امرأة.. اسمها زينب (رواية)
جَمَحت الفرس... رمحت ... ارتفع صهيلها عالياً يملأ الآفاق... لقد عانق الفارسُ الذي دوّخ القبائل... عانق الأرض... توسّد رمال الصحراء... أفناه الظمأ... وأعياه نزف الدم، والفراتُ يجري متلوّياً تتدافع أمواجه كأنّه بطون الحيّات.جالت الفرس... حَمَحمتْ وهي تقترب منه. راحت تُمرّغ ناصيتها بالدماء الثائرة... تُلوّن ذرّات الرمل الملتهبة بلون الشفَق الحزين.
هتف رجلٌ من القبائل... رجل أسكرته نشوة القتل:
ـ دونكم الفرَس. إنّها من جياد خَيل النبي!
مثل دوّامة ما لها من قرار، دارت الخيل حولها الفرس تقاتل بضراوة... تدفع عنها غائلة القبائل، كما لو أن روح السبط قد سكنت أعماقها.
أمّا هو فقد توقّف ليستريح فوق رمال كربلاء.
ما لها القبائل تشتعل حقداً... تضطرم غيظاً... تتفجر في أعماقها شهوة الثأر!
ثارت الرمال تحت حوافر الخيل، وعجزت الذئاب عن كبح جماح فرس ثائرة كان صاحبها قد التوى به السرج، فانسربت روحه الدافئة تلتقط أنفاسها من بين ذرات الأرض...
صرخ الرجل الّذي يحلم بكنوز «الريّ وجُرجان»:
ـ دعوها لننظر ما تصنع!
انحسرت عنها الخيل... نظرت الى الأفق البعيد، ثمّ لَوَت رأسها باتجاه آخِرِ الأسباط.
ما يزال غافياً فوق الرمال ينوء بنفسه... قلبه ينزف دماً؛ ودماء القلب ترسم طريقها فوق الأرض نهراً صغيراً يكاد سنا نوره يضيء التاريخ.
خَفَتَ زعيقُ القبائل... وتقدّمت الفرس نحو سبط النبي... شمّته... ملأت رئتَيها من عبير النبوّات... أطلقت صهيلاً مدوّياً وهي تركل الأرض ... تريدها أن تستيقظ... أن تهتزّ، وتتزلزل تحت أقدام الذين اغتالوا الحرّية وطعنوا السّلام.
انطلقت الفرس نحو خيام قافلة عَصفَتْ بها الريح من كل مكان. كانت ما تزال تصهل عالياً... ما تزال كلماتها تتردد في سماء التاريخ.
ـ الظليمةَ الظليمةَ من أمّة قَتَلتْ ابنَ بنت نبيّها!
لقد انتهى كل شيء، ومرّت العاصفة الهوجاء... ملأت الرمال دماءً ودموعاً... والفراتُ ما يزال يجري... تتدافع أمواجه نحو البحر البعيد.
يمّمت الفرس وجهها شطر الفرات المسافر في مجاهل الصحراء... اقتحمت أمواجه المتدافعة، وغمرتها الأمواج، وكان الحصى المتناثر فوق الشواطئ يصغي لأنين خافت يشبه حمحمة فرس حزينة.
وتألقت في أعماق النهر مآذنُ وقِباب وقوافل مسافرة.
هناك في القَيعان الخفية تسطع النجوم، ويغفو القمر بسلام، ويمتزج الصهيل الكربلائي مع المياه المتدافعة صوب البحر.
وتغفو الفرس في أحضان الطين المعطور بعد يوم عصيب.
وفي المساء، عندما بدا نخيل الشواطئ كأهداب حوريّة شهيدة، فقَدَ الفراتُ مذاقه العذب، فاذا هو أُجاج يلفظه الظمآن كما لو كان مُترعاً بملح الصحراء.
وعندما مرّت الغيوم، شاهد بعضُهم غيمةً بيضاء تشبه فرساً مجنّحة تشقّ طريقها في الفضاء الأزرق... ترسم للأجيال طريق الحرّية.
* * *
تراقصت ألسنة النار المجنونة وهي تلتهم خيام القافلة... بَدَت كشيطانٍ يتميّز من الغيظ.فرّت النسوة والأطفال هائمين في وجه الصحراء، وقطعانُ الذئاب تجوس خلال الخيام كريحٍ مجنونة.
هبّت القبائل تسلب وتنهب، وتحوّلت تلك القطعة من أرض الله إلى مسرحٍ رهيبٍ، وقد ظهر إبليس ينفخ ويَصفُر... يسخر من آدم... وبدا آدمُ حزيناً على فردوسه المفقود.
وكانت امرأة اسمها «زينب» تتألّق وَسْط الناس... ترتّل نداء السماء: يا نارُ كوني برداً وسلاما.
تقدّمتْ نحو الشمس التي كُوّرت... كانت تتنفس روحَ عليّ... ترتدي حُلّة أيوب النبيّ.
تقدمت نحو آخِرِ القرابين السماوية.
اختفت الزهور والرياحين، وظهرت الأشواك حادّة كأنصال السكاكين... ملأت الطريق... الطريق الذي يؤدي الي الحسين.
قالت زينب وهي تجثو أمام جسد ممزَّق:
ـ الهي تقبّل منّا هذا القربان!
نَهَضتْ تُلملم آلامها... تبحث عن أطفال ونسوة فرّت مذعورة كطيور هاربة من سفن بعيدة غرقت.
العيون الحالمة والقلوب الصغيرة فرّت خائفة. وكان «الرضيع» ما يزال غافياً مصبوغ النحر بلون الأرجوان.
عواء الذئاب يمزّق وداعة الرياحين. واستحالت الأشياء الخضراء إلى رماد تذروه الرياح.
كل شيء بات يهتزّ بشدّة... الموجودات تتأرجح كما لو أن زلزالاً ضرب الأرض، فبدت مجنونة، وهي تمخر غبار الكون.
آن للقافلة أن تستأنف رحلتها، وقد ظهرت امرأة ترتدي صبر الأنبياء... عنفوان الرسالات... وكان اسمها زينب...
آن للقافلة أن ترحل.
رفعت النوق أثقالها... وانتشلت سفن الصحراء مراسيها...
وبَوصَلة التاريخ تشير إلى المدينة المشهورة بالغدر.
ومن بعيدٍ لاحت الكوفة... ذليلةً خاويةً على عروشها.
قالت زينب وهي تستقي صبر الحسين:
ـ لن يموت مَن رأسُه فوق الرمح... انظر، إنه يرتّل سورة الكهف.
قال فتى عليل أفلَتَ من أنياب الذئاب:
ـ إنهم يقتلون الحرّية... والانسان.
ـ الروح العظيمة لاتعرف الموت... إنّهم يرفعونها عالياً فوق ذُرى الرماح.
وأردفت المرأة المتوشّحة بالصبر:
ـ انظر يابن أخي، سندخل الكوفة.
ـ يا عمّتي، إننا ندخلها أسرى.
ـ بل فاتحين... وسينجلي ذلك ولو بعد حين.
ـ وهذه الحبال وقيود الحديد ؟
ـ ستلتفّ حول أعناق الذين غدروا. إنّهم لا إيمان لهم. صبراً يا بقية جدّي وأبي وإخوتي، فواللهِ إنّ هذا لَعهدٌ من الله إلى جدّك وأبيك، ولقد أخذ الله ميثاق أُناسٍ لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات... أنّهم يجمعون هذه الجسوم المضرّجة فيوارونها، ويَنصبون بذاك الطفّ علَماً لا يُدرس أثره.
* * *
عصف الأرق بأمّ سَلَمة... غادر النوم عينيها الساهرتين... تراقب النجوم وهي تومض من بعيد.مُذْ غادر الحسين الحجاز.. والرؤيا لا تفارقها
مذ رحل السبط إلى أرض السواد.. وهي ترى النبيّ حزيناً مكتئباً. وعندما تنحسر الرؤيا، تتذكر حزن الحبيب يوم فقَد ابنَه إبراهيم.
عانقه ثم قال ـ وعيناه تدمعان: إنّا بك لَمحزونون.
ولكنّ حزنه الآن حزنٌ عميقٌ... كبئر سحيقة.
لم تشاهده بهذه الحال أبداً.
رأت شعره المتموّج تموَّجَ الصحارى... رأته أشعث، ورأت وجهه القطني المشرَب بحمرةِ الشفق مغبرّاً، وعلى رأسه التراب.
هدّ أمَّ المؤمنين القلقُ. كانت تدرك في قرارة نفسها أنّ شيئاً رهيباً قد وقع، فالحسين في أرضٍ طالماً غَدَرتْ بأبنائها.
أغمضت عينيها الواهنتين، فرأت الحبيبَ مرّة أخرى. أفزعها منظره... كان يَنكتُ الترابَ عن رأسه، وبدا شعره أشعثَ مغبّراً:
ـ مالي أراك أشعثَ مغبرّاً يا رسول الله ؟!
أجاب آخرُ الأنبياء، وعيناه تدمعان:
ـ قُتل ولدي الحسين، وما زلت أحفر القبور له ولأصحابه.
انتبهَتْ أمّ سَلَمة من الحُلم... وجَدتْ نفسها تبكي بصوت يشبه نشيج الميازيب في مواسم المطر.
البكاء يشقّ طريقه في الليل ... يتسلّل من خلال الظلام الذي يغمر المدينة قبل الساعة التي ينفلق فيها الفجر.
النجوم ما تزال تومض كقلوبٍ واهنةٍ أجهدها النبض.
أسرعت أمّ سلمة إلى قارورة فيها قبضة من ترابٍ كان جبريل قد أحضرها من شُطآن الفرات.
كانت القارورة تفور دماً عبيطاً... كجُرح بعيدِ الغَور... بركان من دم ثائر.
ـ واثكلاه! ليت الموت أعدَمَني الحياة... اليومَ مات رسولُ الله... فاطمةُ الزهراء.
غبرة كئيبة لفّت المدينة التي فَقَدتْ مجدها...
ها هو أبوسفيان يقود جيوشَ الشرك مرّة أخرى، وقد عاد ليثأر من بدر... يثأر لأبي جهل، وأُمية، والوليد، وهُبل، واللات والعُزّى.
ـ اين أنت يا رسول الله؟! هلّم إلى سبطك تتخطّفه سيوف القبائل... هلّم لترى ما يفعل طلقاؤك... لقد سرقوا منبرك... يَنزون عليه قردةً وخنازير.
وها هم اليوم يمزّقون قلبك... يمزفون صدر الحسين!
انهم يطعنون المُزن في السماء، فيا أرض اعطشي... يطفئون وهجة الضياء، فيا شمس ارحلي... يسحقون الورد والريحان، فيا أرض اهمدي.
وحين غاب الحسين حلّ زمن القهر، وبدت خيول العرب ذليلة... ذليلة كصبايا السَّبي.
ومضت أمّ سلّمة تحثّ الخطى إلى رسول الله... تعزيه في ريحانته... أمّا الزهراء فما يزال مثواها مجهولاً يرسم علامة سؤال كبير يستفهم التاريخ.
استيقظت المدينة خائفة تترقّب... أطلّت عيون زائغة...
الأفاعي التي فرّت من مكّة ظَهَرتْ رؤوسها في دمشق... فحيحها يملأ الفضاء... يكاد يخنق كلمات السماء.
وانبعث أبوجهل يكرع كؤوس الخمر، ويعربد.
وفرّ بلال وعمّار و سلمان... كانوا يبحثون عن رسول الله، فلقد حمي الوطيس... وطيس المعركة.
* * *
الغروب الحزين يقرض منازل المدينة المشهورة بالغدر، توهّجت ذرى النخيل بحمرة تشبه الجمر، فبدتْ كجراح متألّقة.دخلت القافلة التي جاءت على قدَرٍ العاصمةَ الدارسة.
كمومس عجوز بدت الكوفة ذلك الغروب.
احتشدت جموع مذهولة حول القافلة العجيبة.
سألت امرأة كوفية ربّما لتمسّ الجراح:
ـ من أيّ الأُسارى أنتم ؟
وجاء الجواب الصاعقة:
ـ نحن أسارى آل محمّد.
وأومات بنت محمّد إلى الناس، فسكنت الأصوات، وبلغت القلوب الحناجر.
وبَدَت وهي فوق ناقتها مَلاكاً قادماً من السماء.
سكت الناس، وتوقّف التاريخ يصغي إلى كلمات عليّ تنبعث من جديد:
ـ اما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الخَتل والغَدر. أتبكون فلا رَقَأت الدمعة، ولا هدأت الرنّة! إنّما مَثَلكم كمثل الّتي نَقَضت غَزْلَها من بعدِ قوةٍ أنكاثاً، تتّخدون أيمانكم دَخلاً بينكم. ألا وهل فيكم إلاّ الصَّلف النطف والعجب الكذب والشنف، ومَلَق الإماء، وغمز الأعداء. كمرعى على دِمنة أو كفضّةٍ على ملحودة. ألا بئس ما قدّمتْ لكم أنفسكم أن سخْط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون.
كلمات تشبه الصواعق. وبدت الجموع كشواهد قبور دارسة تحترق.
كان الصمت ما يزال جاثماً فوق المكان كغراب أسطوري، وكانت الكلمات وحدها تدوّي في أُذن التاريخ:
ـ أتبكون وتنتحبون! إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشَنارها... فتَعساً لكم وسُحقاً، فلقد خاب السعي، وتبّت الأيدي وخسرت الصفقة، وبُؤتم بغضب من الله ورسوله، وضُربت عليكم الذلّة والمسكنة... ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أيَّ كبِد لرسول الله فَرَيتم ؟! وأيَّ كريمة له أبرزتم ؟! وأي حرمة له انتهكتم ؟! وأي دم له سَفكْتم ؟! لقد جئتم شيئاً إدّا... تكاد السماوات يتفطّرنَ منه وتنشقّ الأرض، وتخرّ الجبال هدّاً... لقد أتيتم بها خَرقاءَ شوهاء كطِلاعِ الأرض وملء السماء. أفعجبتم أن مَطَرت السماءُ دماً، ولَعذاب الآخرة أخزى، وأن ربّكم لبالمرصاد.
كانت الكلمات تتدفّق قوية كإعصار فيه نار، وكان صهيلٌ غاضب يتردّد من بعيد... قادماً من أرض كربلاء...
ما يزال الحسين يقاتل. فالحسين لا يعرف الموت. لقد كشف سرّ الخلود و مزّق بسيفه حجبَ الزمن. وها هي زينب تشير بيدها نحو الدرب... الدرب الذي خطّه الحسين.
تساءل صوتٌ مدهوش:
ـ ولكنّ الحسين ما يزال في الرمضاء ... جسداً بلا رأس!!
ـ مجرّد إغفاءة... سينهض الفارس الذي دوّخ القبائل ... سيلمع سيفه كبروق السماء، وسينبعث جواده من مياه الفرات، وعندها ستشتعل المعركة من جديد...
كربلاء معركة متجدّدة في كل أرض مظلومة وفي كل زمان جائر. وستغدو كلّ بقعة من دنيا الله كربلاء، وسيمتدّ يوم عاشوراء ليشمل كل الزمن. سيصبح أطولَ يوم في التاريخ، بل سيستوعب التاريخ كلّه.
ـ ها هي زينب ... ها هي بنت علي.
هتف حرّاس القصر، وهم يتطلّعون الى قافلة قادمة... قافلة تحوطها ذئاب غبراء.
ها هي زينب تتقدّم بخطىً واثقة... تدخل القصر... ينبض في صدرها قلب عليّ، ويتألق في عينيها بريق الحسين.
وتتفتّح الأبواب أمام موكب من الأسرى... تطفح فوق وجوههم العزّة والإباء. العيون النفّاذة تخترق أستار الزمن، تنظر الى ماوراء الأيام....
لقد سقط يزيد وابن زياد... تحطّمت عروشهم، وتهاوت قصورهم. إنّهم لم يعودوا سوى جثث متعفّنة غادَرَتْها الروح.
أناخت القافلة رَحلَها في قصر يكاد يميد بأهله... قصر تحرسه رماح ونبال.
* * *
جلس الأرقط متربعاً على عرشه. عيناه تقدحان شرراً، وما تزال سكرة الليل ترسم آثارها فوق وجهه... وفي عينيه لاحَت كؤوس من خمرة ودماء.كان يتصفّح وجوه «أسراه»! توقّف عند أحدهم. تسمّرت عيناه وارتدّ بصره خاسئاً وهو حسير، فهؤلاء لا تلوح عليهم سمات الأسر أو القهر.
نظرات متحدّية تصفعه من كل صوب. وكانت ذلة الأسر تلوح فوق حرّاسه وجلاوزته.
سأل الأرقط وقد غاظته هيبة «الأسرى»:
ـ مَن هذه المتنكّرة ؟!
كان الصمت المشوب بالاحتقار صفعةً أطارت بقايا نشوةٍ تطوف في رأسه.
لم تُجب المتنكّرة.
حاول أحد الجلاوزة إنقاذ هيبة سيّده، فتمتم:
ـ إنها زينب... زينب ابنة علي.
لمعت في عينيه شهوة الانتقام:
ـ الحمدلله الذي فضَحكم وقتَلكم وأكذَب أُحدوثتكم!
وانتفضت المرأة الزوبعة:
ـ الحمدلله الذي أكرمنا بنبيّه «محمد» وطهّرنا من الرجس تطهيرا. وإنّما
يُفتضح الفاسق ويُكذَّب الفاجر، وهو غيرنا.
قال الأرقط متمادياً في شماتة و نفاق:
ـ كيف رأيتِ فِعل الله بأهل بيتكِ ؟
أجابت بنتُ محمدٍ وهي تنظر الى ما وراء الحوادث:
ـ ما رأيتُ إلاّ جميلا. هؤلاء قومٌ كَتبَ اللهُ عليهمُ القتل فبرزوا الى مضاجعهم، وسيجمع اللهُ بينك وبينهم فتُحاجُّ وتُخاصَم، فانظر لمَن الفَلجُ يومئذ. ثكلتك أمّك يابن مرجانة!
لم تنتَهِ المعركة بعد. هناك جولاتٌ أخرى... جولات مريرة عنيفة.
كاد يتميّز غيظاً، و بدا كأفعى رقطاءَ تهمُّ بابتلاع ضحيّتها.
زاغت عيناه تطاير منها شرر كشَرر الجحيم المستعرة، وثار بركان حقدٍ في أعماقه، فنظر الى أحد جلاوزته.
كان رأس الحسين صامتاً، وكان صمته المحيِّر يتكلّم بلغة عميقة أو صرخة مدوّية تكاد تعصف بالقصر وساكنيه.
كفحيح حيّة جاء صوت الأرقط:
لقد اشتفيتُ من الحسين والعصاة المرَدة من أهل بيتكِ!
تساءلت المرأة المقهورة: كيف أمكن لخنزير أن يسرق منابر الصدّيقين، تمتمت بحرقة:
ـ لعمري لقد قتلتَ كهلي، وقطعتَ فرعي واجتثثتَ أصلي، فإن يشفِكَ هذا فقد اشتفيت.
أدارت الافعى رأسها نحو فتى عليل... فتىً ادّخره القدر لزمن آخر.
سأل الارقط: ما اسمك ؟
أجاب الفتى باعتزاز: عليّ بن الحسين.
ـ أو لم يَقتلِ اللهُ علياً ؟!
ـ كان لي أخ أكبر منّي يُسمى علياً، قتله الناس.
ـ بل قتله الله.
ردَّ الفتى، والحكمة تتفجّر من جوانبه:
ـ الله يتوفّى الأنفسَ حين مَوتها، وما كان لنفس لتموت إلاّ بأذن الله.
زاغت عينا الأرقط غيظاً. أشار الى أحد جلاّديه:
ـ اضرب عنقه!
هَبَّت عمّته معترضة:
ـ حَسْبُك يابن زياد من دمائنا ما سَفكتَ، وهل أبقيت أحداً غير هذا، فإن أردت قتله فاقتلني معه.
زاد الفتى من تحدّيه. إنّه لا يرى سوى خرائب قصر ولا يرى سوى جثث متعفّنة:
ـ أما علمتَ أنّ القتل لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة ؟!
الشهادة ليست موتاً بل خلوداً... الموت أن يتعفّن الإنسان.
والّذي يعبر جدار الزمن وأوداجُه تشخب دماً ليس ميّتاً.
لا يموت من يصبغ الأرض بلون الشفَق الدامي.
* * *
بدا قصر الإمارة وسط الظلمة كغرابٍ يبحث في الأرض... يريد نبش قبر قديمٍ عفّى عليه الزمن.وصمتٌ رهيب يسيطر على زوايا القصر ما خلا صوت بومة ترسل هأهأتها متقطّعة.
كان الأرقط يذرع البهو وبيده كأس. وبدا مخموراً بعضَ الشيء.
وكان «الأبرص» منسحباً إلى نفسه، والرجل الّذي قاد القبائل على شاطئ الفرات يداعب لحيته الشعثاء، وهو يحملق في الفراغ... ينظر إلى أحلامه تتبدّد... تتبخّر... وصبايا الري وجرجان تفرّ مذعورة بين يديه.
منذ «عاشوراء» والأرقطُ تعصف به الهواجس... ينتابه القلق... يهبّ من نومه مذعوراً، تطارده الأشباح... أشباح لايعرفها... يتقدّمها رأسُ الحسين على رمحٍ طويل. أمّا هو فكان يلهث مبهور الأنفاس تائهاً في صحراء مترامية مليئة بالأفاعي؛ تمتم بحقد:
ـ ما ذا لقيتُ من الحسين ؟!
دون شعور سقطت الكأس من يده.
رفع الأبرص عينه. كان ينظر بحقد. واستيقظ الرجل الذي كان يحلم بالري وجرجان.
شعر الأبرص بحرقة في نحره. منذ أيام وهي تلسعه بنار.
ركض الى بِركة الماء. بلّل نحره، ولكن بلا فائدة.
هتف الأرقط ساخراً:
ـ ما تزال تحرقك... أعني قطرات الدم.
صوّب الأبرص عينين متأرجحتين:
ـ لماذا تسخر منّي ؟ إنها قطرات من نار لا من دماء... صدِّقني أنّني أخلط خمرتي بدماء قتلاي. ولكن هذا الدم كان يختلف. إنّه اللهيب بعينه.
قهقه الرجل الحالم:
ـ ولكنك جثمت على صدره كغراب أبقع.
ردّ الأبرص منتشياً.
ـ أنت لا تدرك اللذّة التي شعرتُ بها وأنا أعلو صدر الحسين. كان ربوة من ربيع تفوح منه روائح أطيب من المسك. يابن سعد! لقد ارتقيتُ قمّة المجد.
الأبرص ما يزال منتشياً، أسكرته لحظة الانقضاض.
الرجل الحالم قطع قهقهته فجأة. زاد اتساع عينيه كأنّما ما يزال يراقب مشهداً مثيراً على شاطئ الفرات.
الحسين ما يزال يقاتل الألوف غير عابئ بالسهام والرماح، وسيوف القبائل تحاول أن تتخطفه. اندفع نحو الفرات كزوبعة غاضبة. وبدا الفرات تحت حوافر جواده كأفعى ذليلة لشدّما هزّه منظر الحسين. أيّ رجل هذا ؟!
غطّى وجهه بكفّيه. أراد أن يطفئ اشتعالات مشاهد مضيئةٍ كبروق سماوية.
ما تزال الخيول المجنونة تركض بعنف، فيتردّد صداها في أعماقه هزّات عنيفة مدمرِّة تعصف بأحلامه فتتبدّد.
كان الأرقط يراقب صاحبيه من طَرْف خفيّ. أدرك ما يعتمل فيهما. لوّح بسوطه في الهواء، وصرخ:
ـ إنّني أُنفّذ أمر الخليفة.
* * *
الليل يغمر الأرض بظلمة حالكة. وبدت الصحراء المترامية امرأة متّشحة بالسواد حزناً على أبنائها. النخيل الذي يحفّ بشطآن الفرات بدا كرماح مركوزة في الرمال.
خُيِّل إليه أنّه يسمع صهيلاً ينبعث من أعماق المياه المتدفّقة...
اقترب أكثر فأكثر... فكاد يسقط دهشة... مواكب من شموع تتألّق وأصوات تشبه البكاء.
كان الرجل الأسدي يحدّ النظر... يريد أن يتعرّف أحدهم، لكنّ بصره ارتدّ حسيراً ... تقهقر إلى الوراء... سيطرت عليه رهبة المكان.
خُيّل اليه أنه يرى جواداً ينبعث من نهر الفرات. كان الجواد يشبه غيمةً بيضاء تنساب فوق الرمال الناعمة. ورأى رجلاً يستيقظ... راح الجواد يمرّغ ناصيته يشمّه ويحمحم بحزن.
نهض الرجل النائم... مسَح على رقبة جواده، ثمّ راح يوقِظ النائمين واحداً بعد الآخر.
استيقطوا جميعاً. كانوا سبعين أو يزيدون.
وهتف الرجل الذي أيقظهم:
أنا الحسين بن علي | آليـت ألاّ أنـثـني |
وشيئاً فشيئاً تبدّدت الظلمة، ولاحت له أجساد القتلى مقطّعة الرؤوس... متناثرة هنا وهناك، كنجوم منطفئة.
حلّ اليوم الثالث عشر من محرّم. شمسه كئيبة حزينة. ترسل أنواراً باهتة. تلفح أجساداً مقطّعة الرؤوس، وكانت الريح تعدو كذئبة مجنونة تثير غباراً كدخان الحرائق.
وجاءت نسوة أسديات، ورجال كانوا يبكون بحرقة. وتعالت في الفضاء تأوّهات هابيل، وهو يشكو ظلم أخيه.
وقف بنو أسد حيارى لا يدرون ما يصنعون!
حاول بعضهم أن يتعرّف القتلى ولكن لا جدوى. حتّى «ابن مظاهر» ضاع عليهم.
كانت الأجساد مضرّجة مزّقتها حوافر خيل قاسية.
وجاء فتى يسعى... عليه سيماء النبوّات. ووقف بنو أسد مدهوشين، وهو يشير الى الأجسام المجهولة.
ـ هذا جسد أبي...
وتمتم وهو يواريه الثرى:
ـ طوبى لأرض تضمّنت جسدك الطّاهر... الدنيا بعدك مظلمة والآخرة بنورك مشرقة. أمّا الليل فمُسهَّد، وأمّا الحزن فسرمد.
ومشى الفتى الى جسدٍ آخر كان مقطوع الرأس واليدين.
فاعتنقه وراح يبكي:
ـ على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم... سلام عليك من شهيد محتسب ورحمةالله.
ومرّ النهار، ونكت الفتى يديه من التراب، ونظر الى الفرات. كان يشعر بظمأ شديد...
اغترف من الماء، وهمّ أن يشرب، ولكنه رماه بعنف كما لو كان سماً. تذكّر كلّ تفاصيل ملحمة الظمأ، وهي تجري على شواطئ نهر يموج بالمياه.
نهض الفتى وألقى نظرة احتقار على الفرات، وطفرت من عينيه الدموع وهو يولي ظهره للشواطئ. وبدا النهر كئيباً كخيط من الملح. وشيئاً فشيئاً كانت أصوات مناحة بني أسد تخبو في أُذنَيه، وهو يتّخذ طريقه نحو مدينة غَدرَتْ بأبيه.
* * *
بدا الجامع الأعظم مكتئباً، كناسكٍ حزين. ورغم الضجة المتصاعدة، فقد بدا مقفراً، وضاعت آيات القرآن بين لغط الكوفيّين الذين تجمهروا في الظهيرة المحرقة.
نزا الأرقط على المنبر، وراح ينظر الى الناس باستعلاء. الشرر يتطاير من عينيه كشظايا جحيم مستعرة. هتف بغطرسة وقد فقد السيطرة على لثغة لسانه:
ـ الهمد... الحمدلله الّذي أظهر الحق وأهله... نَسَرَ اميرالمؤمنين يزيد وهزبه، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب الحسين بن علي وشيعته.
ضحك أحدهم بمرارة، وهو ينظر الى هذا الألكن الّذي نزى على منبر عليّ.
لقد مضت أيام البلاغة والفصاحة. مضت دون عودة، وورث المنبر قردةٌ وخنازير يسومون الناس سوءَ العذاب.
كان الصمت يخيّم فوق الرؤوس الّتي أطرقت ذلاًّ...
فجأة هبَّ رجل مكفوف البصر:
ـ يابن مرجانة! الكذّاب أنت وأبوك والّذي ولاّك وأبوه... أتقتلون أبناء النبيّين وتتكلّمون بكلام الصدّيقين ؟!
فُوجئ الأرقط، فصرخ بغيظ:
ـ مَن المتكلّم؟!
ـ أنا المتكلّم يا عدوّ الله! تقتلون الذرية الطاهرة الّتي أذهب الله عنهم الرجس، وتزعم أنّك على دين الاسلام... واغوثاه! أين أولاد المهاجرين والأنصار ؟!
استشاط الأرقط، وهتف بجلاوزته كأفعى حانقة:
ـ عَلَيَّ به!
هتف الرجل المكفوف البصر بشعار الأزد:
ـ يا مَبرور!
وتواثب الرجال من هنا وهناك، وانتزعوه من بين أنياب الكلاب.
وقال رجل أزديّ بإشفاق:
ـ لقد أهلكتَ نفسك و عشيرتك!
مضت الساعات ثقيلة، وباتت الكوفة تترقب حادثة ما، وبدا قصر الإمارة كوحشٍ رابض في الظلام.
كسرت حوافرُ الخيل هدأة الليل... كانت تندفع نحو منزل رجل مكفوف البصر... بصير القلب.
واقتحمت الذئاب داره بعد أن حطّمت الباب، وكانت له صَبيّة فصاحت:
ـ وا أبتاه!
ـ لاعليكِ، ناوِليني سيفي.
ـ ليتني كنتُ رجلاً أذبّ بين يديك.
كان الرجل يقاتل في الظلام؛ وأحاطت به الذئاب، فسقط أسيراً بين الأنياب.
وهتفت ابنته:
ـ وا ذلاّه! يحاط بأبي وليس له ناصر!
وفي القصر، فرك الأرقط يديه جَذلاً، وقال بشماتة:
ـ الحمدلله الّذي أخزاك.
ـ وبما ذا أخزاني يابن مرجانة ؟!
قال الأرقط بنفاق:
ـ ما تقول في عثمان ؟
ـ ما أنت وعثمان، أساءَ أم أحسَن، أصلَح أم أفسَد؟ ولكن سَلْني عنك وعن أبيك وعن يزيد وأبيه.
ـ لأَذيقنّك الموت.
فقال الأزديّ بطمأنينة:
ـ لقد كنتُ أسأل ربّي الشهادة مِن قبل أن تلدك أمُّك، وسألتُه أن يجعلها على يدَي ألعنِ خلقه وأبغضهم اليه.
جحظت عينا الأرقط غيظاً، وأشار الى جلاوزته، وسرعان ما تدحرج رأس الشيخ؛ وكانت ابتسامة تلوح على وجهه.
ودعا ابن زياد بأزديّ آخر، كان في الطامورة، فجيء به، يخطو على وهن... أثقلته السنون والسلاسل والقيود.
قال الأرقط بصفاقة، وقد اجتاحته رغبة في سفك الدم:
ـ ألستَ صاحِبَ أبي ترابٍ في صِفّين ؟!
ـ نعم و إنّي لأُحبّه، وأفتخر به، وأمقتك وأباك، لاسيّما الآن وقد قتلتَ سِبط الرسول.
أجاب الأرقط باستهتار:
ـ إنّك لأَقلّ حياء من ذلك الأعمى.
وهمّ الأرقط بقتله، فحدّق به ثم تمتم في نفسه:
ـ إن هي إلاّ أيام وينفق...
وأردف وهو يصرّ على أسنانه:
ـ لولا أنّك شيخ قد ذهب عقلك لَقتلتك.
وتساقطت السلاسل من بين يديه. وعندما خطا باتجاه الحرّية كانت عيناه تفيضان من الدمع حزناً. وغبط في نفسه صاحبَه الّذي رُزق الشهادة بعد أمدٍ طويل.
وعندما غادر الشيخُ القصر كان الأمل يكبر في قلبه الواهن بأن يلتحق بصاحبه ولو بعد حين.
* * *
كاد قصر الخضراء يهتزّ طرباً، فيزيد بدا ذلك اليوم يطير فرحاً، كان يلاعب قِردَه باستمرار... ينظر من نوافذ قصره المنيف الى باب الساعات، فأسراه سيدخلون دمشقَ بين لحظة وأخرى. لم يتمالك نفسه فراح يتغنّى بصوتٍ عال:
لـيـت أشياخـي ببدر شهدوا | جَزَعَ الخزرجِ مِن وَقْعِ الأسَلْ | |
لأَهـلّـوا واستـهـلّوا فرَحاً | ثـمّ قـالـوا: يا يزيد لا تُشَلّ! | |
قـد قَتَـلنا القَرمَ مِن ساداتِهم | وعَـدَلنـاهُ بـبـدرٍ فـاعتدلْ | |
لَـعِبَـت هـاشمُ بالمُلكِ، فلا | خبرٌ جاء ولا وحـيٌ نَـزَلْ! | |
لستُ مِن خِندفَ إنْ لم أنتـقِمْ | مِن بني أحمدَ ما كانَ فَعَـلْ! |
بدت دمشق في يوم الزينة كمومس تَعْرض بضاعتها على قارعة الطريق، ولَغطُ الشاميين يرتفع كطنين الذباب، والذباب لا يفرّق بين العسل والنفايات.
أطلّ شهر «صَفَر» بوجهه الكئيب، وكانت القافلة قد توقّفت في «باب الساعات»، ونَعبَ غراب قبل أن يخفق بحناحَيه السوادوَين.
تمتم يزيد متشفّياً وهو يطّلع الى ثارات بدر، واجتاحته رغبة عارمة بالغناء، فأطلق عقيرته:
لـمّا بَـدَتْ تـلك الحُمولُ وأشرقَتْ | تـلـك الـرؤوسُ على شفا جَيرونِ | |
نَعبَ الغرابُ فقلتُ: صِحْ أو لاتَصِحْ | فـلقـد قَضـَيـتُ من النبيِّ دُيوني |
إن تُقبِـلوا نُعانقْ | ونَفرش النَّمارقْ | |
أو تُدبِروا نُفارقْ | فِراقَ غيرِ وامِقْ |
ـ الحمدلله الّذي أهلككم، وأمكنَ الأميرَ منكم!
نظر الفتى اليه، وخاطبه بإشفاق:
ـ أقرأت القرآنَ يا شيخ ؟
قال الشيخ مأخوذاً:
ـ بلى.
ـ أقرأتَ: قل لا أسألُكم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القربى ؟
ـ نعم قرأت ذلك. ما ذا تعني ؟
ـ نحن القربى يا شيخ... أقرأت: إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكم تطهيراً ؟
ـ نعم قرأت ذلك.
ـ نحن أهل البيت يا شيخ.
ـ بالله عليك، أنتم هُم ؟!
ـ نعم، وحقِّ جدِّنا رسولِ الله، إنّا لَنحن هم.
وقع الشيخ... كأنّ الأرض تهتزّ تحت قدميه... كان ينتحب ويُوَلوِل:
ـ أبرأ الى الله ممّن قتلكم...
وما أسرع أن احتوشته الجلاوزة، كحَمل سقط بين مخالب قطيع من الذئاب.
وتساءلت امرأة دمشقية:
ـ مِن أيّ السبايا أنتم ؟
فقالت سكينة بحزن:
ـ نحن سبايا آل محمّد.
ومضت القافلة في طريقها الى قصرٍ بُني على الظلم ما له من قرار.
وفي باب القصر توقّفت القافلة، وجيء بالحبال، فرُبِّق بها آل الرسول، وَضعوا طرَفه في رقبة فتىً في العشرين؛ أنهكته السلاسل والقيود، ثمّ في رقبة زينب بنت علي! ثمّ باقي بنات محمّد! وكلّما تعثّر الأسرى في طريقهم انهالَتْ عليهم السياط من كل جانب.
وتذكّرت زينبُ عِزّاً قديماً بدّدته أيام الزمن الخالي... يوم كانت تخرج يحفّ بها فتية بني هاشم. وها هي الآن تُساق أسيرةً الى أولاد الطلقاء. لَشدّ ما يقسو الدّهر... ولكن كل شيء في عَين الله، ولقد أوتيَتْ زينب صبراً دونه صبر أيّوب.
وأُدخلت الرؤوس، وكان رأسُ الحسين على رمح طويل.
وفي تلك الليلة ضاعت آياتُ القرآن وسط دفوف مجنونة تحتفل بنصر الخليفة الجديد. الّذي زيّن قِرْده الأثير قلادةً جديدة من الذهب المرصّع بالياقوت الأحمر.
* * *
تعليق