قراءةٌ في سطور عاشوراء
القراءة المستفيضة في السطور العاشورائية لنهضة أبي الضيم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) على مستوى التأمل والتجسيد الحي، تنير البصائرَ، وتقوّي عرى الإيمان بمنهجية الرفضِ لكلِّ أشكال الظلم والإستبداد، وإن كانت الأثمانُ غالية في هذا السبيل، وعزيزة على النفس فقدها.. لكنها تستمدُّ وحي الإيثار في سبيل العقيدة والمبدأ الحقّ، من عطاء الحسين الخالد، ذلك العطاء المطلق الذي لاتحدّه حدود، وتستعصي المسميات عن الوقوف على كنه الحقيقة فيه، فتكون عندها الدموعُ وسيلتنا للقرب، كيف لا؟ وهي التي تغسلُ إنسانيتنا من شوائب الخطيئة، وتجلو مرآة الفضيلة فينا، وهي بريدُ وصالنا بأحبّتنا وقادتنا أهل البيت (عليهم السلام)، وهي المواساةُ نسقيها دموعاً، فتفيضُ حدائقُ الأحزان ولاءً في الدنيا، وشفاعة ونجاة في الآخرة، (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ).
وعلى كرور الأيام والأزمان، تأخذ الفاجعةُ وقعتَها في ضمير الأمة ووجدان الإنسانية، فتنسابُ يراعاتُنا ولهى على صرعى الطفوف، ونقتفي أثرَ الشوق إلى آيات الله وهي تسيل دماً نجيعاً على ثرى الطف المنصهر بعبق الفداء، في يوم أراده اللهُ (جلّ في علاه) أعظمَ يوم في التاريخ، بما ادّخر من معان إلهية، تثري طلاب الوحدانية له سبحانه، مابقيت شمس أو قمر..
لذا كانت السطورُ التي خُطّت عبر التاريخ البشري عن نهضته المباركة، أسفاراً كُتب لها الحياة، وماهي إلا زكاة لتلك الأقلام النبيلة، كي تسمو إلى مراتب الكمال الروحي والعقائدي؛ فالنهجُ الحسيني الخالد، هو السبيل لنبقى أصحاء من كل الإنحرافات والتيارات المناهضة المعادية ليس فقط للإسلام، وإنما لإنسانيتنا كمرتكز يجب التعويل عليه في الدفاع عن منظومتنا الفكرية والعقائدية..
وبعد مئات السنين، ماذا أنتجت لنا عاشوراء، تلك المدرسةُ السامية الفذّة التي ترقى بالنفوس إلى الذوبان الكلي في حبّ الله سبحانه: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ)؟
لقد أنتجت فكراً نابضاً يسري في الصدور، تتلاقفه الأجيالُ، وتترنمُ به العصور؛ لأن المشروعَ كان سماوياً، ولم يكن وليدَ لحظة ارتجالية، وهو في أعناق الأنبياء والمرسلين منذ بدء الخليقة، حتى توارث الذرية الطاهرة من آل الرسول (عليهم السلام) تلك المنهجية الإصلاحية، قال أبو عبد الله (عليه السلام): (لن تشذّ عن رسول الله لحمته، بل هي مجموعة له في حظيرة القدس، تقر بهم عينه، وينجز بهم وعده..).
لقد أرادوها ذلة وأرادها الحسين عزة، وما هو الثمن؟ هل هو الموت.. وهو الذي لامناص منه آجلاً أم عاجلاً..! وقد بيّنها أبو الأحرار (عليه السلام) في دستوره الخالد: (خُطَّ الموتُ على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة)، فلماذا لانموت أحراراً..؟ فلا يُقاس نجاحُ التغيير بالنصر الدنيوي الزائل، بل أن تسجل موقفاً وأنت على بصيرة من أمرك.. لذا كانت عاشوراءُ مدرسة تعبوية للجهاد الإصلاحي، والفداء من أجل الحرية والكرامة.. ودائماً وأبداً نتعلّمُ منها تلك النفحات العظيمة من دروس التضحية والإيثار..
ومن كانت عاشوراءُ مدرسته العقائدية، فسوف تترسخُ لديه معاني الإباء والثبات على المبادئ والأسس الإسلامية التي تأبى الذلّ والخنوع للطغاة، ولحكام الجور على مرّ التاريخ؛ فالتربية العاشورائية تربية رصينة، تعلّم الإجيالَ الإمتلاءَ الروحي والوجداني، وتغرسُ لديهم قوة الشخصية، وحبّ الإنتماء للسائرين على درب العبودية لله (جلّ وعلا)، ونهج الأئمة الأطهار من ذرية الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
تعليق