الفضائل العس?ريّة
• كتب ابن الصبّاغ المالكي في ( الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة:266 ـ ط الغري ): وُلد أبو محمّد الحسن ( العسكري ) بالمدينة لثمانٍ خَلَون مِن ربيع الآخر سنة ( 232 للهجرة ). أمّا نسبه أباً وأمّاً، فهو: الحسن الخالص بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليٍّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبٍ صلوات الله عليهم أجمعين.• وفي ( كفاية الطالب في مناقب عليّ بن ابي طالب:312 ـ ط الغري ) كتب الگنجي الشافعي: هو الإمام بعد الهادي،... قُبِض يوم الجمعة لثمانٍ خَلَون من شهر ربيع الأوّل سنة ( 260 هـ ) وله يومئذٍ ثمانٍ وعشرون سنة، ودُفِن في داره بـ « سُرّ مَن رأى » في البيت الذي دُفن فيه أبوه ( الهادي )، وخَلَفَ ابنَه وهو الإمام المنتظر.
• وإذا عُدنا إلى ابن الصبّاغ، المالكيِّ المذهب، وجدناه يكتب في ( الفصول المهمّة:272 ): مناقب سيّدنا أبي محمّد الحسن العسكري دالّةٌ على أنّه السريّ ابن السريّ، فلا يشكّ في إمامته أحدٌ ولا يمتري، واعلم أنّه يبعث مكرمةً فسواه بايعها وهو المشتري. واحدُ زمانه مِن غير مدافع، ويسبح وحده من غير منازع، وسيّدُ أهل عصره، وإمامُ أهل دهره، أقوالُه سديدة، وأفعاله حميدة.. فارسُ العلوم الذي لا يُجارى، ومبينُ غوامضه فلا يُحاوَل ولا يُمارى. كاشفُ الحقائق بنظره الصائب، ومُظهِر الدقائق بفكره الثاقب. المحدِّثُ في سرّه بالأمور الخفيّات، الكريمُ الأصل والنفس والذات..
• وكتب في شأنه الشريف عليه السلام كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي في ( مطالب السَّؤوال في مناقب آل الرسول:88 ـ ط طهران ): إعلَمْ أنّ المنقبة العليا، والمزيّة الكبرى، التي خصّه الله بها وقلّده فريدَها، ومنحه تقليدَها، وجعلها صفةً دائمّة لا يُبلي الدهرُ جديدَها، ولا تنسى الألسنةُ تلاوتَها وترديدَها، أنّ المهديَّ محمّداً نسلُه المخلوق منه، وولدُه المنتسب إليه، وبَضعتُه المنفصلة منه.
وقد قال السيّد عبّاس المكّي في ( نزهة الجليس 121:2 ـ ): ذَكَر بعضَ فضائله ابنُ الحرّ الشيخ محمّد بن الحسن في أُرجوزةٍ طويلة، منها قوله:
قَتَـلَـه بِسُـمِّـه المُعتـمِـدُ | بقوّةٍ يَــرِقّ منـه الجَلْـمَـدُ | |
وعُمْرُه تسعٌ وعشرونَ، وقَـدْ | قيل: ثمانٍ بعدَ عشريـنَ فُقِـدْ | |
ودفنُـه عنـد أبيـهِ ظـاهـرُ | لقبرهِ الأشـرفِ نـورٌ زاهـرُ | |
وَلَـدُه المهـديُّ صـلّـى اللهُ | عليهمـا، وقيـل: وســاواهُ | |
آياتُـه والمعجـزاتُ جَـمّـة | نَقلَهـا الــرواةُ والأئـمّـة | |
أخبَـرَ بالحـوادثِ العِـظـامِ | قبـلَ وقـوعِ حـادثِ الأيّـامِ | |
علومُـه كثـيـرةٌ غـزيـرة | كعِلمِـه بالألسـنِ الكثـيـرة | |
ذللاّت له الأعـداءُ والسِّبـاعُ | وغُيّـرت لأجلـهِ الطِّـبـاعُ | |
أخبَرَ أقواماً بما قد أضمـروا | ولم يكونوا نطقوا أو أظهـروا | |
وفي حديث الراهب النصراني | معجزةٌ من أوضـح البرهـانِ | |
إذ كان في الحبس فصار جَدْبُ | وكان سُؤْلَ المسلمين الخِصْبُ | |
فخرجـوا يَدْعـون للاستسقـا | ثلاثةً، والأرضُ ليس تُسقـى | |
فخرج الراهـبُ والنصـارى | يستمطرون الصيِّبَ المِـدرارا | |
فجاءهم غيثٌ غزيـرٌ هاطـلُ | وكلَّما دَعَـوا أجـاب الوابـلُ | |
فآفتُتِن الناسُ ورامُـوا الـرِّدّة | لَمّا رأوا مِـن فَـرَجٍ وشـدّة | |
فطلبوا الإمامَ حتّـى أُخرِجـا | ثـمّ دعـا اللهَ فنـال الفَرَجـا | |
وعندما أراد يدعـو الراهـبُ | وقَرُب الغيثُ وفـاز الطالـبُ | |
أمّـر عبـدَه الإمـامُ فـأخَـذْ | مِن يده عظماً فعِنـدَ مـا نَبَـذْ | |
وانقشع الغيـمُ وزال المَطَـرُ | وزال عن دِينِ الإلـهِ الخَطَـرُ | |
قال الإمام أنّـه عظـمُ نبـي | فليـس مـا رأيتـمُ بالعَجَـبِ | |
إذ كلّمـا أُظـهِـر للسـمـاءِ | أمطرت الغيـثَ بـلا دعـاءِ |
• ابن الصبّاغ المالكي في ( الفصول المهمّة:269 ـ ط الغري ) راوياً:
قال أبو هاشم ( داود بن القاسم الجعفري ـ من ذراري الشهيد جعفر الطيّار رضوان الله عليه ): لم تَطُل مدّة أبي محمّد الحسن ( العسكري ) في السجن، إلى أن قَحَط الناسُ بِسُرّ مَن رأى قحطاً شديداً، فأمر المعتمد العبّاسي بخروج الناس إلى الاستسقاء، فخرجوا ثلاثة أيّامٍ يستسقون ويَدْعون فلم يُسقَوا، فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء، وخرج معه النصارى والرهبان، وكان فيهم راهبٌ كلّما مدّ يده إلى السماء ورفعها هطلت بالمطر! ثمّ خرجوا في اليوم الثاني وفعلوا كفعلهم أوّل يوم، فهطلت السماء بالمطر وسُقوا سقياً شديداً حتّى استعفَوا ( أي اكتفوا )، فعجب الناس من ذلك وداخَلَهمُ الشكّ، وصغا بعضُهم إلى دين النصرانية.
فأنفذ المعتمد إلى صالح بن وصيف أن أخرِجْ أبا محمّد الحسن بن عليّ من السجن وائتِني به، فلمّا حضر أبو محمّد قال له: أدرِكْ أُمّةَ محمّدٍ فيما لَحِق بعضَهم في هذه النازلة، فقال أبو محمّد (عليه السلام ): « دَعْهُم يَخرجون غداً اليوم الثالث »، قال: قد استعفى الناس واكتفَوا، فما فائدةُ خروجهم ؟! قال: « لأُزيلَ الشكَّ عن الناس وما وقعوا فيه من هذه الورطة التي أفسدوا فيها عقولاً ضعيفة ».
فأمر المعتمدُ العبّاسي الجاثليقَ والرهبان أن يَخرُجوا أيضاً في اليوم الثالث على جاري عادتهم، وأن يخرج الناس، فخرج النصارى وخرج لهم أبو محمّدٍ الحسنُ العسكريّ ومعه خَلْقٌ كثير، فوقف النصارى على جاري عادتهم يَستسقُون، إلاّ ذلك الراهب، فقد مَدّ يدَيه رافعاً لهما إلى السماء، ورفَعَت النصارى والرهبانُ أيديَهم على جاري عادتهم، فغيّمت السماء في الوقت ونزل المطر، فأمر أبو محمّد الحسن بالقبض على يد الراهب وأخْذِ ما فيها، فإذا بين أصابعه عظمُ أدميّ! فأخذه أبو محمّد الحسن ولفّه في خرقةٍ وقال له: « إستَسْقِ »، فانكشف السَّحابُ وانقشع الغيم وطلعت الشمس! فعَجِب الناس من ذلك، وسأل المعتمد العباسي: ما هذا يا أبا محمّد؟! فقال: « عظمُ نبيٍّ من أنبياء الله عزّوجلّ، ظفر به هؤلاءِ من قبور الأنبياء، وما كُشِف عظمُ نبيٍّ تحت السماء إلاّ هطلت بالمطر ».
فاستحسنوا ذلك فامتحنوه، فوجدوه كما قال عليه السلام، فرجع أبو محمّد الحسن إلى داره بسرّ مَن رأى وقد أزال عن الناس هذه الشبهة. ( رواه أيضاً: الشبلنجي في:نور الأبصار:225 ـ ط العثمانيّة بمصر، والسمهودي الشافعي في: جواهر العِقدَين ـ على ما في: ينابيع المودّة للقندوزي الحنفي:396 ـ ط إسلامبول، وابن حجر الهيتمي المكّي الشافعي في: الصواعق المحرقة:124 ـ ط البابي بمصر، وعنه: ينابيع المودّة ج 3 ـ ط العرفان ببيروت، والحافظ البدخشي في: مفتاح النجا في مناقب آل العبا:189 ـ من المخطوط، وأبو بكر بن شهاب الحضرمي الشافعي في: رشفة الصادي:196 ـ ط مصر ).
• وفي ( الفصول المهمّة:267 ـ ط الغري كتب ابن الصبّاغ المالكي: عن محمّد بن حمزة الدوري قال: كتبتُ على يَدَي أبي هاشم ( الجعفري ) داود بن القاسمِ ـ وكان لي مواخياً ـ إلى أبي محمّد الحسن ( العسكري ) أسأله أن يدعو الله لي بالغنى، وكنتُ قد بلغت وقلّت ذات يدي وخِفتُ الفضيحة، فخرج الجواب على يده: « أبشِرْ فقد أتاك الغنى غنى الله تعالى، مات ابن عمّك وخلّف مئة ألف درهم ولم يترك وارثاً سواك، وهي واردةٌ عليك، عليك بالاقتصاد، وإيّاك والإسراف ».
قال: فوَرَد علَيّ المال والخبر بموت ابن عمّي كما قال عن أيّامٍ قلائل، وزال عنّي الفقر فأدّيتُ حقّ الله تعالى، وبررتُ إخواني وتماسكت بعد ذلك، وكنتُ مبذِّراً ( أي من قبل ). ( رواه كذلك: القرماني في: أخبار الدول وآثار الأُول:117 ـ ط بغداد، والشبلنجي في: نور الأبصار:226 ـ ط العثمانيّة بمصر ).
• وفي ( الفصول المهمّة:270 ـ ط الغري ) أيضاً روى ابن الصبّاغ عن عيسى بن الفتح أنّه قال: لمّا دخل علينا أبو محمّد الحسن ( العسكري ) السجن قال لي: « يا عيسى، لك من العمر خمسٌ وستّون سنةً وشهرٌ ويومان »، قال: وكان معي كتاب فيه تاريخ ولادتي، فنظرتُ فيه فكان كما قال، ثمّ قال لي: « هل أُرزقتَ ولداً ؟ » فقلت:لا، قال: « اللهمَّ ارزُقْه ولداً يكون له عَضُداً، فنِعمَ العضدُ الولد »، ثمّ أنشد:
مَن كان ذا عَضدٍ يُدْرِكْ ظُلامتَـهُ | إنّ الذليلَ الذي ليست له عَضُـدُ |
لعلّلك يومـاً أن ترانـي كأنّمـا | بَنيّ حَوالَـيّ الأسـودُ اللَّوابـدُ | |
فإنّ تميماً قبـل أن تلد العصـا | أقامَ زماناً وهو في الناسِ واحدُ |
• وفي ( أخبار الدول وآثار الأُول:117 ـ ط بغداد ) كتب المؤرّخ أحمد بن يوسف القرماني الدمشقي ـ ت 1019 هـ ـ يقول: عن الهيثم بن عَدِيّ قال: لمّا أمر المعتزّ بحمل أبي محمّد الحسن ( العسكري ) إلى الكوفة، كتبتُ إليه: ما هذا الخبر الذي بَلَغَنا فغمَّنا ؟! فكتب: « بعد ثلاثٍ يأتيكمُ الفَرَج إن شاء الله تعالى ». فقُتل المعتزّ في اليوم الثالث! ( رواه بعين ما تقدّم: ابن الصبّاغ في: الفصول المهمّة 267 ـ ط الغري ).
• وكتب ابن حجر الهيتمي المكّي الشافعي في ( الصواعق المحرقة:124 ـ ط البابي ): وقع لبهلولٍ معه ( أي مع الإمام الحسن العسكري عليه السلام ) أنّه رآه وهو صبيّ يبكي والصبيان يلعبون، فظنّ البهلول أنّه يتحسّر على ما في أيديهم، فقال له: أشتري لك ما تلعب به ؟ فقال: « يا قليل العقل، ما لِلّعبِ خُلِقنا »، فقال البهلول: فلماذا خُلقنا ؟ قال: « للعلم والعبادة »، فقال له: من أين لك ذلك ؟ قال عليه السلام: « من قول الله عزّوجلّ: « أفَحَسِبتُم أنّما خَلَقْناكُم عَبَثاً وأنّكُم إلينا لا تُرجَعُون » [ المؤمنون:115 ] ».
ثمّ ساله البهلول أن يَعِظَه، فوعظه بابيات (لم يذكرها ابن حجر )، ثمّ خرّ الحسن مغشيّاً عليه، فلمّا أفاق قال له البهلول: ما نزل بك وأنت صغيرٌ لا ذَنْبَ لك ؟! فأجابه عليه السلام: « إليك عنّي يا بهلول، إنّي رأيتُ والدتي تُوقد النار بالحطب الكبار، فلا تتّقد إلاّ بالصغار، وإنّي أخشى أن أكون من صغار حطب نار جهنّم ». ( رواه باكثير الحضرمي الشافعي في: وسيلة المآل في عَدّ مناقب الآل:213 ـ من المخطوط، نقلاً عن: روض الرياحين لليافعي الشافعي بمعنى ما تقدّم في: الصواعق المحرقة إلى آخر الآية الشريفة، إلاّ أنّه قال: فقلت: يا بُنيّ أراك حكيماً، فعِظْني وأوجِزْ. فأنشأ يقول:
أرى الدنيـا تجهَّزُ بانطـلاقِ | مُشَمِّرةً علـى قَـدَمٍ وسـاقِ | |
فلا الدنيـا ببـاقيـةٍ لحـيٍّ | ولا حيٌّ علَى الدنيـا بِبـاقِ | |
كأنّ المـوتَ والحَدَثانِ فيهـا | إلى نَفْسِ الفتى فَرَسا سِبـاقِ | |
فيامَغـرورُ بالدنيـا رُوَيـداً | ومنها خُذْ لنفسِـك بالوثـاقِ |
• وكتب الشيخ القندوزي الحنفي في ( ينابيع المودّة 113:3 ـ ط العرفان بمصر ): يُقال: إنّه مات بسمٍّ ولم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجّة.
• كما كتب محمّد بن عبدالغفّار الهاشمي الحنفي في ( أئمّة الهدى:138 ـ ط القاهرة ): وكَثُر أتباعُه، وذاع صِيتُه، واتّجهت إليه الأنظار، ودَسّ له المعتمد العبّاسي سمّاً فتُوفّي منه.
• وعلى الصفحة 272 من كتابه ( الفصول المهمّة ) كتب المالكي: خلّف أبو محمّد الحسن ( العسكري ) من الولد ابنَه الحجّة القائم المنتظرَ لدولة الحق، وكان قد أخفى مولدَه وستر أمرَه؛ لصعوبة الوقت وخوف السلطان، وتطلّبِه ( أي السلطان الظالم ) للشيعة وحبسِهم والقبض عليهم.
• ومن كلامه عليه السلام ما رواه الشبلنجي الشافعي في ( نور الأبصار:226 ـ ط مصر ) أنّه قال: « إنّ في الجنّة باباً يُقال له: المعروف، لا يدخلُ منه إلاّ أهل المعروف » قال أبو هاشم الجعفري: فحَمِدتُ اللهَ في نفسي وفَرِحتُ بما أتكلّف من حوائج الناس، فنظر إليّ وقال: « يا أبا هاشم، دُمْ على ما أنت عليه؛ فإنّ أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ».
تعليق