بسم الله الرحمن الرحيم
علاج الغيبة
الطريق في علاج الغيبة و تركها،
ان يتذكر اولا ما تقدم من مفاسدها الاخروية، ثم يتذكر مفاسدها في الدنيا، فانه قد تصل الغيبة الى من اغتيب، فتصير منشا لعداوته او لزيادة عداوته، فيتعرض لايذاء المغتاب و اهانته، و ربما انجر الامر بينهما الى ما لا يمكن تداركه من الضرب و القتل و امثال ذلك. ثم يتذكر فوائد اضدادها-كما نشير اليها-، و بعد ذلك فليراقب لسانه، و يقدم التروي في كل كلام يريد ان يتكلم به، فان تضمن غيبة سكت عنه، و كلف نفسه ذلك على الاستمرار، حتى يرتفع عن نفسه الميل الجلي و الخفي الى الغيبة. و العمدة في العلاج ان يقطع اسبابها المذكورة، و ياتي طريق العلاج في الهزل و المطايبة و الافتخار و المباهاة. و اما تنزيه النفس بنسبة ما نسب اليه من الجناية الى الغير، فمعالجته ان يعلم ان التعرض لمقت الخالق اشد من التعرض لمقت المخلوق، و من اغتاب تعرض لمقت الله و سخطه قطعا، و لا يدري انه يتخلص من سخط الناس ام لا، فيحصل بعمله ذم الله و سخطه تقديرا، و ينتظر دفع ذم الناس نسيئة، و هذا غاية الجهل و الخذلان.
و اما تعرضه لمشاركة الغير في الفعل تمهيدا لعذر نفسه
كان يقول انى اكلت الحرام، لان فلانا ايضا اكل، و قبلت مال السلطان، لان فلانا ايضا قبل، مع انه اعلم مني، فلا ريب في انه جهل و سفه، لانه اعتذر بالاقتداء بمن لا يجوز الاقتداء به. فان من خالف الله لا يقتدى به كائنا من كان، فلو دخل غيره النار و هو يقدر على عدم الدخول فهل يقتدى به في الدخول، و لو دخل عد سفيا احمق، ففعله معصية، و عذره غيبة و غباوة، فجمع بين المعصيتين و الحماقة، و مثله كمثل الشاة، اذا نظرت الى العنز تردى نفسها من الجبل فهي ايضا تردي نفسها، و لو كان لها لسان ناطق و اعتذرت عن فعلها بان العنز اكيس مني و قد اهلكت نفسها فكذلك فعلت انا، لكان هذا المغتاب المعتذر يضحك عليها، مع ان حاله مثل حالها و لا يضحك على نفسه.
والعجب ان بعض الاشقياء من العوام، لما صارت قلوبهم عش الشيطان و صرفوا اعمارهم في المعاصي، و اشتغلت ذممهم بمظالم الناس بحيث لا يرجى لهم الخلاص، مالت نفوسهم الخبيثة الى الا يكون معاد و حساب و حشر و عقاب، و لما وجد ذلك الميل منهم اللعين، خرج من الكمين، و وسوس في صدورهم بانواع الشكوك و الشبهات، حتى ضعف بها عقائدهم او افسدها، و دعاهم في مقام الاعتذار عن اعمالهم الخبيثة الا يصرحوا بما ارتكز في قلوبهم و يشتهونه، خوفا من القتل و اجراء احكام الكفار عليهم و لم يدعهم ايضا تلبيسهم و تزويرهم و غلبة الشيطنة عليهم ان يعترفوا بالنقص و سوء الحال فحملهم الشيطان باغوائه على ان يعتذروا من سوء فعالهم بان بعض العلماء يفعلون ما نفعل و لا يجتنبون عن مثل اعمالنا، من طلب الرئاسة و اخذ الاموال المحرمة، و لم يدروا ان هذا القول ناش من جهلهم و خباثتهم.
اذ تقول لهم: ان فعل هذا البعض ان صار منشا لزوال ايمانكم بالمعاد و الحساب، فانتم كافرون، و باعث اعمالكم الخبيثة هو الكفر و عدم الاذعان باحوال النشاة الآخرة. و ان لم يصر منشا له، بل ايمانكم ثابت، فاللازم عليكم العمل بمقتضاه، من غير تزلزل بعمل الغير كائنا من كان. فما الحجة في عمل هذا البعض، مع اعتقادكم بانه على باطل؟ ! . و ايضا لو كان باعث اعمالكم الخبيثة فعل العلماء، فلم اقتديتم بهذا البعض مع عدم كونه من علماء الآخرة و عدم اطلاعه على حقيقة العلم؟ و لو كنتم صادقين فيما تنسبون اليه، فهو المتاكل بعلمه، و انما حصل نبذا من علوم الدنيا ليتوسل بها الى حطامها، و لا يعد مثله عند اولي الالباب عالما، بل هو متشبه بالعلماء. و لم ما اقتديتم بعلماء الآخرة المتخلفين بشراشرهم عن الدنيا و حطامها؟ و انكار وجود مثلهم، و القدح في الكل مع كثرتهم في اقطار الارض غاية اللجاج و العناد. و لو سلمنا منكم ذلك، فلم ما اقتديتم بطوائف الانبياء و الاوصياء، مع انهم اعلم الناس باتفاق الكل، و حقيقة العلم ليس الا عندهم؟ فان انكروا اعلميتهم و عصمتهم من المعاصي، و احتملوا كونهم امثالا لهم، ظهر ما في بواطنهم من الكفر الخفي.
و اما موافقة الاقران،فعلاجه ان يتذكر ان الله يسخط عليه و يبغضه اذا اختار رضا المخلوقين على رضاه، و كيف يرضى المؤمن ان يترك رضا ربه لرضا بعض اراذل الناس؟ و هل هذا الا كونه تعالى اهون عنده منهم؟
علاج الغيبة
الطريق في علاج الغيبة و تركها،
ان يتذكر اولا ما تقدم من مفاسدها الاخروية، ثم يتذكر مفاسدها في الدنيا، فانه قد تصل الغيبة الى من اغتيب، فتصير منشا لعداوته او لزيادة عداوته، فيتعرض لايذاء المغتاب و اهانته، و ربما انجر الامر بينهما الى ما لا يمكن تداركه من الضرب و القتل و امثال ذلك. ثم يتذكر فوائد اضدادها-كما نشير اليها-، و بعد ذلك فليراقب لسانه، و يقدم التروي في كل كلام يريد ان يتكلم به، فان تضمن غيبة سكت عنه، و كلف نفسه ذلك على الاستمرار، حتى يرتفع عن نفسه الميل الجلي و الخفي الى الغيبة. و العمدة في العلاج ان يقطع اسبابها المذكورة، و ياتي طريق العلاج في الهزل و المطايبة و الافتخار و المباهاة. و اما تنزيه النفس بنسبة ما نسب اليه من الجناية الى الغير، فمعالجته ان يعلم ان التعرض لمقت الخالق اشد من التعرض لمقت المخلوق، و من اغتاب تعرض لمقت الله و سخطه قطعا، و لا يدري انه يتخلص من سخط الناس ام لا، فيحصل بعمله ذم الله و سخطه تقديرا، و ينتظر دفع ذم الناس نسيئة، و هذا غاية الجهل و الخذلان.
و اما تعرضه لمشاركة الغير في الفعل تمهيدا لعذر نفسه
كان يقول انى اكلت الحرام، لان فلانا ايضا اكل، و قبلت مال السلطان، لان فلانا ايضا قبل، مع انه اعلم مني، فلا ريب في انه جهل و سفه، لانه اعتذر بالاقتداء بمن لا يجوز الاقتداء به. فان من خالف الله لا يقتدى به كائنا من كان، فلو دخل غيره النار و هو يقدر على عدم الدخول فهل يقتدى به في الدخول، و لو دخل عد سفيا احمق، ففعله معصية، و عذره غيبة و غباوة، فجمع بين المعصيتين و الحماقة، و مثله كمثل الشاة، اذا نظرت الى العنز تردى نفسها من الجبل فهي ايضا تردي نفسها، و لو كان لها لسان ناطق و اعتذرت عن فعلها بان العنز اكيس مني و قد اهلكت نفسها فكذلك فعلت انا، لكان هذا المغتاب المعتذر يضحك عليها، مع ان حاله مثل حالها و لا يضحك على نفسه.
والعجب ان بعض الاشقياء من العوام، لما صارت قلوبهم عش الشيطان و صرفوا اعمارهم في المعاصي، و اشتغلت ذممهم بمظالم الناس بحيث لا يرجى لهم الخلاص، مالت نفوسهم الخبيثة الى الا يكون معاد و حساب و حشر و عقاب، و لما وجد ذلك الميل منهم اللعين، خرج من الكمين، و وسوس في صدورهم بانواع الشكوك و الشبهات، حتى ضعف بها عقائدهم او افسدها، و دعاهم في مقام الاعتذار عن اعمالهم الخبيثة الا يصرحوا بما ارتكز في قلوبهم و يشتهونه، خوفا من القتل و اجراء احكام الكفار عليهم و لم يدعهم ايضا تلبيسهم و تزويرهم و غلبة الشيطنة عليهم ان يعترفوا بالنقص و سوء الحال فحملهم الشيطان باغوائه على ان يعتذروا من سوء فعالهم بان بعض العلماء يفعلون ما نفعل و لا يجتنبون عن مثل اعمالنا، من طلب الرئاسة و اخذ الاموال المحرمة، و لم يدروا ان هذا القول ناش من جهلهم و خباثتهم.
اذ تقول لهم: ان فعل هذا البعض ان صار منشا لزوال ايمانكم بالمعاد و الحساب، فانتم كافرون، و باعث اعمالكم الخبيثة هو الكفر و عدم الاذعان باحوال النشاة الآخرة. و ان لم يصر منشا له، بل ايمانكم ثابت، فاللازم عليكم العمل بمقتضاه، من غير تزلزل بعمل الغير كائنا من كان. فما الحجة في عمل هذا البعض، مع اعتقادكم بانه على باطل؟ ! . و ايضا لو كان باعث اعمالكم الخبيثة فعل العلماء، فلم اقتديتم بهذا البعض مع عدم كونه من علماء الآخرة و عدم اطلاعه على حقيقة العلم؟ و لو كنتم صادقين فيما تنسبون اليه، فهو المتاكل بعلمه، و انما حصل نبذا من علوم الدنيا ليتوسل بها الى حطامها، و لا يعد مثله عند اولي الالباب عالما، بل هو متشبه بالعلماء. و لم ما اقتديتم بعلماء الآخرة المتخلفين بشراشرهم عن الدنيا و حطامها؟ و انكار وجود مثلهم، و القدح في الكل مع كثرتهم في اقطار الارض غاية اللجاج و العناد. و لو سلمنا منكم ذلك، فلم ما اقتديتم بطوائف الانبياء و الاوصياء، مع انهم اعلم الناس باتفاق الكل، و حقيقة العلم ليس الا عندهم؟ فان انكروا اعلميتهم و عصمتهم من المعاصي، و احتملوا كونهم امثالا لهم، ظهر ما في بواطنهم من الكفر الخفي.
و اما موافقة الاقران،فعلاجه ان يتذكر ان الله يسخط عليه و يبغضه اذا اختار رضا المخلوقين على رضاه، و كيف يرضى المؤمن ان يترك رضا ربه لرضا بعض اراذل الناس؟ و هل هذا الا كونه تعالى اهون عنده منهم؟
و هو ينافي الايمان
. و اما استشعاره من رجل انه يقبح عند محتشم حاله او يشهد عليه بشهادة فيبادره بالغيبة اسقاطا لاثر كلامه،
فعلاجه ان يعلم: (اولا) ان مجرد الاستشعار لا يستلزم الوقوع، فلعله لا يقبح حاله و لا يشهد عليه، فالمواخذة بمحض التوهم تنافي الديانة و الايمان. و (ثانيا) ان اقتضاء قوله سقوط اثر كلام من اغتابه في حقه مجرد توهم، و التعرض لمقت الله يقينا بمجرد توهم ترتب فائدة دنيويه عليه محض الجهل و الحماقة، و (ثالثا) ان تادي فعل الغير-اعني تقبيح حاله عند محتشم مع فرض وقوعه-الى اضراره في حيز الشك، اذ ربما لم يقبله المحتشم، و ربما لم تقبل شهادته شرعا، فتقبيح حاله و تحمل معاصيه بدون الجزم بصيرورته سببا لايذائه محض الجهل و الخذلان.
و اما الرحمة له على اثمه و التعجب منه و الغضب لله عليه، و ان كان كل منها حسنا، الا انه اذا لم تكن معه غيبة، و اما اذا كانت معه غيبة احبط اجره و بقى اثمها، فالعلاج ان يتامل باعث الرحمة و التعجب و الغضب هو الايمان و حماية الدين، و اذا كان معها غيبة اضرت بالدين و الايمان، و ليس شيء من الامور الثلاث ملزوما للغيبة لامكان تحققه بدونها، فمقتضى الايمان و حماية الدين ان يترحم و يتعجب و يغضب لله، مع ترك الغيبة و اظهار الاثم و العيب، ليكون ماجورا غير آثم
فعلاجه ان يعلم: (اولا) ان مجرد الاستشعار لا يستلزم الوقوع، فلعله لا يقبح حاله و لا يشهد عليه، فالمواخذة بمحض التوهم تنافي الديانة و الايمان. و (ثانيا) ان اقتضاء قوله سقوط اثر كلام من اغتابه في حقه مجرد توهم، و التعرض لمقت الله يقينا بمجرد توهم ترتب فائدة دنيويه عليه محض الجهل و الحماقة، و (ثالثا) ان تادي فعل الغير-اعني تقبيح حاله عند محتشم مع فرض وقوعه-الى اضراره في حيز الشك، اذ ربما لم يقبله المحتشم، و ربما لم تقبل شهادته شرعا، فتقبيح حاله و تحمل معاصيه بدون الجزم بصيرورته سببا لايذائه محض الجهل و الخذلان.
و اما الرحمة له على اثمه و التعجب منه و الغضب لله عليه، و ان كان كل منها حسنا، الا انه اذا لم تكن معه غيبة، و اما اذا كانت معه غيبة احبط اجره و بقى اثمها، فالعلاج ان يتامل باعث الرحمة و التعجب و الغضب هو الايمان و حماية الدين، و اذا كان معها غيبة اضرت بالدين و الايمان، و ليس شيء من الامور الثلاث ملزوما للغيبة لامكان تحققه بدونها، فمقتضى الايمان و حماية الدين ان يترحم و يتعجب و يغضب لله، مع ترك الغيبة و اظهار الاثم و العيب، ليكون ماجورا غير آثم
تعليق