الحقد والحسد والعفو والصفح
بقلم /مجاهد منعثر منشد
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (البقرة:204)
الحقد داءٌ دفينٌ ليس يحمله.. ..إلا جهولٌ ملـيءُ النفس بالعلل
مالي وللحقد يُشقيني وأحمله.. ..إني إذن لغبيٌ فاقدُ الحِيَل؟!
سلامة الصدر أهنأ لي وأرحب لي.. ..ومركب المجد أحلى لي من الزلل
إن نمتُ نمتُ قرير العين ناعمـها.. .. وإن صحوت فوجه السعد يبسم لي
وأمتطي لمراقي المجد مركبــتي.. ..لا حقد يوهن من سعيي ومن عملي
مُبرَّأ القلب من حقد يبطئـــني.. .. .أما الحقود ففي بؤس وفي خطــل
معنى الحقد في لسان العرب على قول ابن منظور :ـ إمساك العداوة في القلب والتربص لفرصتها ...
ومن ناحية اصطلاحيه مفهومة هو سوء الظن في القلب على الخلائق لأجل العداوة .
بمختصر معناه :ـ
بُغض شديد، ورغبة في الانتقام مضمرة في نفس الحاقد حتى يحين وقت النَّيْل ممن حقد عليه.
و الألفاظ المرادفة للحقد :ـ الضغينة ـ النقمةـ الغِل.
قال تعالى :ـ (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران:119) يقول جورج آلبوت أن الكراهية الأشد قسوة، هي تلك التي تمد جذورها في الخوف ذاته وتتكيف عبر الصمت. وتحول شعور العنف إلى نوع من شعور الرغبة في الانتقام بشكل يشبه طقوس الثأر الخفية وما تؤجج من غضب الإنسان المضطهد .
اذا كنت تغضب من غير ذنب... وتعتب من غير جرم عليَّا
طلبت رضاك فان عزَّني .........عددتك ميتا وان كنت حياً.
قال بعض الحكماء إن فساد القلب بالضغائن داءٌ عُضالٌ، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرب السائلُ من الإناء المثلوم.
واعراض وعلامات الحقود كثيرة منها :ـ
الكذب و الغيبة و النميمة و الغيرةو الشك و ظن السوءو الاستهزاء بالآخرين والحاصلين على الدرجات العالية في الحقد لديهم علامة مميزة هي عدم إفشاء السلام .
والحاقدين ترافق بعضهم صفه اخرى هي الحسد
اصبر على حسد الحسود فان صبرك قاتله
كالنار تأكل بعضها ان لم تجد ما تأكله
هذا الحاسد تراه ينتقصك في كل مناسبة حتى لو بذلت له من المعروف ما لم تبذله لاحد غيره.. و ان الحسد لا يأتي إلا ممن هو قريب منك وفي مستواك والذي يعرف عنك كل شيء لان كثرة مشاهدته لك واحتكاكه معك جعلته يحقد عليك.. وبعض الاحيان بدون سبب .
هذا هو الحاقد والحاسد الذي امتلأ قلبه حقداً او حسداً.. لا يمكن ان يرضى عنك وسيحقد عليك دون سبب وسيزداد حقده عليك كلما تجاهلته ولكن دعه في حقده .
وعلى ذلك يكون وصف الحاقد الحاسد عمله هذا هو نزغ من عمل الشيطان ..ويقضي عمره في غم وحزن...ويمتلك الرذائل من الافتراء والبهتان على الاخرين .الحاقد كليل اليد ,ضعيف النفس .وحقده وحسده داء دفين فيه .فيقال عنه جاهل احمق .
فتراه يتمنى زوال النعمة من الاخرين .والاعراض عن اخيه استصغار له .و الإعراض عن قضاء دينه ورد مظلمة في حقه.
قال تعالى :ـ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) الأعراف:43].
ويقول تعالى :ـ (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:8- 11].
وهو عكس الانسان المؤمن حيث لا تستقر البغضاء في نفوس المؤمنين حتى تصير حقدا .. إذ إن المؤمن يرتبط مع المؤمنين برباط الأخوة الإيمانية الوثيق ؛فتتدفق عاطفته نحو إخوانه المؤمنين بالمحبة والرحمة . فإن الشعور بالحقد يحتاج إلى مجاهدة النفس والزهد في الدنيا، وعليه أن يحذِّر نفسه عاقبة الانتقام، وأن يعلم أن قدرة الله عليه أعظم من قدرته.
يقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام ) اذا دعتك قدرتك على ظلم الناس ,فتذكر قدرة الله عليك .
حقيقة الإسلام تكمن في وقف أذية الآخرين لأن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، وبالتالي الإسلام في مضمونه وفي حقيقته هو رسالة في نبذ الاعتداء على الآخر ورسالة في نبذ العنف .
فيقول الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم ) :ـ «لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه».
ويشخص الانسان حسب اعتقاده ميلان كونديرا بقوله :ـ أن الإنسان كائن يسعى للوصول إلى نوع من التوازن النفسي، لذلك يُوازن بين ثقل السوء وما يرهق كاهله والحقد الذي يحمله .
والقائد او المسؤول او الوجيه في المجتمع اذا كان مبتلى بداء الحقد والحسد الواضح في اسلوب التعامل ,فتلك طامة كبرى حيث ستتحول الرعية الى مجتمع حاقد حسود أي مجتمع منهار نتيجة الافكار الفاسده .
واذا لم يستطيعوا أن يجاهدوا انفسهم اولا ...لايستطيعون ان يثقوا بانفسهم ,فيثقوا بالاخرين ...فبناء الامم او المجتمعات او الجماعات يتم باسلوب الواثق من نفسه ..ومن الامثله التي تضرب ولاتقاس .
سـئـل نـــابليـــــون :
كيف استطعت أن تولد الثقة في نفوس أفراد جيشك .؟!
فأجاب : كنت أرد على ثلاث بثلاث ؟؟
- من قال لا أقدر ... قلت له ... حاول .
- من قال لا أعرف ... قلت له ... تعلم .
- من قال مستحيل ... قلت له ... جرب .
هذا اسلوب الواثق من نفسه بكلمات بسيطه .وكانت كبيره في معناها كسب لب جيشه .
ولو أن نابليون حسدوحقد على جيشه لانهم لم يطبقوا اوامرهم ماذا سيحدث له ولهم ؟
كل العداوات قد ترجى إماتتها..... إلا عداوة من عاداك عن حسد..!!
وقضية الحقد والحسد اذا انتشرت في المجتمع عن طريق قياداته .وكانت اساس في التعامل ,فان هذا المجتمع منهار لامحال .وزراعة الحقد والحسد في الامة له عواقب وخيمة تتعامل فيها الاجيال تلو الاجيال .
وعلى اثر ذلك لابد من معالجة هذا الداء العضال ..ومعالجته واضحة وموجوده ولاتحتاج الى استيراد بل اذا تمت فانها ستحتاج الى تصدير ...هذه المعالجة في كتاب الله الكريم حيث قال عزوجل :ـ (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ * وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ا لَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَ نَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ا لَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم ) . ( فصلت / 33 ـ 35 ).
العفو : « القصد لتناول الشيء .. عفوت عنه ، وقصدت إزالة ذنبه صارفاً عنه .. فالعفو هو التجافي عن الذّنب » .
الصفح : « ترك التثريب ، وهو أبلغ من العفو، ولذلك قال تعالى فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) . ( البقرة / 109 )
وقد يعفو الإنسان ولا يصفح ، قال تعالى :
(فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ ) . (الزّخرف / 89)
(فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ ) . ( الحجر / 85 )
(أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً ) . ( الزّخرف / 5 )
وصفحتُ عنه أوليته منِّي صفحة جميلة معرضاً عن ذنبه ، أو لقيته صفحته متجافياً عنه ، أو تجاوزت الصفحة التي أثبت فيها ذنبه من الكتاب إلى غيرها من قولك تصفحت الكتاب »
تلك سـلوكية الإنسان المؤمن التي يريدها القرآن لا كبرياء ولا كراهية ، بل التواضع والعفو عن الناس .. ومقابلة الجاهلين المسيئين بالعفو والصفح .. إنّ الجاهل المعادي وربّما غير المعادي يطلق كلمة الإسـاءة والاسـتفزاز أو الإثارة .. وردّ فعل المؤمـن هو الصـفح عن الجاهلين ومُقابلة الإساءة بالإحسـان بقوله : «سلاماً» لا ردّ بالمثل ، ولا كراهية ولا عدوان .. إنّها روح الحبّ والسلام .
و مجتمع العفو والتسامح ، مجتمع الصلح والاصلاح ، مجتمع الصفح الجميل ، مجتمع الإعراض عن اللّغو ، مجتمع العدل والإحسان الذي نادى به القرآن .
(وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُو الفَضْـلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). (النور/22)
(أُولئِكَ يُؤْتَونَ أَجْرَهُم مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ). ( القصص / 54 ـ 55 )
وَإِن طَائِفَـتَانِ مِنَ المُؤْمِنِـينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْـلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَـتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا ا لَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ * إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) .( الحجرات / 9 ـ 10 )
(... فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَان ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .( البقرة / 178 )
(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّة عَرْضُهَا السَّموَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الُمحْسِنِينَ). (آل عمران/133ـ134)
(... عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام). (المائدة/95)
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِين * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَـيْق مِمّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللهَ مَعَ ا لَّذِينَ اتَّقَوا وَا لَّذِينَ هُم مُحْسِنُونَ ) .( النحل / 126 ـ 128 )
(وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عن المُنْكَرِ).(التّوبة/71)...
بقلم /مجاهد منعثر منشد
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (البقرة:204)
الحقد داءٌ دفينٌ ليس يحمله.. ..إلا جهولٌ ملـيءُ النفس بالعلل
مالي وللحقد يُشقيني وأحمله.. ..إني إذن لغبيٌ فاقدُ الحِيَل؟!
سلامة الصدر أهنأ لي وأرحب لي.. ..ومركب المجد أحلى لي من الزلل
إن نمتُ نمتُ قرير العين ناعمـها.. .. وإن صحوت فوجه السعد يبسم لي
وأمتطي لمراقي المجد مركبــتي.. ..لا حقد يوهن من سعيي ومن عملي
مُبرَّأ القلب من حقد يبطئـــني.. .. .أما الحقود ففي بؤس وفي خطــل
معنى الحقد في لسان العرب على قول ابن منظور :ـ إمساك العداوة في القلب والتربص لفرصتها ...
ومن ناحية اصطلاحيه مفهومة هو سوء الظن في القلب على الخلائق لأجل العداوة .
بمختصر معناه :ـ
بُغض شديد، ورغبة في الانتقام مضمرة في نفس الحاقد حتى يحين وقت النَّيْل ممن حقد عليه.
و الألفاظ المرادفة للحقد :ـ الضغينة ـ النقمةـ الغِل.
قال تعالى :ـ (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (آل عمران:119) يقول جورج آلبوت أن الكراهية الأشد قسوة، هي تلك التي تمد جذورها في الخوف ذاته وتتكيف عبر الصمت. وتحول شعور العنف إلى نوع من شعور الرغبة في الانتقام بشكل يشبه طقوس الثأر الخفية وما تؤجج من غضب الإنسان المضطهد .
اذا كنت تغضب من غير ذنب... وتعتب من غير جرم عليَّا
طلبت رضاك فان عزَّني .........عددتك ميتا وان كنت حياً.
قال بعض الحكماء إن فساد القلب بالضغائن داءٌ عُضالٌ، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرب السائلُ من الإناء المثلوم.
واعراض وعلامات الحقود كثيرة منها :ـ
الكذب و الغيبة و النميمة و الغيرةو الشك و ظن السوءو الاستهزاء بالآخرين والحاصلين على الدرجات العالية في الحقد لديهم علامة مميزة هي عدم إفشاء السلام .
والحاقدين ترافق بعضهم صفه اخرى هي الحسد
اصبر على حسد الحسود فان صبرك قاتله
كالنار تأكل بعضها ان لم تجد ما تأكله
هذا الحاسد تراه ينتقصك في كل مناسبة حتى لو بذلت له من المعروف ما لم تبذله لاحد غيره.. و ان الحسد لا يأتي إلا ممن هو قريب منك وفي مستواك والذي يعرف عنك كل شيء لان كثرة مشاهدته لك واحتكاكه معك جعلته يحقد عليك.. وبعض الاحيان بدون سبب .
هذا هو الحاقد والحاسد الذي امتلأ قلبه حقداً او حسداً.. لا يمكن ان يرضى عنك وسيحقد عليك دون سبب وسيزداد حقده عليك كلما تجاهلته ولكن دعه في حقده .
وعلى ذلك يكون وصف الحاقد الحاسد عمله هذا هو نزغ من عمل الشيطان ..ويقضي عمره في غم وحزن...ويمتلك الرذائل من الافتراء والبهتان على الاخرين .الحاقد كليل اليد ,ضعيف النفس .وحقده وحسده داء دفين فيه .فيقال عنه جاهل احمق .
فتراه يتمنى زوال النعمة من الاخرين .والاعراض عن اخيه استصغار له .و الإعراض عن قضاء دينه ورد مظلمة في حقه.
قال تعالى :ـ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) الأعراف:43].
ويقول تعالى :ـ (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:8- 11].
وهو عكس الانسان المؤمن حيث لا تستقر البغضاء في نفوس المؤمنين حتى تصير حقدا .. إذ إن المؤمن يرتبط مع المؤمنين برباط الأخوة الإيمانية الوثيق ؛فتتدفق عاطفته نحو إخوانه المؤمنين بالمحبة والرحمة . فإن الشعور بالحقد يحتاج إلى مجاهدة النفس والزهد في الدنيا، وعليه أن يحذِّر نفسه عاقبة الانتقام، وأن يعلم أن قدرة الله عليه أعظم من قدرته.
يقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام ) اذا دعتك قدرتك على ظلم الناس ,فتذكر قدرة الله عليك .
حقيقة الإسلام تكمن في وقف أذية الآخرين لأن المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، وبالتالي الإسلام في مضمونه وفي حقيقته هو رسالة في نبذ الاعتداء على الآخر ورسالة في نبذ العنف .
فيقول الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم ) :ـ «لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه».
ويشخص الانسان حسب اعتقاده ميلان كونديرا بقوله :ـ أن الإنسان كائن يسعى للوصول إلى نوع من التوازن النفسي، لذلك يُوازن بين ثقل السوء وما يرهق كاهله والحقد الذي يحمله .
والقائد او المسؤول او الوجيه في المجتمع اذا كان مبتلى بداء الحقد والحسد الواضح في اسلوب التعامل ,فتلك طامة كبرى حيث ستتحول الرعية الى مجتمع حاقد حسود أي مجتمع منهار نتيجة الافكار الفاسده .
واذا لم يستطيعوا أن يجاهدوا انفسهم اولا ...لايستطيعون ان يثقوا بانفسهم ,فيثقوا بالاخرين ...فبناء الامم او المجتمعات او الجماعات يتم باسلوب الواثق من نفسه ..ومن الامثله التي تضرب ولاتقاس .
سـئـل نـــابليـــــون :
كيف استطعت أن تولد الثقة في نفوس أفراد جيشك .؟!
فأجاب : كنت أرد على ثلاث بثلاث ؟؟
- من قال لا أقدر ... قلت له ... حاول .
- من قال لا أعرف ... قلت له ... تعلم .
- من قال مستحيل ... قلت له ... جرب .
هذا اسلوب الواثق من نفسه بكلمات بسيطه .وكانت كبيره في معناها كسب لب جيشه .
ولو أن نابليون حسدوحقد على جيشه لانهم لم يطبقوا اوامرهم ماذا سيحدث له ولهم ؟
كل العداوات قد ترجى إماتتها..... إلا عداوة من عاداك عن حسد..!!
وقضية الحقد والحسد اذا انتشرت في المجتمع عن طريق قياداته .وكانت اساس في التعامل ,فان هذا المجتمع منهار لامحال .وزراعة الحقد والحسد في الامة له عواقب وخيمة تتعامل فيها الاجيال تلو الاجيال .
وعلى اثر ذلك لابد من معالجة هذا الداء العضال ..ومعالجته واضحة وموجوده ولاتحتاج الى استيراد بل اذا تمت فانها ستحتاج الى تصدير ...هذه المعالجة في كتاب الله الكريم حيث قال عزوجل :ـ (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّن دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ * وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ا لَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَ نَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ا لَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيم ) . ( فصلت / 33 ـ 35 ).
العفو : « القصد لتناول الشيء .. عفوت عنه ، وقصدت إزالة ذنبه صارفاً عنه .. فالعفو هو التجافي عن الذّنب » .
الصفح : « ترك التثريب ، وهو أبلغ من العفو، ولذلك قال تعالى فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) . ( البقرة / 109 )
وقد يعفو الإنسان ولا يصفح ، قال تعالى :
(فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ ) . (الزّخرف / 89)
(فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الجَمِيلَ ) . ( الحجر / 85 )
(أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً ) . ( الزّخرف / 5 )
وصفحتُ عنه أوليته منِّي صفحة جميلة معرضاً عن ذنبه ، أو لقيته صفحته متجافياً عنه ، أو تجاوزت الصفحة التي أثبت فيها ذنبه من الكتاب إلى غيرها من قولك تصفحت الكتاب »
تلك سـلوكية الإنسان المؤمن التي يريدها القرآن لا كبرياء ولا كراهية ، بل التواضع والعفو عن الناس .. ومقابلة الجاهلين المسيئين بالعفو والصفح .. إنّ الجاهل المعادي وربّما غير المعادي يطلق كلمة الإسـاءة والاسـتفزاز أو الإثارة .. وردّ فعل المؤمـن هو الصـفح عن الجاهلين ومُقابلة الإساءة بالإحسـان بقوله : «سلاماً» لا ردّ بالمثل ، ولا كراهية ولا عدوان .. إنّها روح الحبّ والسلام .
و مجتمع العفو والتسامح ، مجتمع الصلح والاصلاح ، مجتمع الصفح الجميل ، مجتمع الإعراض عن اللّغو ، مجتمع العدل والإحسان الذي نادى به القرآن .
(وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُو الفَضْـلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). (النور/22)
(أُولئِكَ يُؤْتَونَ أَجْرَهُم مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ). ( القصص / 54 ـ 55 )
وَإِن طَائِفَـتَانِ مِنَ المُؤْمِنِـينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْـلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَـتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا ا لَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ * إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) .( الحجرات / 9 ـ 10 )
(... فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَان ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِن رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .( البقرة / 178 )
(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَة مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّة عَرْضُهَا السَّموَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الُمحْسِنِينَ). (آل عمران/133ـ134)
(... عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام). (المائدة/95)
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِين * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَـيْق مِمّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللهَ مَعَ ا لَّذِينَ اتَّقَوا وَا لَّذِينَ هُم مُحْسِنُونَ ) .( النحل / 126 ـ 128 )
(وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عن المُنْكَرِ).(التّوبة/71)...
تعليق