدالله بن يحيى دخل في مجلس أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان امامه سريره فامره الامام ان يجلس عليه فتحطم السرير فجأة ووقع عبدالله على الارض وجرح رأسه وخرج منه الدم فأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بماء فغلسوا الدم ثم وضع الأمير يده على الجرح فاحس عبد الله بألم شديد في أوّل الأمر ثم بريء جرحه فقال الامام(عليه السلام): (الحمد لله الذي يغسل ذنوب شيعتنا ويطهرها بالحوادث المؤلمة).
فقال عبد الله: يا امير المؤمنين لقد نبهتي، أخبرني أي ذنب ارتكبته حتى اصاب بهذا الحادث المؤلم كي لا عود الى ذنبي فان ذلك يسعدني.
فقال(عليه السلام): عندما جلست على السرير لم تقل: (بسم الله الرحمن الرحيم) الم تعلم ان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال عن لسان ربِّه: (ان كل عمل ذي بال لم يبدأ فيه بسم الله فهو ابتر ولا ثمرة فيه), فقال عبد الله: فديتك لا ادعها بعد هذا ابداً, فقال الامام(عليه السلام): اذا ستكون سعيداً.
ولكن مع الواضح ان الاسم الاعظم أو( بسم الله) الذي هو اقرب ما يكون إليه ليس المقصود منه جريان الفاظه على اللسان، فالتلفظ لوحده لا يحل العقد المستعصية ولا يفتح ابواب الخيرات والبركات ولا ينتظم به شتات الأمور، بل المراد هو التخلق به يعني ان مفهوم (بسم الله) يجب ان يرتكز في روح الانسان وباطنه، وعندما يتلفظ بها بلسانه يشعر ان كامل دقائق وجوده قد دخل في الحِمى الإلهيّة وصار من اعماق وجوده يستمد من ذاته المقدسة.
وينبغي الانتباه الى ان التأكيد على الابتداء بـ «بسم الله» ليس فقط في الكلام وانما في الكتابة أيضاً كما في كتاب سليمان (عليه السلام) الى بلقيس.
في حديث الامام الصادق (عليه السلام) : (لا تدع البسملة ولو كتبت شعراً) ثم ذكر الامام (عليه السلام) انهم كانوا يبدأون رسائلهم قبل الاسلام بعبارة (بسمك اللهم).
ولما نزلت الآية الكريمة (إنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وإنَّه بِسمِ اللهِ الرّحمنِ الرحيمِ) بدأوا رسائلهم بعبارة (بسم الله).
وفي حديث آخر نقرأ ان الإمام الهادي عليه السلام وصى احد وكلائه وهو داود الصرّمي الذي قال: أمرني عليه السلام بحوائج كثيرة فقال لي: قل كيف تقول؟، فلم أحفظ مثل ما قال لي، فمدّ الدواة وكتب (بسم الله الرحمن الرحيم) اذكر انشاء الله والأمر بيد الله، فتبسمت، فقال: مالك: قلت خير فقال: أخبرني، قلت: جعلت فداك ذكرت حديثاً حدثني به رجل من أصحابنا عن جدك الرضا عليه السلام اذا مرّ بحاجة كتب: (بسم الله الرحمن الرحيم)اذكر انشاء الله فتبسمت، فقال لي: يا داود لو قلت ان تارك التسمية كتارك الصلاة لكنت صادقاً.
إنَّ اهمية بسم اللهتبدو بدرجه عظيمة بحيث نقرأ في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)انه قال: (اذا قال المعلّم للصبي بسم الله الرحمن الرحيم (ويكرر الطفل ذلك) كتب الله براءة للصبي وبراء لابوه وبراءة للمعلِّم).
ونختم هذا الكلام، بمقالة مشهورة بين جماعة من المفسرين وهي:
إنَّ معاني كل الكتب الالهية مجموعة في القرآن.
ومعاني كل القرآن مجموعة في سورة الحمد.
ومعاني كل سورة الحمد في( بسم الله).
ومعاني (بسم الله) مجموعة في الباء.
وتمركز جميع مفاهيم القرآن والكتب الالهية في باء (بسم الله) يمكن ان يكون من ناحية كون كل المخلوقات في عالم التكوين، وكل التعليمات في عالم التشريع تستمد وجودها من الذات المقدسة حيث أنّها علة العلل لجميع العوالم، ونعلم ان باء بسم الله للاستعانة وطلب النصرة من الله وهذه مسألة جديرة بالدقة والتأمل.
تعليق