((السيدةُ زينب (عليها السلام) الوجهُ الآخر للإمام الحُسَين (عليه السلام) بعد شهادته ))
==========================
:: الخطاب الرسالي النهضوي وإمتداداته القيميّة::
:: القسم الثاني ::
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
لقد تجلى الموقف الآخر للسيدة زينب/ع/ عندما أدخلوا الرأس الشريف للإمام الحسين /ع/ في قصر إمارة ابن زياد(ابن مرجانة)
وأظهر اللعين عمر بن سعد الشماته بالحسين/ع/ وأمام ابن زياد.
الشامت هو الآخر بالحسين/ع/.
وهنا برز دور بطلة عاشوراء ونهضة الإمام الحسين/ع/ السيدة زينب/ع/
إذ أنّها/ع/ إتخذت ناحية من القصر ومعها النساء المسبيّات .
وفي وضع محتشم ومَهيب وجليل ومستور
حتى قال ابن زياد اللعين
مَنْ هذه المُتنَكّرة؟
فلم تُجبه زينب/ع/ فأعادها ثانية وثالثة
فقالتْ له بعض إمائها هذه زينب/ع/ ابنة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)
فأقبل عليها ابن زياد لعنه الله تعالى
وقال:
الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم .
(وهذا تصريح واقعي بضلالة ابن زياد علنا
إذ أنه هنا أنكر فضل النبي محمد /ص/ وآل بيته/ع/
وكذّبّ برسالة الأسلام الأصيل وهذا هو معنى قوله
:وأكذب إحدوثتكم:
وحتى لوتنزلنا بكون مقصوده هو التكذيب بحق الحسين/ع/ في رفض بيعة يزيد ومقارعته
فهو هنا أيضا كذبّ بحق الحسين/ع/ والمُكذّب لحق الحسين/ع/ في نهضته وإمامته الحقة هو ضالٌ إعتقادا وعملا
لأنّ الإمام الحسين/ع/ هو إمام حق وصدق.)
فقالت زينب/ع/ :
الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وطهرنا من الرجس تطهيرا.
(في إشارة منها /ع/ إلى كرامة وعصمة أهل البيت/ع/ قرآنيا
حيثُ قال تعالى:
((قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُور))الشورى23
بمعنى:
قل لهم -أيها الرسول الأكرم محمد(صلى الله عليه وآله وسلّم)
لا أسألكم على ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به عوضًا من أي شيء منكم
إلاّ أن تَوَدُّوني في أهل بيتي . تكريما لهم/ع/
ومن يكتسب حسنة نضاعفها له بعشر فصاعدًا.
إن الله غفور لذنوب عباده, شكور لحسناتهم وطاعتهم إياه
وقوله تعالى:
((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) الأحزاب .33
ثم قالت/ع/:
وإنما يُفتضحُ الفاسقُ ويُكذَب الفاجر ، وهو غيرنا
والحمد لله .
:: فزينب /ع/ هنا عرّضت بإبن زياد ووبخته علنا وجعلته فاسقا فاجرا بحكم قولها ::
((إنما يُفتضحُ الفاسقُ ويُكذَبُ الفاجرُ وهو غيرنا ياابن زياد))
فقال ابن زياد :
كيف رأيتِ فعل الله بأهل بيتكِ ؟
قالت/ع/ :
كَتبَ اللهُ عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم
:وهذا إقتباس رائع وهادف أخذته السيدة زينب /ع/ من قوله تعالى:
((قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ))آل عمران/154.
أي:بمعنى:
قل لهم -أيها الرسول الأكرم محمد
(صلى الله عليه وآله وسلم)- :
إنّ الأمرَ كلَّه لله
فهو الذي قدَّر خروجكم وما حدث لكم وإستشهادكم في سبيله تعالى
وقل لهم:
إنّ الآجال بيد الله, ولو كنتم في بيوتكم, وقدَّر الله أنكم تموتون, لخرج الذين كتب الله عليهم الموت إلى حيث يُقْتلون
وما جعل الله ذلك إلا ليختبر ما في صدوركم من القدرة على الشهادة في سبيله سبحانه
ويظهر أمر المؤمن من المنافق للناس في الأقوال والأفعال. والله عليم بما في صدور خلقه, لا يخفى عليه شيء من أمورهم.
ثم قالتْ/ع/:
وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاجّون إليه وتختصمون عنده .
فغضب ابن زياد واستشاط ،
فقال عمرو بن حريث :
أيها الأمير ، إنها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشئ من منطقها ، ولا تُذم على خطابها .
فقال لها ابن زياد :
لقد شفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك .
فَزَقّتْ (أي صاحت) زينب عليها السلام وبكت وقالت له : لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبدتَ أهلي
، وقطعتَ فرعي ، واجتثثتَ أصلي ، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت
فقال ابن زياد :
هذه سجّاعة
أي : تتَكَلَّم بكلام له فَواصِلُ كفواصِلِ الشِّعْر من غير وزن، و سَجّاعةٌ هو من الاسْتِواءِ والاستقامةِ والاشتباهِ كأَن كل كلمة تشبه صاحبتها ::
ولعمري لقد كان أبوها سجّاعا شاعرا .
فقالت السيدة زينب/ع/:
ما للمرأة والسجّاعة ؟
إنّ لي عن السجّاعة لشغلا ، ولكن صدري نفث (أي : نفخ وأخرج الكلام) بما قُلتْ .
إنظر/الأرشاد/المفيد/ج2/ص115.
وفي رواية أخرى:
فقال ابن زياد :
كيف رأيت صنع الله بأخيكِ وأهل بيتك ؟
فقالت زينب/ع/:
ما رأيتُ إلا جميلا ، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم
وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجُ وتخاصم ،
فإنظر لمن الفلج (النصر والغلبة)
يومئذ ثكلتك أمك
ثَكِلَتْك أُمُّك أَي فَقَدتْك؛ (
) فقد الوَلد كأَنها/ع/ دعتْ عليه بالموت لسوء فعله و قوله
يا ابن مرجانة
إنظر/ بحار الأنوار/المجلسي/ج45/ص115.
وهذه صاعقة اخرى انُزلتها زينب /ع/ لتحرق وتحطم طاغوتية ابن مرجانة
فتوصيف زينب/ع/ لأبن زياد بابن مرجانه فيه من الغايات ما لاتخفى على احد
والعرب إذا أرادت أهانة احدٍ أو تعريف بأصله فتذكره بأمه
كي يعي حاله وما هو عليه.
فالمُلاحَظُ في هذا النص الوثائقي من لدن السيدة زينب /ع/ .
:أولاً:
===
هو تصديها القوي والعلني والمُباشر للطاغية ابن زياد .
وفضحه في عقر داره وأمام الملأ.
بحيث أعجزتْ(عليها السلام)
ابن زياد عن مغالبتها في البيان الذي بينته وببلاغتها المتينة
إلى أن قال عنها (سجّاعة أو شاعرة)كأبيها /ع/
فراراً من القدرة على مواجهتها بيانيا.
حتى أنها/ع/ ردته في تهمته هذه لها/ع/:
فقالت له:
ما للمرأة والسجّاعة ؟
إنّ لي عن السجّاعة لشغلا ، ولكن صدري نفث (أي : نفخ وأخرج الكلام) بما قُلتْ .
:ثانياً:
====
توفر خطاب السيدة زينب/ع/ على مشموليته للنص القرآني والدفاع عن حق أهل البيت المعصومين/ع/.
وبيان حال الطاغية ابن زياد على واقعه
فزينب/ع/ لم تخف من إظهار الحقيقة النسبية لإبن زياد بحيث سمته بإبن مرجانة ودعت عليه بالموت والهلاك.
وهذا السلوك يكشف عن شجاعة كبيرة وإيمان راسخ وصُلب ومكين في شخصية السيدة زينب/ع/.
وخطاب زينب/ع/ هذا يمتدُُّ بقيمه الكبيرة ليشمل وقتنا هذا ضرورة الأخذ من مرتكزاته الذاتية
كحفظها لكتاب الهم تعالى والإستشهاد به في حال تشخيص الرد على الضالين والمنحرفين
فكريا وسلوكيا.
وهو أيضا يطلُّ علينا برامزية السيدة زينب /ع/ وإسويّتها الحسنة للنساء أجمعين بعد إمها الصديقة الزهراء/ع/.
إذ أنّ كل الذي قامت به(عليها السلام)
وأمام طاغية لايُؤمَنُ شره
وقد أجرم بحق الحسين/ع/ وأهل بيته وأخوته وأصحابه
ربما يعجز عنه الكثير من الرجال.
ولكنها لم تستسلم للطاغية بل أظهرت الإباء والتحدي له.
فسلاٌم على السيدة زينب في العالمين
والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي::النجف الأشرف::
تعليق