(( الإمام ُعليٌ (عليه السلام) رجلُ الحق والصدق في سياسة الدولة ))
========================================
(ثُلاثية الحاكم+الحكم+الأمة) في نظر علي/ع/)
=======================================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين.
إمتاز الإمام ُ عليٌ (عليه السلام) بصدقه و حقانيته في السياسة التدبيرية في حكومته الشريفة .
فأول ما طرحه/ع/ هو مشروعه السياسي الذي إختزله/ع/ في ثلاثية قيمية رائعة وهي
(الحاكم + الحكم + الأمة)
فالحاكم في منهج علي/ع/ هوذلك الشخص الذي يجب أن يكون صالحا وعادلا وعالما وفهِما ومتواضعا في سلوكياته البشرية فيقبل قول الحق والمشورة العادلة ولا يحتجب عن رعيته أبدا.
وهنا بيّن الإمام علي/ع/ مواصفات وواجبات وحقوق الحاكم.
فقال عليه السلام:
((قد جعل الله لي عليكم حقاً بولاية أمركم ..
(بإعتباره/ع/ إمام معصوم ومنصوب من قبل الله تعالى ورسوله وواجب طاعته شرعا)
ولكم عليَّ من الحق مثلُ الذي لي عليكم
( وهذه عبارة قيّمة جدا جدا ولن نجد نظيرها أبدا إذ أنها تتوفر على تعهد شخصي من قبل شخص الحاكم وهنا هو علي/ع/ بأداء حقوق الأمة تماما بقدر ما أفترض الله تعالى لهم منها
وفي المقابل الأمة أيضا مُطالبة بأداء واجباتها تجاه حاكمها )
جعل سبحانه من حقوقه حقوقا افترضها لبعض الناس على بعض فجعلها تتكافأ في وجوهها:
وأعظم ما أفترض سبحانه من تلك الحقوق :
حق الوالي (الحاكم) على الرعية (الشعب)
وحق الرعية على الوالي.
فريضة فرضها الله سبحانه لكلٍّ على كلٍّ فجعلها: نظاما لألفتهم وعزّاً لدينهم
(وهذه عبارة (فجعلها نظاما لألفتهم وعزّا لدينهم )
تُفيد أنّ التعاطي بين الشعب وحاكمه بالصورة العادلة والحقه في الحقوق والواجبات فيما بينهما عمليا تجعل من الشعب وحاكمه بمثابة الخيط الذي يُنظََمُ فيه اللؤلؤ.
وهو تعبير كنائي عن دقة وجمالية الإنتظام والترتيب والتساوي في تحصيل وتنفيذ الحقوق والواجبات بين الحاكم وشعبه مما ينشر الحب والوئام المجتمعي والسياسي بين الوالي والرعية ومما يقوي أيضا من قدرة الدولة في حماية الدين والحفاظ عليه)
ثم يقول/ع/ :
((وليست تصلح الرعية (الأمة أو الشعب) إلاّ بصلاح الولاة (الحكام المركزيين واالفرعيين)
ولاتصلح الولاة إلاّ بإستقامة الرعية:
فإذا أدّت الرعية الى الوالي حقه وأدّى الوالي إليها حقها عزَّ الحق بينهم وقامت مناهج الدين واعتدلت معالم العدل
وجرتْ على أذلالها السنن فصلح بذلك الزمان وطُمِعَ في بقاء الدولة ويئست مطامع الأعداء.
وهنا يدمج الإمام علي/ع/ الأمة والحاكم والدولة بصورة عامة في الوظيفة التدبيرية لحالهما معاً
فالإصلاح لا يتحقق في أوساط الأمة واقعا إلاّ بصلاح الحكام وأهليتهم للولاية وإدارة الدولة وحكمها
وكذلك الحكام أنفسهم حتى يكونوا مصلحين وصالحين فهم يحتاجون الى من يُطبق منهاجهم في إدارة المجتمع ومراقبة تنفيذه ميدانيا .
ويحتاجون أيضا الى المراقبة والأرشاد في سلوكياتهم الخاصة من قبل الأمة .
هذا في الوجهة الإيجابية في صورة الحاكم والأمة والدولة.
أما في الوجهة السلبية في صورة الحاكم والدولة والأمة
فيقول الإمام علي/ع/:
((وإذا غلبت الرعيّة واليها وأجحف الوالي برعيته إختلفت هنالك الكلمة وظهرت معالم الجور وكثر الإدغال في الدين وتُرِكَت محاجُّ السنن فعُمِلَ بالهوى وعُطّلَتْ الأحكام وكثرت علل النفوس فلا يُستوحَشُ لعظيم حقٍ عُطّل ولا لعظيم باطلٍ فُعِل.
فهنالك تذلُّ الأبرار وتعزُّّ الأشرار
فعليكم بالتناصح في ذلك وحُسن التعاون عليه فليس أحدٌ وإن اشتدّ على رضاء الله حرصه وطال في العمل اجتهاده
ببالغ حقيقة ما الله أهله من الطاعة له
وليس امرؤٌ وإن عظُمت في الحق منزلته وتقدّمت في الدين فضيلته بفوق أن يُعان على ما حمّله الله من حقه
ولا امرؤٌ وإن صغّرته النفوس واقتحمته العيون من دون أن يعين على ذلك أو يُعان عليه))
وهذه الوجهة السلبية في واقع الأمة والحاكم لها أسبابها وخلفياتها وأبرزها :
هو عدم إلتزام الأمة بواجباتها تجاه ربها ودينها ودولتها في حال كونها عادلة ومُحقّة .
وكذلك إجحاف الحاكم والدولة بحقوق الرعية والشعب:
بمعنى عدم إلتزامهم بتطبيق العدل في إيصال الحق الى أهله وإنتشار الظلم والتعسف في إستعمال السلطة والحق غالبا في إدارة الدولة .
وهذه الفجوة بين الأمة والدولة إذا ما وقعت فإنها ستترك أثارها الكبيرة والخطيرة في واقع الناس عامة
حيث سيعم الظلم ويختفي العدل تماما وتنشق وحدة الكلمة وتُشتت صفوف الأمة ويكثر الفساد في الدين وبإسمه ظلما وزورا
وهذا هو معنى قوله/ع/(وكثُرَ الإدغالُ في الدين) بمعنى يتم توظيف الدين لصالح المآرب الذاتية للحاكم أومحكوميه
وأَصل الدَّغَل في اللغة العربية :الشجر الملتف الذي يَكْمُن أَهلُ الفساد فيه، وقيل: هو من قولهم أَدْغَلْتُ في هذا الأَمر إِذا أَدخلت فيه ما يخالفه ويفسده
وفعلاً في حال إنحراف الحاكم في دولته أو ترك الأمة لوظيفتها الشرعية في الأصلاح والحفاظ على هويتها الدينية سيحل الهوى البشري محل الدين الألهي وستُعطّل أحكام الله تعالى ويصبح الناس في وضع يهملون معه تكليفهم ويتركون مسؤوليتهم عما هم مسؤولون عنه .
وهنا يضع الإمام علي/ع/ علاجا لظاهرة إنحراف الأمة أو إنحراف الحاكم ::
وهو ضرورة التناصح والتعاون فيما بين الأمة وحاكمها:
لأنّ إدارة الدولة وشؤونها لا يمكن أن تتم بيد واحدة فحسب بل لابد من إشراك الأمة في عملية تدبير الأمور .
مهما كان الأمر فلا الحاكم يستطيع لوحده أن يدير الدولة ولا الأمة يمكن لها أن تستغني عن القائد الصالح لها.
فالحاجة لازمة من الأثنين معا.
ويجب أن تتقوم حاجة الأمة الى الدولة وحاجة الدولة الى الأمة بالعدل والمساواة والتناصح .
فيقول/ع/:
((فعليكم بالتناصح في ذلك وحُسن التعاون عليه))
ثم يقول الإمام علي/ع/ في بعض كلامه في الحديث عن أخلاقية الحاكم ومواصفاته واسلوب تعاطي الأمة معه
:
(( فلا تُكلّموني بما تُكلَّم به الجبابرة))
وهذه أخلاقية ليتها توفرت في شخصية الحاكم المسلم
فعلي/ع/ حتى هنا يترك صياغاته وأدبياته في صورة تعاطي الأمة مع الحاكم
فممنوعٌ على الأمة في منهج عليٍ/ع/ أن تُخاطب حاكمها بنمطيّة الجبابرة فتقول مثلا:
(جلالة الملك أو فخامة الرئيس وهلمّ جرا)
فهذه قشريات لاتُبدّل من واقع الحاكم شيئا بقدر ما تجعله مغرورا مخدوعا.
ويقول/ع/ أيضا:
((ولا تتحفظوا منيّ بما يتحَفَظُ به عند أهل البادرة(أهل الحدة والشدة في الحكم) ولا تُخالطوني بالمصانعة))
وهذه مقولة رائعة وقيّمة من لدن علي/ع/ إذ أنها تُركّز على أهمية بناء شخصية ونفسية الفرد والأمة في تعاطيها مع الحاكم .
فالخوف والتحفظ والتذبذب مرفوض في مواجهة الحاكم بإعتباره المسؤول عن السلطة وربما يبطش بها
إذا ما تعرض للنقد أو التقييم والتقويم من قبل الأمة أو الأفراد النخبوية
بل المطلوب المكاشفة وقول الحق والصدق وبقوة عند الحاكم .
فيجب ترك التصنع والتزلف والوصولية في حال التعامل مع الحاكم
|
ثم يقول/ع/: مؤسسّاً لمنهج النقد الذاتي والغيري ومنهج التقييم والتقويم والذي له الدور الكبير في إصلاح الدولة وبقائها.
((ولا تظنوا بيّ استثقالا في حق قيل لي ولا إلتماس إعظام لنفسي فإنه مَنْ استثقل الحق أن يُقال له أو العدل أن يُعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه
فلا تكفّوا عن مقالةٍ بحق أو مشورة بعدل ))
نعم إنّ علياً/ع/ كان بدرجة من الوعي الكبير جدا بحيث يلتفت الى منهج النقد البنّاء والناضج الذي يحتاجه شخص الحاكم وشخصية دولته .
فلا تجريم في نظر علي/ع/ حينما يٌقال الحق في موضعه وعلى الحاكم أن لا يستثقل ذلك في تلقيه له علنا.
لأنّ الإنسان بصورة عامة والحاكم بصورة خاصة إذا كان يستثقل قبول قول الحق أو المشورة العادلة له فهو من باب أولى سيكون أثقل في عمله ومسؤوليته عن بسط الحق والعدل ميدانيا.
وأخيرا يختم الإمامُ عليٌ /ع/ خطابه في مواصفات الحاكم والأمة والدولة فيقول/ع/:
((فإني لستُ في نفسي بفوق أن أُخطِىءَ ولا آمنُ ذلك من فعلي إلاّ أن يكفيَ الله من نفسي ما هو أملكُ به منيّ فإنما أنا وأنتم عبيدٌ مملوكون لربٍّ لاربَّ غيرهُ يملك منّا ما لانملكه من أنفسنا))
/إنظر/نهج البلاغة/خطبة 335/ص216.
(كل النصوص أعلاه مأخوذة من هذه الخطبة)
ففي هذا النص الأخير من لدن علي/ع/ نجد الواقعيّة تتجلى في أعلى درجاتها في تشخيص حال الإنسان في صورة إبتعاده عن الله تعالى ومنهجه وصورة عدم تأييد الله له تعالى فيما لو إعتمد على نفسه وهواه فحسب.
فلهذا ضرب لنا الإمام علي/ع/ مثلا في نفسه وحاشاه من ذلك وهو المعصوم ولكنه يقصد الآخرين المعنين بالأمر .
فإنه (عليه السلام) قد نظر إلى نفسه الإنسانية بما لها من خصائص ومزايا ومواصفات اقتضتها الطبيعة البشرية، والتكوين الإنساني. فهو بهذه التركيبة
وبغض النظر عن اللطف والرعاية والعصمة الإلهية ليس بفوق أن يُخطئ.
لوتُرِكَ الحال الى النفس والهوى.
ولذا قال: «فإنني لستُ في نفسي بفوق» فكلمة «في نفسي» تشير إلى أنه يتحدث عن نفسه بغض النظر عن اللطف الإلهي والعصمة الربانية.
فهو (عليه السلام) بشر كالنبي (صلى الله عليه وآله) وكيوسف، وإبراهيم ونوح وغيرهم، فلو أوكلهم الله إلى أنفسهم، وحجب عنهم رحمته وتسديده، وابتعدوا عن لطفه تعالى ورعايته وعصمته فإنهم ليسوا بفوق أن يخطئوا.
فما بالك بحال الأخرين الغير معصومين من أول الأمر كالحكام العاديين ؟
إنّ الذي تقدّم هوإطلالة معرفية إجمالية في هوية الحاكم والدولة والأمة في نظر علي/ع/
وإلاّ فالتوسع يتطلب الكثير من بسط الكلام والتنظير والتفريع وفق المُؤَسّس له في منهاج علي/ع/.
ذلك المنهاج الناضج والواعي والذي لم يترك بُعدا وجوديا إلاّ توفّرَ عليه وخاصة البعد الواقعي والنفسي والسياسي والتدبيري والأخلاقي والديني في هيكلية بناء الفرد والدولة والمجتمع.
والذي تجلى جوهره في مقولتي الحق والعدل اللتين تسعى لهما النخب الصالحة إنسانيا على مرّ التأريخ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف:
((ولا تظنوا بيّ استثقالا في حق قيل لي ولا إلتماس إعظام لنفسي فإنه مَنْ استثقل الحق أن يُقال له أو العدل أن يُعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه
فلا تكفّوا عن مقالةٍ بحق أو مشورة بعدل ))
نعم إنّ علياً/ع/ كان بدرجة من الوعي الكبير جدا بحيث يلتفت الى منهج النقد البنّاء والناضج الذي يحتاجه شخص الحاكم وشخصية دولته .
فلا تجريم في نظر علي/ع/ حينما يٌقال الحق في موضعه وعلى الحاكم أن لا يستثقل ذلك في تلقيه له علنا.
لأنّ الإنسان بصورة عامة والحاكم بصورة خاصة إذا كان يستثقل قبول قول الحق أو المشورة العادلة له فهو من باب أولى سيكون أثقل في عمله ومسؤوليته عن بسط الحق والعدل ميدانيا.
وأخيرا يختم الإمامُ عليٌ /ع/ خطابه في مواصفات الحاكم والأمة والدولة فيقول/ع/:
((فإني لستُ في نفسي بفوق أن أُخطِىءَ ولا آمنُ ذلك من فعلي إلاّ أن يكفيَ الله من نفسي ما هو أملكُ به منيّ فإنما أنا وأنتم عبيدٌ مملوكون لربٍّ لاربَّ غيرهُ يملك منّا ما لانملكه من أنفسنا))
/إنظر/نهج البلاغة/خطبة 335/ص216.
(كل النصوص أعلاه مأخوذة من هذه الخطبة)
ففي هذا النص الأخير من لدن علي/ع/ نجد الواقعيّة تتجلى في أعلى درجاتها في تشخيص حال الإنسان في صورة إبتعاده عن الله تعالى ومنهجه وصورة عدم تأييد الله له تعالى فيما لو إعتمد على نفسه وهواه فحسب.
فلهذا ضرب لنا الإمام علي/ع/ مثلا في نفسه وحاشاه من ذلك وهو المعصوم ولكنه يقصد الآخرين المعنين بالأمر .
فإنه (عليه السلام) قد نظر إلى نفسه الإنسانية بما لها من خصائص ومزايا ومواصفات اقتضتها الطبيعة البشرية، والتكوين الإنساني. فهو بهذه التركيبة
وبغض النظر عن اللطف والرعاية والعصمة الإلهية ليس بفوق أن يُخطئ.
لوتُرِكَ الحال الى النفس والهوى.
ولذا قال: «فإنني لستُ في نفسي بفوق» فكلمة «في نفسي» تشير إلى أنه يتحدث عن نفسه بغض النظر عن اللطف الإلهي والعصمة الربانية.
فهو (عليه السلام) بشر كالنبي (صلى الله عليه وآله) وكيوسف، وإبراهيم ونوح وغيرهم، فلو أوكلهم الله إلى أنفسهم، وحجب عنهم رحمته وتسديده، وابتعدوا عن لطفه تعالى ورعايته وعصمته فإنهم ليسوا بفوق أن يخطئوا.
فما بالك بحال الأخرين الغير معصومين من أول الأمر كالحكام العاديين ؟
إنّ الذي تقدّم هوإطلالة معرفية إجمالية في هوية الحاكم والدولة والأمة في نظر علي/ع/
وإلاّ فالتوسع يتطلب الكثير من بسط الكلام والتنظير والتفريع وفق المُؤَسّس له في منهاج علي/ع/.
ذلك المنهاج الناضج والواعي والذي لم يترك بُعدا وجوديا إلاّ توفّرَ عليه وخاصة البعد الواقعي والنفسي والسياسي والتدبيري والأخلاقي والديني في هيكلية بناء الفرد والدولة والمجتمع.
والذي تجلى جوهره في مقولتي الحق والعدل اللتين تسعى لهما النخب الصالحة إنسانيا على مرّ التأريخ.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي/النجف الأشرف:
تعليق