القلوب والرحمة الحسينية
إن القلوب أوعية وأفضلها أوعاها، وقمة الوعي والإدراك عندما يكون الإنسان نصيرا للحق ولا يريد سوى العزة للمسلمين، بخلاف تلك القلوب المنكوسة التي لا تستقبل رحمة السماء فهي كالأرض السبخة التي لا تزيدها الأمطار إلا آسانا.
وفي التاريخ حدثان أحدهما لتلقي الرحمة الإلهية والآخر للابتعاد عنها، فعندما عَلِم الإمامُ الحسين عليه السّلام أنّ يزيد بن معاوية أنفذ إليه من يقتله في مكّة ولو كان معلّقاً بأستار الكعبة المشرّفة، فخشي عليه السّلام أن تُنتهَك حُرمة البيت الحرام، لذا خرج من مكّة المكرّمة بعد أن خطب فيها معلناً نهضته.
وسار الموكب الحسينيّ نحو كربلاء.. وكان هنالك موكبٌ آخر يسير بزعامة زهير بن القَين يحوي نفراً من البَجَليّين والفَزاريّين، جانَبوا الحسين عليه السّلام ولم يرغبوا في مُسايَرَته والنزول معه، قال بعضهم: كنّا مع زهير بن القين، أقْبَلْنا من مكّة نُساير الحسين عليه السّلام.. إذا سار تخلّف زهير، وإذا نزل الحسين تقدّم زهير، حتّى نزلنا في منزلٍ لم نجد بُدّاً من أن نُنازِله فيه، فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب، فبينا نحن جُلوسٌ نَتَغدّى إذْ أقبل رسولُ الحسين، فسلّم ثمّ دخل، فقال: يا زهير بن القَين، إنّ أبا عبد الله الحسين بن عليّ بعثني إليك لتأتيه، قال: فطرح كلُّ إنسانٍ ما في يده، حتّى كأنّ على رؤوسنا الطير! فأحجَم زهير قليلاً.. وهنا نادَته زوجتُه دَلْهَم بنت عمرو: أيَبعَث إليك ابنُ رسول الله ثمّ لا تأتيه؟! سبحان الله! لو أتيتَه فسمعتَ من كلامه ثمّ انصرفت.
فذهب زهير.. فما لَبث أن عاد مُستبشراً قد أسفَر وجهُه، فأمر بفسطاطه وثِقله ومَتاعه فقُدّم له، وحَمَله نحو الإمام الحسين عليه السّلام، ثمّ قال لأصحابه: مَن أحَبَّ منكم أن يَتبعني، وإلاّ فإنّه آخِرُ العهد، إنّي سأحدّثكم حديثاً:
غَزَونا بَلَنْجر ففتح اللهُ علينا وأصَبْنا غنائم، فقال لنا سلمان الباهليّ: أفَرِحتُم بما فَتَح اللهُ عليكم وأصَبْتُم من الغنائم؟ فقلنا: نعم. فقال لنا: إذا أدركتم شبابَ آلِ محمّد فكونوا أشدَّ فَرَحاً بقتالكم معهم بما أصَبْتُم من الغنائم، ثمّ قال زهير: أمّا أنا فإنّي أستودعكمُ الله. (تاريخ الطبري 6/225).
والحدث الآخر هو لأولئك الذين تعرضوا لنفحات الرحمة الإلهية ولكن ذنوبهم وأهواءهم حالت دون الاستفادة منها أمثال عبيد الله بن الحر الجعفي، حيث قال صاحب خزانة الأدب الكبرى: لما ورد الحسين (عليه السلام)قصر بني مقاتل رأى فسطاطا مضروبا ، فقال: لمن هذا ؟ فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي، فأرسل إليه الحجاج بن مسروق الجعفي، ويزيد بن مغفل الجعفي فأتياه وقالا : إن أبا عبد الله يدعوك، فأبى نصرته، قال يزيد بن مرة: حدثني عبيد الله بن الحر قال : دخل علي الحسين (عليه السلام)وما رأيت أحدا قط أحسن ولا أملأ للعين منه ، ولا رققت على أحد قط رقتي عليه حين رأيته يمشي وصبيانه حوله ، فقال الحسين : ما يمنعك يا بن الحر أن تخرج معي!؟ فقال ابن الحر: لو كنت كائنا مع أحد الفريقين لكنت معك، ثم كنت من أشد أصحابك على عدوك ، فأنا أحب أن تعفيني من الخروج معك، ولكن هذه خيل لي معدة وأدلاء من أصحابي، وهذه فرسي المحلقة فوالله ما طلبت عليها شيئا قط إلا أدركته ولا طلبني أحد إلا فته، فاركبها حتى تلحق بمأمنك، قال الحسين (عليه السلام): أفهذه نصيحة لنا منك يا بن الحر؟ قال: نعم والله الذي لا شئ فوقه ! فقال له الحسين: إني سأنصح لك كما نصحت لي إن استطعت أن لا تسمع صراخنا، ولا تشهد واعيتنا فافعل، فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا أكبه الله في نار جهنم.
والى الآن لا زالت تلك الرحمة تبحث عن القلوب الواعية لتقذف بها شآبيب الحب الإلهي، وعن القلوب التي فيها مرض فإنها عسى أن ترتشف من ذلك الينبوع المتدفق مادامت الحياة قائمة ومادام في الإنسان الغافل عرق ينبض ليحلق في رحاب الرحمة الإلهية المتجسدة في ذلك القلب الرؤوف الذي يتدفق عطفا حتى على أعدائه.
إن القلوب أوعية وأفضلها أوعاها، وقمة الوعي والإدراك عندما يكون الإنسان نصيرا للحق ولا يريد سوى العزة للمسلمين، بخلاف تلك القلوب المنكوسة التي لا تستقبل رحمة السماء فهي كالأرض السبخة التي لا تزيدها الأمطار إلا آسانا.
وفي التاريخ حدثان أحدهما لتلقي الرحمة الإلهية والآخر للابتعاد عنها، فعندما عَلِم الإمامُ الحسين عليه السّلام أنّ يزيد بن معاوية أنفذ إليه من يقتله في مكّة ولو كان معلّقاً بأستار الكعبة المشرّفة، فخشي عليه السّلام أن تُنتهَك حُرمة البيت الحرام، لذا خرج من مكّة المكرّمة بعد أن خطب فيها معلناً نهضته.
وسار الموكب الحسينيّ نحو كربلاء.. وكان هنالك موكبٌ آخر يسير بزعامة زهير بن القَين يحوي نفراً من البَجَليّين والفَزاريّين، جانَبوا الحسين عليه السّلام ولم يرغبوا في مُسايَرَته والنزول معه، قال بعضهم: كنّا مع زهير بن القين، أقْبَلْنا من مكّة نُساير الحسين عليه السّلام.. إذا سار تخلّف زهير، وإذا نزل الحسين تقدّم زهير، حتّى نزلنا في منزلٍ لم نجد بُدّاً من أن نُنازِله فيه، فنزل الحسين في جانب ونزلنا في جانب، فبينا نحن جُلوسٌ نَتَغدّى إذْ أقبل رسولُ الحسين، فسلّم ثمّ دخل، فقال: يا زهير بن القَين، إنّ أبا عبد الله الحسين بن عليّ بعثني إليك لتأتيه، قال: فطرح كلُّ إنسانٍ ما في يده، حتّى كأنّ على رؤوسنا الطير! فأحجَم زهير قليلاً.. وهنا نادَته زوجتُه دَلْهَم بنت عمرو: أيَبعَث إليك ابنُ رسول الله ثمّ لا تأتيه؟! سبحان الله! لو أتيتَه فسمعتَ من كلامه ثمّ انصرفت.
فذهب زهير.. فما لَبث أن عاد مُستبشراً قد أسفَر وجهُه، فأمر بفسطاطه وثِقله ومَتاعه فقُدّم له، وحَمَله نحو الإمام الحسين عليه السّلام، ثمّ قال لأصحابه: مَن أحَبَّ منكم أن يَتبعني، وإلاّ فإنّه آخِرُ العهد، إنّي سأحدّثكم حديثاً:
غَزَونا بَلَنْجر ففتح اللهُ علينا وأصَبْنا غنائم، فقال لنا سلمان الباهليّ: أفَرِحتُم بما فَتَح اللهُ عليكم وأصَبْتُم من الغنائم؟ فقلنا: نعم. فقال لنا: إذا أدركتم شبابَ آلِ محمّد فكونوا أشدَّ فَرَحاً بقتالكم معهم بما أصَبْتُم من الغنائم، ثمّ قال زهير: أمّا أنا فإنّي أستودعكمُ الله. (تاريخ الطبري 6/225).
والحدث الآخر هو لأولئك الذين تعرضوا لنفحات الرحمة الإلهية ولكن ذنوبهم وأهواءهم حالت دون الاستفادة منها أمثال عبيد الله بن الحر الجعفي، حيث قال صاحب خزانة الأدب الكبرى: لما ورد الحسين (عليه السلام)قصر بني مقاتل رأى فسطاطا مضروبا ، فقال: لمن هذا ؟ فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي، فأرسل إليه الحجاج بن مسروق الجعفي، ويزيد بن مغفل الجعفي فأتياه وقالا : إن أبا عبد الله يدعوك، فأبى نصرته، قال يزيد بن مرة: حدثني عبيد الله بن الحر قال : دخل علي الحسين (عليه السلام)وما رأيت أحدا قط أحسن ولا أملأ للعين منه ، ولا رققت على أحد قط رقتي عليه حين رأيته يمشي وصبيانه حوله ، فقال الحسين : ما يمنعك يا بن الحر أن تخرج معي!؟ فقال ابن الحر: لو كنت كائنا مع أحد الفريقين لكنت معك، ثم كنت من أشد أصحابك على عدوك ، فأنا أحب أن تعفيني من الخروج معك، ولكن هذه خيل لي معدة وأدلاء من أصحابي، وهذه فرسي المحلقة فوالله ما طلبت عليها شيئا قط إلا أدركته ولا طلبني أحد إلا فته، فاركبها حتى تلحق بمأمنك، قال الحسين (عليه السلام): أفهذه نصيحة لنا منك يا بن الحر؟ قال: نعم والله الذي لا شئ فوقه ! فقال له الحسين: إني سأنصح لك كما نصحت لي إن استطعت أن لا تسمع صراخنا، ولا تشهد واعيتنا فافعل، فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا أكبه الله في نار جهنم.
والى الآن لا زالت تلك الرحمة تبحث عن القلوب الواعية لتقذف بها شآبيب الحب الإلهي، وعن القلوب التي فيها مرض فإنها عسى أن ترتشف من ذلك الينبوع المتدفق مادامت الحياة قائمة ومادام في الإنسان الغافل عرق ينبض ليحلق في رحاب الرحمة الإلهية المتجسدة في ذلك القلب الرؤوف الذي يتدفق عطفا حتى على أعدائه.