فاجعةُ الطَّف الكبرى
للشاعر: محمّد حسين الصغير
فاجعةُ الطَّف الكبرى
سَما عِظَماً تاريخُك الأنْجُمَ الزُّهْـرَا |
وفاضَ بهاءً تَسْتَضيءُ بِهِ الذِّكـرى |
|
وسارَ مَعَ الأجيالِ فـي نَهَضاتِهـا |
لغاياتِها القُصْوى فتابعَتِ المَسْـرى |
|
وخَطَّ على التاريخ بالنُّورِ صَفْحـةً |
بِلأْلائِهـا شَعَّـتْ بطولتُـك الغَـرّا |
|
وأمْلى على الأحرارِ دَرساً مُخَلَّـداً |
فأرْهَفها ذهنـاً، وحَرَّرهـا فِكـرا |
|
وفاضَ جِهاداً.. ضمَّخَ الأُفْقَ فجرُهُ |
دماءً بها الإسلامُ قـد أدرك الثَّـأْرا |
|
وشَقَّ طريقَ القائدين إلـى العُلـى |
صِراطاً سَويّاً طاوَلَ الشمسَ والبدرا |
|
نَسيرُ بـهِ نَحـوَ الكرامـةِ والإبـا |
لِنبلُغَ فيه الفتحَ مهمـا عَـلا قَـدْرا |
* * *
الهاشميون والأنصاروقدَّسـتُ عــزمَ الثائـريـن وإنَّــهُ |
لَعَزمٌ حَـوى الفتـحَ المُؤبَّـدَ والنصـرا |
|
تَعـالـى مِـثـالاً عَبْقـريّـاً مُقـدَّسـاً |
على الكَونِ قد خَطَّتْ رَوائعُـه سطـرا |
|
وفاحَ بنَشْـرِ الطِّيـبِ منهجُـه عِطـرا |
وأشـرقَ بالأبـرارِ مَطلعُـه فـجـرا |
|
إلـى أنْ سَـرى للهِ، وازدانَ مَـوكِـبٌ |
مِن الحقِّ فيـه خلَّـدَ المجـدَ والفَخـرا |
|
تَوافـدَتِ الأطهـارُ مِـن آلِ هـاشِـمٍ |
بساحتِـهِ الحمـراء، وابتَسَمَـت ثَغـرا |
|
وأشرقَـتِ الأنصـارُ فـيـه كواكـبـاً |
تُبـدِّدُ شمـلَ الليـلِ أنوارُهـا الزَّهـرا |
|
وشَمّـرَتِ الأردانَ للمـوتِ، وارتمَـتْ |
بمُعتـرَكِ الأقْـرانِ، وانْتَضَـتِ البُتْـرا |
|
لهـا اللهُ مِـنْ مُشتاقـةٍ نحـوَ حَتفِهـا |
أطَلَّت بسُوحِ الحربِ كالأُسْدِ إذ تَضـرى |
|
حَدا بِهـمُ حـادي الجهـادِ، وضمَّهُـم |
لِواءُ ( أبي الأحرارِ ) للثورةِ الكُبـرى |
|
فخاضُوا غِمارَ المـوتِ فارتـاعَ مِنهـمُ |
وولّى، وأضحَت كَفُّـه مِنهـمُ صِفْـرا |
|
وما مـاتَ مَـنْ أحيـا الكفـاح بسيفِـهِ |
وألقَـحَ يَـومَ الطَّـفِّ ثورتَـه الحمـرا |
|
وأعطَوا إلى تلـك السيـوفِ حقوقَهـا |
فما اقترَفَـت ذنبـاً، ولا حُمِّلَـتِ وِزْرا |
|
وذادوا عن الإسلامِ وانتَقموا مِـن الـطْ |
طُغـاةِ: فـذا مُلْقًـى، وذلـكُـمُ فَــرّا |
|
وقـد ألقحُـوا شَعـواءَ يَقْـدَحُ زَنْدُهـا |
لَهيباً، أمـادَت فـي زلازلِهـا الغَبْـرا |
|
وصانُـوا حُسَينـاً بالنُّفُـوسِ كريـمـةً |
فأوسعَهُـم حَمـداً، وأبلَغَهـم شُـكـرا |
|
إلى أن قَضَوا للمجدِ والسيـفِ واجبـاً |
هَوَوا، فتَهاوَت مِن قَراراتِها ( الشِّعْرى ) |
* * *
العبّاس بن عليّ عليه السلامتَبسَّـم مِضمـارُ الكـرامـةِ وافْـتَـرّا |
إلى طَلعةِ العبّاسِ، يا لكِ مِن بُشـرى! |
|
فتًـى شيَّـدَ الدِّيـنَ الحنيـفَ بسيـفِـهِ |
وقَوَّضَ في إقدامِـه الشِّـركَ والكفُـرا |
|
رأى الجَورَ والطُغيانَ في الأرضِ شائعاً |
فكوَّر مِن أرجائِهـا الظلـمَ والجَـورا |
|
نَضَا السيفَ والخَطِّيَّ دونَ ابـنِ فاِطِـمٍ |
فزُلزلتِ الغَبرا، وأُرجِفـتِ الخَضـرا |
|
وغَبَّـر فـي تلـك الجُمـوع مُجاهـداً |
فجَدَّل مِـن أعدائـهِ الفَيلـقَ المُجْـرا |
|
وصـالَ بعـزمِ يمـلأ البِيـدَ رهـبـةً |
ويترك عقلَ الصِّيـدِ مُضطرِبـاً ذُعـرا |
|
وجَـرَّدَ بَتّـاراً علـى القـوم مُرهَفـاً |
تَلفَّعـتِ الأبطـالُ ضربتَـهُ النَّـكْـرا |
|
إلى أن ذَكَت نارُ الحَـروبِ وأجّجَـت |
بكـلِّ فُـؤادٍ مِـن شرارتِهـا جَـمْـرا |
|
تمكَّنَـتِ الأعـداءُ مـنـه، فقَطَّـعَـت |
بأسيافِهـا يُمنـى يَدَيـهِ مَـع اليُسـرى |
|
وخَـرَّ صريعـاً للثَّـرى بعدمـا أتـى |
على كلِّ بـاغٍ نَفْسُـه تحصـد الشَّـرّا |
|
وسار إلى الفِردَوسِ يَسْتَبِـقُ الخُطـى |
مَشُوقاً إلى الأُخرى، فسبحانَ مَن أسرى |
* * *
الحسين عليه السلام يخطب بأهل الكوفةولمّـا تَهـاوَت كالكواكـبِ فتيـةٌ |
وأحكَمَت الأعداءُ في نحرِها النَّحْرا |
|
وصَـوَّحَ مَيـدانُ البطولـةِ مِنهـمُ |
وأضْحَت سماءُ العِزِّ مِن بعدِهِم قَفْرا |
|
خطبتَ بهاتيـك الجمـوعِ مُذَكِّـراً |
لها النَّشْرَ والهَولَ المُحتَّمَ والحشرا |
|
وعيَّنتَ مِنهم بالخطـابِ مَعاشِـراً |
دَعَوك لتأتي نَحوَهم مُسرِعاً جَهْـرا |
|
:ألَـم تَكتبُـوا: أن هَلُـم فأرضُنـا |
لقد أينَعَت غَرْساً، وقد أفرَعَتْ بَذْرا |
|
ولكنَّهُـم عمّـا تـقـولُ بشـاغِـلِ |
فأرواحُهم تَستهدفُ المالَ والتِّبْـرا |
|
وأنفسُهم بالبغيِ قـد مُلِّئَـت كُفْـرا |
وأسماعُهم بالغيِّ قد حُشِّدَتْ وَقْـرا |
|
فلمّا رأيتَ الوعـظَ أخفـقَ سعيُـهُ |
وباءت بُعقبى الأمرِ صفقتُه خُسْـرا |
|
تَرجَّلتَ للمـوتِ الـزُّؤام بعَزْمـةٍ |
مُؤجَّجةٍ، لم تُبقِ مَكـراً ولا غَـدْرا |
|
وقام خطيباً فيهُمُ السيـفُ مُصْلَتـاً، |
فيالكَ يومَ الرَّوعِ مِن خُطبةٍ غَـرّا! |
* * *
الحسين عليه السلام يباشر الحرب بنفسه ويسلِّم روحه الطاهرةتَرامى أبو الأحرارِ وسْطَ الوغى حُـرّا |
وقابلَ مسروراً بهـا البِيـضَ والسُّمْـرا |
|
وهَـزَّ ميـاديـنَ الجـهـادِ مُجـاهـداً |
وحـامَ عليهـا فـي بطولتِـهِ صَقُـرا |
|
فضَجَّت به الأبطـالُ مذعـورةً فِكْـرا |
وجرَّعها بالسيفِ طعـمَ الـرَّدى مُـرّا |
|
ففرَّت مَغاويرُ الـرَّدى منـه، وارتَمْـت |
على الأرْضِ.. لا نَفْعاً تُعيدُ ولا ضُـرّا |
|
وأظهَرَ فـي يَـومِ الطُّفـوفِ شَجاعـةً |
لوالـدِهِ الكـرّار قـد نُسِبَـت فَـخْـرا |
|
فلَم يَبـقَ بيـتٌ فـي العراقَيـنِ أهلَـهُ |
مِن الثُّكـلِ إلاّ أذرفَ الأدمُـعَ الحُمـرا |
|
وقـد مُلِئَـت تلـك الرُّبـوعُ نَوائحـاً: |
فذي قد بَكَت صِنْواً، وذي قد نَعَت صِهْرا |
|
إلى أن أتَى الأشرارُ مِـن كُـلِّ جانـبٍ |
عليك، وقـد خفَّـت جُيوشُهُـمُ تَتْْـرى |
|
حَدا بِهِـمُ الشيطـانُ والإثـمُ والهـوى |
فقد أثكلُوا رغمَ الهُدى البَضعةَ الزَّهْـرا |
|
ومُتَّ كريـمَ النفـسِ لـم تَلْـوِ كاهِـلاً |
إلـى الـذُّلِّ مَيمـونَ النَّقيبـةِ مُسْتَـرَّا |
|
ورَضَّت جيادُ الظُّلـمِ صَـدرَك جَهـرةً |
ولم يَكُ صدراً بل لِسرِّ الهُـدى سِفْـرا |
* * *
أُسرة الحسين عليه السلام في الأَسْروبَعـدَك حَمَّـت بالنسـاءِ نَــوازلٌ |
وقِيـدَت لأوغـادٍ فراعِنـةٍ أَسْــرى |
|
وأضْحَت تُعاني الويلَ والضَّيمَ والذُّعْرا |
وأمسَت تُقاسي الذُّلَّ والقيدَ والأَسْـرا |
|
وعادَت بحالٍ يتـرك الحُـرَّ ذاهـلاً |
فقد أُبرِزَت في صُورةٍ تُذهِـلُ الحُـرّا |
|
وقد ضُرِبَت ظُلماً، وقد أُرهِقَت قَسْـرا |
وقد جُرِّعَت سُمًّا، وقد أُلْعِقَت صَبْـرا |
|
فَمَن مُبلِغُ ( المهديِّ ) عنّـي رسالـةً |
لِعُظْمِ شَجاها لم يُطِقْهـا فمـي نَشْـرا |
|
أتُغضِـي عيـونُ الهاشميّيـن بُرهـةً |
على الضَّيم، والموتورُ يطلبُ الوِتْرا! |
|
فهـلاّ حَمَـوا آلَ النَّبـيِّ ورَهْطَـهُ، |
وفي كربـلا طُلَّـت دماؤُهُـمُ هَـدْرا |
|
وقد أُبِرِزَت تلـك الوَقُـورُ بمجلـسٍ |
يَتيهُ ( يزيدُ ) المُوبقـاتِ بـهِ كِبْـرا! |
* * *
ألمُ الفاجعة وختامُهامُصابٌ لدَيَهِ السَّمعُ يَستعـذبُ الوَقْـرا |
وصوتٌ مِن الأهوالِ قد أثقَلَ الدَّهْـرا |
|
ويومٌ مِن الأشجانِ قد قَصَـمَ الظَّهْـرا |
وسَيلٌ مِن الأحزانِ قد أَفعم الصَّـدْرا |
|
فَيا طَرْفِـيَ الهامـي تَفَجَّـرْ مَدامعـاً |
لِرُزْءِ أبـيِّ الضَّيـمِ ساكبـةً حَمْـرا |
|
ويا قلبـيَ الدامـي تَسَعَّـرْ فَجائعـاً |
بيومِ أبـي الأحـرارِ لاهبـةً جَمْـرا |
|
ويا شِعْريَ الظامـيَ تَمَطَّـرْ روائعـاً |
لنازلةٍ في الطَّـفِّ حَيَّـرَتِ الشِّعْـرا |
|
ويا صبريَ السامي تَضَعْضَعْ لِصاعِقٍ |
أناخَ بما ضـاقَ الفُـؤادُ بـهِ صَبْـرا |
|
ويـا نَـوحُ جَـدِّدْ للحُسْيـنِ مَراثيـاً |
لِداهيـةٍ دَهْمـاءَ أذْهـلَـتِ الفِـكْـرا |
|
نَضاءلَتِ الأحداثُ عَن عُمـقِ وقْعِهـا |
فكانت ـ لَعَمْرُ الحَقِّ ـ حادثةً بِكْـرا |
|
فما كان أشْجاهـا بهـا مِـن فجائـعٍ |
قلوبُ بني الزهراءِ أضْحَت بها حَرّى! |
|
وما كـان أبكاهـا بهـا مِـن فظائـعٍ |
عيونُ رسولِ اللهِ أضْحَت بها عَبْرى! |
( من ديوانه: ديوان أهل البيت عليهم السلام:174 ـ 181، نشر: مؤسّسة البلاغ ـ بيروت، الطبعة: الأولى ـ سنة 1430 هـ / 2009 م )
تعليق