عاش الأئمّة (عليهم السّلام) في بيت الوحي والرسالة، فعايشوا وقائع الإسلام الغيبيّة والشهوديّة، إذْ واكبوا نزولَ القرآن الكريم بآياته وسوره آناً آناً، وعلموا المُحْكَمات من المتشابِهات فيه، والناسخَ والمنسوخ، والظاهر والباطن، وعرفوا تأويله كما عرفوا تنزيله.
وكيف لا؟ وهم مَن حدّثوا الناس بالقرآن وبالوحي، وفسّروا آيات الكتاب المجيد، وكشفوا بيانه وبعض أسراره، بعد أن وَعَوْه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ووقفوا على آثاره.
عن الحكَم بن عُيَينة قال: لقيَ رجلٌ الحسينَ بن عليّ (عليهما السّلام) بالثعلبيّة وهو يريد كربلاء، فدخل عليه فسلّم عليه، فقال له الحسين (عليه السّلام):
- مِن أيّ البلدان أنت؟
- مِن أهل الكوفة.
- يا أخا أهل الكوفة، أمَا واللهِ لو لقيتُك بالمدينةِ لأريتُك أثرَ جبرئيل من دارنا ونزوله على جدّي بالوحي.. يا أخا الكوفة، مستقى العلم مِن عندنا، أفعَلِمُوا وجَهِلْنا؟! هذا ما لا يكون (1).
وتدور الأيّام، فيروي شيخ من أهل الكوفة يقول: رأيتُ عليَّ بن الحسين (عليه السّلام) بمنى، فقال لي: مِمّن الرجل؟ فقلت: رجلٌ من أهل العراق، فقال لي:
- يا أخا أهل العراق، أما لو كنتَ عندنا بالمدينة لأريناك مواطن جبرئيل مِن دُوَيرنا، استقانا الناسُ العلم، فتراهم عَلِموا وجَهِلْنا؟! (2)
ويحدّث يحيى بن عبد الله بن الحسن صاحب الديلم يقول: سمعتُ جعفرَ بن محمّد (عليه السّلام) يقول - وعنده أُناس مِن أهل الكوفة -:
- عجباً للناس أنّهم أخذوا علمهم كلَّه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فعملوا به واهتدوا، ويَرَون أنّ أهل بيته لم يأخذوا علمَه ونحن أهلُ بيته وذُرّيّتُه، في منازلنا نزل الوحي، ومِن عندنا خرج العلم إليهم، أفيَرون أنّهم علموا واهتدَوا وجَهِلْنا نحن وضَللْنا؟! إنّ هذا لَمُحال (3).
وقد خصّ الله (تبارك وتعالى) أهلَ بيت النبوّة (صلوات الله عليهم) بآيات، عناهم فيها، وثبّت فيها فضائلهم وخصائصهم، داعياً المسلمين إلى فَهْم ذلك.. وكان الإمام الحسين (عليه السّلام) معنيّاً بجملةٍ وافرةٍ مِن آيات الذِّكر الحكيم، قد وعاها المسلمون، واشتهرت بين الصحابة وتناقلها الرواة لساناً عن لسان وروايةً عن رواية وكتاباً عن كتاب.
إليكم - أيّها الإخوة الأعزّة - باقة عاطرة منها:
• الآيات:
* الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه:
﴿فتلقّى آدمُ مِن ربِّه كلماتٍ فتابَ عليه إنّه هو التوّابُ الرحيم﴾ (4).
1 ـ العمدة: بإسناده إلى ابن المغازلي من مناقبه، عن أحمد بن محمّد بن عبد الوهّاب، عن محمّد بن عثمان، عن محمّد بن سليمان، عن محمّد بن علي بن خلف، عن حسين الأشقر، عن عثمان بن أبي المقدام، عن أبيه، عن ابن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: سُئل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، قال: «سأله بحقّ محمّدٍ وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ ما تبت عليّ، فتاب عليه» (5).
2 ـ فراتٌ قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن عبيدٍ قال: حدّثنا الحسن بن جعفرٍ قال: حدّثنا الحسين بن سواد [سوار] قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله قال: حدّثنا شجاع بن الوليد أبو بدرٍ السكوني قال: حدّثنا سليمان بن مهران الأعمش عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لمّا نزلت الخطيئة بآدم وأُخرج من الجنّة، أتاه جبرئيل (عليه السّلام) فقال: يا آدم! أُدعُ ربّك، قال: يا حبيبي جبرئيل! ما أدعو؟ قال: قل: رَبِّ أسألك بحقّ الخمسة الّذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان، إلاّ تبت عليّ ورحمتني، فقال له آدم (عليه السّلام): يا جبرئيل! سَمِّهم لي، قال: قل: ربّ أسألك بحقّ محمّدٍ نبيّك، وبحقّ عليٍّ وصيّ نبيّك، وبحقّ فاطمة بنت نبيّك، وبحقّ الحسن والحسين سبطَي نبيّك، إلاّ تبت عَلَيّ. فدعا بهنّ آدم فتاب الله عليه، وذلك قول الله تعالى جلّ ذكره: ﴿فتلقّى آدمُ مِن ربّهِ كلماتٍ فتاب عليه﴾، وما من عبدٍ مكروبٍ يُخلص النيّة ويدعو بهنّ إلاّ استجاب الله له» (6).
3 ـ وروى صاحب "الدرّ الثمين" في تفسير قوله تعالى: ﴿فتلقّى آدمُ مِن ربّه كلماتٍ﴾؛ أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبيّ والأئمّة (عليهم السّلام)، فلقّنه جبرئيل، قل: "يا حميد بحقّ محمّدٍ، يا عالي بحقّ عليٍّ، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن والحسين، ومنك الإحسان"، فلمّا ذُكر الحسينُ سالت دموعه وانخشع قلبه وقال: «يا أخي جبرئيل! في ذِكْر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي!»، قال جبرئيل: "ولدُك هذا يصاب بمصيبةٍ تصغر عندها المصائب"، فقال: «يا أخي وما هي؟!»، قال: "يُقتَل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً، ليس له ناصرٌ ولا معينٌ، ولو تراه يا آدم وهو يقول: وا عطشاه، وا قلّة ناصراه! حتّى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان، فلم يجبه أحدٌ إلاّ بالسيوف وشرب الحتوف (7)، فيُذبح ذبح الشاة من قَفاه، ويَنهب رحلَه أعداؤه، وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان، كذلك سبق في علم الواحد المنّان"، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثَّكلى (8). * موسى يضرب الحجر بعصاه، فتَنفجر اثنا عشر عيناً:
﴿وإذِ استسقى موسى لقومِه فقلنا آضربْ بعصاك الحَجَر فانفجرت منه آثنتا عشرةَ عَيناً قد علِمَ كلُّ أُناسٍ مشربَهم كُلُوا واشربوا من رزقِ اللهِ ولا تَعثَوا في الأرضِ مُفسِدين﴾ (9).
4 ـ عن التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)؛ قال الله تعالى: ﴿وإذِ استسقى موسى لقومه﴾، قال: واذكروا يا بني اسرائيل إذ استسقى موسى لقومه، طلب لهم السقي لمّا لحقهم العطش في التيه وضجّوا بالبكاء إلى موسى وقالوا: هلكنا بالعطش، فقال موسى: «إلهي.. بحقّ محمّدٍ سيّد الأنبياء، وبحقّ عليٍّ سيّد الأوصياء، وبحقّ فاطمة سيّدة النساء، وبحقّ الحسن سيّد الأولياء، وبحقّ الحسين سيّد الشهداء، وبحقّ عترتهم وخلفائهم سادة الأزكياء، لمّا سقيت عبادك هؤلاء»، فأوحى الله تعالى: يا موسى اضرب بعصاك الحجر، فضربه بها فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، قد علم كلُّ أُناسٍ (كلّ قبيلةٍ من بني أبٍ من أولاد يعقوب) مَشربَهم، فلا يزاحم الآخرين في مشربهم (10). * الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم الخليل (عليه السّلام):
﴿وإذِ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ فأتمّهنّ قال إنّي جاعلُك للناسِ إماماً قال ومِن ذرّيّتي قال لا ينالُ عهدي الظالمين﴾ (11).
5 ـ الدقّاق، عن حمزة العلوي، عن الفزاري، عن محمّد بن الحسين الزيّات، عن الأزدي، عن المفضّل، عن الصادق جعفر بن محمّدٍ (عليه السّلام) قال: سألته عن قول الله (عزّ وجلّ): ﴿وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ﴾، ما هذه الكلمات؟ قال: «هي الكلمات الّتي تلقّاها (12) آدم من ربّه فتاب عليه، وهو إنّه قال: يا ربّ! أسألك بحقّ محمّدٍ وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تُبتَ علَيّ، فتاب الله عليه إنّه هو التوّاب الرحيم»، فقلت له: يا ابن رسول الله، فما يعني (عزّ وجلّ) بقوله: أتمّهنّ؟ قال: «يعني أتمّهن إلى القائم (عليه السّلام) اثنَي عشر إماماً، تسعةٌ من ولد الحسين (عليه السّلام)» (13).
* الشهداء على الناس:
﴿وكذلك جَعَلْناكم أُمّةً وَسَطاً لتكونوا شهداءَ على النّاس ويكونَ الرّسولُ عليكم شهيداً﴾ (14).
6 ـ الحسين بن العبّاس وجعفر بن محمّد بن سعيدٍ، عن الحسن بن الحسين، عن عمرو بن المقدام، عن ميمون البان مولى بني هاشمٍ، عن أبي جعفرٍ (عليه السّلام)، في قول الله تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أُمّةً وسطاً لتكونوا شهداءَ على النّاس ويكونَ الرّسول عليكم شهيداً﴾، قال أبو جعفرٍ (عليه السّلام): «منّا شهيدٌ على كلّ زمانٍ؛ عليّ بن أبي طالبٍ في زمانه، والحسن (عليه السّلام) في زمانه، والحسين (عليه السّلام) في زمانه، وكلّ من يدعو منّا إلى أمر الله» (15).
* أبناء الرسول في المباهلة مع نصارى نجران:
﴿فمَن حاجّك فيه مِن بعد ما جاءك مِن العلمِ فقل تعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم وأنفسَنا وأنفسَكم ثمّ نبتهلْ فنجعلْ لعنةَ اللهِ على الكاذبين﴾ (16).
7 ـ تأويله وسبب نزوله، أنّ وفد نجران من النصارى قدم المدينة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقالوا له: هل رأيت ولداً بغير أبٍ؟ فلم يجبهم حتّى نزل قوله تعالى: ﴿إنّ مَثَلَ عيسى عند اللهِ كمَثَلِ آدمَ خَلَقه مِن ترابٍ ثمّ قال له كنْ فيكون * الحقُّ مِن ربِّك فلا تكنْ مِن المُمْتَرين (17) * فمن حاجّك فيه﴾ الآية.. فلمّا نزلت، دعاهم إلى المباهلة (18) فأجابوه، فخرج النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) آخذاً بيد عليٍّ والحسنُ والحسين بين يديه، وفاطمة (عليها السّلام) وراءه، فلمّا رآهم الأسقف - وكان رئيسهم - سأل: مَن هؤلاء الّذين معه؟ فقيل: هذا عليّ بن أبي طالبٍ ابن عمّه وزوج ابنته فاطمة هذه، وهذان ولداهما، فقال الأُسقف لأصحابه: إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيٌ إلى يوم القيامة. ثمّ قال الأُسقف للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسّلم): يا أبا القاسم، إنّا لا نباهلك ولكن نصالحك، فصالِحْنا على ما ننهض به. فصالحهم على ألفي حلّةٍ وثلاثين رمحاً وثلاثين درعاً وثلاثين فرساً، وكتب لهم بذلك كتاباً ورجعوا إلى بلادهم، وقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «والّذي نفسي بيده، لو يلاعنوني لمُسخوا قردةً وخنازير، واصطرم (19) الوادي عليهم ناراً، ولما حال الحول على النصارى حتّى يهلكوا كلّهم» (20).
8 ـ أخبرنا جماعةٌ منهم أبو الحسن أحمد بن محمّد بن سليمان بقراءتي عليه، قال: أخبرنا أبو العبّاس الميكالي، قال: حدّثنا عبدان الأهوازي، قال: حدّثنا يحيى بن حاتم العسكري، قال: حدّثنا بشر بن مهران، قال: حدّثنا محمّد بن دينارٍ، قال: حدّثنا داوود بن أبي هندٍ، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله، قال: قدم على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) العاقب والسيّد، فدعاهما إلى الإسلام، فتلاحيا (21) وردّا عليه، فدعاهما إلى الملاعنة، فواعداه على أن يعادياه بالغداة، فغدا رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأخذ بيد عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين، ثمّ أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا وأقرّا له بالخراج، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «والّذي بعثني بالحقّ، لو فعلا لأُمطر عليهما الوادي ناراً»، وفيهم نزلت: ﴿فقل تعالَوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم﴾. قال الشعبي: قال جابر: أنفسنا رسول الله وعليّ بن أبي طالبٍ، وأبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة (عليهم السّلام). ورواه أيضاً عن يحيى بن حاتم، أبو بكر بن أبي داود، وورد أيضاً عن حذيفة بن اليمان كما في تفسير السبيعي وفي التفسير العتيق أيضاً (22).
* إطاعة الله والرسول واُولي الأمر منكم:
﴿يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللهَ وأطيعو الرسولَ وأُولي الأمر منكم فإن تنازَعْتُم في شيءٍ فرُدّوه إلى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون باللهِ واليومِ الآخِرِ ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلا﴾ (23).
9 ـ غير واحدٍ من أصحابنا، عن محمّد بن همّامٍ، عن جعفرٍ الفزاري، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحارث، عن المفضّل، عن يونس بن ظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: لمّا أنزل الله (عزّ وجل) على نبيّه: ﴿يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأُولي الأمرِ منكم﴾، قلت: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمَن أُولو الأمر الّذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ قال: «هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالبٍ، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليٍّ، المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر! فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّدٍ، ثمّ موسى بن جعفرٍ، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ عليّ بن محمّدٍ، ثمّ الحسن بن عليٍّ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده، ابن الحسن بن عليٍّ، ذاك الّذي يفتح الله (تعالى ذِكرُه) على يديه مشارقَ الأرض ومغاربها، ذاك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبةً لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان». قال: فقال جابر: يا رسول الله، فهل ينتفع الشيعة به في غيبته؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إي والّذي بعثني بالنبّوة، إنّهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جلّلها السحاب. يا جابر! هذا مكنون سرّ الله ومخزون علمه، فاكتمه إلاّ عن أهله» (24).
10 ـ عن أبان انّه دخل على أبي الحسن الرضا (عليه السّلام)، قال: فسألته عن قول الله: ﴿يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم﴾، فقال: «ذلك عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه)»، ثمّ سكت، فلمّا طال سكوته قلت: ثمّ مَن؟ قال: «ثمّ الحسن (عليه السّلام)»، ثمّ سكت، فلمّا طال سكوته قلت: ثمّ من؟ قال: «الحسين»، قلت: ثمّ من؟ قال: «ثمّ عليّ بن الحسين»، وسكت، فلم يزل يسكت عن كلّ واحدٍ حتّى أُعيد المسألة فيقول، حتّى سمّاهم إلى آخرهم (25).
* الصدّيقون والصالحون:
﴿ومَن يُطعِ اللهَ والرسولَ فأُولئك مع الّذين أنعَمَ اللهُ عليهم مِن النبيّين والصِّدّيقين والشهداءِ والصالحين وحَسُنَ أُولئك رفيقاً﴾ (26).
11 ـ من كتاب "مصباح الأنوار" لشيخ الطائفة، بإسناده عن أنس بن مالكٍ قال: صلّى بنا رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بعض الأيّام صلاة الفجر، ثمّ أقبل علينا بوجهه الكريم، فقلت له: يا رسول الله، إن رأيتَ أن تفسّر لنا قوله تعالى: ﴿فأُولئك مع الّذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً﴾، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أمّا النبيّون فأنا، وأمّا الصدّيقون فأخي عليٌّ (عليه السّلام)، وأمّا الشهداء فعمّي حمزة، وأمّا الصالحون فابنتي فاطمة وأولادها الحسن والحسين (عليهم السّلام)»، قال: وكان العبّاس حاضراً، فوثب وجلس بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال: ألسنا أنا وأنت وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين من نبعةٍ (27) واحدةٍ؟ قال: «وما ذاك يا عمّ؟»، قال: لأنّك تعرّف بعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين دوننا، قال: فتبسّم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال: «أمّا قولك يا عمّ: ألسنا من نبعةٍ واحدةٍ؟ فصدقت، ولكن يا عمّ، إنّ الله خلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم (عليه السّلام)، حين لا سماءٌ مبنيّةٌ ولا أرضٌ مدحيّةٌ (28) ولا ظلمةٌ ولا نورٌ ولا شمسٌ ولا قمرٌ ولا جنّةٌ ولا نارٌ»، فقال العبّاس: وكيف كان بَدءُ خلقكم يا رسول الله؟ فقال: «يا عمّ، لمّا أراد الله أن يخلقنا تكلّم بكلمةٍ خلق منها نوراً، ثمّ تكلّم بكلمةٍ أُخرى فخلق منها روحاً، ثمّ مزج النور بالروح فخلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام)، فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح، ونقدّسه حين لا تقديس.. فلمّا أراد الله تعالى إن ينشئ (29) الصنعة، فتق (30) نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري ونوري من نور الله ونوري أفضل من العرش، ثمّ فتق نور أخي عليٍّ فخلق منه الملائكة، فالملائكة من نور أخي عليٍّ ونورُ عليٍّ من نور الله وعليٌّ أفضل من الملائكة، ثمّ فتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة ونور ابنتي فاطمة من نور الله تعالى وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض، ثمّ فتق نور ولدي الحسن وخلق منه الشمس والقمر، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ونورُ ولدي الحسن من نور الله والحسنُ أفضل من الشمس والقمر، ثمّ فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنّة والحور العين، فالجنّة والحور العين من نور ولدي الحسين ونور ولدي الحسين من نور الله فولدي الحسين أفضل من الجنّة والحور العين» (31).
* بيعة غدير خُمّ:
﴿اليوم أكملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضِيتُ لكمُ الإسلامَ دِيناً فمَنِ آضْطُرّ في مَخْمصةٍ غيرَ متجانِفٍ لإثمٍ فإنّ اللهَ غفورٌ رحيم﴾ (32).
12 ـ في كتاب "كمال الدين"، بإسناده إلى سُلَيم بن قيسٍ الهلالي، عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد، أيّام حكم عثمان: «فأُنشدكم بالله في قول الله: ﴿يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم﴾ (33)، وقوله: ﴿إنّما وليُّكمُ اللهُ ورسولُه والّذين آمنوا الّذين يُقيمون الصلاةَ ويُؤتُون الزكاةَ وهم راكعون﴾ (34)» الآية.. ثمّ قال: «﴿ولم يتّخذوا من دونِ اللهِ ولا رسولهِ ولا المؤمنين وليجةً﴾ (35)، فقال الناس: يا رسول الله، أخاصٌّ لبعض المؤمنين أم عامٌ لجميعهم؟ فأمر الله (عزّ وجلّ) رسولَه أن يعلّمهم وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وحجّهم، فنصبني للناس بغدير خمٍّ، وقال: إنّ الله أرسلني برسالةٍ ضاق بها صدري وظننت أنّ الناس مكذّبيّ بها، فأوعدني لأُبلغنّها أو يعذّبني، قم يا عليّ! ثمّ نادى بأعلى صوته بعد أن أمر بلالاً أن ينادي بالصلاة جامعةً، فصلّى بهم الظهر، ثمّ قال: أيّها الناس! إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، مَن كنتُ مَولاه فعليٌّ مولاه، اللّهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله. فقام إليه سلمان الفارسي، فقال: يا رسول الله، ولاؤه في ماذا؟ فقال: ولاؤه كوِلايتي، من كنت أولى به من نفسه فعليٌّ أولى به من نفسه. وأنزل الله: ﴿اليومَ أكملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلامَ ديناً﴾، فقال سلمان: يا رسول الله، أنزلت هذه الآيات في عليٍّ خاصةً؟ فقال: فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة. فقال سلمان: يا رسول الله، بيّنهم لنا، فقال: عليٌّ أخي ووزيري ووصيّي وصنوي ووارثي وخليفتي في أُمّتي ووليّ كلّ مؤمنٍ بعدي، وأحد عشر إماماً من ولده: الحسن ثم الحسين ثمّ تسعةٌ من ولد الحسين، واحدٌ بعد واحدٍ، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه حتّى يردوا علَيّ الحوض». فقام اثنا عشر رجلاً من البدريّين، فقالوا: نشهد أنّا سمعنا ذلك من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما قلت سواءً، لم تزد حرفاً ولم تنقص حرفاً، وقال بقيّة السبعين: قد سمعنا ذلك ولم نحفظه كلّه، وهؤلاء الاثنا عشر خيارنا وأفضلنا، فقال: «صدقتم، ليس كلّ الناس يحفظ، بعضهم أحفظ من بعضٍ» (36).
* حزب الله:
﴿ومَن يتولَّ اللهَ ورسولَه والّذين آمنوا فإنّ حزبَ اللهِ همُ الغالبون﴾ (37).
13 ـ ما رواه موسى بن عقبة، أنّه أمر معاويةُ الحسينَ أن يخطب، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ، فسُمع رجلٌ يقول: مَن هذا الذي يخطب؟ فقال (عليه السّلام): «نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله الأقربون، وأهل بيته الطيّبون، وأحد الثقلين الّذين جعلنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثاني كتاب الله تعالى، فيه تفصيلُ كلّ شيءٍ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوّل علينا في تفسيره لا يبطئنا تأويله، بل نتّبع حقائقه، فأطيعونا، فإنّ طاعتنا مفروضةٌ إذ كانت بطاعة الله مقرونةٌ، قال الله تعالى: ﴿أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأُولي الأمر منكم﴾ (38)، وقال: ﴿ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم﴾ (39)، وأُحذّركم الإصغاء (40) إلى هتوف (41) الشيطان، فإنّه لكم عدوٌ مبينٌ، فتكونوا كأوليائه الّذين قال لهم: ﴿لا غالبَ لكمُ اليومَ مِن الناسِ وإنّي جارٌ لكم﴾ (42)، فتلقون للسيوف ضرباً وللرماح (43) ورداً (44) وللعمد (45) حطماً (46) وللسهام غرضاً (47)، ثمّ لا يُقبَل من نفسٍ إيمانها لم تكن آمنت من قبل». قال معاوية: حسبك أبا عبد الله، فقد أبلغت (48).
* رجال الأعراف:
﴿وبينَهما حِجابٌ وعلى الأعرافِ رجالٌ يَعرِفون كُلاًّ بسِيماهم ونادَوا أصحابَ الجنّة أن سلامٌ عليكم لم يَدخلوها وهم يَطْمعون﴾ (49).
14 ـ محمّد بن الفضل بن جعفر بن الفضل العبّاس، مُعَنْعِناً عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: ﴿وعلى الأعراف (50) رجالٌ يعرفون كلاًّ بسِيماهم﴾، قال: النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ بن أبي طالبٍ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام) على سُورٍ بين الجنّة والنار، يعرفون المحبّين لهم ببياض الوجوه، والمبغضين لهم بسواد الوجوه (51).
15 ـ عليّ بن الحسن، عن هارون بن موسى، عن الحسين بن أحمد بن شيبان القزويني، عن أحمد بن عليٍّ العبدي، عن عليّ بن سعد بن مسروقٍ، عن عبد الكريم بن هلال بن أسلم المكّي، عن أبي الطفيل، عن أبي ذرٍ قال: سمعتُ فاطمة (عليها السّلام) تقول: «سألتُ أبي عن قول الله (تبارك وتعالى): ﴿وعلى الأعراف رجالٌ يَعرفون كلاًّ بسيماهم﴾، قال: هم الأئمّة بعدي؛ عليٌّ وسبطاي وتسعةٌ من صُلْب الحسين، هم رجال الأعراف، لا يدخل الجنّة إلاّ من يعرفهم ويعرفونه، ولا يدخل النار إلاّ من أنكرهم وينكرونه، لا يُعرَف الله تعالى إلاّ بسبيل معرفتهم» (52).
* الشجرة الطيّبة:
﴿ألَمْ تَرَ كيف ضرَبَ اللهُ مَثَلاً كلمةً طيّبةً كشجرةٍ طيّبةٍ أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء﴾ (53).
16 ـ جماعةٌ من أصحابنا، عن محمّد بن همّامٍ، عن جعفرٍ الفزاري، عن جعفر بن إسماعيل الهاشمي، عن خاله محمّد بن عليٍّ، عن عبد الرحمن بن حمّادٍ، عن عمر بن يزيد السابري قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السّلام) عن هذه الآية: ﴿أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء﴾، قال: «أصلها رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفرعها أمير المؤمنين (عليه السّلام)، والحسن والحسين ثمرها، وتسعةٌ من ولد الحسين أغصانها، والشيعة ورقها.. واللهِ إنّ الرجل منهم ليموت فتسقط ورقةٌ من تلك الشجرة». قلتُ: قوله (عزّ وجلّ): ﴿تُؤتي أُكُلَها كلَّ حينٍ﴾؟ قال: «ما يخرج من علم الإمام إليكم في كلّ حجٍّ وعمرة» (54).
* المتوسّمون:
﴿إنَّ في ذلك لآياتٍ للمُتَوَسِّمين﴾ (55).
17 ـ تميمٌ القرشي، عن أبيه، عن أحمد بن عليٍّ الأنصاريّ، عن الحسن بن الجهم قال: حضرتُ مجلس المأمون يوماً وعنده عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام)، وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة، فسأله بعضهم فقال له: يا ابن رسول الله، بأيّ شيءٍ تصحّ الإمامة لمدّعيها؟ قال: «بالنصّ والدلائل»، قال له: فدلالة الإمام فيما هي؟ قال: «في العلم واستجابة الدعوة»، قال: فما وجه إخباركم بما يكون؟ قال: «ذلك بعهدٍ معهودٍ إلينا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»، قال: فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس؟ قال (عليه السّلام): «أما بلغك قول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله؟»، قال: بلى، قال: «فما من مؤمن إلاّ وله فراسةٌ ينظر بنور الله على قَدْر إيمانه ومَبْلَغ استبصاره وعلمه، وقد جمع الله للأئمّة منّا ما فرّقه في جميع المؤمنين، وقال (عزّ وجلّ) في كتابه: ﴿إنَّ في ذلك لآياتٍ للمُتوسِّمين﴾ (56)، فأوّل المتوسّمين رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثمَّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) من بعده، ثمّ الحسن والحسين والأئمّة من وُلْد الحسين إلى يوم القيامة» (57).
* أهل الذِّكر:
﴿وما أرسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلاّ رجالاً نُوحي إليهم فاسألوا أهلَ الذِّكْرِ إن كنتم لا تعلمون﴾ (58).
18 ـ عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: ﴿فاسألوا أهلَ الذِّكْر...﴾، قال: هو محمّدٌ وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام)، وهم أهل الذكر والعلم والعقل والبيان، وهم أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختَلَف (59) الملائكة، والله ما سُمِّي المؤمن مؤمناً إلاّ كرامةً لأمير المؤمنين (عليه السّلام) (60).
* المصلّون المرحومون:
﴿وأْمُرْ أهلَكَ بالصلاةِ واصْطَبِرْ عليها لا نسئلُك رِزقاً نحنُ نَرزُقُك والعاقبةُ للتقوى﴾ (61).
19 ـ محمّد بن العبّاس، عن عبد العزيز بن يحيى، عن محمّد بن عبد الرحمن بن سلام، عن عبد الله بن عيسى بن مصقلة القمّي، عن زرارة، عن أبي جعفرٍ، عن أبيه (عليه السّلام) في قول الله (عزّ وجلّ): ﴿وأمرْ أهلَك بالصلاةِ واصطبرْ عليها﴾، قال: «نزلت في عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام). كان رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يأتي باب فاطمة كلّ سَحْرةٍ فيقول: السلام عليكم أهلَ البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاةَ يرحمكمُ الله، إنّما يُريد اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكُم تطهيراً» (62).
* المؤمنون المفلحون:
﴿قد أفلح المؤمنون﴾ (63).
20 ـ قال محمّد بن العبّاس (رحمه الله): حدّثنا محمّد بن همّامٍ، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود، عن الإمام موسى بن جعفرٍ (عليه السلام) في قول الله (عزّ وجلّ): ﴿قد أفلحَ المؤمنون * الّذين هُم في صَلاتِهم خاشعون﴾ - إلى قوله - ﴿الّذين يَرثون الفِردوسَ هم فيها خالدون﴾، قال: «نزلت في رسول الله وفي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين)» (64).
* هم الفائزون:
﴿إنّي جَزَيتُهمُ اليومَ بما صَبروا إنّهم همُ الفائزون﴾ (65).
يتبع ..........
وكيف لا؟ وهم مَن حدّثوا الناس بالقرآن وبالوحي، وفسّروا آيات الكتاب المجيد، وكشفوا بيانه وبعض أسراره، بعد أن وَعَوْه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ووقفوا على آثاره.
عن الحكَم بن عُيَينة قال: لقيَ رجلٌ الحسينَ بن عليّ (عليهما السّلام) بالثعلبيّة وهو يريد كربلاء، فدخل عليه فسلّم عليه، فقال له الحسين (عليه السّلام):
- مِن أيّ البلدان أنت؟
- مِن أهل الكوفة.
- يا أخا أهل الكوفة، أمَا واللهِ لو لقيتُك بالمدينةِ لأريتُك أثرَ جبرئيل من دارنا ونزوله على جدّي بالوحي.. يا أخا الكوفة، مستقى العلم مِن عندنا، أفعَلِمُوا وجَهِلْنا؟! هذا ما لا يكون (1).
وتدور الأيّام، فيروي شيخ من أهل الكوفة يقول: رأيتُ عليَّ بن الحسين (عليه السّلام) بمنى، فقال لي: مِمّن الرجل؟ فقلت: رجلٌ من أهل العراق، فقال لي:
- يا أخا أهل العراق، أما لو كنتَ عندنا بالمدينة لأريناك مواطن جبرئيل مِن دُوَيرنا، استقانا الناسُ العلم، فتراهم عَلِموا وجَهِلْنا؟! (2)
ويحدّث يحيى بن عبد الله بن الحسن صاحب الديلم يقول: سمعتُ جعفرَ بن محمّد (عليه السّلام) يقول - وعنده أُناس مِن أهل الكوفة -:
- عجباً للناس أنّهم أخذوا علمهم كلَّه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فعملوا به واهتدوا، ويَرَون أنّ أهل بيته لم يأخذوا علمَه ونحن أهلُ بيته وذُرّيّتُه، في منازلنا نزل الوحي، ومِن عندنا خرج العلم إليهم، أفيَرون أنّهم علموا واهتدَوا وجَهِلْنا نحن وضَللْنا؟! إنّ هذا لَمُحال (3).
وقد خصّ الله (تبارك وتعالى) أهلَ بيت النبوّة (صلوات الله عليهم) بآيات، عناهم فيها، وثبّت فيها فضائلهم وخصائصهم، داعياً المسلمين إلى فَهْم ذلك.. وكان الإمام الحسين (عليه السّلام) معنيّاً بجملةٍ وافرةٍ مِن آيات الذِّكر الحكيم، قد وعاها المسلمون، واشتهرت بين الصحابة وتناقلها الرواة لساناً عن لسان وروايةً عن رواية وكتاباً عن كتاب.
إليكم - أيّها الإخوة الأعزّة - باقة عاطرة منها:
• الآيات:
* الكلمات التي تلقّاها آدم من ربّه:
﴿فتلقّى آدمُ مِن ربِّه كلماتٍ فتابَ عليه إنّه هو التوّابُ الرحيم﴾ (4).
1 ـ العمدة: بإسناده إلى ابن المغازلي من مناقبه، عن أحمد بن محمّد بن عبد الوهّاب، عن محمّد بن عثمان، عن محمّد بن سليمان، عن محمّد بن علي بن خلف، عن حسين الأشقر، عن عثمان بن أبي المقدام، عن أبيه، عن ابن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: سُئل النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه فتاب عليه، قال: «سأله بحقّ محمّدٍ وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ ما تبت عليّ، فتاب عليه» (5).
2 ـ فراتٌ قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن عبيدٍ قال: حدّثنا الحسن بن جعفرٍ قال: حدّثنا الحسين بن سواد [سوار] قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله قال: حدّثنا شجاع بن الوليد أبو بدرٍ السكوني قال: حدّثنا سليمان بن مهران الأعمش عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): «لمّا نزلت الخطيئة بآدم وأُخرج من الجنّة، أتاه جبرئيل (عليه السّلام) فقال: يا آدم! أُدعُ ربّك، قال: يا حبيبي جبرئيل! ما أدعو؟ قال: قل: رَبِّ أسألك بحقّ الخمسة الّذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان، إلاّ تبت عليّ ورحمتني، فقال له آدم (عليه السّلام): يا جبرئيل! سَمِّهم لي، قال: قل: ربّ أسألك بحقّ محمّدٍ نبيّك، وبحقّ عليٍّ وصيّ نبيّك، وبحقّ فاطمة بنت نبيّك، وبحقّ الحسن والحسين سبطَي نبيّك، إلاّ تبت عَلَيّ. فدعا بهنّ آدم فتاب الله عليه، وذلك قول الله تعالى جلّ ذكره: ﴿فتلقّى آدمُ مِن ربّهِ كلماتٍ فتاب عليه﴾، وما من عبدٍ مكروبٍ يُخلص النيّة ويدعو بهنّ إلاّ استجاب الله له» (6).
3 ـ وروى صاحب "الدرّ الثمين" في تفسير قوله تعالى: ﴿فتلقّى آدمُ مِن ربّه كلماتٍ﴾؛ أنّه رأى ساق العرش وأسماء النبيّ والأئمّة (عليهم السّلام)، فلقّنه جبرئيل، قل: "يا حميد بحقّ محمّدٍ، يا عالي بحقّ عليٍّ، يا فاطر بحقّ فاطمة، يا محسن بحقّ الحسن والحسين، ومنك الإحسان"، فلمّا ذُكر الحسينُ سالت دموعه وانخشع قلبه وقال: «يا أخي جبرئيل! في ذِكْر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي!»، قال جبرئيل: "ولدُك هذا يصاب بمصيبةٍ تصغر عندها المصائب"، فقال: «يا أخي وما هي؟!»، قال: "يُقتَل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً، ليس له ناصرٌ ولا معينٌ، ولو تراه يا آدم وهو يقول: وا عطشاه، وا قلّة ناصراه! حتّى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان، فلم يجبه أحدٌ إلاّ بالسيوف وشرب الحتوف (7)، فيُذبح ذبح الشاة من قَفاه، ويَنهب رحلَه أعداؤه، وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان ومعهم النسوان، كذلك سبق في علم الواحد المنّان"، فبكى آدم وجبرئيل بكاء الثَّكلى (8). * موسى يضرب الحجر بعصاه، فتَنفجر اثنا عشر عيناً:
﴿وإذِ استسقى موسى لقومِه فقلنا آضربْ بعصاك الحَجَر فانفجرت منه آثنتا عشرةَ عَيناً قد علِمَ كلُّ أُناسٍ مشربَهم كُلُوا واشربوا من رزقِ اللهِ ولا تَعثَوا في الأرضِ مُفسِدين﴾ (9).
4 ـ عن التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)؛ قال الله تعالى: ﴿وإذِ استسقى موسى لقومه﴾، قال: واذكروا يا بني اسرائيل إذ استسقى موسى لقومه، طلب لهم السقي لمّا لحقهم العطش في التيه وضجّوا بالبكاء إلى موسى وقالوا: هلكنا بالعطش، فقال موسى: «إلهي.. بحقّ محمّدٍ سيّد الأنبياء، وبحقّ عليٍّ سيّد الأوصياء، وبحقّ فاطمة سيّدة النساء، وبحقّ الحسن سيّد الأولياء، وبحقّ الحسين سيّد الشهداء، وبحقّ عترتهم وخلفائهم سادة الأزكياء، لمّا سقيت عبادك هؤلاء»، فأوحى الله تعالى: يا موسى اضرب بعصاك الحجر، فضربه بها فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً، قد علم كلُّ أُناسٍ (كلّ قبيلةٍ من بني أبٍ من أولاد يعقوب) مَشربَهم، فلا يزاحم الآخرين في مشربهم (10). * الكلمات التي ابتلى الله بها إبراهيم الخليل (عليه السّلام):
﴿وإذِ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ فأتمّهنّ قال إنّي جاعلُك للناسِ إماماً قال ومِن ذرّيّتي قال لا ينالُ عهدي الظالمين﴾ (11).
5 ـ الدقّاق، عن حمزة العلوي، عن الفزاري، عن محمّد بن الحسين الزيّات، عن الأزدي، عن المفضّل، عن الصادق جعفر بن محمّدٍ (عليه السّلام) قال: سألته عن قول الله (عزّ وجلّ): ﴿وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلماتٍ﴾، ما هذه الكلمات؟ قال: «هي الكلمات الّتي تلقّاها (12) آدم من ربّه فتاب عليه، وهو إنّه قال: يا ربّ! أسألك بحقّ محمّدٍ وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين إلاّ تُبتَ علَيّ، فتاب الله عليه إنّه هو التوّاب الرحيم»، فقلت له: يا ابن رسول الله، فما يعني (عزّ وجلّ) بقوله: أتمّهنّ؟ قال: «يعني أتمّهن إلى القائم (عليه السّلام) اثنَي عشر إماماً، تسعةٌ من ولد الحسين (عليه السّلام)» (13).
* الشهداء على الناس:
﴿وكذلك جَعَلْناكم أُمّةً وَسَطاً لتكونوا شهداءَ على النّاس ويكونَ الرّسولُ عليكم شهيداً﴾ (14).
6 ـ الحسين بن العبّاس وجعفر بن محمّد بن سعيدٍ، عن الحسن بن الحسين، عن عمرو بن المقدام، عن ميمون البان مولى بني هاشمٍ، عن أبي جعفرٍ (عليه السّلام)، في قول الله تعالى: ﴿وكذلك جعلناكم أُمّةً وسطاً لتكونوا شهداءَ على النّاس ويكونَ الرّسول عليكم شهيداً﴾، قال أبو جعفرٍ (عليه السّلام): «منّا شهيدٌ على كلّ زمانٍ؛ عليّ بن أبي طالبٍ في زمانه، والحسن (عليه السّلام) في زمانه، والحسين (عليه السّلام) في زمانه، وكلّ من يدعو منّا إلى أمر الله» (15).
* أبناء الرسول في المباهلة مع نصارى نجران:
﴿فمَن حاجّك فيه مِن بعد ما جاءك مِن العلمِ فقل تعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم وأنفسَنا وأنفسَكم ثمّ نبتهلْ فنجعلْ لعنةَ اللهِ على الكاذبين﴾ (16).
7 ـ تأويله وسبب نزوله، أنّ وفد نجران من النصارى قدم المدينة على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقالوا له: هل رأيت ولداً بغير أبٍ؟ فلم يجبهم حتّى نزل قوله تعالى: ﴿إنّ مَثَلَ عيسى عند اللهِ كمَثَلِ آدمَ خَلَقه مِن ترابٍ ثمّ قال له كنْ فيكون * الحقُّ مِن ربِّك فلا تكنْ مِن المُمْتَرين (17) * فمن حاجّك فيه﴾ الآية.. فلمّا نزلت، دعاهم إلى المباهلة (18) فأجابوه، فخرج النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) آخذاً بيد عليٍّ والحسنُ والحسين بين يديه، وفاطمة (عليها السّلام) وراءه، فلمّا رآهم الأسقف - وكان رئيسهم - سأل: مَن هؤلاء الّذين معه؟ فقيل: هذا عليّ بن أبي طالبٍ ابن عمّه وزوج ابنته فاطمة هذه، وهذان ولداهما، فقال الأُسقف لأصحابه: إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيٌ إلى يوم القيامة. ثمّ قال الأُسقف للنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسّلم): يا أبا القاسم، إنّا لا نباهلك ولكن نصالحك، فصالِحْنا على ما ننهض به. فصالحهم على ألفي حلّةٍ وثلاثين رمحاً وثلاثين درعاً وثلاثين فرساً، وكتب لهم بذلك كتاباً ورجعوا إلى بلادهم، وقال النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «والّذي نفسي بيده، لو يلاعنوني لمُسخوا قردةً وخنازير، واصطرم (19) الوادي عليهم ناراً، ولما حال الحول على النصارى حتّى يهلكوا كلّهم» (20).
8 ـ أخبرنا جماعةٌ منهم أبو الحسن أحمد بن محمّد بن سليمان بقراءتي عليه، قال: أخبرنا أبو العبّاس الميكالي، قال: حدّثنا عبدان الأهوازي، قال: حدّثنا يحيى بن حاتم العسكري، قال: حدّثنا بشر بن مهران، قال: حدّثنا محمّد بن دينارٍ، قال: حدّثنا داوود بن أبي هندٍ، عن الشعبي، عن جابر بن عبد الله، قال: قدم على النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) العاقب والسيّد، فدعاهما إلى الإسلام، فتلاحيا (21) وردّا عليه، فدعاهما إلى الملاعنة، فواعداه على أن يعادياه بالغداة، فغدا رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأخذ بيد عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين، ثمّ أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا وأقرّا له بالخراج، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «والّذي بعثني بالحقّ، لو فعلا لأُمطر عليهما الوادي ناراً»، وفيهم نزلت: ﴿فقل تعالَوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم﴾. قال الشعبي: قال جابر: أنفسنا رسول الله وعليّ بن أبي طالبٍ، وأبناءنا الحسن والحسين، ونساءنا فاطمة (عليهم السّلام). ورواه أيضاً عن يحيى بن حاتم، أبو بكر بن أبي داود، وورد أيضاً عن حذيفة بن اليمان كما في تفسير السبيعي وفي التفسير العتيق أيضاً (22).
* إطاعة الله والرسول واُولي الأمر منكم:
﴿يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللهَ وأطيعو الرسولَ وأُولي الأمر منكم فإن تنازَعْتُم في شيءٍ فرُدّوه إلى اللهِ والرسولِ إن كنتم تؤمنون باللهِ واليومِ الآخِرِ ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلا﴾ (23).
9 ـ غير واحدٍ من أصحابنا، عن محمّد بن همّامٍ، عن جعفرٍ الفزاري، عن الحسن بن محمّد بن سماعة، عن أحمد بن الحارث، عن المفضّل، عن يونس بن ظبيان، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: لمّا أنزل الله (عزّ وجل) على نبيّه: ﴿يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأُولي الأمرِ منكم﴾، قلت: يا رسول الله، عرفنا الله ورسوله، فمَن أُولو الأمر الّذين قرن الله طاعتهم بطاعتك؟ قال: «هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالبٍ، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليٍّ، المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر! فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّدٍ، ثمّ موسى بن جعفرٍ، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليٍّ، ثمّ عليّ بن محمّدٍ، ثمّ الحسن بن عليٍّ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده، ابن الحسن بن عليٍّ، ذاك الّذي يفتح الله (تعالى ذِكرُه) على يديه مشارقَ الأرض ومغاربها، ذاك الّذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبةً لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان». قال: فقال جابر: يا رسول الله، فهل ينتفع الشيعة به في غيبته؟ فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إي والّذي بعثني بالنبّوة، إنّهم لينتفعون به ويستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جلّلها السحاب. يا جابر! هذا مكنون سرّ الله ومخزون علمه، فاكتمه إلاّ عن أهله» (24).
10 ـ عن أبان انّه دخل على أبي الحسن الرضا (عليه السّلام)، قال: فسألته عن قول الله: ﴿يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم﴾، فقال: «ذلك عليّ بن أبي طالب (صلوات الله عليه)»، ثمّ سكت، فلمّا طال سكوته قلت: ثمّ مَن؟ قال: «ثمّ الحسن (عليه السّلام)»، ثمّ سكت، فلمّا طال سكوته قلت: ثمّ من؟ قال: «الحسين»، قلت: ثمّ من؟ قال: «ثمّ عليّ بن الحسين»، وسكت، فلم يزل يسكت عن كلّ واحدٍ حتّى أُعيد المسألة فيقول، حتّى سمّاهم إلى آخرهم (25).
* الصدّيقون والصالحون:
﴿ومَن يُطعِ اللهَ والرسولَ فأُولئك مع الّذين أنعَمَ اللهُ عليهم مِن النبيّين والصِّدّيقين والشهداءِ والصالحين وحَسُنَ أُولئك رفيقاً﴾ (26).
11 ـ من كتاب "مصباح الأنوار" لشيخ الطائفة، بإسناده عن أنس بن مالكٍ قال: صلّى بنا رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بعض الأيّام صلاة الفجر، ثمّ أقبل علينا بوجهه الكريم، فقلت له: يا رسول الله، إن رأيتَ أن تفسّر لنا قوله تعالى: ﴿فأُولئك مع الّذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً﴾، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أمّا النبيّون فأنا، وأمّا الصدّيقون فأخي عليٌّ (عليه السّلام)، وأمّا الشهداء فعمّي حمزة، وأمّا الصالحون فابنتي فاطمة وأولادها الحسن والحسين (عليهم السّلام)»، قال: وكان العبّاس حاضراً، فوثب وجلس بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال: ألسنا أنا وأنت وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين من نبعةٍ (27) واحدةٍ؟ قال: «وما ذاك يا عمّ؟»، قال: لأنّك تعرّف بعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين دوننا، قال: فتبسّم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال: «أمّا قولك يا عمّ: ألسنا من نبعةٍ واحدةٍ؟ فصدقت، ولكن يا عمّ، إنّ الله خلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق آدم (عليه السّلام)، حين لا سماءٌ مبنيّةٌ ولا أرضٌ مدحيّةٌ (28) ولا ظلمةٌ ولا نورٌ ولا شمسٌ ولا قمرٌ ولا جنّةٌ ولا نارٌ»، فقال العبّاس: وكيف كان بَدءُ خلقكم يا رسول الله؟ فقال: «يا عمّ، لمّا أراد الله أن يخلقنا تكلّم بكلمةٍ خلق منها نوراً، ثمّ تكلّم بكلمةٍ أُخرى فخلق منها روحاً، ثمّ مزج النور بالروح فخلقني وخلق عليّاً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام)، فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح، ونقدّسه حين لا تقديس.. فلمّا أراد الله تعالى إن ينشئ (29) الصنعة، فتق (30) نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري ونوري من نور الله ونوري أفضل من العرش، ثمّ فتق نور أخي عليٍّ فخلق منه الملائكة، فالملائكة من نور أخي عليٍّ ونورُ عليٍّ من نور الله وعليٌّ أفضل من الملائكة، ثمّ فتق نور ابنتي فاطمة فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة ونور ابنتي فاطمة من نور الله تعالى وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض، ثمّ فتق نور ولدي الحسن وخلق منه الشمس والقمر، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ونورُ ولدي الحسن من نور الله والحسنُ أفضل من الشمس والقمر، ثمّ فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنّة والحور العين، فالجنّة والحور العين من نور ولدي الحسين ونور ولدي الحسين من نور الله فولدي الحسين أفضل من الجنّة والحور العين» (31).
* بيعة غدير خُمّ:
﴿اليوم أكملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضِيتُ لكمُ الإسلامَ دِيناً فمَنِ آضْطُرّ في مَخْمصةٍ غيرَ متجانِفٍ لإثمٍ فإنّ اللهَ غفورٌ رحيم﴾ (32).
12 ـ في كتاب "كمال الدين"، بإسناده إلى سُلَيم بن قيسٍ الهلالي، عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)، أنّه قال في أثناء كلام له في جمع من المهاجرين والأنصار في المسجد، أيّام حكم عثمان: «فأُنشدكم بالله في قول الله: ﴿يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم﴾ (33)، وقوله: ﴿إنّما وليُّكمُ اللهُ ورسولُه والّذين آمنوا الّذين يُقيمون الصلاةَ ويُؤتُون الزكاةَ وهم راكعون﴾ (34)» الآية.. ثمّ قال: «﴿ولم يتّخذوا من دونِ اللهِ ولا رسولهِ ولا المؤمنين وليجةً﴾ (35)، فقال الناس: يا رسول الله، أخاصٌّ لبعض المؤمنين أم عامٌ لجميعهم؟ فأمر الله (عزّ وجلّ) رسولَه أن يعلّمهم وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم وصيامهم وزكاتهم وحجّهم، فنصبني للناس بغدير خمٍّ، وقال: إنّ الله أرسلني برسالةٍ ضاق بها صدري وظننت أنّ الناس مكذّبيّ بها، فأوعدني لأُبلغنّها أو يعذّبني، قم يا عليّ! ثمّ نادى بأعلى صوته بعد أن أمر بلالاً أن ينادي بالصلاة جامعةً، فصلّى بهم الظهر، ثمّ قال: أيّها الناس! إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم، مَن كنتُ مَولاه فعليٌّ مولاه، اللّهم والِ مَن والاه وعادِ مَن عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله. فقام إليه سلمان الفارسي، فقال: يا رسول الله، ولاؤه في ماذا؟ فقال: ولاؤه كوِلايتي، من كنت أولى به من نفسه فعليٌّ أولى به من نفسه. وأنزل الله: ﴿اليومَ أكملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلامَ ديناً﴾، فقال سلمان: يا رسول الله، أنزلت هذه الآيات في عليٍّ خاصةً؟ فقال: فيه وفي أوصيائي إلى يوم القيامة. فقال سلمان: يا رسول الله، بيّنهم لنا، فقال: عليٌّ أخي ووزيري ووصيّي وصنوي ووارثي وخليفتي في أُمّتي ووليّ كلّ مؤمنٍ بعدي، وأحد عشر إماماً من ولده: الحسن ثم الحسين ثمّ تسعةٌ من ولد الحسين، واحدٌ بعد واحدٍ، القرآن معهم وهم مع القرآن، لا يفارقونه حتّى يردوا علَيّ الحوض». فقام اثنا عشر رجلاً من البدريّين، فقالوا: نشهد أنّا سمعنا ذلك من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما قلت سواءً، لم تزد حرفاً ولم تنقص حرفاً، وقال بقيّة السبعين: قد سمعنا ذلك ولم نحفظه كلّه، وهؤلاء الاثنا عشر خيارنا وأفضلنا، فقال: «صدقتم، ليس كلّ الناس يحفظ، بعضهم أحفظ من بعضٍ» (36).
* حزب الله:
﴿ومَن يتولَّ اللهَ ورسولَه والّذين آمنوا فإنّ حزبَ اللهِ همُ الغالبون﴾ (37).
13 ـ ما رواه موسى بن عقبة، أنّه أمر معاويةُ الحسينَ أن يخطب، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبيّ، فسُمع رجلٌ يقول: مَن هذا الذي يخطب؟ فقال (عليه السّلام): «نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله الأقربون، وأهل بيته الطيّبون، وأحد الثقلين الّذين جعلنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثاني كتاب الله تعالى، فيه تفصيلُ كلّ شيءٍ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والمعوّل علينا في تفسيره لا يبطئنا تأويله، بل نتّبع حقائقه، فأطيعونا، فإنّ طاعتنا مفروضةٌ إذ كانت بطاعة الله مقرونةٌ، قال الله تعالى: ﴿أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأُولي الأمر منكم﴾ (38)، وقال: ﴿ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم﴾ (39)، وأُحذّركم الإصغاء (40) إلى هتوف (41) الشيطان، فإنّه لكم عدوٌ مبينٌ، فتكونوا كأوليائه الّذين قال لهم: ﴿لا غالبَ لكمُ اليومَ مِن الناسِ وإنّي جارٌ لكم﴾ (42)، فتلقون للسيوف ضرباً وللرماح (43) ورداً (44) وللعمد (45) حطماً (46) وللسهام غرضاً (47)، ثمّ لا يُقبَل من نفسٍ إيمانها لم تكن آمنت من قبل». قال معاوية: حسبك أبا عبد الله، فقد أبلغت (48).
* رجال الأعراف:
﴿وبينَهما حِجابٌ وعلى الأعرافِ رجالٌ يَعرِفون كُلاًّ بسِيماهم ونادَوا أصحابَ الجنّة أن سلامٌ عليكم لم يَدخلوها وهم يَطْمعون﴾ (49).
14 ـ محمّد بن الفضل بن جعفر بن الفضل العبّاس، مُعَنْعِناً عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: ﴿وعلى الأعراف (50) رجالٌ يعرفون كلاًّ بسِيماهم﴾، قال: النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ بن أبي طالبٍ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام) على سُورٍ بين الجنّة والنار، يعرفون المحبّين لهم ببياض الوجوه، والمبغضين لهم بسواد الوجوه (51).
15 ـ عليّ بن الحسن، عن هارون بن موسى، عن الحسين بن أحمد بن شيبان القزويني، عن أحمد بن عليٍّ العبدي، عن عليّ بن سعد بن مسروقٍ، عن عبد الكريم بن هلال بن أسلم المكّي، عن أبي الطفيل، عن أبي ذرٍ قال: سمعتُ فاطمة (عليها السّلام) تقول: «سألتُ أبي عن قول الله (تبارك وتعالى): ﴿وعلى الأعراف رجالٌ يَعرفون كلاًّ بسيماهم﴾، قال: هم الأئمّة بعدي؛ عليٌّ وسبطاي وتسعةٌ من صُلْب الحسين، هم رجال الأعراف، لا يدخل الجنّة إلاّ من يعرفهم ويعرفونه، ولا يدخل النار إلاّ من أنكرهم وينكرونه، لا يُعرَف الله تعالى إلاّ بسبيل معرفتهم» (52).
* الشجرة الطيّبة:
﴿ألَمْ تَرَ كيف ضرَبَ اللهُ مَثَلاً كلمةً طيّبةً كشجرةٍ طيّبةٍ أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء﴾ (53).
16 ـ جماعةٌ من أصحابنا، عن محمّد بن همّامٍ، عن جعفرٍ الفزاري، عن جعفر بن إسماعيل الهاشمي، عن خاله محمّد بن عليٍّ، عن عبد الرحمن بن حمّادٍ، عن عمر بن يزيد السابري قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السّلام) عن هذه الآية: ﴿أصلُها ثابتٌ وفرعُها في السماء﴾، قال: «أصلها رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفرعها أمير المؤمنين (عليه السّلام)، والحسن والحسين ثمرها، وتسعةٌ من ولد الحسين أغصانها، والشيعة ورقها.. واللهِ إنّ الرجل منهم ليموت فتسقط ورقةٌ من تلك الشجرة». قلتُ: قوله (عزّ وجلّ): ﴿تُؤتي أُكُلَها كلَّ حينٍ﴾؟ قال: «ما يخرج من علم الإمام إليكم في كلّ حجٍّ وعمرة» (54).
* المتوسّمون:
﴿إنَّ في ذلك لآياتٍ للمُتَوَسِّمين﴾ (55).
17 ـ تميمٌ القرشي، عن أبيه، عن أحمد بن عليٍّ الأنصاريّ، عن الحسن بن الجهم قال: حضرتُ مجلس المأمون يوماً وعنده عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام)، وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة، فسأله بعضهم فقال له: يا ابن رسول الله، بأيّ شيءٍ تصحّ الإمامة لمدّعيها؟ قال: «بالنصّ والدلائل»، قال له: فدلالة الإمام فيما هي؟ قال: «في العلم واستجابة الدعوة»، قال: فما وجه إخباركم بما يكون؟ قال: «ذلك بعهدٍ معهودٍ إلينا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»، قال: فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس؟ قال (عليه السّلام): «أما بلغك قول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله؟»، قال: بلى، قال: «فما من مؤمن إلاّ وله فراسةٌ ينظر بنور الله على قَدْر إيمانه ومَبْلَغ استبصاره وعلمه، وقد جمع الله للأئمّة منّا ما فرّقه في جميع المؤمنين، وقال (عزّ وجلّ) في كتابه: ﴿إنَّ في ذلك لآياتٍ للمُتوسِّمين﴾ (56)، فأوّل المتوسّمين رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ثمَّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) من بعده، ثمّ الحسن والحسين والأئمّة من وُلْد الحسين إلى يوم القيامة» (57).
* أهل الذِّكر:
﴿وما أرسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلاّ رجالاً نُوحي إليهم فاسألوا أهلَ الذِّكْرِ إن كنتم لا تعلمون﴾ (58).
18 ـ عن ابن عبّاسٍ في قوله تعالى: ﴿فاسألوا أهلَ الذِّكْر...﴾، قال: هو محمّدٌ وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام)، وهم أهل الذكر والعلم والعقل والبيان، وهم أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختَلَف (59) الملائكة، والله ما سُمِّي المؤمن مؤمناً إلاّ كرامةً لأمير المؤمنين (عليه السّلام) (60).
* المصلّون المرحومون:
﴿وأْمُرْ أهلَكَ بالصلاةِ واصْطَبِرْ عليها لا نسئلُك رِزقاً نحنُ نَرزُقُك والعاقبةُ للتقوى﴾ (61).
19 ـ محمّد بن العبّاس، عن عبد العزيز بن يحيى، عن محمّد بن عبد الرحمن بن سلام، عن عبد الله بن عيسى بن مصقلة القمّي، عن زرارة، عن أبي جعفرٍ، عن أبيه (عليه السّلام) في قول الله (عزّ وجلّ): ﴿وأمرْ أهلَك بالصلاةِ واصطبرْ عليها﴾، قال: «نزلت في عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السّلام). كان رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يأتي باب فاطمة كلّ سَحْرةٍ فيقول: السلام عليكم أهلَ البيت ورحمة الله وبركاته، الصلاةَ يرحمكمُ الله، إنّما يُريد اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرجسَ أهلَ البيتِ ويُطهِّرَكُم تطهيراً» (62).
* المؤمنون المفلحون:
﴿قد أفلح المؤمنون﴾ (63).
20 ـ قال محمّد بن العبّاس (رحمه الله): حدّثنا محمّد بن همّامٍ، عن محمّد بن إسماعيل، عن عيسى بن داود، عن الإمام موسى بن جعفرٍ (عليه السلام) في قول الله (عزّ وجلّ): ﴿قد أفلحَ المؤمنون * الّذين هُم في صَلاتِهم خاشعون﴾ - إلى قوله - ﴿الّذين يَرثون الفِردوسَ هم فيها خالدون﴾، قال: «نزلت في رسول الله وفي أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين)» (64).
* هم الفائزون:
﴿إنّي جَزَيتُهمُ اليومَ بما صَبروا إنّهم همُ الفائزون﴾ (65).
يتبع ..........
تعليق