في كثير من الأحيان يسارع الإنسان إلى إقامة علاقة ويتواصل مع غيره من دون أن تكون خطوته مدروسة وبتأنٍ، فيسارع إلى مدّ جسوره بشكل اعتباطي أو فوضوي دون حسبان لما يترتب على هذا التسرّع من نتائج إذ كثيراً ما يبدو في وجهة جمالية ملؤها الرغبة بالاستمرار والمكاشفة بالأسرار خصوصاً في فترة التعارف الأولى بسبب ابداء المناقب واخفاء المثالب وهذا النمط العجول يعتبر مغامرة ومخاطرة مع الاخر طالما لم تعرفه حق المعرفة ولم تختبره الاختبار الذي يؤدي إلى الاختيار، وهذا يشابه تماماً ما يحصل من فشل بين زوجين كان اختيار كل منهما لشريكه باستعجال، بل السبب عينه هو ما يؤدي إلى فشل علاقة بين أخوين مؤمنين أو وقوعهما بما لا يرغبان، من هنا كان للإسلام دوره في هذا الشأن إذ دلّنا كيف ينبغي أن نختار الاخوان وعرّفنا السبيل إلى هذا الأمر محذّراً من الوقوع في صحبة من لا ينبغي أن نصحبه أو معاشرة من لا يسوغ أن نعاشره فبيّن أن الاختبار هو ميزان على وفقه يتم الاختيار وإلا كان الواحد عرضة لما لا يحب أن يلقاه، أو مشى إلى حيث لا يريد الوصول. يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"قدّم الاختبار في اتخاذ الاخوان فإن الاختبار معيار يفرّق بين الأخيار والأشرار".1
فالواجب عدم إخاء الأشرار والانتباه منهم وهذا ما لا يتم إلا بعد معرفتهم ومعرفتهم تكون بالتفريق بينهم وبين الأخيار بحيث لا يختلط الأمر علينا من هو الخيّر ومن هو الشرير ونساوي بينهما والسبيل إلى ذلك هو الاختبار الذي ينتج من نؤاخي ومن لا نؤاخي. وإلا وقعنا في سوء الاختيار بمقارنتهم كما جاء في الحديث:
"قدّم الاختبار وأجد الاستظهار في اختيار الاخوان وإلا ألجأك الاضطرار إلى مقارنة الأشرار".2
ولا أظنني منصفاً إذا عدت باللائمة على غيري عندما لم يحفظ حق الاخوة وضيّعه، فيما إذا كنت لم اعتمد الطريق القويم في حسن اختياره، بل إن الجزء الأكبر الذي قدّم لهذه المشكلة ومهّد لهذا الفشل هو الانتقاء دون التعرف عليه حق المعرفة، والسير في الظلام الذي ربما أودى إلى الهلكة، أو المفاجات غير المحبّذة. وهنا تتجدد أسئلة عديدة وهي: بماذا اختبر الاخوان وفي أي ميدان وما هي عناصر الاختبار الذي يعتبر الخطوة الأولى؟ وكم هي المدة؟ وهل يشمل ذلك علاقته مع نفسه إضافة إلى علاقته مع الغير؟ وما شاكل ذلك.
إن هذا ما يتضح الجواب عنه فيما يأتي ضمن عنوان (لا تؤاخِ هؤلاء). ولنأخذ نموذجاً واحدً ينظر إلى جنبتين: الأولى ترتبط بالبعد العبادي الفردي والثانية بالبعد الحياتي الاجتماعي وقد جمعهما حديث مولانا الصادق عليه السلام حينما يرشدنا إلى هذين الموردين الهامين للاختبار للكشف عن مدى اهتمام هذا الإنسان بالصلة الإلهية كميدان خاص وبالصلة البشرية كميدان عام قائلاً:
"اختبروا اخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم وإلا فاعزب ثم اعزب ثم اعزب محافظة على الصلوات في مواقيتها، والبرّ بالاخوان في العسر واليسر".3
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
116- ميزان الحكمة، حديث 283.
2- م.ن. حديث 284.
3- حديث 286.
"قدّم الاختبار في اتخاذ الاخوان فإن الاختبار معيار يفرّق بين الأخيار والأشرار".1
فالواجب عدم إخاء الأشرار والانتباه منهم وهذا ما لا يتم إلا بعد معرفتهم ومعرفتهم تكون بالتفريق بينهم وبين الأخيار بحيث لا يختلط الأمر علينا من هو الخيّر ومن هو الشرير ونساوي بينهما والسبيل إلى ذلك هو الاختبار الذي ينتج من نؤاخي ومن لا نؤاخي. وإلا وقعنا في سوء الاختيار بمقارنتهم كما جاء في الحديث:
"قدّم الاختبار وأجد الاستظهار في اختيار الاخوان وإلا ألجأك الاضطرار إلى مقارنة الأشرار".2
ولا أظنني منصفاً إذا عدت باللائمة على غيري عندما لم يحفظ حق الاخوة وضيّعه، فيما إذا كنت لم اعتمد الطريق القويم في حسن اختياره، بل إن الجزء الأكبر الذي قدّم لهذه المشكلة ومهّد لهذا الفشل هو الانتقاء دون التعرف عليه حق المعرفة، والسير في الظلام الذي ربما أودى إلى الهلكة، أو المفاجات غير المحبّذة. وهنا تتجدد أسئلة عديدة وهي: بماذا اختبر الاخوان وفي أي ميدان وما هي عناصر الاختبار الذي يعتبر الخطوة الأولى؟ وكم هي المدة؟ وهل يشمل ذلك علاقته مع نفسه إضافة إلى علاقته مع الغير؟ وما شاكل ذلك.
إن هذا ما يتضح الجواب عنه فيما يأتي ضمن عنوان (لا تؤاخِ هؤلاء). ولنأخذ نموذجاً واحدً ينظر إلى جنبتين: الأولى ترتبط بالبعد العبادي الفردي والثانية بالبعد الحياتي الاجتماعي وقد جمعهما حديث مولانا الصادق عليه السلام حينما يرشدنا إلى هذين الموردين الهامين للاختبار للكشف عن مدى اهتمام هذا الإنسان بالصلة الإلهية كميدان خاص وبالصلة البشرية كميدان عام قائلاً:
"اختبروا اخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم وإلا فاعزب ثم اعزب ثم اعزب محافظة على الصلوات في مواقيتها، والبرّ بالاخوان في العسر واليسر".3
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
116- ميزان الحكمة، حديث 283.
2- م.ن. حديث 284.
3- حديث 286.
تعليق