((المنهجُ العلمي للإمام علي بن الحسين (عليه السلام) ومهمته التعليمية))
==============================
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله المعصومين
إنّ مراجعةً دقيقةً الى سيرة الإمام علي بن الحسين/ع/ تُطلعنا على أنه/ع/ قد ورث العلم والمعرفة والأخلاق عن آبائه/ع/
ولاسيما ممَن عاصرهم مثل الإمام علي بن أبي طالب/ع/ وأبيه الحسين/ع/ وعمه الحسن/ع/
فبلا شك أنّ ولادة الإمام علي بن الحسين/ع/ كانت في سنة 38/للهجرة النبوية الشريفة
وهذا يعني أنه أدرك شخص جده علي /ع/ وهو طفل وحين ولدته أمه وزُفَت البشرى لعلي/ع/ سجدا لله شكرا وأسماه عليا
/إنظر/رجال تركوا بصمات على قسمات التأريخ/السيد لطيف القزويني/ص130.
وكذا عاش /ع/ ردحا كبيرا من الزمن مع عمه الحسن/ع/ وأبيه الحسين/ع/
ومن المعلوم أنّ أئمة أهل البيت المعصومين /ع/ يتوارثون العلمَ أباً عن جد وبمقدار واحد ومتساوي.
فعن معمر بن خلاد قال :
سمعتُ الرضا عليه السلام وذكر شيئا فقال :
ما حاجتكم إلى ذلك ، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته مكاني
وقال /ع/:
((إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة))
وهذا تعبير كنائي عن تساوي العلم المتوارث فيما بيننا نحن أهل البيت.
/الكافي /الكليني/ج1/ص 320.
فكان الإمام علي بن الحسين/ع/ كثير الرواية عن أبيه الحسين/ع/ وعن جده أمير المؤمنين علي/ع/
وهذا ما جعل المفسرون القدامى يعتمدون على روايته في تفسير النصوص القرآنية بإعتباره ثقة ومن أهل بيت النبوة المعصومين/ع/
/إنظر/ تفسير الثعلبي/ الثعلبي/ 7/ص135.
ولا يقول قائل كيف كان الأئمة المعصومون /ع/ يتوارثون العلم عن أكابرهم وهم صغار؟
فنقول كما قال القرآن الكريم
في قصة يحيى /ع/ وعيس بن مريم وهما نبيان/ع/
وبإعتقادنا نحن أتباع أئمة أهل البيت /ع/ أنّ الإمام هو نفس النبي بفارق النبوة
من حيث أهليته لتحمل علم الله تعالى وعلم رسوله /ص/
وقدرته على إدارة وتدبير أمر الناس في الهداية والنظام العام من بعد النبي.
لذا قال الله تعالى في حقيقة ذلك يوم المباهلة
{فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }آل عمران61
معنى الآية هذه
(فمن حاجك) جادلك من النصارى (فيه من بعد ما جاءك من العلم)
بأمره (فقل) لهم يارسول الله محمد/ص/
(تعالَوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) فنجمعهم
(ثم نبتهل) نتضرع في الدعاء
(فنجعل لعنة الله على الكاذبين) بأن نقول:
اللهم العن الكاذب في شأن عيسى وقد دعا صلى الله عليه وآله سلم وفد نجران لذلك لما حاجوه به
فقالوا:
حتى ننظر في أمرنا ثم نأتيك
فقال ذو رأيهم:
لقد عرفتم نبوته وأنه ما باهل قوم نبيا إلا هلكوا فوادعوا الرجل وانصرفوا
فأتوا الرسول صلى الله عليه وآله سلم
وقد خرج ومعه الحسن والحسين وفاطمة وعلي
وقال لهم: /ص/((إذا دعوت فأمِّنوا))
فأبوا أن يلاعنوا وصالحوه على الجزية ،
وعن ابن عباس قال:
لو خرج الذين يباهلون لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا ،
ولم يدع أحد انه ادخل النبي محمد ( ص ) تحت الكساء عند المباهلة للنصارى إلاّ علي بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين
فكان تأويل قوله تعالى ( أبنائنا ) الحسن والحسين ونساءنا فاطمة
وأنفسنا علي بن أبي طالب عليهم السلام
/إنظر/ عيون أخبار الرضا/الصدوق/ج2/ص 81.
فقال الله تعالى في خصوص هذه الحقيقة أيضا
{يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً }مريم12
وفي قصة عيسى/ع/
قال تعالى
{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً }مريم29
{قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً }مريم30
فالإمام علي بن الحسين/ع/ كان يُفسّر القرآن الكريم بوجهه الحق عن علمٍ أخذه/ع/ من أبيه وجده/ع/
وفي رواية أذكرها هنا يتضح لك مكانة الإمام/ع/ العلمية
فقد ورد
في تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام )
عند قوله تعالى في سورة البقرة
{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }البقرة65
قال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) :
كان هؤلاء قوما يسكنون على شاطئ بحر فنهاهم الله وأنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت ،
فتوصلوا إلى حيلة ليحلّوا بها لأنفسهم ما حرم الله ،
فخدوا أخاديد وعملوا طرقا تؤدي إلى حياض يتهيأ للحيتان الدخول فيها من تلك الطرق ،
ولا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع ،
فجاءت الحيتان يوم السبت جارية على أمان لها فدخلت الأخاديد وحصلت في الحياض والغدران ،
فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن من صائدها فرامت الرجوع فلم تقدر ،
وبقيت ليلتها في مكان يتهيأ أخذها بلا اصطياد لاسترسالها فيه وعجزها عن الامتناع لمنع المكان لها ،
وكانوا يأخذون يوم الأحد ويقولون : ما اصطدنا في السبت وإنما اصطدنا في الأحد ،
وكذب أعداء الله بل كانوا آخذين بها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت حتى كثر من ذلك مالهم
/إنظر/ الحدائق الناضرة/المحقق البحراني/ج25./ص377.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مرتضى علي الحلي :: النجف الأشرف :