السيده زينب .. المرأة العظيمة
يعترف للمرأة بدورها الخلفي المساعد في صناعة العظماء وإبرازهم ، حيث لاحظ العقلاء حضوراً مميّزاً للمرأة في حياة الكثيرين من العظماء والزعماء الناجحين ، فقالوا : (خلف كلّ عظيم امرأة) .ولكن هل يعني ذلك أنّ حظ المرأة من العظمة هو في حدود دورها الخلفي ( اللّوجستي ) , وأنّها غير مؤهلة للعظمة ذاتاً ؟ أم ماذا ؟إنّ العظمة تعني وجود مواصفات نفسية عالية ، وامتلاك كفاءات ذهنية وعملية متقدّمة ، وإحداث تأثير فعلي هام على ساحة الحياة . وبهذا المعنى للعظمة لا
شيء يقصر بالمرأة عن بلوغ درجتها . والتاريخ يخلّد لنا ذكرى العديد من النساء اللاتي ارتقين سنام العظمة وبلغن ذروتها ، كما لا يخلو حاضر البشرية من نماذج نسائية عظيمة .وتأتي السيّدة زينب في طليعة ومقدمة النساء العظيمات في
تاريخ الإنسانية . .صبر وشجاعةمعروف أنّ المرأة تمتاز برقة المشاعر ، وشفافية العواطف ، ما يساعدها على القيام بدور الأمومة الحانية ؛ لذلك يكون تأثيرها العاطفي أسرع وأعمق من الرجل غالباً .وإذا كانت تلك الحالة تمثّل الاستعداد
الأولي في نفس المرأة ، فلا يعني ذلك أنّها تأسر المرأة وتقعد بها عن درجات الصمود والصبر العالية .فبإمكان المرأة حينما تمتلك قوّة الإرادة ، ونفاذ الوعي ، وسمو الهدف ، أن تضرب أروع الأمثلة في الصبر والشجاعة أمام المواقف الصعبة
القاسية .وهذا ما أثبتته السيّدة زينب في مواجهتها للآلام والأحداث العنيفة التي صدمتها في باكر حياتها ، وكانت هي الختم لسنوات عمرها .لقد أبدت السيّدة زينب تجلّداً وصبراً قياسياً في واقعة كربلاء ، وما أعقبها من مصائب السبي ,
ولازالت ذاكرة التاريخ تسجل لها ذلك الموقف البطولي في قصر عبيد الله ابن زياد عندما اراد اللعين ان يحط من قدر اهل البيت (ع) بعد ان وصفهم بالخوارج,وكذلك لاينسى التاريخ موقفها البطولي في قصر طاغية عصرها يزيد ابن معاويه
لعنه الله حيث انهالت عليه بخطبة حيدريه اذلت بها جبروته وتسلطه وايقضت بها ضمير الامه وقلبت موازين الامور مما اضطر يزيد ابن معاويه لعنه الله الى ارجاع ال النبي صلى الله عليه واله الى المدينة .عفّة ومهابةعفّة المراة لا تعني
الانكفاء والانطواء ، ولا تعني الجمود والإحجام عن تحمّل المسؤولية وممارسة الدور الاجتماعي ، وقد رأينا السيّدة زينب وهي تمارس دورها الاجتماعي في أعلى المستويات ، وإنما تعني العفّة عدم الابتذال ، وتعني حفاظ المرأة على رزانتها
وجدّية شخصيتها أمام الآخرين ، فإذا استلزم الأمر أن تخرج المرأة إلى ساحة المعركة فلا تتردّد في ذلك ، وإذا كانت هناك مصلحة في التخاطب مع الرجال فلا مانع ، وهكذا في سائر المجالات النافعة والمفيدة . ولنتأمل الآن ما يقوله أحد
المعاصرين للسيده زينب(ع) ، والمجاورين لمنزلها برهة من الزمن ؛ ليتّضح لنا معنى العفّة والاحتشام عند السيّدة زينب .حدّث يحيى المازني قال : كنت في جوار أمير المؤمنين (عليه السّلام) في المدينة مدّة مديدة ، وبالقرب من البيت الذي
تسكنه زينب ابنته ، فلا والله ما رأيت لها شخصاً , ولا سمعت لها صوتاً ، وكانت إذا أرادت الخروج لزيارة جدّها رسول الله تخرج ليلاً ، والحسن (عليه السّلام) عن يمينها , والحسين (عليه السّلام) عن شمالها , وأمير المؤمنين (عليه السّلام)
أمامها ، فإذا قربت من القبر الشريف سبقها أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأخمد ضوء القناديل ، فسأله الحسن (عليه السّلام) مرّة عن ذلك ، فقال (عليه السّلام) : (( أخشى أن ينظر أحد إلى شخص أختك زينب )) .زهد وعطاءكانت زينب تعيش
في كنف زوجها عبد الله بن جعفر في المدينة ، وهو رجل موسر غني ، وباذل كريم ـ كما سبق الحديث عنه ـ لكن حياة الراحة والرفاه حيث البيت الواسع والخدم والحشم ، والمال والثروة ، لم تتمكن من قلب السيّدة زينب ، فتخلّت عن كلّ تلك
الأجواء المريحة ، واختارت السفر مع أخيها الحسين (عليه السّلام) حيث المصاعب والمشاق والآلام المتوقّعة . لم يكن قلب زينب متعلّقاً بشيء من متاع الدنيا ، بل كانت نفسها منشدّة إلى آفاق السمو والرفعة .وروي عن الإمام زين العابدين
(عليه السّلام) أنّه قال عنها : (( إنّها ما ادّخرت شئياً من يومها لغدها أبداً )) .ونُقل عنها أنّها كانت أثناء سفر الأسر إلى الشام تتنازل في غالب الأيّام عن حصّتها من الطعام لصالح الأطفال الجائعين والجائعات من الأسارى ، وتطوي يومها
جائعة ، حتى إنّ الجوع كان يقعد بها عن التمكّن من أداء صلاة الليل قياماً فتؤديها وهي جالسة .
منقول