قولوا حيدر ..زينب ..زينب ..زينب
بقلم|مجاهد منعثر منشد
قال تعالى :ـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ }1.
دُمْ يـاحسينُ مـدى الـزمانِ مُـخلّدا .. نـوراً وصـوتَ هـدايةٍ لَـنْ يَخمُدا
هـذا طـريقُكَ وَهُـوَ سـيفٌ قاطعٌ.. فـيـهِ نُـحطّمُ مَـنْ عـليهِ تَـمَرَّدا
يـا سـيّدَ الأحـرارِ يـا رمـزَ الإبا .. لـولاكَ مـا وَجَـدَ الـزمانِ مـوحِّدا
شـيّـدتَ ديــنَ مـحـمَّد وأقـمتَهُ.. لـمّا سَـلَلْتَ عـلى الـضَّلالِ مُهنَّدا
وبـذلتَ مـا مَـلَكَتْ يـداكَ لنصرِهِ .. حـتّى اسـتوى رَغْـمَ الـعَدُومشيّدا
تاللهِ لا نـنـساكَ يـابنَ الـمصطفى .. فـوقَ الـصعيدِ مـبضّعاً ومُـجرّدا
رضُّـوا بِـجُرْدِهم قِـراكَ وأضرموا.. نــاراً بـأخبيةِ الـمَكَارِمِ والـنَّدى
قـتـلوكَ ظـمأناً كـأنْ لَـمْ يـعلموا ...قـتلوا بـقتلِكَ فـي الـطفوفِ iiمحمَّدا
وسَـبوا إلـيك كـرائماً سـبي الإما .. لـلشام فـي رَكْـبٍ بـه الحادي حدا
ولـمجلسِ الـطَّاغي جُـلِبْنَ حواسِراً .. يَـنْدُبْنَ يـا جـدَّاه مـا بـينَ الـعِدا2.
يروي العالم الواعظ الحاج ملا سلطان علي التبريزي قائلاً : تشرفت في عالم الرؤيا برؤية حضرة الامام بقية الله (ارواحنا لتراب مقدمه له فداء ).
فقلت له: مولاي: يذكر في زيارة الناحيه المقدسه انكم تقولون في مخاطبة جدكم الغريب الامام الحسين (عليه السلام ): فلأندبنك صباحاً ومساءً ولأبكين عليك بدل الدموع دما, هل هذا صحيح؟؟
فقال (عليه السلام) : نعم هذا صحيح.
فقلت: اي مصيبة هي التي تبكي عليها بدل الدموع دما؟ اهي مصيبة علي الاكبر؟
فقال:: لا ... لوكان علي الأكبر حيا , لبكى هو ايضا على هذه المصيبه دماً.
قلت: اهي مصيبة العباس؟
قال:: لا ... بل لو كان العباس حياً , لبكى دماً عليها ايضا.
قلت: هي مصيبة سيد الشهداء اذن؟
قال:: لا.. بل لوكان سيد الشهداء حياً , لبكى دماًً عليها ايضاً.
قلت:: اذن ياسيدي ويامولاي ايي مصيبة تلك التي تبكي عليها بدل الدموع دماً .
قال:: أن هذه المصيبه هي, سبي عمتي زينب عليها السلام بعد مقتل الحسين والعباس..
انتظر عزيزي القارىء المؤمن الموالي ماذا يقول الامام المنتظر ( عمتي زينب) ..ولعل الحسينيين عندما يخرجون في مواكب العزاء ان يقولوا (حيدر ..زينب ..زينب ) .
واذ نذكرنا العقيلة السيدة زينب ,فاننا نذكر استشهاد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) .ونذكر استشهاد البتول الطاهر فاطمة الزهراء (عليها السلام) .ونذكراستشهاد امير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) .واستشهاد الامام الحسن (عليه السلام) .وشهداء الطف باجمعهم ..ونذكر مصرع حامل لواء الحسين (عليه السلام) ابا الفضل العباس .ونذكر مقتل الحسين (عليه السلام) .
وماذا فعل يزيد (عليه لعائن الله تعالى )وحكومته بعد مقتل الحسين (عليه السلام) .وبعد سبي بنات رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) ؟
أمرالملعون وحكومته بإظهار الزينة والفرح للنصر الشيطاني الذي أحرزه بقتل أبناء النبي (صلّى الله عليه وآله) .
ويصف بعض المؤرخين تلك الزينة بالقول الاتي ذكره ولمّا بلغوا ـ أي أُسارى أهل البيت (عليهم السّلام) ـ ما دون دمشق بأربعة فراسخ استقبلهم أهل الشام وهم ينثرون النثار فرحاً وسروراً حتّى بلغوا بهم قريب البلد ، فوقفوهم عن الدخول ثلاثة أيام وحبسوهم هناك حتّى تتوفّر زينة الشام وتزويقها بالحليّ والحلل , والحرير والديباج , والفضة والذهب وأنواع الجواهر ، على صفة لم يرَ الراؤون مثلها لا قبل ذلك اليوم ولا بعده .ثمّ خرج الرجال والنساء ، والأصاغر والأكابر ، والوزراء والأمراء ، واليهود والمجوس والنصارى وسائر الملل إلى التفرّج , ومعهم الطبول والدفوف , والبوقات والمزامير ، وسائر آلات اللهو والطرب ، وقد كحّلوا العيون وخضّبوا الأيدي ، ولبسوا أفخر الملابس , وتزيّنوا أحسن الزينة ، ولم يرَ الراؤون أشدّ احتفالاً ولا أكثر اجتماعاً منه ، حتّى كأن الناس كلّهم حشروا جميعاً في صعيد دمشق 3.
وكان قوله (لعنة الله عليه)عندما نظر إلى الرؤوس والسبايا :ـ
لـمّا بـدت تـلكَ الحمول وأشرقتْ ...تـلكَ الـرؤوس على شفا جيرونِ
نـعبَ الغرابُ فقلت قل أو لا تقل ... فقد اقتضيت من الرسولِ ديوني 4.
وأظهر الطاغية الآثم فرحته الكبرى بإبادته لعترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , فقد صفا له الملك ، واستوسقت له الاُمور ، وأخذ يهزّ أعطافه جذلاناً متمنّياً حضور القتلى من أهل بيته ببدر ؛ ليريهم كيف أخذ بثارهم من النبي (صلّى الله عليه وآله) في ذرّيته ، وراح يترنّم بأبيات ابن الزبعري قائلاً أمام الملأ بصوت يسمعه الجميع :
لـيتَ أشـياخي ببدرٍ شهدوا ... جزعَ الخزرجِ من وقعِ الأسلْ.
فـأهـلّوا واسـتهلّوا فـرحاً ... ثـمّ قـالوا يا يزيدَ لا تُشلْ
قـد قـتلنا القومَ من ساداتهمْ.. و عـدلـناه بـبدرٍ فـاعتدلْ
لـعبت هـاشمُ بـالمُلكِ فلا ... خـبرٌ جـاءَ و لا وحيٌ نزلْ
لـستُ من خندف إن لم أنتقمْ .. مـن بـني أحمدَ ما كان فَعَلْ.
يقول ابن كثير 5: إنّ النواصب من أهل الشام لقد عاكسوا الرافضة والشيعة ، فكانوا في يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيّبون ، ويلبسون أفخر ثيابهم ، ويتّخذون ذلك اليوم عيداً يصنعون فيه أنواع الأطعمة ، ويظهرون الفرح والسرور فرحاً بقتله ؛ لأنّه حاول أن يفرّق كلمة المسلمين بعد اجتماعها على حدّ تعبيره .
الذين يقيمون الافراح ويظهرون الزينة هم من انصار يزيد واتباعه ,فيحشرهم الله مع يزيد ان شاء الله تعالى ..وعكس الافراح الاحزان والاشارة في هذا الحزن والجزغ يشير الى ان القائمين بهذا العزاء هم من انصار رسول لله (صلى الله عليه واله وسلم ) وانصار ال بيت الرسول ,فيحشرهم الله تعالى مع رسول الله وال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) .وهذا يكفي دليلا بين الباطل والحق .
يقول الإمام زين العابدين (عليه السّلام) : (( كلّما دمعت عين واحد منّا قرعوا رأسه بالرمح )) .
فلم تبقَ هاشمية ولا قرشيّة إلاّ لبسنَ السواد حزناً على الحسين (عليه السّلام) . وخلدنَ بنات الرسالة إلى النياحة سبعة أيام ، وهنّ يندبنَ سيّد الشهداء (عليه السّلام) بأقسى ما تكون الندبة ، وينحنَ على الكواكب من نجوم آل عبد المطلب ، وقد اهتزت الأرض من كثرة نياحهنَّ وبكائهنَّ 6.
السيدة زينب بنت عقيل تخاطب المسلمين بهذا العزاء قائلة :ـ وا محمداه ! وا حسيناه ! وا إخوتاه ! وا اُهيلاه !
مـاذا تـقولونَ إذ قـالَ النبي لكمْ .... مـاذا فـعلتم وأنـتم آخـرُ الأُممِ
بـعترتي و بـأهلي بـعدَ مفتقدي.... مـنهم أُسارى ومنهم ضُرّجوا بدمِ .
ما كانَ هذا جزائي إذ نصحتُ لكمْ.. أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي.
فأجابها أبو الأسود وهو غارق في البكاء يقول : ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ، وعلاه الجزع وراح يقول :
أقولُ وزادني حنقاً وغيظاً ... أزالَ اللهُ مـلكَ بني زيادِ
وأبعدهم كما بعدوا وخافوا .. كما بعدت ثمودُ وقومُ عادِ
ولا رجعت ركائبهم إليهمْ .. إذا وقفت إلى يومَ التناد 7. .
ولمّا وصل الإمام زين العابدين (عليه السّلام) بالقرب من المدينة نزل وضرب فسطاطه , وأنزل العلويات ، وكان معه بشر بن حذلم , فقال له : (( يا بشر ، رحم الله أباك لقد كان شاعراً ، فهل تقدر على شيء منه ؟ )) .
ـ بلى يابن رسول الله .
ـ (( فادخل المدينة وانع أبا عبد الله )) .
وانطلق بشر إلى المدينة ، فلمّا انتهى إلى الجامع النبوي رفع صوته مشفوعاً بالبكاء قائلاً :
يا أهلَ يثربَ لا مقامَ لكم بها ... قُـتلَ الحسينُ فأدمعي مدرارُ
ألجسمُ منهُ بكربلاء مُضرّجٌ ... و الرأسُ منهُ على القناةِ يُدارُ
واما عندما ادخلوا الرؤوس على عدو الله تعالى .وكان راس الامام الحسين (عليه السلام ) يتقدم تلك الرؤوس , فرأت السيدة زينب رأس أخيها فنطحت رأسها بمقدَّم المحمل حتى رؤي الدم يخرج من تحت قناعها، وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول:
يا هلالاً لمّا استتمَّ كمالا
غاله خسفه فأبدا غروبا
ما توهَّمتُ يا شقيق فؤادي
كان هذا مقدَّراً مكتوبا
وخلدت عقيلة آل أبي طالب إلى البكاء على انقراض أهلها 8 وكانت لا تجفّ لها عبرة ولا تفتر عن البكاء ، وكانت كلّما نظرت إلى ابن أخيها الإمام زين العابدين (عليه السّلام) يزداد وجيبها وحزنها ، وقد نخب الحزن قلبها الرقيق المعذّب حتّى صارت كأنّها صورة جثمان فارقته الحياة .
وقد أمرتنا السيدة زينب (عليها السلام) بإقامة مآتم البكاء على سيد الشهداء قائلة: يا قوم اِبكوا على الغريب التريب .
وقد قالت (عليها السلام) ليزيد (لعنة الله عليه):ـ فإلى الله المشتكى و عليه المعوَّل، فَكِدْ كَيْدك، واسعَ سَعْيَك، وناصِب جُهدك، فوالله لا تمحو ذِكْرنا، ولا تميت وَحْينا، ولا تُدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها .
هل تنظرون القسم أخوتي المؤمنين واخواتي المؤمنات (فوالله لا تمحو ذِكْرنا) ,فمن يسعون الى محوالذكر لايستطيعون ذلك .وقد تبين هذا منذ 1400 سنة ولحد الان .ومن قالت ذلك هي العالمة الغيرمعلمة الفاهمة الغير مفهمة 9 السيدة زينب (عليها السلام) .
وأقام عبد الله بن جعفر زوج العقيلة زينب (عليها السّلام) مأتماً على ابن عمّه سيّد شباب أهل الجنّة ، وجعل الناس يفدون عليه زرافات ووحداناً وهم يعزّونه بمصابه الأليم ، وكان عنده بعض مواليه يُسمّى أبا السلاسل , فأراد أن يتقرّب إليه ؛ لأنّ عبد الله قد استشهد ولداه مع الإمام الحسين (عليه السّلام) , فقال : ماذا لقينا من الحسين ؟!
ولمّا سمع ابن جعفر مقالته حذفه بنعله ، وقال له : يابن اللخناء ، تقول ذلك في الحسين ! والله لو شهدته لأحببت أن لا اُفارقه حتّى اُقتل معه ، والله إنّه لما يُسخى بنفسي عن ولدي ، ويهونّ عليّ المصاب بهما أنّهما اُصيبا مع أخي وابن عمّي مواسين له صابرين معه .
وأقبل على حضّار مجلسه فقال لهم : الحمد لله ، لقد عزّ عليّ المصاب بمصرع الحسين أن لا أكون واسيته بنفسي , فقد واساه ولداي10.
والامام زين العابدين (عليه السلام) منذ واقعة الطف الى حين استشهاده كان يبكي أباه وأهله وإخوته حتّى عدّه الناس من البكّائين .
وعندما يسأل عن كثرة هذا البكاء كان يقول :ـ لا تلوموني ؛ فإنّ يعقوب النبي فقد ولداً من أولاده فبكى عليه حتّى ابيضّت عيناه من الحزن , وهو حي في دار الدنيا ، وقد نظرت إلى عشرين رجلاً من أهل بيتي على رمال كربلاء مجزّرين كالأضاحي ، أفترون حزنهم يذهب من قلبي ؟
وقال الامام الصادق (عليه السلام) :ـ ما وضع بين يدي جدّي علي بن الحسين طعام إلاّ وبكى بكاء شديداً ، وإنّ أحد مواليه قال له : جعلت فداك ! إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين . فقال : إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله ، وأعلم من الله ما لا تعلمون ؛ إنّي لم أذكر مصارع بني فاطمة إلاّ وخنقتني العبرة.وكان يقول للقصابين لقد ذُبح أبو عبد الله عطشانَ كما تُذبح الشاة ,فيبكون لبكاء الامام السجاد (عليه السلام) .وكان يدعو العرباء لضيافتهم في بيته ويقول لهم :ـ لقد ذُبح أبو عبد الله غريباً جائعاً.
والإمام الرضا (عليه السّلام) يجلس للعزاء في العشرة الأولى من شهر المحرّم ولا يرى ضاحكاً قط ، كما كانت مظاهر الحزن والأسف تستولي على الأئمّة الأطهار (عليهم السّلام) وأصحابهم ، وتبدو ظاهرة في بيوتهم ومجالسهم ، ويقولون لمَنْ يحضر مجالسهم من الخاصّة والعامّة قولوا متى ما ذكرتم الحسين وأصحابه : يا ليتنا كنا معك فنفوز فوزاً عظيماً.
هذا الذكر باقي ان شاء الله تعالى باحياء الشعائر الحسينية .ومن يحاول ان يكون من اتباع يزيد ويقيم الافراح ويمنع المؤمنين بكل طريقة كانت سواء في الدوائر الرسمية او غيرها لايفلح مهما عمل وسيخزيه الله تعالى في الدنيا قبل الاخرة .ومن يمنع لبس السواد يسود الله وجهة في الدنيا والاخرة مهما كان واي شخص يسعى في ذلك جزائه الخزي والعار .
============
المصدر والهوامش
1. التوبة38.
2. معهد الامامين الحسنيين.
3. حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) 3 / 369 .
4. مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ المقرّم / 43 .
5. البداية والنهاية لابن كثير المجلد الثامن ص 202.
6. حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) 3 / 392 ..
7. مجمع الزوائد 9 / 199 ، المعجم الكبير ـ الطبراني 1 / 140 .
8. حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) 3 / 428.
9. هذه العبارات قالها الامام المعصوم زين العابدين (عليه السلام )يصف السيدة العقيلة زينب ـانظر الاحتجاج ـ الطبرسي 2 / 304 ـ 305.
10. حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) 3 / 422 .
بقلم|مجاهد منعثر منشد
قال تعالى :ـ{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ }1.
دُمْ يـاحسينُ مـدى الـزمانِ مُـخلّدا .. نـوراً وصـوتَ هـدايةٍ لَـنْ يَخمُدا
هـذا طـريقُكَ وَهُـوَ سـيفٌ قاطعٌ.. فـيـهِ نُـحطّمُ مَـنْ عـليهِ تَـمَرَّدا
يـا سـيّدَ الأحـرارِ يـا رمـزَ الإبا .. لـولاكَ مـا وَجَـدَ الـزمانِ مـوحِّدا
شـيّـدتَ ديــنَ مـحـمَّد وأقـمتَهُ.. لـمّا سَـلَلْتَ عـلى الـضَّلالِ مُهنَّدا
وبـذلتَ مـا مَـلَكَتْ يـداكَ لنصرِهِ .. حـتّى اسـتوى رَغْـمَ الـعَدُومشيّدا
تاللهِ لا نـنـساكَ يـابنَ الـمصطفى .. فـوقَ الـصعيدِ مـبضّعاً ومُـجرّدا
رضُّـوا بِـجُرْدِهم قِـراكَ وأضرموا.. نــاراً بـأخبيةِ الـمَكَارِمِ والـنَّدى
قـتـلوكَ ظـمأناً كـأنْ لَـمْ يـعلموا ...قـتلوا بـقتلِكَ فـي الـطفوفِ iiمحمَّدا
وسَـبوا إلـيك كـرائماً سـبي الإما .. لـلشام فـي رَكْـبٍ بـه الحادي حدا
ولـمجلسِ الـطَّاغي جُـلِبْنَ حواسِراً .. يَـنْدُبْنَ يـا جـدَّاه مـا بـينَ الـعِدا2.
يروي العالم الواعظ الحاج ملا سلطان علي التبريزي قائلاً : تشرفت في عالم الرؤيا برؤية حضرة الامام بقية الله (ارواحنا لتراب مقدمه له فداء ).
فقلت له: مولاي: يذكر في زيارة الناحيه المقدسه انكم تقولون في مخاطبة جدكم الغريب الامام الحسين (عليه السلام ): فلأندبنك صباحاً ومساءً ولأبكين عليك بدل الدموع دما, هل هذا صحيح؟؟
فقال (عليه السلام) : نعم هذا صحيح.
فقلت: اي مصيبة هي التي تبكي عليها بدل الدموع دما؟ اهي مصيبة علي الاكبر؟
فقال:: لا ... لوكان علي الأكبر حيا , لبكى هو ايضا على هذه المصيبه دماً.
قلت: اهي مصيبة العباس؟
قال:: لا ... بل لو كان العباس حياً , لبكى دماً عليها ايضا.
قلت: هي مصيبة سيد الشهداء اذن؟
قال:: لا.. بل لوكان سيد الشهداء حياً , لبكى دماًً عليها ايضاً.
قلت:: اذن ياسيدي ويامولاي ايي مصيبة تلك التي تبكي عليها بدل الدموع دماً .
قال:: أن هذه المصيبه هي, سبي عمتي زينب عليها السلام بعد مقتل الحسين والعباس..
انتظر عزيزي القارىء المؤمن الموالي ماذا يقول الامام المنتظر ( عمتي زينب) ..ولعل الحسينيين عندما يخرجون في مواكب العزاء ان يقولوا (حيدر ..زينب ..زينب ) .
واذ نذكرنا العقيلة السيدة زينب ,فاننا نذكر استشهاد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) .ونذكر استشهاد البتول الطاهر فاطمة الزهراء (عليها السلام) .ونذكراستشهاد امير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) .واستشهاد الامام الحسن (عليه السلام) .وشهداء الطف باجمعهم ..ونذكر مصرع حامل لواء الحسين (عليه السلام) ابا الفضل العباس .ونذكر مقتل الحسين (عليه السلام) .
وماذا فعل يزيد (عليه لعائن الله تعالى )وحكومته بعد مقتل الحسين (عليه السلام) .وبعد سبي بنات رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) ؟
أمرالملعون وحكومته بإظهار الزينة والفرح للنصر الشيطاني الذي أحرزه بقتل أبناء النبي (صلّى الله عليه وآله) .
ويصف بعض المؤرخين تلك الزينة بالقول الاتي ذكره ولمّا بلغوا ـ أي أُسارى أهل البيت (عليهم السّلام) ـ ما دون دمشق بأربعة فراسخ استقبلهم أهل الشام وهم ينثرون النثار فرحاً وسروراً حتّى بلغوا بهم قريب البلد ، فوقفوهم عن الدخول ثلاثة أيام وحبسوهم هناك حتّى تتوفّر زينة الشام وتزويقها بالحليّ والحلل , والحرير والديباج , والفضة والذهب وأنواع الجواهر ، على صفة لم يرَ الراؤون مثلها لا قبل ذلك اليوم ولا بعده .ثمّ خرج الرجال والنساء ، والأصاغر والأكابر ، والوزراء والأمراء ، واليهود والمجوس والنصارى وسائر الملل إلى التفرّج , ومعهم الطبول والدفوف , والبوقات والمزامير ، وسائر آلات اللهو والطرب ، وقد كحّلوا العيون وخضّبوا الأيدي ، ولبسوا أفخر الملابس , وتزيّنوا أحسن الزينة ، ولم يرَ الراؤون أشدّ احتفالاً ولا أكثر اجتماعاً منه ، حتّى كأن الناس كلّهم حشروا جميعاً في صعيد دمشق 3.
وكان قوله (لعنة الله عليه)عندما نظر إلى الرؤوس والسبايا :ـ
لـمّا بـدت تـلكَ الحمول وأشرقتْ ...تـلكَ الـرؤوس على شفا جيرونِ
نـعبَ الغرابُ فقلت قل أو لا تقل ... فقد اقتضيت من الرسولِ ديوني 4.
وأظهر الطاغية الآثم فرحته الكبرى بإبادته لعترة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) , فقد صفا له الملك ، واستوسقت له الاُمور ، وأخذ يهزّ أعطافه جذلاناً متمنّياً حضور القتلى من أهل بيته ببدر ؛ ليريهم كيف أخذ بثارهم من النبي (صلّى الله عليه وآله) في ذرّيته ، وراح يترنّم بأبيات ابن الزبعري قائلاً أمام الملأ بصوت يسمعه الجميع :
لـيتَ أشـياخي ببدرٍ شهدوا ... جزعَ الخزرجِ من وقعِ الأسلْ.
فـأهـلّوا واسـتهلّوا فـرحاً ... ثـمّ قـالوا يا يزيدَ لا تُشلْ
قـد قـتلنا القومَ من ساداتهمْ.. و عـدلـناه بـبدرٍ فـاعتدلْ
لـعبت هـاشمُ بـالمُلكِ فلا ... خـبرٌ جـاءَ و لا وحيٌ نزلْ
لـستُ من خندف إن لم أنتقمْ .. مـن بـني أحمدَ ما كان فَعَلْ.
يقول ابن كثير 5: إنّ النواصب من أهل الشام لقد عاكسوا الرافضة والشيعة ، فكانوا في يوم عاشوراء يطبخون الحبوب ويغتسلون ويتطيّبون ، ويلبسون أفخر ثيابهم ، ويتّخذون ذلك اليوم عيداً يصنعون فيه أنواع الأطعمة ، ويظهرون الفرح والسرور فرحاً بقتله ؛ لأنّه حاول أن يفرّق كلمة المسلمين بعد اجتماعها على حدّ تعبيره .
الذين يقيمون الافراح ويظهرون الزينة هم من انصار يزيد واتباعه ,فيحشرهم الله مع يزيد ان شاء الله تعالى ..وعكس الافراح الاحزان والاشارة في هذا الحزن والجزغ يشير الى ان القائمين بهذا العزاء هم من انصار رسول لله (صلى الله عليه واله وسلم ) وانصار ال بيت الرسول ,فيحشرهم الله تعالى مع رسول الله وال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) .وهذا يكفي دليلا بين الباطل والحق .
يقول الإمام زين العابدين (عليه السّلام) : (( كلّما دمعت عين واحد منّا قرعوا رأسه بالرمح )) .
فلم تبقَ هاشمية ولا قرشيّة إلاّ لبسنَ السواد حزناً على الحسين (عليه السّلام) . وخلدنَ بنات الرسالة إلى النياحة سبعة أيام ، وهنّ يندبنَ سيّد الشهداء (عليه السّلام) بأقسى ما تكون الندبة ، وينحنَ على الكواكب من نجوم آل عبد المطلب ، وقد اهتزت الأرض من كثرة نياحهنَّ وبكائهنَّ 6.
السيدة زينب بنت عقيل تخاطب المسلمين بهذا العزاء قائلة :ـ وا محمداه ! وا حسيناه ! وا إخوتاه ! وا اُهيلاه !
مـاذا تـقولونَ إذ قـالَ النبي لكمْ .... مـاذا فـعلتم وأنـتم آخـرُ الأُممِ
بـعترتي و بـأهلي بـعدَ مفتقدي.... مـنهم أُسارى ومنهم ضُرّجوا بدمِ .
ما كانَ هذا جزائي إذ نصحتُ لكمْ.. أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رحمي.
فأجابها أبو الأسود وهو غارق في البكاء يقول : ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ، وعلاه الجزع وراح يقول :
أقولُ وزادني حنقاً وغيظاً ... أزالَ اللهُ مـلكَ بني زيادِ
وأبعدهم كما بعدوا وخافوا .. كما بعدت ثمودُ وقومُ عادِ
ولا رجعت ركائبهم إليهمْ .. إذا وقفت إلى يومَ التناد 7. .
ولمّا وصل الإمام زين العابدين (عليه السّلام) بالقرب من المدينة نزل وضرب فسطاطه , وأنزل العلويات ، وكان معه بشر بن حذلم , فقال له : (( يا بشر ، رحم الله أباك لقد كان شاعراً ، فهل تقدر على شيء منه ؟ )) .
ـ بلى يابن رسول الله .
ـ (( فادخل المدينة وانع أبا عبد الله )) .
وانطلق بشر إلى المدينة ، فلمّا انتهى إلى الجامع النبوي رفع صوته مشفوعاً بالبكاء قائلاً :
يا أهلَ يثربَ لا مقامَ لكم بها ... قُـتلَ الحسينُ فأدمعي مدرارُ
ألجسمُ منهُ بكربلاء مُضرّجٌ ... و الرأسُ منهُ على القناةِ يُدارُ
واما عندما ادخلوا الرؤوس على عدو الله تعالى .وكان راس الامام الحسين (عليه السلام ) يتقدم تلك الرؤوس , فرأت السيدة زينب رأس أخيها فنطحت رأسها بمقدَّم المحمل حتى رؤي الدم يخرج من تحت قناعها، وأومأت إليه بخرقة وجعلت تقول:
يا هلالاً لمّا استتمَّ كمالا
غاله خسفه فأبدا غروبا
ما توهَّمتُ يا شقيق فؤادي
كان هذا مقدَّراً مكتوبا
وخلدت عقيلة آل أبي طالب إلى البكاء على انقراض أهلها 8 وكانت لا تجفّ لها عبرة ولا تفتر عن البكاء ، وكانت كلّما نظرت إلى ابن أخيها الإمام زين العابدين (عليه السّلام) يزداد وجيبها وحزنها ، وقد نخب الحزن قلبها الرقيق المعذّب حتّى صارت كأنّها صورة جثمان فارقته الحياة .
وقد أمرتنا السيدة زينب (عليها السلام) بإقامة مآتم البكاء على سيد الشهداء قائلة: يا قوم اِبكوا على الغريب التريب .
وقد قالت (عليها السلام) ليزيد (لعنة الله عليه):ـ فإلى الله المشتكى و عليه المعوَّل، فَكِدْ كَيْدك، واسعَ سَعْيَك، وناصِب جُهدك، فوالله لا تمحو ذِكْرنا، ولا تميت وَحْينا، ولا تُدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها .
هل تنظرون القسم أخوتي المؤمنين واخواتي المؤمنات (فوالله لا تمحو ذِكْرنا) ,فمن يسعون الى محوالذكر لايستطيعون ذلك .وقد تبين هذا منذ 1400 سنة ولحد الان .ومن قالت ذلك هي العالمة الغيرمعلمة الفاهمة الغير مفهمة 9 السيدة زينب (عليها السلام) .
وأقام عبد الله بن جعفر زوج العقيلة زينب (عليها السّلام) مأتماً على ابن عمّه سيّد شباب أهل الجنّة ، وجعل الناس يفدون عليه زرافات ووحداناً وهم يعزّونه بمصابه الأليم ، وكان عنده بعض مواليه يُسمّى أبا السلاسل , فأراد أن يتقرّب إليه ؛ لأنّ عبد الله قد استشهد ولداه مع الإمام الحسين (عليه السّلام) , فقال : ماذا لقينا من الحسين ؟!
ولمّا سمع ابن جعفر مقالته حذفه بنعله ، وقال له : يابن اللخناء ، تقول ذلك في الحسين ! والله لو شهدته لأحببت أن لا اُفارقه حتّى اُقتل معه ، والله إنّه لما يُسخى بنفسي عن ولدي ، ويهونّ عليّ المصاب بهما أنّهما اُصيبا مع أخي وابن عمّي مواسين له صابرين معه .
وأقبل على حضّار مجلسه فقال لهم : الحمد لله ، لقد عزّ عليّ المصاب بمصرع الحسين أن لا أكون واسيته بنفسي , فقد واساه ولداي10.
والامام زين العابدين (عليه السلام) منذ واقعة الطف الى حين استشهاده كان يبكي أباه وأهله وإخوته حتّى عدّه الناس من البكّائين .
وعندما يسأل عن كثرة هذا البكاء كان يقول :ـ لا تلوموني ؛ فإنّ يعقوب النبي فقد ولداً من أولاده فبكى عليه حتّى ابيضّت عيناه من الحزن , وهو حي في دار الدنيا ، وقد نظرت إلى عشرين رجلاً من أهل بيتي على رمال كربلاء مجزّرين كالأضاحي ، أفترون حزنهم يذهب من قلبي ؟
وقال الامام الصادق (عليه السلام) :ـ ما وضع بين يدي جدّي علي بن الحسين طعام إلاّ وبكى بكاء شديداً ، وإنّ أحد مواليه قال له : جعلت فداك ! إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين . فقال : إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله ، وأعلم من الله ما لا تعلمون ؛ إنّي لم أذكر مصارع بني فاطمة إلاّ وخنقتني العبرة.وكان يقول للقصابين لقد ذُبح أبو عبد الله عطشانَ كما تُذبح الشاة ,فيبكون لبكاء الامام السجاد (عليه السلام) .وكان يدعو العرباء لضيافتهم في بيته ويقول لهم :ـ لقد ذُبح أبو عبد الله غريباً جائعاً.
والإمام الرضا (عليه السّلام) يجلس للعزاء في العشرة الأولى من شهر المحرّم ولا يرى ضاحكاً قط ، كما كانت مظاهر الحزن والأسف تستولي على الأئمّة الأطهار (عليهم السّلام) وأصحابهم ، وتبدو ظاهرة في بيوتهم ومجالسهم ، ويقولون لمَنْ يحضر مجالسهم من الخاصّة والعامّة قولوا متى ما ذكرتم الحسين وأصحابه : يا ليتنا كنا معك فنفوز فوزاً عظيماً.
هذا الذكر باقي ان شاء الله تعالى باحياء الشعائر الحسينية .ومن يحاول ان يكون من اتباع يزيد ويقيم الافراح ويمنع المؤمنين بكل طريقة كانت سواء في الدوائر الرسمية او غيرها لايفلح مهما عمل وسيخزيه الله تعالى في الدنيا قبل الاخرة .ومن يمنع لبس السواد يسود الله وجهة في الدنيا والاخرة مهما كان واي شخص يسعى في ذلك جزائه الخزي والعار .
============
المصدر والهوامش
1. التوبة38.
2. معهد الامامين الحسنيين.
3. حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) 3 / 369 .
4. مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ المقرّم / 43 .
5. البداية والنهاية لابن كثير المجلد الثامن ص 202.
6. حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) 3 / 392 ..
7. مجمع الزوائد 9 / 199 ، المعجم الكبير ـ الطبراني 1 / 140 .
8. حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) 3 / 428.
9. هذه العبارات قالها الامام المعصوم زين العابدين (عليه السلام )يصف السيدة العقيلة زينب ـانظر الاحتجاج ـ الطبرسي 2 / 304 ـ 305.
10. حياة الإمام الحسين (عليه السّلام) 3 / 422 .
تعليق