(( الإمام محمد الجواد /ع/ في إمامته المُبكّرة ))
=============================
إمامٌ معصومٌ ومنصوبٌ من قبل الله تعالى:
(لاعجبَ من أمر الله تعالى)
(( قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ))هود73
========================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.
من المعلوم بحسب إعتقادنا نحن الشيعة الإمامية الأثناعشرية أنّ الإمام محمد الجواد /ع/ هو الإمام التاسع في سلسلة الأئمةالمعصومين/ع/.
ومشمولٌ بعنوان أهل البيت/ع/ قرآنيا:في قوله تعالى:
((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ))الأحزاب.33
فعن : عبد الرحمان بن كثير قال :
قلتُ لأبي عبد الله (الإمام جعفر الصادق)عليه السلام :
ما عنى الله تعالى بقوله : (أي ما قصدَ)؟
(( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )) ؟
قال/ع/ : نزلت في النبي صلى الله عليه وآله ، وأمير المؤمنين والحسن ، والحسين ، ( وفاطمة ) عليهم السلام .
فلما قبض ( الله ) نبيه ، كان أمير المؤمنين ، ثم الحسن ، ثم الحسين عليهم السلام .
ثم وقع تأويل هذه الآية : ((وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ))الأنفال75
فكان علي بن الحسين عليه السلام ، ثم جرت في الأئمة من ولده الأوصياء ، فطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله ))
/إنظر/الإمامة والتبصرة/ابن بابويه القمي/ص48.
وهو(عليه السلام) مشمولٌ أيضا بقول النبي محمد( صلى الله عليه وآله) :
( إني تارك فيكم الثقلين ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا ، كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وأنهما لن يفترقا ، حتى يردا علي الحوض )
وقوله /ص/: ( يا علي الإمامة فيكم ، والهداية منكم )
وقوله صلى الله عليه وآله :
( من أهل بيتي اثني عشر نقيبا نجباء ، محدثون ، مفهمون ، آخرهم ، القائم بالحق عليه السلام )
وقوله صلى الله عليه وآله :
( إن الله تعالى اختار من الأيام يوم الجمعة ، ومن الشهور شهر رمضان ، ومن الليالي ليلة القدر ، واختار من الناس الأنبياء ، واختار من الأنبياء الرسل ،
واختارني من الرسل ، واختار مني عليا ، واختار من علي الحسن ، والحسين ، واختار من الحسين الأوصياء ، وهم تسعة من ولده ، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين )
/إنظر/المعتبر/المحقق الحلي/ج3/ص24
وبعد الذي تقدَّم:نقول:
لقد أحاطت في وقت انتقال الأمامة الحقة الى الامام محمد الجواد/ ع /مشكلة خطيرة وهي ثورة الجدل والحوار حول شخصية الإمام الجواد/ ع/
بسبب صغر سِنه الشريف يومها وعدم بلوغه /ع/ يوم تُوفي ابوه (الرضا) /ع./
وهو في عمر الثمان سنين.
وفي نفس الوقت كان الرضا /ع/ قبل وفاته يؤكد على أنّ الامام الحق من بعده هو ولده (الجواد) /ع /
وقد صرّح الرضا /ع /بذلك حينما سأله احد اصحابه
فقال له :
(( ياسيدي /يعني الرضا /ع/ إن كان كون (أي إن مُتّ )
فإلى مَن ؟(أي مَن الامام بعدك)؟
فقال الرضا /ع /(الى ابي جعفر ابني (الجواد)
وكأنّ السائل استصغر سن الجواد /ع /
فقال الرضا /ع/::
( إنّ الله تعالى بعث عيسى رسولا نبيا
صاحب شريعة مُبتَدأة في اصغر من السن الذي فيه ابو جعفر الجواد/ع/ )
وفي قول اخر له /ع / يقول الرضا/ع /:
((إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة ))
إنظر/الكافي /الكليني:ج1/ص320.
أي الوراثة فينا تكون في كل شيء عنا
صغيره وكبيره إمامة كانت أم غيرها
ومعنى القُذة بالقذة هو مثلٌ يُضرب للتساوي بين الشيئين وجوديا وعدم التفاوت بينهما بالمقدار
والقُذة بضم القاف معناها لغويا هو ريش السهم:
وعن صفوان بن يحيى قال :
قلتُ للرضا عليه السلام :
قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول : يهب الله لي غلاما فقد وهبه الله لك وقر عيوننا به ، فلا أرانا الله يومك ،
فإن كان كون فإلى من ؟
فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه
فقلتُ له : جعلت فداك ، وهذا ابن ثلاث سنين ، قال :/ع/ وما يضر من ذلك !
قد قام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين .
(هذا في وقت سؤال السائل :أما في وقت تصدي الإمام الجواد/ع/ للإمامة بعد شهادة أبيه الرضا/ع/ فقد كان عمره الشريف ثمان سنوات)
أي تصدى رسميا وشرعيا لمهام الإمام المجعولة ربانيا في سنة 203/للهجرة الشريفة.
وهي ذاتها السنة التي قُتِلَ فيها الإمام الرضا/ع/ مسموما من قبل المأمون العباسي الغادروالماكر:
إنظر/الأمالي/الصدوق/ص758
و عن معمر بن خلاد قال :
سمعتُ الرضا عليه السلام وذكر شيئا
فقال : ما حاجتكم إلى ذلك ، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته مكاني
وقال : ( إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة)
و عن الحسين بن يسار قال :
كتب ابن قياما إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام كتابا يقول فيه :
كيف تكون إماما وليس لك ولد ؟
فأجابه أبو الحسن(الرضا) عليه السلام :
وما علمك أنه لا يكون لي ولد ؟ !
والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني الله ذكرا يفرق بين الحق والباطل
وعن الخيراني ، عن أبيه قال :
كنت واقفا بين يدي أبي الحسن الرضا عليه السلام بخراسان
فقال قائل : يا سيدي إن كان كون فإلى من ؟
قال : ( إلى أبي جعفر ابني ) فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر عليه السلام
فقال أبو الحسن(الرضا) عليه السلام :
( إن الله سبحانه بعث عيسى بن مريم رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر عليه السلام .
إنظر/الأرشاد/المفيد/ج2/ص279/280.
ولاعجب من أمر الله تعالى في جعله لحججه أئمة وهم صغار السن حال كونهم أهلاً لها يقيناً
((قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ))هود73
أي :
قالت الرسل لها: أتعجبين من أمر الله وقضائه؟
رحمة الله وبركاته عليكم معشر أهل بيت النبوة. إنه سبحانه وتعالى حميد الصفات والأفعال, ذو مَجْد وعظمة فيها.
((هذا في صورة رزق زوجة إبراهيم/ع/ الولد وهو شيخ كبير وزوجته عجوز.))
ولاعجب أن يكون حال الجواد /ع/ وغيره من قبله من الأنبياء/ع/ ومن بعده من الأئمة المعصومين./ع/
في إمامتهم المُبكّرة كالنبوات المُبكّرة من قبله /ع/ في يحيى وعيسى(عليهما السلام)
فقد الله تعالى:
(( يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً }مريم12
بمعنى:
فلما ولد يحيى /ع/ وبلغ مبلغًا يفهم فيه الخطاب أمره اللَّه أن يأخذ التوراة بجدٍّ واجتهاد
وذلك بقوله تعالى:
يا يحيى خذ التوراة بجد واجتهاد بحفظ ألفاظها وفهم معانيها والعمل بها وأعطيناه الحكمة وحسن الفهم وهو صغير السن
وكذا الحال كان وتحقق مع النبي عيسى/ع/::
(( فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً }مريم29
((قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً ))مريم30
أي:
قال عيسى /ع/وهو في مهده يرضع: إني عبد الله قضى الله تعالى بإعطائي الكتاب وهو الإنجيل وجعلني نبيًا مذ خلقني سبحانه.
وبهذه الادلة القاطعة التي ذكرها الأمام الرضا/ ع/ في حياته على إمامة الجواد/ ع /تكون قد تمت إمامة الجواد /ع / فضلا عن إمامته المقطوع بها قرآنيا ونصيا .
هذا من جهة ومن جهة اخرى إعتراف العلماء والفقهاء في وقت الجواد/ ع /بإمامته العلمية والفكرية المُبكّرة حينما توافدوا عليه ليطرحوا عليه مئات الاسئلة
في شتى العلوم فأجاب /ع /عنها منتصراً ومُعتَرفا به حتى من قبل المأمون العباسي .
وحتى أنّ قاضي الدولة العباسية (يحيى بن أكثم ) اعترف واذعن لأمامة الجواد /ع / وهو في صغر سنه /
((حينما سأله عن مسائل أعدّها له فأجاب عنها الإمام الجواد/ع/ بأحسن الجواب وأبان فيها عن وجه الصواب))
إنظر/الفصول المُهمّة في أحوال الأئمة/ابن الصبّاغ المالكي/ص268.
وكأن إنموذج واحد شاهد على ذلك هو:
وكان مما سأل يحيى بن أكثم الإمام محمد الجواد/ع/ هو:
(ما تقول في مُحرِم قتَلَ صيدا؟
فقال الإمام الجواد/ع/مفصلا السؤال بتفصيلات عديده لم تخطر على بال السائل أبدا ومنها قوله/ع/:
في حِلٍ أم حَرَم؟
عالماً كان المُحرِم أم جاهلا؟
قتله عمدا أو خطأ؟
صغيراً كان القاتل أم كبيرأ؟
عبداً أم حرا؟
مُبتدءاً بالقتل أم مُعيدا؟
من ذوات الطير كان الصيد أو من غيرها؟
من صغار الصيد كان أم من كبارها؟
مُصراً على ما فعل أو نادما؟
بالليل كان قتله للصيد أم في النهار؟
مُحرما كان بالعمرة أو بالحج؟
فإنقطع يحيى بن اكثم عن جوابه)
إنظر/إثبات الوصية/المسعودي/ص189.ط.النجف الأشرف.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي /النجف الأشرف:
تعليق